}

التشكيلي السوري عادل داوود:من غنائية الجميل إلى جحيم القبيح

خليفة الدرعي 10 فبراير 2018

أثارت التجربة التشكيلية للفنان السوري عادل داوود، اللاجئ في فيينا،اهتماماً ملحوظاً من المشتغلين بالنقد الفني والجمالي. وهو ما يظهر جلياً في عدد المقالات التي تناولت تجربته في الصحافة العربية والدولية، لارتكازها الواضح على مفهومي التجريب والمجاوزة في بعديهما التشكيلي والإستيطيقي.

عادل داوود، من مواليد سنة 1980 ، تخرج من مركز الفنون التشكيلية في "الحسكة"، مسقط رأسه، ومن كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق.أقام معرضه الأول في قاعة "أرت هاوس"المعروفة، إلى جانب عدة معارض جماعية في عواصم عربية وأوروبية. تميزت أعماله الصباغية الأولى / المنجزة في سورية – ما قبل الحرب- بغنائية ظاهرة، تشتغل على تناسق اللون وتناغمه، متأثراً بالأسلوب الغنائي والرومنطيقي الذي يغيّب ما هو تشخيصي، مركزاً على اللون ودرجاته الضوئية في محاولة للوصول إلى جوهر الفن وروحه الخالصة.

في صيرورة عمله، تتبدى الفكرة الفنية وهي تتحرر من الإطارات الباردة التي قد تعيق تمظهرها الجمالي، حيث يتم تعويض غياب الشكل بمفردات تشكيلية أخرى كالحركة ودرجة اللون والعمق..ضمن بنية غنائية، تكتفي بإطارها الروحي الذي تستلهمه من الانطباعات العفوية للذات ومن الموسيقى.



يقول عادل داوود : " أركز في الجزء الأكبر من عملي الأول على الموسيقى وهارمونيا اللون".

وإذا كان الشكل الدال ، قد ظل غائباً في عمل الفنان، أو على أطراف الفكرة الفنية، وهي تتمظهر تشكيلياً في فضاء اللوحة، فإن حضوره في المرحلة الثانية (مرحلة اللجوء في فيينا) هو حضور خاطف، لكنه مكمل وأساسي لمشروعه الصباغي، الذي صار يجمع بين الأسلوبين: التعبيري/ المحتفي بشطحات الذات والتجريدي الذي يخضع لمنطق الشكل والتركيب.

حضورالشكل الدال في المرحلة الثانية، لهذه التجربة، تمثله "ثيمة الجسد" الناقص والممزق والمرسوم بشكل انطباعي، للتعبير عن حالات القلق والانفعال،  داخل هارمونيا لونية عنيفة،  يغلب عليها اللون الأحمر والرمادي... أجساد ممزقة أومخنوقة داخل علب صغيرة، تعبيراً عن ألم عميق، يقيد الجسد كرمز للحركة والحياة ويأزِّم ذاتية الفنان  وذاكرته كشاهد على أهوال الحرب والشتات السوري. يقول عادل داوود:  "موضوعة الحرب تهمني كثيرا وتنعكس في عملي دائما، عبر الألوان الحمراء والرمادية...الفرق بيني وبين الفنانين النمساويين في بلد اللجوء هو أنني أكثر عنفا وأذكرهم بفناني ما بعد الحرب العالمية الثانية ".

يبدو واضحاً في هذ ه المرحلة من اشتغاله، التوظيف التشكيلي لمفهوم "القبيح" في الفن، مما سينزل بأسلوبه الغنائي الحالم إلى واقع مادي بموسيقى جنائزية، كنوع من النقد لبشاعة العالم أمام أهوال الحرب ومعاناة اللجوء .

"القبيح" أكثر مادية و التصاقا بالواقع وصراعاته، وتوظيفه في الفن المعاصر تجاوز لوجهة النظر القديمة التي ترى أن "الجميل" هو التمظهر المعقول والوحيد للفكرة الجمالية، ناكرة تواجد القبح في الطبيعة والفن، بما يشكله من عدم انتظام للقواعد.


يحضر عنصر القبيح في الأعمال الفنية الأخيرة لعادل داوود، بمزج الأنماط والنشاز والتنافر، إلى جانب كسر معايير الدقة والتوازن، كمدخل أساسي للتجريب في صيرورته الواقعية، متاثرا بالمدرسة الألمانية التي تخلت عن وحدة "الجميل" و"الحسن" و"الحقيقي" بعد أن سادت لزمن طويل. حضور ينسلخ عن دلالاته الروحية المتعالية، ليصير شرطا حسيا للتشكيلي كي يتمظهر ماديا في واقعيته ويظهر مأساوية ما يجري في العالم.

ليس مهماً، كما هو معروف في الفن المعاصر، أن يكون التناقض في حاجة لأن ينتج عن الأطروحة المضادة لأن الجميل متعدد كفاية لكي ينتج تشكيلته الخاصة كمثال        :  iphigénie  l   لغوته حيث ليس ثمة الا شخصيات جميلة أو في la madone sixtine لـ"رفائيل" كلوحة دينية للعظمة والنبل والنعمة وبالطبع غياباً كلياً للقبح. من هنا فحاجة الفنان للقبيح في عمله كافية أيضاً  للتعبير عن موقفه من عالمه المادي، بعيداً عن الغنائية المثالية والكلاسيكية ولترسيم حدوده واختلافه بالمقارنة مع "الحسن" و" اللائق". لذلك نصطدم في لوحة عادل داوود، المنشغل بالشرط الإنساني والحرب، بهذا القدر الكبير من القسوة في تسويد القماشة، دون انتباه لأي تناغم لوني وأيضا بهذا التمزيق البارد للجسد

وأطرافه، إلى جانب التشتيت العنيف لعناصر اللوحة.

ألم يقل الشاعر والناقد الفني الألماني روسنكرنز: " الجحيم ليس فقط دينيا أو أخلاقيا.. إ نه أيضا جحيم جمالي".

 

 

*فنان تشكيلي وباحث من المغرب

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.