}

معرض لضياء العزاوي في عمَّان: مأثرة المختلف

سعد القصاب 6 ديسمبر 2017
تشكيل معرض لضياء العزاوي في عمَّان: مأثرة المختلف
عمل للفنان العراقي ضياء العزاوي

 

يستضيف "غاليري كريم- عمان" معرضاً شخصياً للفنان العراقي ضياء العزاوي، في الفترة بين 11نوفمبر/تشرين الثاني إلى 30 ديسمبر/كانون الأول. المعرض يحمل عنوان" شيء مختلف 2"، توصيفاً لممارسة تشكيلية اجتهدت في تقديم أعمال فنية محددة لجهة نوعها الفني، متمثلة بأعمال نحتية ومجسمات ملونة، نفذت بمواد وسيطة مختلفة (الريزن، البرونز، الإسمنت).

ثمة قدر من الاختلاف، يسعى الفنان العزاوي لتعزيزه، على مستوى الرؤية الجمالية والتجربة التشكيلية في معرضه هذا. بدءا من عنوان المعرض الذي يشير لمقاربة تعرّف بطبيعة الأعمال الفنية وخاصيتها التجريبية، فهو بخلاف معارض سابقة، انطوى على دلالة تعنى بموضوع التجربة، في بعدها الجمالي والإبداعي: معرضه الاستعادي عام 2016، في "متحف الفن العربي الحديث/الدوحة"، حمل عنوان قصيدة للشاعر العراقي فاضل العزاوي "أنا الصرخة، أي حنجرة ستعرفني". كما أن معرضه هذا، يخلو من اللوحات المسندية، والأعمال الطباعية، ودفاتر الرسم، التي درج على عرضها في معارض سابقة ولمدة ناهزت نصف قرن، وسيكتفي بإعمال النحت والمجسمات، التي ستعكس، كما يذكر في مقدمته التعريفية التي ضمها الكاتالوغ، حرصه الخاص على تحدي نفسه: "واعتماد رؤية جديدة في إطار مختلف من الإبداع".


الأعمال المعروضة بدأ بإنجازها منذ عام 2012، وما بعده. وهذه التجربة الثانية له، بعد معرضه الشخصي السابق، في أبوظبي "قاعة ميم- 2015"، وحمل عنوانا مماثلا "شيء مختلف 1".

 

تجربة الجميل

ثمة دافع تجريبي يكمن في أعمال "المجسمات"، مرة عبر تمظهرها الشكلي وبنائها الفني، الحاضرين بحيوية صورية لافتة، تتعدى الحد التقليدي للنوع الفني "لوحة، عمل نحتي". ومرة ثانية في خيارها الجمالي الذي يتمثل دلالة الطبيعة، أو فعلا إنسانيا فيها، ولكن ليس كمشهد تمثيلي، بل كخبرة جوانية تتأمل هذه الموجودات أو أثرها الخاص.

مجسَّمات تنتمي إلى نوعها الجمالي الخاص، ذات بنية مجردة، منزهة ومبتكرة، تضاهي بوجودها تمثلها المرئي والفريد. وكأن عنوان تلك الأعمال هو محتوى صورتها ومقصدها الفني. في معرضه ستحمل هذه المجسمات عناوين: "صورة زهرة"، "الفراشة"، "طائر ملون"، "دلالة العشق"، "مسلة".

تجتمع في مثل هذه المجسَّمات الخصائص الصورية في كتلة بنائية شاخصة، وعبر هيئات، مجسَّمة، ثلاثية الأبعاد، تمتاز بسطوح مستوية ومنحنية ودائرية وعلى نحو بارز أو غائر، تتداخل معاً في العمل الواحد. معتمدة على علاقات شكلية ذات منحى تجريدي، عدا عن كون أشكالها ذات طبيعة انسيابية تومئ إلى حركة داخلية في المنجز، تستأثر بتكوينات تجريدية، نفذت بمادة "الريزين".

حضورٌ صوريٌّ يعززه اللون الذي اتخذ صيغة التضاد، القائم على تباينات وتدرجات اللون الأزرق والأصفر، الأحمر والأخضر، الأسود والأبيض، وفق معالجة تؤثر النصاعة، وإبقاء المساحات الملونة محتفظة بسمتها الصريحة، والتي تتنوع وفق مبدأ التداخل والتجاور الشكلي والتصويري. عبر علاقات لونية وإخراج شكلي شديدة الثراء، ذلك ما منح المجسَّمات بنية تأليفية مفعمة بحيويتها وتماسكها.  


 

يمنح عنصر اللون في هذه المجسَّمات إضافات تعبيرية وبصرية على قدر من التناغم والغنائية. فاللون يستمد وقعه الإيقاعي على وفق تجاور مساحات لونية صريحة تشغل السطوح المتداخلة والمتجاورة. كل لون يتمثّل كفايته التعبيرية، واستقلاليته، ويجاور بوداعة إشراقه لون آخر. لا أشكال مركزية في هذه المجسّمات، بل مساحات لونية، متعينة بحدودها، تتخذ قيمة أدائية في انتقالاتها على السطوح الصقيلة، ذات الطبيعة الهندسية المنتظمة بأشكالها البارزة والناتئة.

في نماذجه المجسَّمة والتي حملت عنوان "زهرة الصحراء"، ثمة اختزال، أحادي اللون، وهو غير ما عهدناه في المجسَّمات الأخرى المفعمة بملونة ضياء العزاوي الشديدة البذخ والثراء. ذاك أن الفنان يقترح لخصوصية التأليف الشكلي والإخراجي في سلسلة هذه النماذج، حافزاً لخلق إثارة حسية، وتشاركية في طبيعة الأداء الجمالي، الذي يبدو شديد التبسيط، ما بين شكل يتماوج كزهرة تتمثله نصاعة لون واحد.

تبقى مجسَّمات العزاوي، ذات المنحى النصبي غالباً، وكأنها تحتفظ بمهمة تشكيلية مغايرة، معنية تماماً بإقامة مشهد تنزيهي مع العالم الخارجي، يشارك موجوداته بفيض علاقات تشكيلية شديدة الصفاء، والانحياز المعلن لإثرائه، وبأسباب إيثارها لصفة الجميل، المتجرد، الباذخ والشديدة المتعة.

 

شهادة عن السياسي

وكأن النحت لدى العزاوي يعزز لديه اهتماما فنيا دائما، في تمثيل موضوعات تنحو إلى السياسي والاجتماعي والنقدي. إنها لا تستدعي خبرة جمالية منزّهة بل حدثا جمعيا يفترض التعبير عنه وتمثله. عناوين منحوتاته: "آهة المغربي"، "عربة اللصوص"، "الوجه القبيح للاحتلال"، "تذكار من بغداد"، "حنظلة"، "صباح الخير بيروت". موضوعات تتجسد نحتيا من خلال مادة البرونز. ثمة إعلاء للشكل النحتي والاهتمام به، والذي يحضر غالبا بسمة تشخيصية محورة، ذات طبيعة رمزية، يكتنفها التبسيط، مستعيرة تمثيلاتها بصياغة تميل إلى التحوير والاختزال في التفاصيل.

يحيل عمل "الوجه القبيح للاحتلال، برونز "إلى تاريخ احتلال العراق عام 2003" من قبل التحالف "الأنكلو أميركي"، وما رشح عنه من تخريب ودمار وموت، أصاب الإنسان العراقي ومنجز بلده الحضاري، متمثلا بنهب وسرقة الكثير من آثاره إبان ذلك الوقت. يكاد العمل ينحو إلى أن يكون شهادة على موضوعة الاحتلال. يتخذ عمله النحتي هذا، على شكل شاخص بنائي يماثل هيئة الزقورة السومرية، بسطوحها المتدرجة، يعلوها شكلاً تشخيصيا مجسَّماً، لآلية عسكرية "دبابة" تستقر على السطح العلوي منه. فيما تظهر صياغات أخرى على سطوح العمل النحتي، تماثل تماما، بوابة عشتار البابلية.

ثمة رمزية مباشرة، ومعلنة، في عمله هذا، هو لا يستدعي خيالا بل توصيفا يفصح مقصده عن تداعيات حدث واقعي كان مثقلا بالمأساة والانكسارات والخسائر. مثل هذا التمثيل الرمزي ستتم إعادة تدوينه، بما يشبه شهادة تصويرية، في عمل "تذكار من بغداد، سمنت". استعارة واقعية لشكل الحواجز الكونكريتية، التي شخصت في شوارع وأسواق وأزقة بغداد، ومدن العراق الأخرى، والتي أقامها المحتل، جدرانا عازلة في تلك المدن. سيكتفي العزاوي برسم مختزل باللون الأسود، لوجه أو لجسد على تلك الحواجز، في مقاربة لتوصيف مشهدية كابية، تفضح كيفية إحالة المكان الإنساني إلى فضاء معزول وتمييزي، كانت غايته تغييب هوية المدينة وتقييد حرية ساكنيها.

.................

في أحد الحوارات السابقة، يذكر العزاوي: "أرفض الفصل بين فني التصوير والنحت، فأنا أسعى إلى تحويل السطح التصويري إلى حقل منحوت"، في معرضه "شيء مختلف2"، كان نتاج ابتكار تلك المشاركة للفنان، نحاتاً ومصوراً.

 

 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.