}

كيف رأى الغرب العالم العربي من خلال "الستيريوسكوب"؟

هاني حوراني هاني حوراني 18 أكتوبر 2017

مع اختراع جهاز الستيريوسكوب (Stereoscope)، أو "المجسام" باللغة العربية، دخل التصوير الفوتوغرافي في الغرب مرحلة فاصلة من الانتشار الجماهيري لم يعرفها من قبل. حدث هذا خلال الفترة ما بين 1850 و 1930، مع تحول الستيريوسكوب إلى أداة مهمة للتسلية المنزلية.

وفي أواخر القرن التاسع عشر ومطلع العشرين بات العالم العربي، ولا سيما فلسطين وبلاد الشام عموماً، وكذلك مصر الفرعونية هدفاً للتصوير الفوتوغرافي ومادة جذابة لإنتاج المزيد من بطاقات الستيريوغراف (Stereoscope Card)، وذلك لإشباع نهم الجمهور الغربي للتعرف على ما هو مجهول وغير مألوف لديه.

وهكذا كانت صور البلاد المقدسة ومصر الفرعونية والمواقع الأثرية اليونانية والرومانية في بلاد الشام أو شمال أفريقيا، ومناظر الصحراء وقوافل الجمال، وغيرها من المواقع والموضوعات التي ورد ذكرها في الكتب المقدسة كالتوراة والإنجيل، أو في روايات الرّحالة والمستشرقين، تحظى بطلب كبير من الأسر الغربية التي وفر لها جهاز الستيريوسكوب، بنسخه المتعددة، فرصة إشباع فضولها عن عوالم بعيدة عنها وحضارات مختلفة عن حضارتها. وهكذا تهافتت الشركات على تزويد هذا الجمهور المتنامي ببطاقات الستيريوسكوب التي تغطي صورها كل ما وصلت إليه آلة التصوير حينذاك، ومنها صور الشرق الأوسط والعالم العربي.




قصة الستيريوسكوب


لكن قبل أن نتعرف على صور العالم العربي حينذاك، كما رآه الغرب، في تلك البطاقات مزدوجة الصور، لنلقي نظرة على هذه الآلة المسماة ستيريوسكوب، أو "المجسام"، وتاريخ تطورها.

إن ما يسمى بالستيريوسكوب عبارة عن أداة مزودة بعدستين تمكّن من رؤية الصور بشكل ثلاثي الأبعاد، وذلك عن طريق النظر الى بطاقة تتضمن صورتين متماثلتين لموضوع ما، من خلال عدستين مثبتتين على جهاز الستيريوسكوب، حيث تتمكن العينان من رؤية الصورتين مدمجتين فتبدو الصورة الناتجة عن ذلك أكبر وأبعد وذات أبعاد ثلاثية.

ومن المفارقات أن النسخ المبكرة من جهاز الستيريوسكوب اختُرعت بمعزل عن اختراع آلة التصوير الفوتوغرافي ذاتها، وقبل سنة فقط من توفر منتجات مصورة عن طريق الكاميرا، أو آلة التصوير الفوتوغرافي البدائية.

ففي عام 1838 تمّ اختراع الستيريوسكوب على يد البريطاني السير شارلز ويتستون  Charles Wheatstone، وحينها استعمل زوجاً من المرايا المائلة بدرجة 45 من ناحية المستخدم، حيث تعكس كل مرآة الصورة التي تقع على ذلك الجانب. وهكذا فإنه حين تُعرض الصورتان أمام العين اليسرى والعين اليمنى لذات الموضوع، تقوم كل عين برؤية الصورة التي صُممت لتلك العين، وهنا يقوم الدماغ بدمج وقبول الصورتين معاً، كما لو أنهما صورة واحدة متماسكة وثلاثية الأبعاد.

ولما لم تكن ثمة صور فوتوغرافية منتجة حينذاك، فقد لجأ السير شارلز ويتستون إلى استخدام الرسوم اليدوية. ولعل أبرز مزايا جهازه المبكر إمكانية تكبير الصورتين المدمجتين إلى أي حجم، حسبما يرغب المستخدم.

حملت النسخة المطورة من الستيريوسكوب اسم ديفيد بريوستر David Brewster الذي عمل على جهاز كان قد طوره أحد معلمي الرياضيات بين عامي 1823 و 1939. وهو عبارة عن ستيريوسكوب لا يعتمد على مرايا وعدسات، إذ كان مجرد صندوق خشبي يمكن من خلاله مشاهدة المناظر الطبيعية المرسومة كما لو أنها ثلاثية الأبعاد.

ظهرت مساهمة بروستر التطويرية بعد اختراع التصوير الضوئي، حيث قام باستخدام العدسات لتوحيد رؤية الصور غير المتماثلة، وكان هذا عام 1849. لقد سمح اختراع برويستر بتقليص حجم الستيريوسكوب وجعلها أداة قابلة للحمل من خلال مقبض يدوي. ومع أن جهازه حظي بالإعجاب عند عرضه في لندن، في المعرض الكبير لعام 1851، إلا أنه لم يفلح في إنتاج أعداد كبيرة منه في بريطانيا، وهو ما دفعه للذهاب باختراعه إلى فرنسا، حيث كان جهاز الستيريوسكوب قد شهد تحسينات كبيرة على يد جوليس دوباسك الذي كان قد صنع عدة نماذج منه. وهناك أنتج بريوستر ربع مليون جهاز ستيريوسكوب وأعداداً ضخمة من بطاقات الستيريوسكوب، ومنتجات أخرى مشابهة، حيث بيعت جميعها في وقت قصير جداً.

hourani 3 



بدايات عصر التسلية الجماهيرية


هنا دخلت الصورة الفوتوغرافية عصرها الجماهيري، فبسبب انتشار الستيريوغراف والإقبال الشديد على بطاقات الستيريوغراف ذات الصورتين المتماثلتين، انتشر المصورون في أنحاء العالم لالتقاط المناظر الطريفة والغريبة، أو الجديدة بالنسبة للمستهلك الأوروبي والأميركي، ومن ثم تحويل هذه الصور الثنائية الى بطاقات ستيريوسكوبية. وكانت كل بطاقة تحمل معلومات هامة عن مكان أو موضوع الصورة، بالإضافة إلى اسم الشركة المنتجة، وتاريخ إنتاج البطاقة.

يبقى أن نشير أنه في عام 1861 توصل أوليفر ويندل هولمز إلى اختراع الجهاز الذي أصبح الأكثر شعبية من بين نماذج أجهزة الستيريوسكوب التي اختُرعت خلال القرن التاسع، إذ كان الأرخص والأكثر عملية من الأجهزة السابقة، وقد ظل تحت الإنتاج لنحو قرن من الزمن، بل إن بعض الشركات ما زالت تنتج منه نسخاً محدودة حتى اليوم.


الستيريوسكوب والعالم العربي


وبالعودة إلى مكانة العالم العربي كموضوع لهذا النوع من الصور، أُشير هنا الى أن كاتب هذه السطور، ومن خلال زيارته لمكتبة الكونغرس في العاصمة الأميركية واشنطن، استطاع الاطلاع على عدة مئات من بطاقات الستيريوغراف الخاصة بالعالم العربي. وهنا لا بد من الإشارة الى أن مكتبة الكونغرس تحتوي على 52 ألف بطاقة ستيريوغراف، مصنفة ومحفوظة ضمن أغلفة شفافة في مجموعات، وهي متاحة لزوار المكتبة. ومن هذا العدد فإن نحو 10% فقط من مجموعات بطاقات الستيريوغراف مستنسخة رقمياً ومتاحة للاطلاع عن طريق الإنترنت.

هذا ويستطيع الباحث أن يلتقط صوراً عن طريق جهازه الخلوي الذكي، أو حتى الكاميرا، لمجموعات النسخ الورقية من الصور، لكن شريطة ألا يتم إخراجها من غلافها البلاستيكي الشفاف، وهو ما يعيق الحصول على نسخ ذات جودة عالية من بطاقات الستيريوغراف، لكنها قد تساعد على دراسة تلك الصور والتعرف على محتوياتها.

من خلال مشاهدة مجموعة الصور الخاصة بفلسطين والمشرق العربي، فإنه يمكن التعرف على نمط اهتمامات صانعي تلك البطاقات ذات الصور الثنائية بمنطقتنا، ولعل الأهم من ذلك أن المئات (وربما الآلاف) من تلك الصور تزودنا بمورد غير محدود من الصور عن حالة مجتمعاتنا العربية، وعن تاريخ المنطقة ما بين نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.




فلسطين في بطاقات الستريوسكوب المبكرة

حظيت البلاد المقدسة، فلسطين وجوارها، بحصة وافرة من التصوير الفوتوغرافي الغربي الذي استهدف إقليم الشرق الأوسط، والذي أُريد منه تزويد المستهلكين لبطاقات الستريوسكوب بمواد بصرية متجددة.

أما موضوعات الصور المخصصة لبطاقات الستريوسكوب فقد كانت متنوعة للغاية، أبرزها المشاهد العامة للمدن الفلسطينية، ولا سيما القدس، الناصرة، حيفا، طبريا، الرامة، اللد، يافا، بيت لحم، نابلس وغيرها.

وتليها الصور التي تمثل أماكن العبادة والطقوس والاحتفالات الدينية، مثل مواكب المصلين في عيد الفصح وهم يعبرون أزقة القدس؛ مدخل كنيسة القيامة وهو يعج بالمصلين؛ زوار المعمودية على نهر الأردن؛ المصلين اليهود عند حائط المبكى بالقدس؛ رجال الدين من طائفة السامريين مع مخطوطاتهم وكتبهم المقدسة؛ مشاهد عامة للحرم القدسي؛ وأخرى لأقواس وشوارع القدس الداخلية، ولا سيما "طريق الآلام" (فيا دولاروسا)؛ مشاهد داخلية للكنائس والمساجد. هذا، وقد احتلت مواكب موسم النبي موسى عند المسلمين أهمية خاصة في التصوير الغربي قبيل نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.

عجت التصاوير المطبوعة على بطاقات الستيريوغراف بمشاهد الأفراد والتجمعات في حياتهم اليومية، مثل الباعة والمتجولين في أسواق البلد بملابسهم التقليدية والنساء بأزيائهن المحلية، أو وهن يمارسن أعمالاً منزلية أو ينقلن الماء في جرار فخارية من عيون الماء القريبة، والرعاة في حقولهم، والفلاحين في مواسم الحصاد. وكذلك صور الأعراس التقليدية ومواكب "زفة" العريس، وغيرها من الطقوس الاجتماعية.

لم تكن تلك التصاوير المعدة لفرجة الأوروبيين والأميركيين عفوية، إلا نادراً، كأن تكون الوقائع التي تنقلها الصورة مثيرة بذاتها، مثل الحشود المتجمعة في الأعياد والمواسم الدينية، أو الأسواق التي تنطوي بذاتها على عناصر مثيرة دونما حاجة الى رتوش إضافية، كأن تتوسط، المدن ذات العمائر المميزة بعناصرها الزخرفية والجمالية الخاصة، أو وجود حشود الباعة والمشترين بثيابهم المحلية وبأصناف البضائع المعروضة على الأرصفة أو على عربات الجر... إلخ.

أما المناظر الطبيعية فقلما عُرضت مجردة من العنصر البشري، حيث الأخير، رجلاً أو امرأة يتقدمون الصورة بثيابهم المحلية الفضفاضة أو المطرزة، بينما تظهر أبنية القرية في الخلف، أو تحتل الطبيعة، من جبال ووديان، غالبية مساحة الصورة.



وبخلاف الصور الاستشراقية التي رسمت أو صورت عن الشرق العربي، فإن صور فلسطين، المعدة لغايات الفرجة عبر جهاز الستيريوغراف، كانت تضاهي الواقع إلى حد كبير، وحدود تدخل المصورين في إعدادها ظلت محدودة جداً. وكان دور المصور يقتصر على إدخال العنصر البشري أو تحديد تموضعه في الصورة، أحياناً لغايات عملية، مثل جعله أداة قياس لإظهار حجوم المباني، أو عنصر تجميل للمشهد، أو منحه مسحة من "الغرابة" بحكم طبيعة الأزياء التي يرتديها السكان المحليون.

إن تقصد الواقعية في تصوير فلسطين والمناطق الأخرى من الشرق يعود إلى أن بطاقات الستيريوغراف، وجهاز الستيريوغراف نفسه، قد جمعا ما بين وظيفتي الإمتاع ونقل المعرفة. فهما باعتبارهما مادة ترفيه أسرية لم تغب عنهما الوظيفة المعرفية، أي تقديم معلومات بصرية عن العالم غير الغربي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالبلاد المقدسة التي تقتصر معرفة الأفراد عنها على ما هو مذكور في الكتب الدينية.

صورة مصر في بطاقات الستيريوسكوب

حظيت مصر القديمة بحضاراتها المتنوعة، الفرعونية واليونانية والرومانية والبيزنطية والعربية والإسلامية، وكذلك مصر الحديثة، بمكانة لا تقل، إن لم تزد، على مكانة البلاد المقدسة في التصوير الغربي المبكر، ولا سيما المعد لغايات خدمة سوق بطاقات الستيريوغراف.

اهتم مصورو مصر الغربيون لغايات إنتاج بطاقات الستيريوغراف، بموضوعات المعابد ذات الأعمدة الضخمة في الأُقصر وبالآثارات الفرعونية الغارقة في مياه النيل، وكذلك صور السائحين الغربيين وهم على ظهور الجمال أو الخيل، بينما يتولى السكان المحليون من المصريين خدمتهم، ومن خلفهم جميعاً تطُل مشاهد الأهرامات وأبو الهول.

وإلى جانب المواقع الأركيولوجية وأعمال الحفريات الخاصة بالحضارة المصرية القديمة، احتلت العمارة الإسلامية، ولا سيما المملوكية، مكانة خاصة في تلك البطاقات مثل المساجد والقلاع. هذا إضافة إلى موضوعات أخرى لا تقل أهمية مثل مشاهد الأسواق التقليدية، وكتاتيب المدارس ودروس القرآن في المساجد والبدو ومواكب الحج المصري لمكة، مظاهر الحياة الاجتماعية في مصر المعاصرة، وفنون الأداء والأزياء والشوارع الحديثة المكتظة بعربات الجر وواجهات الفنادق الفخمة.

hourani 4 



وتشكل مجموعة صور بطاقات الستيريوغراف، والتي أنتجتها شركة أندروود وأندروود خلال تسعينيات القرن التاسع عشر، والتي اقتنتها الجامعة الأميركية في القاهرة، نموذجاً للبطاقات ثنائية الصور التي أنتجت عن مصر لغايات إمتاع الجمهور الغربي وإشباع فضوله عن البلد صاحب التاريخ العريق.

ففي عام 1985 بادر رئيس الجامعة الأميركية إلى اقتناء مجموعة من 101 بطاقة ستيريوغراف عن مصر، حيث قامت الجامعة خلال العامين اللاحقين بتحويلها إلى نسخ رقمية قابلة للمشاهدة عبر شبكة الإنترنت، مع شروح حولها بست لغات حية.

توثق تلك المجموعة حالة مصر الحضارية والثقافية خلال القرن التاسع عشر، ولتاريخ السفر إلى مصر والشرق الأوسط. وبتفصيل أكثر تغطي الصور مشاهد من نهر النيل، ومدن قناة السويس والصحراء المصرية. وفي ما يخص النيل تظهر صور المجموعة القوارب الشراعية والقنوات والجسور المقامة على النيل، المقابر، الفنادق الباذخة، غرف الأكل وموائد الطعام، الراقصات، البيوت القائمة على شواطئ النيل، المساجد، المعابد والقباب، الأهرامات، أبو الهول، مجاميع الناس، رجال الدين والشيوخ والدراويش.

وبطبيعة الحال فإن الصور المنتقاة من الواقع المصري غالباً ما كانت تتبع التنميط الاستشراقي لمجتمعات الشرق. فهي تظهر الفقر والبؤس على ملامح الأطفال والنساء والشيوخ، وتظهر حيوانات الشرق، ولا سيما الحمير، بصورة مثيرة للشفقة.

ورغم أن صور بطاقات الستيريوغراف غالباً ما تتحرى الواقعية، وإن كانت انتقائية، إلا أن بعض تلك البطاقات الخاصة بمصر تقوم على التصوير في الاستديوهات، وفق سيناريو مرسوم، مثل تلك الصورة الشهيرة التي تصور رجالاً ونساءاً وهم يدخنون النرجيلة، فيما إحدى النساء مطروحة أرضاً تحت تأثير المخدر أو التدخين المفرط.


العراق وبلاد الشام في بطاقات الستيريوغراف الغربي

حظيت العراق ومناطق بلاد الشام (سورية ولبنان والأردن) باهتمام مصوري الغرب أيضاً، وإن بدرجات متفاوتة. فبالنسبة إلى العراق أظهرت بطاقات الستيريوغراف اهتماماً خاصاً بالحياة النهرية للمدن العراقية، مثل لجوء الأهالي إلى غسل الأواني المنزلية في النهر، وغسل الصوف بعد جزه عن الخراف، استعمال أنواع دائرية من القوارب النهرية لنقل البضائع والأفراد بين ضفاف الأنهر، واجهات المساكن الثرية على ضفاف الأنهر، هذا إضافة إلى صور الآثار والقلاع القديمة.

في بطاقات الستيريوغراف التي وصلتنا عن سورية نجد اهتماماً خاصاً بالأسواق القديمة والأحياء الشعبية ومجرى نهر بردى وواجهات المحلات التجارية في دمشق والبيوت التراثية، مثل قصر العظم وسواه، منازل اليهود في دمشق من الداخل، صور محلات الأرتيزانا، الحرف القديمة ولا سيما ترصيع الأثاث بخيوط الفضة والصدف، قوافل الجمال المحملة بالحبوب  والقادمة من حوران إلى دمشق...الخ.

في لبنان أظهرت الصور مناطق الأرز وشواطئ بيروت والمدن الساحلية الأخرى على بطاقات الستيريوغراف، غير أن الاهتمام الأوسع كان بإنتاج حرير دودة القز، حيث تعددت البطاقات التي تظهر المراحل المختلفة لصناعة الحرير الطبيعي في جبل لبنان، وكذلك في بعض مناطق سورية الساحلية والجبلية.

وفي ما يخص الأردن فقد وقع كاتب المقالة على صورة يتيمة لعمّان على بطاقة الستيريوغراف تعود إلى مطلع القرن العشرين، وهي تظهر مجرى "سيل عمان" وهو يعبر ما بين الآثار الرومانية القديمة "الجسر الحجري" و"سبيل الحوريات" وما بين بيوت السكان المحليين من الشركس. كذلك ظهرت بطاقات تحمل صوراً مزدوجة لنهر الأردن، من الضفة الشرقية للنهر، وكذلك للبحر الميت والبتراء وجرش، على بطاقات الستيريوغراف المتأخرة.


الوسيط الفوتوغرافي الأكثر جماهيرية لعصر ما قبل السينما

شأنهم شأن شعوب عالم المستعمرات كان العرب وأقاليمهم ومدنهم وتراثهم الحضاري والمعماري مادة لاستهلاك مقتني جهاز الستيريوسكوب في الغرب الأميركي والأوروبي، هذا الجهاز الذي كان بحق الوسيط الفوتوغرافي الأكثر جماهرية في عصر ما قبل السينما والتلفزيون وأجهوة الفيديو والصور الرقمية. لكن أهمية تلك الصور أنها شاهد على حالة العالم العربي في تلك المرحلة التاريخية، أي منذ أواسط القرن التاسع عشر والعقود الأولى للقرن العشرين. وهي بهذا المعنى مادة بصرية لتاريخ تلك الحقبة.

لقد كان من الملفت أن يثير الستيريوسكوب إعجاب الأميركيين أكثر من الأوروبيين، رغم أنه اخترع أصلاً في أوروبا، وفي بريطانيا تحديداً. ويفسر ذلك وجود طبقة وسطى أكبر في الولايات المتحدة مما في أوروبا، ووجود تطلعات وطموحات أكبر جراء وجود دخول أفضل، للتعرف على العالم من خلال آلة كانت متوفرة لهم بسعر ملائم. وهو ما يفسر أن الستيريوغراف قد انتشر في كل مكان تقريباً في الولايات المتحدة مع حلول عقد الستينيات من القرن التاسع عشر، لكن الفورة الأكبر من الشعبية جاءت ما بين 1880 والعقد الأول من القرن العشرين.

يكفي أن نشير هنا أن إنتاج شركة "أندروود آند أندروود"، وهي واحدة من أهم ثلاث شركات مهيمنة على إنتاج هذه السلعة، وصل إلى 25 ألف صورة في اليوم الواحد، أو نحو 300 مليون نسخة مصورة خلال السنوات 1854/ 1920.

لقد ساهم في الإقبال على اقتناء جهاز الستيريوغراف أن منتجات بطاقات الصور لم تعد تقتصر على تلبية طلب الأسر على التسلية وتزجية الوقت بما هو طريف وغريب، بل باتت وسيلة هامة في العملية التعليمية، شكلت جزءاً من فلسفة ربط التعليم والاختبارات، كما طورها جون ديوي. كما استخدم الستيريوسكوب كأداة ترويج للسلع الشعبية والرحلات والسفر، وتقديم العروض الثقافية والتعريف بالجغرافيا الاقتصادية ونشر المعلومات الإحصائية.

وها هو التاريخ يعيد الاعتبار لآلة الستيريوسكوب أولاً من خلال إحياء الاهتمام بالصور ثلاثية الأبعاد التي باتت تهيمن هذه الأيام على صناعة الأفلام السينمائية وشاشات التلفزيون الحديثة، وثانياً من خلال إنتاج أجيال جديدة من جهاز الستيريوسكوب بتقنيات عصرية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.