}

حين يفوز القتلة

العربي الجديد 24 فبراير 2015
"أعيش محاطة بقتلة ابني. أراهم كلّما ذهبت إلى السوق. لا أنسى كيف هرع راكضاً إلى البيت، وأحشاؤه مندلقة بين يديه. أتوا وأخذوه. قالوا إنهم سيأخذونه إلى المستشفى. كان عندي بقرتان، ولم يرضوا حين حاولت أن أرشوهم بهما". تتذكّر العجوز والدة رملي، أحد الضحايا المدنيين في الإبادة الجماعية التي أوقعت مليون قتيل في إندونيسيا سنة 1965. رملي هو الشخصية الأساسية والغائبة في الفيلم الوثائقي "نظرة الصمت" للمخرج الأميركي جوشوا أوبنهايمر، وقد جرى عرضه في الدورة الأخيرة من مهرجان برلين السينمائي 2015، وأعقب العرض لقاء مع المخرج وزميله فيرنر هيرتزوغ الذي عاونه في الإنتاج. ذكر أوبنهايمر أن "إندونيسيا، هذا الفردوس الاستوائي، مقبرة جماعية أيضاً. المجرمون أشخاص مثلنا، ومقدرتنا على الكذب على أنفسنا تحدد إمكانية اقترافنا للشر"، وعلق هيرتزوغ بأن الأفلام الضحلة وحدها تشرح وتقدم الحلول، الفيلم الحقيقي يبقي اللغز حياً.
يأتي فيلم "نظرة الصمت" بعد "فعل القتل"، وقد استغرق أوبنهايمر في تجميع موادهما وإنجاز كليهما عشر سنوات، ومعظم الإندونيسيين الذين عملوا في الكواليس تتسلسل أسماؤهم في نهاية كل فيلم منهما تحت مسمى واحد "مجهول"، لأن قتلة تلك الإبادة الكبرى لا يزالون طلقاء، ولا يزالون يحكمون البلاد. يقوم هذا الفيلم الجديد على المقابلات الخطرة التي يجريها آدي مع قتلة شقيقه رملي، بصفته بائع عدسات جوالاً. أجمع كل المجرمين على أنهم ليسوا مسؤولين، وإنما كانوا فقط ينفذون الأوامر. يقول أحد زعماء فرق الموت في القرى: "الشيوعيون كفرة يمارسون الجنس مع زوجاتهم وأخواتهم. أفتخر بأنني قتلتهم، والناس يحترمونني ويهابونني لهذا السبب. الماضي مضى. لقد قتلناهم، وشفي الجرح. اتركه مغطى ولا تُثرِ المشاكل. لا تخُضِ في السياسة". يقول قاتل آخر: "تجنباً للجنون، ولكيلا نتسلق أشجار النخيل ونطلق الأذان مثل رفيقنا، كنا نشرب دم المذبوحين الذين قطعنا أعناقهم بمناجلنا المسنونة. كنا نملأ الكؤوس ونشرب. دم الإنسان حلو ومالح". يقول قاتل ثالث: "كان القتل عفوياً لأن الناس يكرهون الشيوعيين، فقد دربتنا أميركا على كراهية الشيوعية. وبعد أن قمنا بعملنا في تصفيتهم لم تقدم لنا حتى تذكرة سفر كي نزورها"، بينما كان الجيش الإندونيسي على الأرض يحمي عفوية السفاحين وشاحناته تأتي بالسجناء إلى الآبار والجسور وضفاف الأنهار، ثم ترمى جثثهم إلى لجج الماء، وذكرت مجلة "تايم" آنذاك أن تراكم الموتى حال دون إبحار القوارب في الأنهار، وامتنع الناس عن شراء الأسماك من الصيادين. 
مجلة "تايم" نفسها كتبت عن الجنرال الأكبر سوهارتو بعد عقدين من تلك الإبادة؛ لم يكن يتذكر أرقام القتلى والأموال التي أودعها في حسابات التوفير في أوروبا. كانت شوارع المصارف، في زيوريخ وجنيف، هي الأماكن الأثيرة لدى سوهارتو عندما يتنزّه، فقد عاش في سويسرا التي أحب طبيعتها بعد أن اضطر إلى الاستقالة من رئاسة الجمهورية الإندونيسية، ثم برأته لجنة طبية عام 2000 بإعلانه عاجزاً جسدياً وذهنياً عن الخضوع لأية محاكمة، فعاد إلى وطنه الذي تفانى في خدمته ومات فيه عام 2008.

مقالات اخرى للكاتب

سينما
24 فبراير 2015
تشكيل
17 فبراير 2015

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.