}

الفنان الصيني رين هان وأسطورة العبث

برلين – ضفة ثالثة 21 ديسمبر 2023
أجندة الفنان الصيني رين هان وأسطورة العبث
من أعمال رين هان في المعرض

 

بحسب الميثولوجيا الإغريقيّة القديمة، سيزيف هو ملك مدينة إيفيرا، وهي مدينة كورنثوس في اليونان الحاليّة. وزيوس، أب الآلهة والبشر، عاقب سيزيف بسبب وقاحته وجرأته. العقاب أبدي، إذْ رُبِط مصير سيزيف بصخرة يجب عليه دفعها كل حياته من قاعدة الجبل إلى قمّته. وفي كلّ مرة يصل فيها سيزيف إلى قمة الجبل، تتدحرج الصخرة مجددًا إلى الأسفل، ويجب عليه أن يبدأ من جديد، وهكذا إلى الأبد. هذه الأسطورة، بحسب شعرية الفنان الصيني المعاصر رين هان/ Ren Han (39 عامًا)، هي استعارة كاملة للوجود الإنساني. برأيه سيزيف، كإنسان، يقضي كلّ حياته ساعيًا إلى تحقيق هدف، ولكن بمجرّد وصوله إلى القمة، تذهب كلّ جهوده سدى، لأنّ الموت لا مفرّ منه بالنهاية.

في "غاليري ميت"/ Galerie Met في العاصمة الألمانية برلين، يتخيّل الفنان الصيني عملية صعود سيزيف. الجمهور مدعوّ للانغماس في تجربة هي مزيجٌ من الواقع والخيال. أنهى المعرض أعماله في يوم 18 كانون الأول/ ديسمبر الحالي بحضور كبير. هان يتناول أزمة المناخ وسؤال وجود الإنسان في هذا الكوكب. في المعرض تفكير بثلاثة أمور: تصرفات الإنسان في البناء باستخدام مواد الطبيعة والتفكيك والهدم، القيم المشتركة والتداخلات الرهيبة في عالمنا المعاصر بسبب شبكات التواصل، والتراث الحضاري الخاص لكل فرد. أي باختصار: فعل الإنسان وقيمه المشتركة مع الآخرين وثقافته الخاصة.

لإظهار التفاعل والمزج بين العناصر الثلاثّة، يقدم هان دائرة قصيرة من الصور المتراكبة، عند رؤيتها مع بعضها تتوضّح الفكرة أكثر. كلّ دائرة صور مقولة وموقف. الصور تتألف من مناظر طبيعية مأخوذة من الإنترنت كالبراكين المتفجّرة والجبال المغطاة بالثلوج والسحب في مرحلة الزوال. الفكرة هو أن يخلق الفنان تجربة يشعر فيها المرء بالقوى المغناطيسية والصهارية الموجودة على كوكبنا، والتي لا تتضمن أي وجود بشري على الإطلاق. بمعنى آخر: الحياة غير متأثرة بتصرفات البشر، والمشهد الصامت الحيوي يخلق انطباعًا، لا يكون فيه الإنسان سوى "مراقب من الخلف".

الآن، نحن شهودٌ صامتون على تغيّر المناخ. في نهاية المعرض، يكتشف المشاهد بأنّ كل الظواهر المعروضة في الصور، هي متأثرة بوجود الإنسان الصناعي على هذا الكوكب، ودوره في ديناميكيات التأثير. ويبدو، بسبب المشاهدة المستمرة والمتتابعة للصور، تبدو الأزمة وكأنها شيء طبيعي، الإنسان فيها فقط "مراقب من الخلف"، مما يضفي شرعية "الطبيعي" حولها. يبدو أنّ التعرض المستمر لصور قادمة من المأساة، يخدرنا من المأساة.

في المعرض صور نوع من الحمام يدعى "البكرات" Rollers، والذي يولد بخطأ وراثي يمنعه من الطيران بشكل صحيح. هذه الطيور مشوشة وفي حالة مترددة بين الصعود والنزول، وهي "سيزيف الطير" الذي لا يستطيع دومًا بلوغ "قمة الهواء"، لأنه يجد نفسه في الأسفل مجددًا. الصور التي ترصد حركة الطير هي تمثيل طبيعي لفكرة سيزيف.  في نص "أسطورة سيزيف"، والذي نشره ألبير كامو في عام 1942، نجد تفسيرًا وجوديًا لتجربة سيزيف. يفسّر كامو الشخصية على الشكل التالي: المعنى الوحيد الذي يمكن لسيزيف أن يجده، هو قبول مصيره السخيف، الخالي من أي معنى. قبول اللامعنى كمعنى هو الخيار الوحيد الممكن.

وكان هذا هو مصير الإنسان المعاصر.

ولد هان في نفس العام الذي صدرت فيه رواية جورج أورويل "1984"، وكبر فعليًا في السنوات التكوينية للاقتصاد والمجتمع الصيني. الصين في موجة تحضّر متفجّرة مع انتشار سريع للرقمنة. يهتم في أعماله بشكل أساسي باستهلاك الثقافة البصرية في عصر الإنترنت، ويشير في نصّ له على جدار المعرض "مستغرب أن البشر يبنون ويهدمون باستمرار تحت دافع الرغبة".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.