Skip to main content
هاتف أبي الذكي
سما حسن
نظَّم أطفال ألمان مظاهرةً يطالبون فيها الكبار بالتخلِّي عن هواتفهم الذكية التي ينشغلون بها أكثر مما ينشغلون بصغارهم، حيث وصفوا استخدام هؤلاء لها بأنه مفرط، والطفل إميل ذو السبعة أعوام الذي قاد المظاهرة في مدينة هامبورغ الألمانية رفع لافتة كتب عليها: انظروا لنا، وليس لهواتفكم النقَّالة.. وفي نهاية كلمته التي صفَّق لها مئات من الأطفال والكبار حوله، قال إميل: العبوا معنا، وليس بهواتفكم النقّالة.
وقد بيّنت دراسةٌ ألمانيةٌ خطر الهواتف الذكية على الأطفال بأن الهاتف الذكي الذي تمسكه الأم بيد، وتمسك طفلها بيد أخرى، يسبِّب مشكلات سلوكية مستقبلية للرضيع، تغفل عنها الأم، وتعتقد أنها، بحملها الصغير، تكون قد قامت بواجبها نحوه. وأفادت الدراسة بأن هذا السلوك يجعلهم عرضةً للتذمُّر والإحباط.
وفي الصدد نفسه، حذَّرت دراسة أمنية بريطانية من مخاطر نشر الآباء والأمَّهات صور عودة أطفالهم إلى المدرسة، حيث يتسابق الكبار إلى نشر صور الصغار، وهم يرتدون الزيَّ المدرسي الجديد، ويقفون على أبواب مدارسهم، كما أن الآباء والأمهات يحرصون على نشر اسم المدرسة التي التحق بها طفلهم، وبذلك يهيِّئون فخًّا يُنصَب للطفل، من دون شعور من الأهل، حسبما حذَّرت شركة مكافي، المختصة بالأمن الرقمي، والتي ذكرت أن ما يقوم به الكبار بحقِّ الصغار، مع بدء العام الدراسي، يكون سبباً مباشراً في تعرُّضهم للابتزاز والتحرُّش الجنسي، فالأم التي تحدِّد عُمْر طفلها وصفّه، وكذلك مدرسته، وتنشر صوره، بحيث تكون متاحةً للعامَّة، فهي تقدِّمه فريسةً سهلة للمختصِّين في التحرُّش، بل وتعرِّض الصغار للاختطاف، على يد تُجَّار الأعضاء والرقيق.
في الدراسة نفسها محاذير لدى الصغار من نشر صورهم على العامّة، وحيث رصدت ما يزيد عن 1.3 مليار صورة منشورة للصغار في بريطانيا، وتبيَّن أن 30% منها متاحة للعامة، فالصغار في هذا الصدد يتضايقون من نشر صورهم، وهم يعودون إلى المدرسة، فلا تخلو هذه الصور من السخرية والاستهزاء، وكأن المدرسة عقابٌ لهم، وليست مكاناً لتحصيل العلم، كما يرون أن هذه المناسبة تُعَدُّ من خصوصياتهم التي لا يحبُّون أن يطَّلع الآخرون على تفاصيلها.
كانت المدرسة، في الماضي، وسيلة مناسبة؛ لكي يتتبَّع أفراد عصابة ما ابناً لأحد الأثرياء، حيث يجري خطفُه، كما أنها مكانٌ لكي يتوجَّه الأب، أو الأم، بعد الطلاق، إلى رؤية الطفل، خلسةً عن الطرف الآخر، وقد تصل المشكلات بين الزوجين إلى ذروتها؛ فيخطف الأب الطفل من مدرسته، وتبدأ الأم مشوار الدموع من بداية الفيلم العربي، حتى نهايته لاستعادة طفلها، وغالبا ما يظهر ضابط الشرطة، أو المحامي، لمساعدتها، حيث تقع بغرامه، وينتهي الفيلم نهايةً جميلة، بعودة الزوجين إلى بعضهما؛ من أجل الصغير، وتُسدل الستارة على دموع البطل المخذول.
تغيَّر الحال اليوم، وأصبح الطفل يُخطَف من والديه، وهو في بيتهما، ويُخطَف الوالدان من طفلهما، وهما حوله، وذلك بسبب الهواتف الذكية التي لا يتركها الوالدان، والتي يمسكها الطفل، بمجرَّد أن يستطيع أن يُمسك الهاتف بين يديه الصغيرتين؛ ليعيش جميع أفراد الأسرة في غربةٍ، ويتظاهرون، أو يعتقدون أنهم يعيشون معاً، ولكن في الحقيقة، فلكلّ واحدٍ منهم عالمُه الخاص، والمختلف، والذي يعزله عن أسرته الحقيقية، ويسبح به في عالمٍ افتراضيٍّ، يحرص على إرضاء من يسبَحون معه فيه، ويحرص أيضاً على الظهور بصورةٍ لامعةٍ أمامهم، وحين يقع في مشكلةٍ فهو يلجأ لهم، وهم في ذلك في وهمٍ عظيم.
لا يقدّر الطفل الألماني إميل شعورنا بأن هذا الجيل صعب المراس، وبأننا لم نعد قادرين على التعامل معه؛ فنلجأ لهذا العالم الذي بين أصابعنا؛ بحثا عن مساعدةٍ، ولكن بلا طائل، مثل الأم التي نشرت صورة طفلها التائه، ومعلوماته عبر "واتساب"، وقد عاد الطفل فعلاً وبسرعة، لكنه حتى اللحظة فشل في الوصول إلى مدرسته؛ لأن المناشدة ما زالت تلفُّ وتدور، وكل من يراه في طريقه إلى المدرسة يعيده إلى أمه، وهذه حكاية من حكايات واتساب أيضاً.