سائقو الأجرة في موسكو يشكون سوء أوضاعهم
رامي القليوبي ــ موسكو
يعملون حتى 16 ساعة يومياً في بعض الأحيان(فلاديمير سميرنوف/Getty)
سائقو الأجرة غير المرتبطين بالشركات في موسكو يحتجون على تدهور أوضاعهم، بسبب الشركات الكبرى التي تعتمد تطبيقات هاتفية، ومعها المنافسون من السائقين المهاجرين من وسط آسيا

"أحياناً نكاد نموت على عجلة القيادة"، هكذا يلخص سائق سيارة أجرة في موسكو في الخمسينيات من عمره يدعى أندريه، وضعه، بعدما اضطر للعمل نحو 14 ساعة يومياً بسبب احتدام المنافسة وانتشار تطبيقات استدعاء السيارات وما ترتب على ذلك من انخفاض التعرفات. يوضح أندريه لـ"العربي الجديد"، أنّ تعرفة الطريق من وسط موسكو إلى أطرافها تراجعت خلال السنوات الأخيرة مما كان يعادل 20 دولاراً أميركياً إلى نحو 10 دولارات فقط حالياً، بينما نفقات معيشته هو وأسرته ازدادت كثيرا بسبب التضخم.

حال أندريه هي حال عشرات الآلاف من سائقي سيارات الأجرة في العاصمة الروسية ممن يضطرون إلى العمل لساعات طويلة يومياً وتحمّل المسؤولية عن حياة الركاب، مقابل دخل زهيد بمقاييس موسكو، قدره نحو ألف دولار شهرياً أو نصف هذا المبلغ في حال كانت السيارة مستأجرة.




في هذا الإطار، يشير رئيس اتحاد سائقي سيارات الأجرة، ياروسلاف شيربينين، إلى أنّ وضع سائقي سيارات الأجرة تدهور كثيراً بسبب المنافسة الطارئة مع السائقين الآتين من جمهوريات آسيا الوسطى للعمل في موسكو، وجشع شركات استدعاء السيارات. يقول شيربينين لـ"العربي الجديد": "تدهور الوضع كثيراً، وإذا نظرنا إلى سيارات الأجرة من الشريحة الاقتصادية، فقد بات معظم السائقين مهاجرين من آسيا الوسطى. أما تطبيق (ياندكس) الذي يهيمن على سوق سيارات الأجرة في موسكو، فرفع عمولة السائق مرة جديدة أخيراً، لتقارب 30 في المائة".

في الوقت الذي يحتج فيه سائقو السيارات على ارتفاع العمولات، اعتبرت شركة "ياندكس تاكسي" التابعة لعملاق البحث الروسي "ياندكس"، أنّ عمولاتها ظلت لفترة طويلة أقل من المستوى السائد في السوق، فقررت تعديلها.

وحول مدى جدوى العمل في مثل هذه الظروف الصعبة، يضيف شيربينين: "لم يعد العمل كسائق سيارة أجرة في موسكو مغرياً. إلّا أنّ معظم السائقين يسعون لتعويض ذلك عن طريق البقاء أمام عجلة القيادة من 14 إلى 16 ساعة يومياً، وهو ما يؤدي إلى إرهاقهم ويعرض حياة الركاب للخطر ويزيد من عدد الحوادث".

بعد سنوات من الفوضى العارمة وتحديد التعرفات بالاتفاق مع السائقين، أتاح انتشار تطبيقات استدعاء السيارات تنظيم هذه السوق بما صب في مصلحة الراكب، إلا أنّ السائقين لم يعودوا يحققون المكاسب نفسها. لكن في بعض الأحيان، تواجه شركات استدعاء السيارات انتقادات من الركاب أيضاً في ظل إسراعها لتبرئة نفسها من أيّ خلاف يحدث مع السائق أثناء الرحلة، ووضع تعرفات مبالغ فيها للذهاب من المطارات وإليها، واستغلال الأوضاع الطارئة، مثل التساقط الكثيف للثلوج وما يترتب عليه من توقف مروري، لرفع التعرفات إلى الضعفين تقريباً.

على الرغم من متاعب المهنة وتدهور الأوضاع، إلا أن ذلك لا يثني الكثير من الشباب عن العمل كسائقي سيارات أجرة، إذ ما زالت المهنة تدرّ عليهم دخلاً مرتفعاً نسبياً، وتوفر مرونة أكبر في مواعيد العمل مقارنة بالوظائف في الحكومة.

قسطنطين، ضابط سابق في نهاية العشرينيات من عمره، أحد هؤلاء، يقول لـ"العربي الجديد": "كنت أبحث عن وسيلة تدر عليّ دخلاً إضافياً في أوقات الفراغ، فقررت شراء سيارة وترخيصها كسيارة أجرة لسداد الأقساط. ثم اكتشفت أنّ ذلك قد يحقق لي دخلاً يزيد عن راتبي في العمل الرئيسي، فقررت التفرغ". يشيد قسطنطين بدور تطبيقات استدعاء السيارات مثل "ياندكس" و"أوبر" و"سيتي موبيل"، لكنّه يتمنى فقط أن تتحلى بقدر أكبر من المسؤولية الاجتماعية أمام الركاب والسائقين على حد سواء.

لعلّ هذا الوضع دفع بالعديد من السائقين إلى اللجوء لبعض الحيل، مثل إنهاء الرحلة على التطبيق بعد كيلومترات معدودة حتى تحسب قيمة العمولة على أساس هذه المسافة، أو العمل بواسطة تطبيقات أقل انتشاراً تسعى لجذب السائقين والركاب بتعرفات وعمولات منخفضة نسبياً.




في فبراير/ شباط الماضي، أتمت شركتا "ياندكس" و"أوبر" صفقة توحيد خدمات استدعاء سيارات الأجرة لتأسيس شركة موحدة للعمل في كلّ من روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وجورجيا وأذربيجان وأرمينيا. وتبلغ حصة "ياندكس" في الشركة الجديدة نحو 59 في المائة. وفي الوقت الذي أكدت فيه الشركتان أنّ دمجهما لن يؤدي إلى زيادة التعرفات، يتخوف سائقو سيارات الأجرة غير المرتبطين بالشركات من أن يزيد الاحتكار الكامل للسوق من سوء أوضاعهم المتردية أصلاً.