طيارو روسيا يهاجرون ويثيرون أزمة في القطاع

طيارو روسيا يهاجرون ويثيرون أزمة في القطاع

05 مارس 2018
يفضل الطيارون الشركات الصينية (إيغور علييف/ Getty)
+ الخط -

أثارت الحادثة الأخيرة لتحطم طائرة "أن-148" الروسية في ضواحي موسكو والترجيحات حول خطأ الطيار، تساؤلات حول كفاءة الكوادر بشركات الطيران الروسية، لا سيما الصغيرة منها، في ظل هجرة كثير من الطيارين الروس.

في السنوات الماضية هاجر مئات الطيارين الروس للالتحاق بشركات طيران أجنبية، في مقدمتها شركات صينية، تقدمت إليهم بعروض مغرية، ما أوقع قطاع النقل الجوي المدني في أزمة حقيقية. في المقابل، أعلن الناقل القومي في روسيا، وأكبر شركات الطيران الروسية "أيروفلوت" مؤخراً، عن زيادة راتب قائد الطائرة إلى 650 ألف روبل (حوالي 11.5 ألف دولار أميركي) شهرياً، بالإضافة إلى صرف بدل الالتحاق بالعمل للطيارين العائدين. مع ذلك، ما زالت أجور الطيارين حتى في أكبر شركات الطيران الروسية أقل بكثير من نظيراتها الصينية التي يتقاضى طياروها ما بين 17 ألفاً و25 ألف دولار، مما ينذر بهجرة مزيد من الكفاءات.

في هذا الإطار، يتوقع المدير التنفيذي لوكالة "آفيا بورت" المتخصصة في شؤون الطيران، أوليغ بانتيلييف، استمرار الزيادة التدريجية لأجور الطيارين الروس بالرغم من ضعف قيمة العملة الروسية الروبل، لمنع تفاقم أزمة نقص الكفاءات تبعاً لزيادة حركة النقل الجوي. ويقول بانتيلييف في حديث لـ"العربي الجديد": "يجب الإقرار بنقص الطيارين الأكفياء في روسيا في ظل زيادة حركة السفر بنسبة 20 في المائة تقريباً العام الماضي مقارنة بعام 2016، وما يترتب عليها من حاجة إلى كوادر طيران". وحول دوافع هجرة الطيارين، يضيف: "في ظل ضعف سعر صرف الروبل اليوم، بات معدل الأجور في روسيا أقل منه في الاتحاد الأوروبي والصين، مما أدى إلى هجرة الطيارين الأكثر كفاءة، بينما ليس هناك نقص في الطيارين المساعدين".

أما في ما يتعلق بتأثير ذلك على أوضاع شركات الطيران وكيفية مواجهتها هذه المشكلة، يتابع: "يؤثر الوضع الراهن سلباً على شركات الطيران، إذ تحتاج إلى زيادة قيمة أجور الطيارين في الوقت الذي تحقق أغلب إيراداتها بالروبل". ويخلص إلى أنّه "لا بديل عن زيادة أجور الطيارين، وسترتفع تدريجياً" وفق توقعاته.


إلى جانب نقص الطيارين، يعاني قطاع الطيران المدني الروسي من ارتفاع متوسط أعمار الطائرات التي تشغلها شركات الطيران الصغيرة في ظل تجاوز بعضها عمر 20 عاماً. مع ذلك، يوضح بانتيلييف أنّ عمر الطائرات لا يؤثر على أمان التحليقات في حد ذاتها، لكنّه يقلل من القدرة التنافسية للقطاع، إذ يؤدي تقادم الطائرات إلى زيادة النفقات على صيانتها، كما أنّها تستهلك كميات أكبر من الوقود مقارنة بالطائرات الجديدة.

منذ عام 2013، شهدت روسيا خمسة حوادث طيران كبرى، وآخرها فاجعة تحطم طائرة "أن-148" التابعة لشركة "خطوط ساراتوف الجوية" في 11 فبراير/ شباط الماضي التي أسفرت عن مقتل 71 شخصاً، لتكون أول حادثة طيران كبرى في العالم بعد عام 2017 الذي اعتبر الأكثر أماناً في تاريخ الملاحة الجوية العالمية.

وبعد فك شيفرة أحد الصندوقين الأسودين، خرجت لجنة الطيران الدولية المعنية بالتحقيق في الحادثة، بنتائج أولية مفادها أنّ عدم تشغيل نظام التدفئة أدى إلى تضارب بيانات معدات قياس سرعة التحليق، مما فتح مجالاً للترجيحات بتحطم الطائرة نتيجة لخطأ بشري وفشل الطاقم في مواجهة الوضع غير الاعتيادي.


مع ذلك، يقلل مدير عام شركة "إنفوموست" للاستشارات في مجال البنية التحتية والنقل، بوريس ريباك، من تأثير العوامل مثل هجرة الطيارين وقلة الأجور وعمر الطائرات على سلامة الملاحة الجوية في البلاد، مرجعاً كثرة الحوادث إلى ضعف الرقابة ونقص الكفاءات في القطاع بشكل عام. ويقول ريباك في حديث إلى "العربي الجديد": "للأسف، فإنّ مستوى أمان الطيران في روسيا منخفض جداً ويقارب مستويات الدول الأفريقية. لكنّ خدمات الطيارين الروس تحظى بطلب من شركات الطيران الصينية التي تدفع لهم ما يصل إلى 30 ألف دولار شهرياً وتشهد لهم بالكفاءة. أما أسباب كثرة الحوادث، فتعود إلى ضعف مستوى كوادر قطاع الطيران بشكل عام وسوء الرقابة عليها".

في هذا السياق، يذكّر الخبير الروسي بالحادثة المروعة والناتجة عن سوء التنظيم التي وقعت في مطار "فنوكوفو" الدولي في ضواحي موسكو عام 2014، حين تحطمت طائرة رئيس شركة "توتال" الفرنسية، كريستوف دي مارجري، نتيجة لاصطدامها بمجرفة ثلوج على المدرج.

وحول عامل عمر الطائرات الروسية، يضيف ريباك: "تتركز الطائرات القديمة بشركات الطيران الصغيرة المتخصصة في تنفيذ رحلات الطيران العارض (تشارتر)، لكنّ سوق تشارتر صغيرة، ولا تزيد حصتها في إجمالي حركة الطيران في روسيا عن 5 في المائة. أما متوسط أعمار طائرات الناقل القومي أيروفلوت، فيبلغ 4.1 أعوام فقط، وهو بذلك يملك واحداً من أحدث الأساطيل في العالم".


يقلل ريباك من تأثير عمر الطائرة على سلامة الملاحة، مشيراً إلى أنّ متوسط أعمار الطائرات بكبريات الشركات الأميركية يبلغ ما بين 15 عاماً و17، وهي بذلك ما زالت في منتصف عمرها الافتراضي، مشيراً إلى أنّه "لا توجد طائرات جديدة أو قديمة، بل هي صالحة للاستخدام أو غير صالحة".

يذكر أنّ روسيا شهدت في السنوات الماضية عدة حالات تعثر وإلغاء تراخيص وإفلاس لشركات طيران، ومن بينها شركة "كوغاليم آفيا" المشغلة لطائرة "إيرباص-321" التي تحطمت في سيناء في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، وشركة "تتارستان" بعد سحب ترخيصها إثر تحطم طائرتها من طراز "بوينغ-737" في نهاية عام 2013.