بكين تنتزع القارة السمراء من واشنطن

بكين تنتزع القارة السمراء من واشنطن

21 نوفمبر 2014
صينيون يشرفون على مشروع طريق سريع بساحل العاجل(فرانس برس)
+ الخط -
النظام العالمي الجديد بدأت ملامحه تتشكل، حيث ينتقل الثقل التجاري والمالي والاقتصادي تدريجياً إلى آسيا. وفيما تترنح القارة الأوروبية وتئن تحت وطأة التباطؤ، وتعاني اليابان من الركود، وتثقل الديون كاهل الولايات المتحدة، تجد الصين المجال مفتوحاً للتمدد في الأسواق العالمية وحيازة السلع الاستراتيجية في العالم.

ففي أفريقيا وأميركا اللاتينية، تسعى الصين إلى السيطرة على الموارد الطبيعية والمواد الخام، حيث استثمرت بكثافة، خلال السنوات الماضية، في مناجم التعدين المختلفة، كما تواصل الاستثمار في النفط الأفريقي. وتستفيد بكين في استثماراتها هذه من احتياطي أجنبي يقدر بحوالى 3.4 تريليون دولار، وفائض متواصل في الميزان التجاري.

لكن التنافس الحقيقي والأخطر بين واشنطن وبكين، هو صراع الموارد في القارة السمراء؛ حيث إن أفريقيا لا تزال بكرا وغنية بالموارد الطبيعية التي تحتاجها الدولة العظمى لتغذية صناعاتها، وضمان تواصل الإمدادات في أوقات الشدة.

أهداف الصين في أفريقيا

يلخص خبراء في العلاقات الصينية الأفريقية، الاهتمام الصيني بأفريقيا في خمس نقاط رئيسية، وهي:

أولاً: الأهداف الاقتصادية، والتي تتمثّل في الحصول على المواد الأولية أو المواد الخام، مثل النفط والمعادن.

ويلاحظ أن أفريقيا، التي أطلقت عليها وكالة شينخوا الصينية "أرض الأمل" قبيل زيارة رئيس الوزراء الصيني في أبريل/نيسان الماضي، قارة غنية بالثروات المعدنية والمواد الخام التي تحتاج إليها الصين.

ثانياً: الصين، التي تتمدّد صناعياً وتفوّقت على أميركا في حجم الصادرات في عام 2012، بحاجة ماسّة إلى توسيع أسواقها العالمية، خاصة في مناطق مثل أفريقيا لا تجد فيها منافسة تذكر من البضائع الغربية.

ولدى أفريقيا سوق واعدة ولمواطنيها قوة شرائية صاعدة. وتقدّر الأمم المتحدة أن يبلغ عدد سكان أفريقيا حوالى 2.4 مليار نسمة بحلول 2050.

كما أن حجم الاقتصاد الأفريقي يتوسّع، وتزداد القوة الشرائية مع تحسّن مستويات الدخل. وتأمل الصين أن تكون الشريك المهيمن على تجارة القارة السمراء في العقود المقبلة، خاصة أن حجم الاقتصاد الأفريقي قُدّر بحوالى 1.515 تريليون دولار في نهاية 2013.

ثالثاً: ترغب الصين في الاستفادة من الكتلة التصويتية للقارة الأفريقية في المحافل الدولية، خاصة في قضايا مهمة، مثل قضية "الصين الموحدة" التي تشمل الصين وتايوان وهونج كونج.

وترغب الصين كذلك في ضمّ تايوان خلال السنوات المقبلة، وتحتاج إلى سند في الأمم المتحدة لتحقيق هذا الهدف.

كما أن الصين عضو دائم في مجلس الأمن، وتريد من الدول الأفريقية دعمَها في القضايا والأغراض التي تحقق أهداف سياستها الخارجية في أنحاء العالم. ولا يخفى أن الصين غير مقتنعة بالحدود الجغرافية التي أقرّها الحلفاء الغربيون في يالطا بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة في آسيا.

وترغب الصين في إعادة رسم الحدود مع العديد من الدول الآسيوية في جنوب شرق آسيا. ويذكر أن الصين دخلت منذ مدة في نزاع حدودي مع اليابان حول حق السيادة على جزيرة سينكاكو.

رابعاً: لدى الصين مصالح أمنية في أفريقيا، خاصة في المناطق المطلة على الممرات المائية، مثل السودان وأثيوبيا وأرتيريا والصومال، وربما لاحقاً مصر.

خامساً: الغذاء، فمع التوسّع الصيني في الصناعة واستهلاك المياه والمساحات في التصنيع، تحتاج الصين في المستقبل إلى تأمين احتياجاتها الغذائية من خلال مشروعات غذائية عملاقة في أفريقيا.

ويضيف الخبير الصيني، يون صن، في ورقة بحثية نشرها معهد "بروكنجز انستيتيوشن" في نهاية أبريل/نيسان الماضي، إلى هذه الأهداف السياسية، هدفاً آخر وهو تسويق نمط النظام السياسي القائم على الحزب الواحد، ومركزية التخطيط الاقتصادي للدول الأفريقية، على أساس أنه نمط ناجح في الحكم، وفي التقدم الاقتصادي كبديل للديمقراطية التي ينادي بها العالم الغربي. وهي دعوة تجد آذاناً صاغية في معظم الدول الأفريقية التي تُحكم ديكتاتورياً.

الأرقام تتحدث

بمقارنة الاستثمارات الأميركية في أفريقيا مع الصينية، يلاحظ أن الرئيس باراك أوباما قال في قمة واشنطن الأفريقية، إن الشركات الأميركية ستستثمر حوالى 14 مليار دولار في مشاريع أفريقية. وهذا مبلغ بسيط جداً حتى بالمقارنة مع المساعدات التي منحتها الصين لأفريقيا، والتي تقدر بحوالى 75 مليار دولار.

فالدور الاستثماري والاقتصادى والتجاري الذي لعبته الصين خلال العقد الأخير في أفريقيا يعد دوراً كبيراً، مقارنة مع الدور الأميركي. حيث تستثمر في أفريقيا حالياً أكثر من ألفي شركة صينية تعمل في مجالات حيوية تتراوح بين التعدين والاتصالات والتربية والزراعة.

وقال رئيس البرنامج الأفريقي للمعهد الملكي البريطاني "تشاتهام هاوس" في لندن اليكس فاينز لـ"العربي الجديد" إن الدور الصيني في أفريقيا يتعاظم، وإن 2500 شركة صينية تعمل الآن في أفريقيا. كما أن التجارة البينية بين أفريقيا والصين بلغت، نهاية العام الماضي 2013، حوالى 210 مليارات دولار.

ومع ثورة النفط الصخري في أميركا الذي يتشكل معظمه من نوعية الخام الخفيف، باتت الشركات الأميركية لا تستورد الخامات الخفيفة المنتجة في أفريقيا، وبالتالي اتجهت الدول الأفريقية إلى تسويق نفطها في الصين.

ويلاحظ أن أنجولا، التي تعد ثاني أكبر منتج للنفط بعد نيجيريا، أصبحت ثاني أكبر مصدر للنفط للصين بعد السعودية.

وبلغت صادرات النفط الأنجولي إلى الصين 10.66 مليون طن في الربع الأول من العام الجاري، لكن هناك انتقادات لأسلوب التعاقد التجاري، المتمثل في صفقات النفط التبادلية بين الصين وأنجولا، حيث إن الصفقات لا تخدم مصلحة أنجولا وتصب في صالح الصين، كما أن قيمة مبيعات النفط الأنجولي تذهب إلى بنك الصادرات الصيني التي يبادلها بعقود إنشاءات للشركات الصينية في أنجولا. وتستورد أنجولا حالياً الإسمنت من الصين، في الوقت الذي يمكنها إنتاجه محلياً، وتستفيد الشركات المحلية من المشاريع التي تقوم بإنشائها الشركات الصينية.

وحسب تقديرات بريطانية، بلغت تجارة الصين مع أفريقيا 5% من إجمالي تجارتها العالمية البالغة 3.867 تريليون دولار بنهاية عام 2013، كما أن الاستثمارات الصينية المباشرة بلغت حوالى 4% من إجمالي الاستثمارات الصينية المباشرة في الخارج، التي قدرت بحوالى 77.2 مليار دولار في عام 2012.

المساهمون