أنور حساني في "الطريق إلى دمشق": مقاربات كوسوفية

أنور حساني في "الطريق إلى دمشق": مقاربات كوسوفية

16 ابريل 2024
أنور حساني
+ الخط -
اظهر الملخص
- أنور حساني يقدم في كتابه "الطريق إلى دمشق" تحليلاً لتجربته الشخصية والمهنية، مركزاً على الروافد الثقافية والقانونية التي شكلت شخصيته وتأثيرات القضايا القانونية والسياسية على كوسوفو، خاصة في ظل التقارب مع الاتحاد الأوروبي.
- يناقش التحديات الجيوسياسية والتاريخية لكوسوفو، بما في ذلك التدخل الروسي والتوترات مع صربيا، ويسلط الضوء على جهود تحويل كوسوفو إلى دولة مركزية تعتمد على المواطنة بدلاً من الانقسامات الإثنية.
- يعبر عن قلقه من تنامي الأصولية الدينية وتأثيرها على علمانية الدولة في كوسوفو، مشيراً إلى أهمية التمييز بين الإسلام التقليدي والسلفي ومستشهداً بتجربة ألبانيا كمثال على التعايش بين الديانات.

يبدو عنوان هذا الكتاب الصادر في بريشتينا أواخر 2023 غريباً إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ مؤلّفه أنور حساني شخصية أكاديمية شغلت موقع رئيس المحكمة الدستورية في كوسوفو بين 2009 و2015، ورئيس "جامعة بريشتينا"، ولا يزال يشغل منصبه الأكاديمي أستاذاً للقانون الدولي في "جامعة بريشتينا". وحتى في دراسته، لم يصل سوى إلى نصف الطريق بين بريشتينا ودمشق، حيث تابع في "جامعة بلكنت" المعروفة في أنقرة دراسته الماجستير والدكتوراه في القانون الدولي، بعدما تخرّج من كلية القانون في "جامعة بريشتينا".

وعلى الرغم من مؤلّفاته المنشورة باللغة الإنكليزية ("تفكّك يوغسلافيا وحالة كوسوفو: الجوانب القانونية والسياسية"، و"حق تقرير المصير والوحدة الترابية والاستقرار الدولي: حالة يوغسلافيا") وبالألبانية ودراساته في المجلات الأكاديمية، إلّا أنّ هذا الكتاب الجديد يختلف عن كلّ كتبه الأُخرى، حتى يبدو أقرب إلى "حصيلة العمر"، حيث تتداخل فيه الروافد الثقافية (التاريخ والأدب)، والقانونية التي كوّنت شخصيته واهتماماته ونظرته القلقة إلى الواقع/ المستقبل الكوسوفي، سواء من حيث القلق على مستقبل الإطار الجديد للدولة الكوسوفية في ضوء الاقتراب من الاتحاد الأوروبي، أو القلق من الأصولية الدينية في دولة كوسوفو التي هي الأُولى في أوروبا من حيث نسبة المسلمين فيها.


الطريق إلى دمشق

يعترف المؤلّف بأن بذرة كتابه هذا "الطريق إلى دمشق" كانت مقالة نشرها في الملحق الثقافي للجريدة الكوسوفية الأُولى "كوها ديتوره" عام 2013 عن التغيّر الذي حدث في العالم بعد تراجع الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما عن تهديده بقصف مواقع النظام في سورية بعد تعرُّض المعارَضة في ريف دمشق للقصف بالغازات السامّة. فبعدما قارن رسالةَ أوباما بمهمّة القدّيس بولس، آملاً أن ينتهي كابوس القصف على المدنيين السوريين الأبرياء، وافق أوباما على التعاون مع الرئيس الروسي بوتين على "إدارة" الأزمة التراجيدية التي كانت تلفّ سورية.

تمدّدٌ روسي في الشرق الأوسط وشرق أوروبا والبلقان

وحسب المؤلّف، فقد استغلّ الرئيس بوتين تلك اللحظة بذكاء، حيث عزّز بقاء الرئيس السوري ونظامه وأدرك بوضوح أن الغرب ليس مستعدّاً للمواجهة، وهو ما شجّعه لاحقاً على تحدّي الغرب وضمّ شبه جزيرة القرم عام 2014 وشنّ الحرب على أوكرانيا عام 2022.

وبعبارة أُخرى، يرى المؤلّف أنّ كلّ ذلك ما كان ليحدث لو أنّ أوباما بقي على موقفه، ولذلك يعتبر أنّ ذلك التراجع كان "نقطة تحوُّل" في السياسة الخارجية الأميركية لصالح التمدّد الروسي في الشرق الأوسط وشرق أوروبا والبلقان، الذي لا يزال يعاني من آثار تفكّك يوغسلافيا إلى سبع دول متنافرة.

الصورة
الطريق إلى دمشق - القسم الثقافي

ومن هذا التنافر العلاقةُ المتوتّرة بين صربيا وكوسوفو. ففي كتابه هذا يوضّح الحرص على أن يكون الدستور الكوسوفي الجديد (2008) مختلفاً عن دساتير دول يوغسلافيا السابقة من حيث ألّا تكون الدولة المستقلّة الجديدة لإثنيةٍ أو أغلبيةٍ قوميةٍ، بل دولة مركزية تقوم على المواطنة التي تساوي بين الجميع بغضّ النظر عن الخلفيات الإثنية أو الثقافية. ولكن هذا النموذج، الذي يساوي بين الجماعات (الألبان والصرب والأتراك والبشناق والغجر وغيرهم)، يبدو للمؤلّف أنّه الآن مهدَّد بالاختراق والتحوّل مع الاقتراب من الاتحاد الأوروبي الذي فرض على صربيا وكوسوفو عام 2023 "اتفاقية بروكسل" و"ملحق أوهريد"، مما يتيح تأسيس حكم ذاتي إقليمي للأقلّية الصربية قد يكون جسراً لشكل جديد من العلاقة بين الدولتين.

ومع أنّ المؤلّف كان أوّل رئيس للمحكمة الدستورية في كوسوفو (2009 - 2015)، التي يُفترض أن تردّ أية اتفاقية دولية أو أية كيانات جديدة تتعارض مع أسس الدستور، إلّا أنّه يتوسّع في الفصل الأخير "حول الدستور المادي"، الذي كان القانونيُّ الإيطالي كوستانيتو مورتاتي K. Mortati أوّلَ من بلور مفهومه، الذي يميّز بين النص القانوني والسياق المادي السائد الذي يمثّل القوّة الحاكمة.

ففي هذه الحالة، تسعى القوّة السياسية المسيطرة إلى التأثير في فهم ما يُقدَّم للمحكمة الدستورية وفي فهم مخرجاتها كي تحقّق أهدافها. ومن هنا، فإن العنوان الكامل للفصل "الدستور المادي لـ ألبين كورتي" على اسم رئيس الحكومة الكوسوفية الذي تولّى لأوّل مرّة في 20021 الحكم بغالبية من حزب واحد (تقرير المصير)، الذي لم يقم بتعديل الدستور كي يحمل اسمه، بل لكونه يمثّل "السياق المادي" الذي يمكن أن يؤثّر على فهم الدستور.


القلق من الأصولية الدينية

في هذا الكتاب، لا يُعبّر المؤلّف فقط عن قلقه من تأثير "السياق المادي" على نصّ الدستور، بل إنّه يعبّر أيضاً عن تنامي "التغيّر الثقافي" الحاصل للغالبية الألبانية (حوالي 95% من السكّان)، الذي يُهدّد بدوره علمانية الدولة ويُنذر بأن تتحوّل كوسوفو إلى "دولة مسلمين" عوضاً عن "دولة مواطنين".

نموذج كوسوفو مهدَّد مع اقترابه من الاتحاد الأوروبي 

وينطلق المؤلّف من أنّ بعض الدول الأوروبية كانت لها تحفّظاتها على التدخّل العسكري لحلف "الناتو" في 1999 لإخراج القوّات الصربية من كوسوفو، خشية من أن يؤدّي ذلك إلى بروز "دولة مسلمة" في كوسوفو، وهو ما عبّرت عنه صراحة وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت في مذكّراتها. فالتموضع الجيوسياسي، حسب المؤلّف، هو الذي يُقرّر سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه كوسوفو، ولذلك فإنّ تحوُّل كوسوفو إلى "دولة مسلمة" يمكن "أن يُغيّر بشكل جذري مقاربة أوروبا والغرب تجاه كوسوفو".

ويبدو أنّ المؤلّف يبالغ في هذا القلق، لأنّ ألبانيا المجاورة، وهي أوّل دولة أوروبية بغالبية مسلمة (70%)، كانت قد دخلت "عصبة الأمم" في 1920 وأقرّت في العام ذاته مع الولايات المتّحدة الأميركية حقّ المرأة في الانتخاب. ولذلك يحاول المؤلّف في لقاء معه (جريدة "إكسبرس"، 29 آذار/ مارس 2024)، أن يوضّح ذلك بالقول "إنّ قلقي الأكبر من الانتشار الخرافي للإسلام الراديكالي بين الكوسوفيّين، أي الإسلام السلفي والأيديولوجيات التي تدعم ذلك"، لأنّ "الإسلام التقليدي، الإسلام الحنفي، لم يجلب معه أصولية عبر القرون السالفة ولم يخلق مشكلة في التواصل مع الغرب".

وفي الحقيقة إنّ الزائر العربي أو المسلم لكوسوفو لا يخرج بمثل هذا الانطباع، حيث إنّ الكاتدرائية الكاثوليكية الضخمة في قلب العاصمة بريشتينا التي تواجه المكتبة الوطنية التي تحمل اسم القسّ بيتر بوغداني المعروف بكتاباته المعادية لرسول المسلمين لا تُوحي بذلك، بل بتعايش تاريخي بين الكاثوليك (حوالي 2%)، وبين الأغلبية المسلمة. ولكن هذا لا ينفي أنّ "الأصولية" وصلت إلى كوسوفو في أواخر القرن الماضي بدعم من بعض الدول العربية، على اعتبار أنّ الألبان ليسوا مسلمين حسب معايير الأصولية الموجودة هناك. ولكن هذه "الأصولية" التي جاءت بدعم كبير من الخارج لم تعد مرغوبة أو موجودة في موطنها الأصلي، ولذلك فإنّ وجودها لم يعد يحظى بدعم أو تمويل الموطن الأصلي لها، وبالتالي لن تشكّل تهديدا لـ"التيار العام" الموجود عند المسلمين في كوسوفو كما يصوّره المؤلّف.

والمهمّ هنا أنّ الهيئة التي تُمثّل المسلمين دستورياً (الجماعة الإسلامية)، بما لديها من مدارس وكلّية جامعية منخرطة تحت مظلّة جامعة بريشتينا الحكومية وبما تصدره من مجلّات وكتب، والمسؤولة عن الجوامع في كلّ كوسوفو، هي المعيار في الحُكم على طبيعة الإسلام والمسلمين في كوسوفو، وليست أيّة جهة أُخرى تدّعي احتكار فهم الإسلام وتمثيله لتُشكّل مثل هذا القلق عند المؤلّف.


* كاتب وأكاديمي كوسوفي سوري
 

المساهمون