من دروس كوباني للأكراد

من دروس كوباني للأكراد

11 أكتوبر 2014

عائلة لاجئة من عين العرب إلى تركيا (25سبتمبر/2014/Getty)

+ الخط -

كانت مدينة عين العرب "كوباني" من أوائل المدن المنتفضة في سورية ضد نظام الأسد بعد درعا، لما عرف من كرم أهلها وشهامتهم ونخوتهم، وتميز الحراك السلمي فيها بزخمه الشعبي المنظم، وكانت المظاهرات في كل سورية تحيي أهل كوباني، وبرز النشاط السياسي لأحزاب كردية وطنية، إلى أن جاء حزب العمال الكردستاني، حليف الأسد، ممثلاً بحزب الـ "ب ي د" ليفرض سطوته "البعثية" بقوة السلاح، فكمم الأفواه، ولاحق الناشطين الكرد، قبل العرب، وكأن أهلنا الكرد استبدلوا طاغية بآخر.

تعرض أهلنا الأكراد للاضطهاد من نظام الأسد البعثي مرتين، مرة لأنهم سوريون، فجرى عليهم ما جرى على السوريين من ظلم وقهر، ومرة لأنهم أكراد، فالأسد البعثي تاجر بالعروبة، ورفض الاعتراف بغير اللسان العربي، فمنع الأكراد من حقوقهم الثقافية وعاداتهم الشعبية، وضيق عليهم في الدوائر الحكومية والأمنية والعسكرية. وأراد نظام الأسد أن يشطب تاريخاً طويلاً للأكراد، ويعاند سنة الله في اختلاف الألسنة، فلم يكتف بحرمان الأكراد من التعلم بالكردية، بل منع التحدث بين الأكراد بالكردية في الدوائر الرسمية، وغير أسماء القرى والمناطق.

جاء حزب العمال ليوسع الخرق على الواقع، فأنشأ حكوماتٍ مصغرة، هنا وهناك، ادعت زوراً وبهتاناً سهرها على راحة أبناء المناطق الكردية، لكنها حقيقةً كانت تعمل على أمرين: تحييد الأكراد الذين كان لهم دور بارز في بداية الثورة، وثانياً إيجاد شرخ بين العرب والكرد. وسُرّ الأسد بهذه السياسة سروراً، لا يقل عن سروره بالحرب بين الجيش الحر وتنظيم الدولة، وبدأ حزب العمال يتخذ مع مرور الأيام سياسة أكثر وضوحاً تتميز بالعداء الصريح للثورة، والسير بأهلنا الأكراد نحو هدف لم يثوروا من أجله.

كبر الوهم بإقامة كانتونات كرتونية، وأنشأ جيشاً (قوات الحماية الكردية)، ظاهره حماية الأكراد، لكن هدفه الحقيقي قمع أي صوت أو سياسة تخالف توجههم، وخدع أهلنا الأكراد بأن هذا الجيش قادر على حمايتهم من أية قوة، متناسياً أنّ الثورة، لو فشلت، لافترسهم الأسد بين عشية وضحاها، ومتناسياً أن رفض الثوار حمل السلاح في وجه أهلهم هو ما جعل هذا الوهم يكبر.

أما، اليوم، فنرى مشهداً محزناً مبكياً، مئات القرى الكردية تسقط في أقل من أسبوعين، فيتشرد أكثر من 200 ألف من الأكراد والعرب، ويكتب فصل جديد من معاناة السوريين عامة، والكرد خصوصا، وما حدث في هذه الفترة الوجيزة درس يجب أن يدفع أهلنا الأكراد لاستخلاص جملة فوائد، أولها ضرورة الابتعاد عن كل دعوة عنصرية إقصائية انفصالية، فأن تكون كردياً لا يعني أن تتنكر لسوريتك، أن تكون كردياً يعني أن تشارك السوريين ثورتهم، وأن تشاركهم آلامهم ومعاناتهم، ولا تنزوي وتقف جانباً لتقول أنا بخير، فالثورة للسوريين جميعاً على اختلاف انتماءاتهم، العرقية والدينية والطائفية والقومية. فحلم الكردي بحياة حرة كريمة لا يختلف عن حلم أخيه العربي. وحتمية المصير المشترك، فمصيرنا جميعاً واحد، فعلينا أن نشارك بصنع هذا المصير سوية ولا نتنكر لأخينا في المصير. والقوة تستمد ممن يعيش معي على الأرض، وكل قوة مخالفة لهذا الناموس فهي محض سراب، فنحن أقوياء بوحدتنا، ضعفاء بتشرذمنا.

ولا ينبغي أن يمر درس عين العرب "كوباني" مرور الكرام، فالسوريون جميعاً، بمن فيهم الأكراد، يجب أن يدركوا اشتراكهم بالمصير، وأن سورية للجميع وتتسع للجميع، وأن الثورة قامت لتكون سورية للجميع، من دون إقصاء أو تمييز. وأنّ الكانتونات والإمارات والأقاليم والزعامات محض أوهام، لا يجب أن ننخدع بها.