لكي ينتهي الصراع في العراق وسورية

لكي ينتهي الصراع في العراق وسورية

12 اغسطس 2014
+ الخط -

بدت الخطوط العريضة أكثر وضوحاً بعد التدخل الأميركي في العراق، فهو بصورته الحالية (الاقتصار على القصف الجوي) يؤكد النظرية القائلة إن أميركا لا تريد إنهاء الصراع في المنطقة، بل تبغي إدارته، فأميركا لا تريد أن ينتصر طرف على آخر، وتقدم بتدخلها خدمة ذهبية لتنظيم الدولة الإسلامية، وهو تدخل سيضفي نوعاً من الشرعية على التنظيم، لأن الموروث الجمعي في المنطقة يؤيد من يقفون ضد أميركا، والتأييد الأميركي للعدوان الصهيوني على غزة رسخ هذه القناعة، فأميركا الإمبريالية عدوة المستضعفين، وواهم من يظن أن الحاضنة الشعبية للتنظيم ستتأثر، بل ستزداد أفقياً وعمودياً، ودعوات الجهاد في المساجد والخطب الحماسية والشحن العقائدي وسيطرة الخطاب الغرائزي، بعد الضربات الأميركية، كل ذلك يثبت أن التنظيم  يستثمر هذا التدخل جيداً، وسنرى في الأيام المقبلة أفواجاً من المجاهدين، ينضمون إلى التنظيم، تحت راية العداء لأميركا وحلفائها.

نعود إلى النقطة الأولى، والتي تقول إن أميركا تدير الصراع من دون حله. أميركا دعمت نوري المالكي، على الرغم من معرفتها بممارساته الإرهابية والطائفية، من خلال ميليشيات طائفية منظمة، تمول وتدعم من الدولة، لكنها سرعان ما تخلت عنه، وبالأمس القريب انتقدت الأكراد، واليوم تساند البشمركة بغطاء جوي. أميركا تدعم الأطراف كلها لزيادة الاحتقان الطائفي، ودعمه وتغذيته بصراع قومي رديف، بإدخال الأكراد في دوامة الموت.

ويدرك العقلاء أن التدخل الأميركي، بصورته الحالية، لن يحل المشكلة، بل سيعقدها، فأميركا لم تستطع تحقيق شيء، بالاحتلال المباشر والغزو من الأرض والجو، بل أسفر تدخلها السابق واحتلالها العراق عن تعقيد الأزمة، وجعلها مفتوحة على صراعاتٍ لا تنتهي، وما يحدث، الآن، من فوضى وممارسات طائفية لحكومة المالكي، تتحمل أميركا المسؤولية الكبرى عنه.

فما الحل الذي يجب أن نبدأ به، ولا تريده أميركا وحلفاؤها؟ الحل يبدأ برفع الظلم عن الأكثرية، وإعطائها حقوقها، لا الاستمرار في دعم نخب من بعض الأقليات على حساب حقوق الأكثرية، فهذا الشكل من السيطرة في المنطقة على مفاصل القرار مخالف لكل القوانين والنواميس، وليس معنى ذلك إبادة أو إلغاء أو حرمان الأقليات حقوقها. وليس المقصود، هنا، الأكثرية الدينية أو العرقية فحسب، إنما الأكثرية السياسية، فدعم أميركا عبد الفتاح السيسي، بانقلابه وسحقه إرادة الأكثرية السياسية في مصر، يجعل مصر على صفيح ساخن، شبيه بما يحدث في سورية والعراق.

شعور الأكثرية بالظلم يدفعها إلى اتخاذ قرارات صعبة، قد تكون غير راضية عنها، فتقديم أميركا الدعم للمالكي ثم للأكراد، وقبل ذلك للأسد، بمنعها تسليح الثوار بالسلاح النوعي، ذلك كله يعزز نظرية المؤامرة في العقل الباطني للأكثرية.

وتصب المواقف الفرنسية تجاه ما يحدث للمسيحيين في هذا الاتجاه، فالمسيحيون جزء من أبناء المنطقة، وتعرضَ غيرُهم من أبناء المنطقة (السنة) للإرهاب والقتل والتهجير عبر سنوات، من قوات المالكي والأسد الطائفية، أكثر مما تعرضوا له، فقد قتل الآلاف من أبناء السنة وهُجّر الملايين، وأصبحت هناك مناطق خالية من المكون السني. الكيل بمكيالين وتفضيل الأقليات على الأكثرية يسهم في إعطاء الصراع بعداً لا يريده عاقل، أميركا تقلق على مستقبل العلويين في سورية، والقيادة العلوية هي من قتلت وهجرت أكثر من عدد العلويين. كيف يريد الغرب من الأكثرية أن تنظر للمسألة، وهم يرون أنفسهم مجرد أرقام لا قيمة لها، فلا أحد يكترث بحقوقهم، ولا أحد يعير اهتماماً لمعاناتهم وآلامهم، بل لا أحد يهتم إن بقوا أحياء أو تمت إبادتهم، ودكت بيوتهم فوق رؤوسهم.

يبدأ الحل برد الحقوق إلى أصحابها، وإعطاء كل ذي حق حقه، أياً كان صاحب الحق، والمنصف لا ينخدع بالشعارات الإعلامية، بل ينظر بعين الحقيقة، ويضع الأمور في سياقاتها الطبيعية وحجمها الطبيعي، فما يُنسب إلى تنظيم الدولة الإسلامية من أعمال إرهابية لا يأتي نقطة في بحر إرهاب الأسد والمالكي، فهما قائدان عامان لقوات مسلحة، يديران ميليشيات طائفية، تقتل المدنيين الآمنين، وتهجرهم وتقتلهم على الهوية، وهما اللذان يمثلان حكومات معترفاً بها، وما هو مطلوب منها هو حماية كل مكونات الشعب.

لا نقف مع ممارسات تنظيم الدولة الإسلامية، ولكننا نريد حلاً ووقفاً لشلالات الدماء، فالخطأ لا يواجه بخطأ أكبر منه، الحل يبدأ برسم خارطة من أبناء المنطقة، يقررون فيها مصيرهم، ويختارون عبرها من يحكمهم، تستند إلى العيش المشترك، الذي يكفل الحقوق، ويسمح للأكثرية برسم مستقبلها بعيداً عن تحكم الأقلية. والاعتماد على أميركا بإنهاء الصراع يعني بقاءه مفتوحاً، لأن أميركا تريده صراعاً مفتوحاً لا نهاية له.