لماذا ينتسب سوريون إلى داعش؟

لماذا ينتسب سوريون إلى داعش؟

03 سبتمبر 2014
+ الخط -


انتسب، الشهر الماضي، أكثر من ستة آلاف مقاتل سوري لتنظيم الدولة الإسلامية، داعش، وفاجأ هذا الرقم المتابعين وأرعبهم، فكيف ينتسب سوريون لتنظيمٍ يحارب الثوار السوريين، ويعدهم مرتدين ويحارب ثورتهم، ولو دقق هؤلاء قليلاً، لوجدوا ذلك طبيعياً ويسير وفق الظروف الموضوعية، فكلنا يدرك حقيقة أن التنظيم كان يتسم، في بداية وجوده، بغلبة العنصر الأجنبي الساحقة على مقاتليه، أمّا الآن فقد تغير الأمر بعد أن تقاطر السوريون للانتساب للتنظيم بأعداد كبيرة، فبتنا نرى تدافع الشباب على مكاتب الانتساب، وانخراطهم في المعسكرات التدريبية للتنظيم، ولم يقتصر ذلك على الشباب الجدد، بل انتسب إليه وبايعه مقاتلون كثيرون في الجيش الحر والفصائل الإسلامية، حتى شهدنا مبايعة كتائب وألوية كاملة للتنظيم، وما مبايعة لواء داود للتنظيم بعيدة عنا.

فما الأسباب التي دفعت السوريين، على اختلاف مشاربهم، إلى الانتساب للتنظيم؟ هناك أسباب عديدة لذلك الانتساب، فنحن الذين نعيش في مناطق التنظيم، نرى ذلك كما قلنا، شيئاً مألوفاً، لأنه ينسجم مع الظروف الموضوعية لهذه الظاهرة، وهذه الأسباب الموضوعية تتمثل بـ:

-المظلومية، فقد شعر السوريون بظلم جديد كبير يقع عليهم، إضافة إلى ظلم الاستبداد الذي استمر عقوداً، فبعد انطلاق الثورة، أُضيف لظلم بشار الأسد الظلم الطائفي، فرأى السوريون الحشد الطائفي من حزب الله والميليشيات العراقية وممارساتها الوحشية ومجازرها الرهيبة، فآمنوا أن الحديد يفل بالحديد.

-تخلي العالم عن الثورة السورية وتآمره عليها، رأى السوريون السلاح والرجال يتدفقون على النظام من الشرق والغرب، ورأوا كيف منعت القوى العظمى، ممثلة بأميركا، تزويد السوريين بالسلاح البسيط، في حين يُشحن بالطائرات حين يهدد حلفاء الغرب في أربيل، أو غيرها، بل ويُدعم بغطاء جوي، في حين يسمح للبراميل المتفجرة أن تسقط أمطاراً على السوريين، من دون منحهم حقّ الدفاع عن النفس، فأيقن أن الغرب لا يبالي بالدم السوري، ويعمل على إدارة الأزمة وإطالة الصراع، فلجأ إلى التطرف حلاً، يواجه به هذه المؤامرة.

-تحول الثورة السورية في جزء منها إلى صراعٍ طائفي، بعد أن كانت ثورة حرية وكرامة، فعمل التنظيم، منذ اليوم الأول، على زرع الفتنة الطائفية، وتصوير الثورة على أنها صراع بين الطوائف، ونجح، إلى حد ما، بذلك بزج ميليشيات طائفية إرهابية حاقدة لتقمع الثورة والثوار.

-التنظيم والتخطيط وامتلاك التنظيم القيادة والسيطرة، في حين بقي الثوار يفكرون بعقلية الفرد، فعملية هنا وأخرى هناك، فقلت المكاسب مقارنة مع حجم التضحيات، ودخلت العناصر الفاسدة الثورة وشوهتها، مستغلة عدم وجود قيادة عسكرية موحدة تسيطر وتتحكم، وكان لهؤلاء المتسلقين أثر سلبي بنفور فئة من الشباب، وتوجههم إلى تنظيم الدولة الإسلامية الذي يمتلك قيادة منظمة.

-الدعم المادي السخي لتنظيم الدولة لعناصره، في حين ترك معظم الجيش الحر والثوار بلا أي دعم، ولما طال أمد الثورة شق ذلك على المقاتلين، فاعتزل قسم القتال، وتوجه يبحث عن مورد رزق لعياله، وتوجه آخرون نحو التنظيم الذي قدم رواتب ومكافآت سخية لعناصره، كفتهم ذل السؤال والحاجة، وجعلتهم في بحبوحة من العيش.

-سحر القوة، ركّز التنظيم على الجانب الدعائي، وصور عنصر التنظيم على أنه البطل المغوار الذي يقتحم الموت من دون خوف  ليجعله على رؤوس أعدائه، واستهوت قوة التنظيم شباباً كثيرين.

-عداء المجتمع الدولي وتخوفه من الفصائل الإسلامية المعتدلة والبعد الإسلامي للثورة السورية، وتجلى ذلك عبر الشعارات الإسلامية، ونسي الغرب أن الشعب السوري متدين تديناً معتدلاً، وأن الإسلام الوسطي سمتهم العامة والمتأصلة فيهم، لا يمكنهم أن يتخلوا عن دينهم إرضاء للغرب، وزاد خوف الغرب من التوجه الإسلامي للثورة السورية، متناسياً وسطية السوريين واعتدالهم، وأسهم هذا العداء والخوف من الإسلام المعتدل لانتقال عدد لا بأس به إلى خندق التطرف، لأنه اعتقد أن الغرب والعالم يستهدفه في دينه، فلجأ إلى التطرف.

-عزف التنظيم على وتر العاطفة الدينية، وجذب الشباب المتحمس من خلال خطاب ديني يعوض حالة النقص والضعف التي تعيشها الأمة، فرفع راية النبي، صلى الله عليه وسلم، وأعلن الدولة الإسلامية، ثم الخلافة الإسلامية التي تذكّر وتوحي بأيام العز والمجد لأمتنا.

هذه عوامل دفعت سوريين إلى الانتساب للتنظيم، ودفعتهم، في الوقت نفسه، إلى قتال إخوتهم الثوار الذين كانوا يقفون معهم في خندق واحد ضد الأسد، فاعتقد هؤلاء المنتسبون عقم الطريقة التي يسلكها الثوار، لتخليص الأمة، واعتبروا مشروع الثوار خيانة للأمة، وإرضاء للغرب.

وللأسف، نرى من معايشتنا الواقع، أن هذه العوامل والظروف مستمرة، ما يعني استمرار تدفق السوريين على التنظيم ورفدهم له، وزيادة توجه قسم من السوريين نحو التطرف. ولكي نوقف ذلك، ينبغي تغيير الظروف الموضوعية، أي ينبغي إزالة الظلم، ولجم الميليشيات الطائفية والغزاة العابرين للحدود، المتسلطين على رقاب السوريين، وتقديم دعم حقيقي للثورة السورية، وتقبل أصحاب التوجه الإسلامي المعتدل، فعندها، لن يقف انتساب السوريين للتنظيم فحسب، بل سنجد المنتسبين يتركون التنظيم، لأن الأصل في السوري الاعتدال، وقبل كل ذلك تبني خطاب فكري حضاري، لا يتنكر لماضي الأمة وموروثها الديني والثقافي، فالفكر يحتاج فكراً أقوى منه.