}

في ذكرى رحيل لوركا الإيراني سعيد سلطانبور

27 يونيو 2017

مرّت قبل أيام قليلة الذكرى السادسة والثلاثون لإعدام الشاعر والمخرج المسرحي والناشط اليساري الإيراني سعيد سلطانبور، المولود عام 1940، في مدينة سبزوار التابعة لمحافظة خراسان الإيرانية. تعود شهرة هذا الأديب اليساري إلى أنّه يُعدّ أحد مبتكري ما يسمى بمسرح الشوارع في إيران، كما أنّه من الشعراء القلائل الذين أحيوا ندوات شعرية في المركز الثقافي الألماني، فضلاً عن نضاله السياسي. كانت والدته معلمة، وهو أيضاً عمل في مجال التدريس في مدارس جنوب طهران وذلك بعد حصوله على شهادة الإعدادية؛ وهناك تعرّف على المشكلات الاجتماعية، وشارك في جبهة المعلمين المعارضة للنظام الملكي في عام 1961.

التحق سلطانبور بمدرسة آناهيتا للفنون المسرحية، ومارس فيها نشاطه الفني بجانب الدراسة الجامعية. وخلال سنوات دراسته الجامعية ساعد في إخراج مسرحية الأخوات الثلاث لأنطوان تشيخوف، كما أنّه أخرج مسرحيات أخرى بالتزامن مع منع ديوانه (صوت على وشك الموت) من النشر، لأنه كان قد تنبأ بسقوط النظام الملكي في قصائده.

وفي عام 1969، وبعد عام من الجهد المتواصل من أجل الحصول على رخصة لعرض مسرحيته، أخرج "عدوّ الشعب" للكاتب المسرحي النرويجي هنريك إبسن، وفي الليلة الحادية عشرة للعرض اقتحم مأمورو الأمن (السافاك) المسرح وأغلقوا الصالة، ليعتبره النظام "فناناً خطيراً".

وفي عام 1970 وأثناء الحركة المسلّحة المعارضة للنظام الحاكم في غابات سياهكل، شمالي البلاد، عرض سلطانبور مسرحية "المعلمون" لمحسن يلفاني. وهاجم السافاك الصالة مرة أخرى واعتقل المخرج والكاتب والممثلين وعذّبوهم. اقتيد سعيد للمحكمة العسكرية الملكية واضطرت الحكومة لإطلاق سراحه وذلك لعدم توفر الأدلة التي تدينه. وفي ذلك الوقت طبع كتابه" نوع من الفن، نوع من الفكر" بطريقة سرية. وبعد سنتين طُبع هذا الكتاب للمرّة الثانية ليُلقى القبض عليه مجدداً بتهمة إعادة نشر كتابٍ ممنوع. وبعد إطلاق سراحه، عرض على المسرح مسرحية "وجوه سيمون ماشار" لبرتولت بريشت احتجاجاً على إقامة احتفالات 2500 على الحكم الملكي في إيران.

وفي عام 1977، وبعد تراخي قبضة الأمن، أحيا المركز الثقافي الألماني بالتعاون مع اتحاد الكتاب الإيراني أمسيات شعرية وقصصية لمدة عشرة أيام في حديقة السفارة الألمانية، شارك فيها سلطانبور وأدباء كبار ينتمون إلى أحزاب مختلفة... وهنا أصبح الشاعر اليساري معروفاً خارج بلاده حيث كتبت الصحافة الألمانية عن مسرحياته مع ترجمة بعض قصائده.

 

نظام جديد ولكن قمعي

وبعد سقوط النظام البهلوي رشّحته منظمة "فدائي خلق" اليسارية في انتخابات البرلمان عام 1979، وألقى خطاباً أمام مئة ألف شخص هاجم فيه الحكومة الإسلامية. وفي العام التالي، وبعد فشله في الوصول إلى البرلمان، اعتقله الحرس الثوري أثناء توزيعه منشورات حزبية معارضة للنظام الحاكم، أمام جامعة طهران.

أقام سعید سلطانبور المسرحيات في الشوارع من ضمنها مسرحية باسم "السيد عباس عامل مصانع إیران ناشيونال"، أمام المارّة الذين استقبلوا هذه المسرحية بحفاوة، إلا أن رهطاً من أنصار المحافظين المتشددين هاجموا الممثلين، ولم يسمحوا لهم بتقديم عروض مسرحية لاحقاً. كما أن الرقابة منعت طبع هذه المسرحية فضلاً عن مسرحياته الأخرى وقصائده، وهي ممنوعة حتى الآن.

وبعد الانشقاق الذي حصل في منظمة فدائي خلق إلى شقّين، انضمّ سلطانبور إلى شقّ الأقلية المُطالب باستمرار النضال المسلّح؛ وفي الخامس عشر من نيسان عام 1981، وبعد استقرار النظام الجديد وتصفية الأحزاب، اعتقلته عناصر من الحرس الثوري في ليلة زفافه، وبعد 66 يوماً من التحقيق والتعذيب، أعدم رمياً بالرصاص في سجن إيفين، من دون أن تجرى له محاكمة، حسب ما جاء في البيان الرسمي الذي أذاعه التلفزيون الإيراني.

عاش سلطانبور 41 عاماً قضاها بين السجون والمسرح، ويعدّه بعضٌ "لوركا" إيران، وذلك لظروف موته الشبيهة بالشاعر الإسباني الراحل فدريكو غارسيا لوركا، ومازالت حتّى الآن كتب سعيد سلطانبور ممنوعة من التداول إلا أن قصائده تنشر في دوريات الحزب الشيوعي وكذلك لدى منظمة فدائي خلق المحظورتَين.

وهنا نقدم بعضاً من قصائده:

صدقيني

لم أكن شاعراً...

وأهل المدينة شهود،

ففي تلك الأيام

ما من قافية

كانت تستقر

في يدي الصغيرتين...

إنني كنت مجرد صورة "أبيض وأسود"

لأيامي الماضية

حيث أنها كانت

تعلق أحياناً

على ذهن زقاق الليل الطيني

بعيداً عن أعين العسس،

وبالتماس،

تلقي التحية

على كافة المارة الظامئين للشمس...

قسماً بالله

هذا فقط!...

لا أدري،

من حلق أي من كلماتي الجريحة

تقطرتِ

ودعوتِ هكذا متمردة وبدلال

قلمي البريء

إلى درب الشعراء المنهكين...

ألم يداعب النوم

جفني ذكرياتك الرماديين؟!

 

***

 

لم أقع في الغرام

فقط

كنتُ قد أخفيتكِ

وراء القوافي

حتى لا تقع عين أي شاعر

عليك...

صدقيني

لم أكن حاسداً

فقط

لم أكن أرغب

أن تصبحي

أفضل بيت في القصيدة

وتلتصقين

بغزليات الشعراء المتجولين...

كنتُ أعلم أنه

من دون وجودك،

ما من شاعر

يعرف قصيدة

غير قصيدة النثر

 

***

 

تحت الليل

مثل دابة جريحة

دققت بحافري الأرضَ

وبكيت

كانت النجمة

مدمرة

وما من أحد سمع

الصراخ الدموي

صرخت

بحنجرة دامية

وما من أحد رأى

مطر الدم

تحت الليل

وتحت السحاب

يا أعظم صرخة

دعيني أطلقك

بحيث أنطلق صوب

قلب النجوم

 

فتعالي للقائي

بصوت مفعم بالشوك والجراح

في ثورة الدماء

 

***

 

نُظمت قصيدتان في داخلي

وكتبتُ قصيدتين

من دون أن تهطل علي السكينة

في "العشق"

تحدثت

عن شراعي يدي

اللذين استسلما كليهما

وفي "الوحدة"

عن قروي لا أملكه

تلزمني قصيدة أخرى

قصيدة لا أعرف ما هي

قصيدة توقظ فيَ

السكينة

مثل رطوبة الأتربة العتيقة

لم أكتب الشعر قط

فقد كنت أنا نفسي

قصيدة

في بعض اللحظات

 

لقد كتبت نفسي

في داخلي، كانت الأشجار كلمات

والينابيع كلمات

والنجوم كلمات

 

وكانت قصيدتي

اصطدام النجمة والشجرة

كانت فوران النبع الغزير

كانت شيء أحاول عبثاّ

أن أفسره

 

غزال بسيقان مبتلة

وبحر من الأعشاب المترعة بالندى

والنسائم العليلة

والرعي

بهدوء

بهدوء

وتقافز قطرات الندى في مسار الغزال

وكل هذا

لا يجعلني أمتلئ.

أريد أن أبكي...

 

****

 

أرغب فيك

يطير قلبي إليك

مثل حمامة متعبة

وكسيرة الجناح

صوب الماء

مثل زهرة حزينة

تنبت وحيدة

في الحلم

وتلتف

تلتف

تلتف

في هالة من الدماء والرماد

بهدوء ومن دون ضجيج

صوب القمر

 

***

 

أرغب فيك

يا منسوجة من الماء والإبريسم

يا صلبة

أنت تحطميني

كالصخرة

أنا ماء

وأنت مثل المياه الهادرة

أنا دوامة

كيف أقول لك

إنني حزين من دونك؟

فالحريق لا يمتزج بالماء

أنت ينبوع منعش

وأنا غروب دامٍ

كيف أضحك من دونك

كيف أسطع من دونك

حين لا أراك

أنت شمسي وأنا زهرة دوار الشمس

يا غاليتي

أرغب فيك

مثل وردة وحمامة

مثل شجرة وماء

يا مائي وقمري

يا صباح الشمس

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.