}

"القمر" في "المقتطف" رائدة المجلّات العربية

ضفة ثالثة 25 سبتمبر 2017
استعادات "القمر" في "المقتطف" رائدة المجلّات العربية
غلاف أحد أعداد مجلة المقتطف

 

 

يُطلقُ جرجي زيدان، في استعراضه المجلّات العربيّة، داخل كتاب (تاريخ الآداب العربيّة)، لقب شيخ المجلّات العربيّة على مجلّة "المقتطف" التي صدر العدد الأوّل منها سنة 1876 م. كانت المجلّة أولى المجلّات العربية صدوراً بعد (اليعسوب 1865) (الجنان 1870) (النحلة 1870) (الجعبة) (روضة المدارس 1870).

أسس المقتطف في بيروت كلّ من يعقوب صروف وفارس نمر، وأدارها شاهين مكاريوس، وكانت تأخذ صِبغةً علميّة صناعيّة رياضيّة زراعيّة، بالإضافة إلى أخبارٍ منوّعة. انتقلت "المقتطف" عام 1886 إلى مصر، يصفها زيدان بأنَّها "خزانة علم وصناعة وزراعة وأدب وشعر، وفيها نخبة ما حدث في هذه النهضة من الآراء والاختراعات والاكتشافات".

اخترنا في هذا الملف مقدمة العدد الأوّل الذي صدر حزيران/يونيو 1876م التي تسلط الضوء على مسائل ما زالت المجلّات تعاني منها في يومنا الحاضر؛ قضيّة تمويل الطباعة، ربط المعرفة بتطوّر الصناعة، نهج الكتابة في المجلّات بين الطويل والقصير والتخصص والتبسيط، والفئة المستهدفة من القرّاء بالإضافة إلى ذلك نرى الحذر من التطرق إلى المسائل الدينية والسياسيّة "إلّا من باب العلم" بسبب الوضع السياسيّ غير المستقر حينها في سوريّة. كما اخترنا من نفس العدد جزءاً من مقالٍ يعرض آراء الفلاسفة والجغرافيين وعلماء الفلك في أحوال القمر ومُخططيه.  

 

مقدمة

لا ريب أنَّ كلَّ مَنْ يقفُ على هذا المثال يسرُّه العمل الذي باشرناه خدمةً للوطن وإجابةً لطلب كثيرين من مُحبي التقدُّم ونشر الفوائد. ولم نستشِر فيهِ أحداً من ذوي الرأي الصائب إلَّا حثَّنا عليه وأبانَ لنا شدَّة احتياج الوطن إلى ما يَتسهّل به الوصول إلى العلم والصناعة كهذا العمل وأمثاله.

ولمَّا رأينا مناسبَة الأحوال لنا ووجوب ذلك علينا بمُقتضى حق الوطن عزمنا مُباشرته على ما بِنا من قصور مستعينين به تعالى، ونِلنا الرخصة السامية فيه من جانب نظارة المعارف الجليلة بهمّة الفاضل عزتلو خليل أفندي الخوري الذي اشتهرت غيرته على صوالح الوطن، وقد أصبحنا مديونين لأساتيذ المدرسة الكليّة السوريّة بالمساعدات التي وعدونا بها. ولنا الأمل الوطيد أن هذه الجريدة تقع عند الجمهور موقع القبول وتُرغِّب الطلاب في إحراز العلم وإتقان الصناعة وإحياء رميمها وترميم باليها لشدّة افتقارنا إليهما كليهما. على أنَّ كثيرين يزعمون أنَّا قد بلغنا من العلم غاية ما يُحتاجُ إليه وأنَّ الأحرى بنا أن نقتصر على طلب الصناعة وذلك غير سديد، أمَا ترى أن الصناعة مؤسَّسة على العلم وإنها إنّما تُتقَن بتهذيب العقل والذوق وأنَّ الصانع الحاذق هو العالِم بأصول صناعتهِ وحقائقها وهذه لا تُعرف جيداً إلَّا بدرس ما تأسست عليه من المبادئ العلمية. وكفانا بُرهاناً على ذلك أنَّ الإفرنج وغيرهم من الذين أتقنوا الصنائع يجتهدون في تعليم الأفراد غاية الاجتهاد، وبعضهم يُوجبُه شرعاً فالأحرى بنا أن نقصد العلوم من حيث تؤَدِي إلى الصناعة جادين في تلك غير مُهملين هذه، ولا حاجة بعدُ إلى الإطالة في ذلك، فكلّ مَنْ وقفَ على مبادِئ العلوم يرى لزوم معرفتها للصانع ولو إجمالاً، ولعلّ هذا المثال يدلُّ على طريقة بحثنا في المواضيع غير أنها تكون فيما بعد أكثر استيفاء كما هو مذكور في محلهِ، وربّما كانت أسهلَ فهماً لأنَّا سنقرّر المبادئ ثم نبني عليها وقد التزمنا هنا أن نفرض كثيراً من مبادئ العلم والصناعة معروفاً فبَنَينا عليه لضيق المقام، وسنسلك تارّةً مسلك التعليم وأخرى مسلك الشرح، ونُوجز تارةً ونُسهب أخرى حسب الاقتضاء. ولمّا كانت مواضيعُنا لا تتداخل في المباحث الدينيّة ولا السياسيّة إلَّا من باب العلم، فكل ما يرد إلينا خارجاً عن هذا الباب غير مقبول، وأما الكتابات العلميّة أو الصناعيّة فنُدرجها تحت اسم مُنشئها، وإذا تيسّر نفوذ هذه الجريدة أقمنا لها مُكاتبين مخصوصين وكبّرنا حجمها وقصّرنا مدَّة صدورها وبالله التوفيق.

 

وقد رأينا على ما تعلّمنا علماً واختباراً أن نذكُر بعض ما يجب مُراعاته في درس المباحث العلميّة والصناعيّة لتتمّ بهِ فائدة المُطالعة على أقرب طريق، وإن كان ذلك إعادةً للعالِم ففيهِ إفادةٌ للطالب. أولاً: العلمُ يُوصف باللّذة ولكنَّ لذته لا يُشعر بها إلَّا بعدَ أن يُذاقَ جيّداً كما أنَّ طعم الطعام لا يُعرف إلَّا بعدما يُحلّله اللعاب وتشعر به الأعصاب فربَّ علمٍ يُسكر به العالم لذَّةً يجده الخالي الذهن منهُ عديم اللذة، فإذا طالعتَ موضوعاً في علمٍ من العلوم ولم يجد من القيمة في نفسك ما يجده في نفس غيرك فاعكف عليه فقلّما تجده قليل الاعتبار، ولكلّما ازددت فيه تعمُقاً ازددت لذَّةً، وكما أنَّه لا بدَّ دون الشهد من إبر النحل هكذا لا بدَّ دون العلم من الكدّ وتشغيل الدماغ لترويض العقل. ثانياً: أكثر ما يُدرج في المُقتطف يقتضي له إمعان نظر، فإذا قرأتهُ قراءة قصّة لم تستفد منه شيئاً وإذا أمعنت النظر في بعضه وأهملت البعض الآخر من موضوع واحد استفدت فائدةً ناقصة وربّما استفدتها فاسدة لتوقّف صحتها على ما أهملت. فتروَّ فيما تقرأ ولا تنتهِ من جملة حتّى تكون قد أدركتها جيَّداً وتمعّن طويلاً، فالقليل مع فهمٍ خيرٌ من كثير بلا فهم، ولا تعتمد على الذاكرة فقط؛ فإنَّ الحفظ غيباً بقطع النظر عن المعنى لا يُفيد إلَّا نادراً والمُعتمد على الذاكرة فقط أوّل مُقصرٍ في ميدان العقول وبتِّ الأحكام، وإذا مللت من موضوعٍ أو كلَّ عصبُ الدماغ فاتركه ريثما تستريح ثمَّ عُدْ إليه، وهكذا حتّى يتضح لك فيسهل عليك حفظه حينئذٍ وقلّما يُخشى عليه من آفة النسيان وذلك وإن تعسَّر أولاً يهون أخيراً.

ثالثاً: إذا استوعبتَ موضوعاً فأطل المذاكرة فيه ليرسخ في ذهنك. قال الشاعر:

     وأطل في العلم مذاكرةً                           فحياةُ العلمِ مُذاكرته

واجهد في أن تقرنَ العِلم بالعمل، فذلك من أفضل ما يُثبتُ العِلمَ في عقلكَ ويُؤّيدُ صحتهُ ويجني ثمرته، وحيثما عُلِمَ وعُمِل زادت الفائدة أضعافاً. وسيأتي عليك ذِكُر كثيرٍ من الآلات البخسة الأثمان على عظمة فائدتها وشِدّة لزومها فلا تخبل على نفسك ووطنك بها، وستقف على ذكر حوادث لا تحصى واقعة تحت الحسّ لا تكلّفك إلَّا الملاحظة والتأمل، أفَما يجب أن تفضّل ملاحظتها على الأحداث الفارغة وقضاء الحياة سُدى. وقد وجدوا بالاستقراء أنَّ العلوم الرياضيّة تُقوي العقل تدربّهُ على الاتجاه بكل قواه نحو أمر ما والانحصار في موضع فلا يتشتت، والعلوم الطبيعيّة تُوّسّعه تُرّقيهِ وتلذُّ له لسموّها وطلاوة مباحثها، والعلوم العقليّة تعصمه مُراعاتها عن ارتكاب الخطأ في فهم القضايا، والعلوم اللغويّة عن ارتكاب الخطأ في تأدية المُراد إلى غير ذلك من الفوائد التي لا تُحصى ولا يُغفلُ عنها. هذا وإنَّا مقرّون بعجزنا عن القيام بحق هذا المشروع ولنا أمل أنَّ الواقف على كتاباتنا يسبل ذيل المعذرة على ما يُرى فيها من الخلل فإنَّ العفو من شيم الكرام وسُبحان من تفرّد بالكمال.

 

في آراء المُتقدمين عن القمر ومُخططيه

قلنا إنَّ اختلاف القمر شكلاً، كان من أعظم البواعث التي حملتْ القُدماء على البحث فيه وذلك على سبيل الترجيح فإنَّه لم يصلنا شيءٌ من آرائهم إلى أيام فلاسفة اليونان وأولهم ثاليس نبغَ سنة 640 ق.م وذهب إلى أنَّ بعض نور القمر ذاتيّ وبعضه مُستمدّ، وذلك لظهور القسم المُظلم من القمر قبل الهلال وبعده بقليل، ولعدم اختفاء القمر تماماً عند خسوفه، وقد وافقه جماعةٌ من المتأخرين على مذهبه. أما الأوّل فيُعَلَّل الآن بأنَّ نور الشمس ينعكس على الأرض إلى القمر ثمَّ يندفع من القمر إلينا فيظهر القسم الذي لا يُصيبه نور الشمس مُنيراً قليلاً، وأمَّا الثاني فبانكسار النور في هواء الأرض إلى القمر فيظهر لنا به. ثم أناكساغوراس نبغَ سنة 500 ق.م وعن ديوجينوس لأرتيوس أنَّ أناكساغوراس ذهب إلى وجود سكّان في القمر وأنَّ البُقع التي على سطحهِ هي جبال وأودية وأنَّه ليس أصغر من المورة في بلاد اليونان فكانوا (يسخرون) به.

 

وذهب أتباع فيثاغورس إلى أنَّ القمر صقيل يندفع النورُ عنه كما يندفع عن المرآة وأنَّ البُقع التي عليه هي صور بحور الأرض وقاراتها. وذهب آخرون إلى أنَّ القمر مسكونٌ وأنَّ سكانه من جبابرة الرجال منهم قدر خمسة عشر رجلاً منَّا، كما أنَّ نهارهم خمسة عشر يوماً، وليلهم كذلك. وقال هيرقليط: الشمس والقمر أركانهما واحدة، وإنمّا القمر أقلُّ نوراً من الشمس لأنَّه محاطٌ بالأثير الكثيف المحيط بالأرض. وقال أوريجنس: نور القمر ذاتيّ والبقعُ التي عليه هي ظلول الأماكن العالية. وذهب كثيرون بعده غير ذلك، إلى أن قام أرسطو فذهب إلى أنَّ القمر صقيل والبقع التي عليهِ هي صورُ بحار الأرض وقاراتها مُنعكسةً عنه. فلو صحَّ ذلك لوجبَ أن يختلفَ منظر القمر كل برهةٍ يسيرة كما يُعرف من قوانين انعكاس النور. وذهب الفلاسفة الرُواقيون إلى أنَّ القمر مركبٌ من النار والتراب والهواء، وأنَّه كرويّ كالأرض والشمس. وذهب فلوطرخس مذهب أناكساغوراس إلى أنَّ القمر ذو جبال وأودية، واستدلَّ على ذلك من الخطّ الفاصل بين القسم المُنير والقسم المُظلم منه.

 

وما زال الفلاسفة يخبطون حتّى قام غلليليو الفيلسوف الشهير سنة 1606 ق.م واصطنع نظارة تكبّر الأشباح 30 مرةً ففحص بها سطح القمر وأثبتَ وجودَ الجبال والأودية فيه، وجعل يقيس علوّ الجبال بتقدير ظلولها حملاً لها على جبال الأرض وظلولها. ثم قام بعده هفيليوس وأخذ في رسم القمر، فعيّن فيه جبالاً ومفاوز وسباخاً وبحاراً وبحيرات وجزائر ورؤوساً وبرازخ، زعمَ أنَّه رأى بعضها بنظارته وحمل البعض الآخر على ما شابهه في الأرض، وأشهر خارطته سنة 1647 للمسيح. وقام بعدهُ كثيرون ذكرهم أستاذنا العلامّة فان ديك صفحة 123 من كتابه المُسمّى أصول علم الهيئة. وقد برع أهل المغرب في تخطيط القمر، وتوصلّوا إلى أخذ صورته بالفوتوغرافيا دفعةً واحدة مع كلّ ما فيه ظاهراً جليّاً. فترى مراصدهم وبيوتهم مُزيّنة بصور القمر على اختلاف أشكاله، وهم يجسمون القمر أيضاً بما يُعرف عندهم بالستيريوسكوب فترى القمر فيه نصفاً واضحاً من الكرة. واعلم أنَّ القمر أشهرُ علّةً من عِلل الخسوف والكسوف والمدّ والجزر، وبه يُعرف الطول، وطالما كانَ محطّاً لقياس الوقت عند القدماء ولا يزال كذلك عند المسلمين.

 

 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.