}

يحدث في الجزائر الآن: جنرال يهدّد وكاتب يتحدّى

بوعلام رمضاني 31 مايو 2019
آراء يحدث في الجزائر الآن: جنرال يهدّد وكاتب يتحدّى
عبد العزيز بوباكير
يحدث في جزائر اليوم أن يتحدّى كاتب فاقد لأي نوع من الأسلحة الثقيلة والخفيفة (عبدالعزيز بوباكير) جنرالا (خالد نزار) خرج في مطلع تسعينيات القرن الماضي بدبابات جيشه لسحق جزء كبير من شعبه فاز بانتخابات ديمقراطية دعاه إليها قادته، ومن بينهم نزار نفسه الذي قال بعظمة لسانه إن الجيش كان يعرف أن الحزب الإسلامي المتشدد سيفوز بها! فهذا الجنرال، الذي لزم بيته الفاخر بعد تقاعده المهني وليس السياسي وتفرجه الإيجابي على حكم الرئيس المخلوع، عاد خلال الأسبوع الحالي إلى واجهة الأحداث مهدداً قضائياً كاتباً ليس ككل الكتاب بسبب كتاب جديد له بعنوان "بوتفليقة رجل القدر" في عز ثورة شعبية قوية بسلمية خارقة تقض مضاجع عرب طغاة ومحترفين في جلد واغتيال كل ثائر كريم، وغربيين منافقين لا يملون التواطؤ معهم حفاظاً على مصالح متبادلة تجددت لعقود، وهي المصالح التي قد تتبدد بشكلها الفاسد إذا ما تمكن شعب الجزائر من صنع تاريخ يحرر الشعوب التي ترفض وتلفظ حرب أيديولوجيي الهيمنة بشعارات تبدو متضاربة شكلياً.

ندوة وكتاب ثم تصريح فانفجار
عاد الجنرال المتقاعد خالد نزار في مرحلة أولى إلى واجهة الأحداث مخترقاً على طريقته ثورة الشعب الجزائري الثانية بتحوله إلى سند عسكري في حلة مدنية للجنرال القايد صالح، شاغل دنيا الإعلام والثقافة والسياسة داخل وخارج الجزائر منذ توليه زمام الحكم بشكل سياسي مؤقت إثر خلع الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة. وتمكن نزار من كشف سياسي لاحق غير بريء ومطبوخ تكتيكيا حسب الكثيرين، ومن تحويل أنظار الرأي العام نحوه رغم أنف أعدائه من الشارع الإسلاموي الحاقد عليه، ومن المثقفين المتعاطفين مع قادته باسم احترام الديمقراطية مهما كانت نتائجها مقابل أنصار الجنرال الذين أيدوا إنقاذ الجمهورية من إسلاميين يكفرون بالديمقراطية ويهمهم الدين وليس الوطن بكافة توجهات أبنائه الدينية وغير الدينية كما يقولون. كان له ما أراد، وصنع الجنرال نزار الحدث في صلب الحرب التي ما زال يقودها رفيق دربه العسكري اللواء صالح ضد عصابة الرئيس المخلوع الفاسدة حسب مثقفين وإعلاميين مؤيدين

لتوجهه في الوقت الذي يعارض فيه مثقفون من توجهات مختلفة مباركتهم لعصابة واحدة تشمل الرئيس المخلوع واللواء الحاكم والجنرال العائد على ظهر ثوار لم ينزل إلى الشارع لمساندتهم والذي لم يتقاعد سياسياً يوماً حسب أناس بسطاء ومثقفين ومتعلمين كثر. تسارعت أحداث مسلسل الثورة الشعبية في تفاعلها مع المثقفين، وكتب الجنرال العائد من زمن مظلم وتاريخي منير في الوقت نفسه فصل تآمر السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس المخلوع، والجنرال مدين المعروف بـ"توفيق"، صانع الرؤساء وشخصيات أخرى، للإطاحة باللواء القايد صالح الأمر الذي أحدث ضجة في الأوساط الإعلامية والفكرية المشتعلة منذ انفجار الثورة الشعبية السلمية على أنقاض عجز نخبة فكرية وأدبية أضحت مخيبة للآمال المعقودة عليها وغير ممثلة لآلام شعبها الثائر كما جسدها بطريقة لم يتوقعها ولم يستشرفها أحد. وفي تطور جديد لاحق لكن ثقافي بامتياز هذه المرة، خرج مثقف غير مسبوق عن هدوئه المعهود وعن رزانته المعروفة لديه ليعطي مسلسل الثورة الشعبية المستمرة حتى ساعة كتابة هذه السطور زخما دراميا مرشحا لتطورات درامية أخرى مفتوحة على كل الاحتمالات الممكنة بعد أن تحدى المثقف الهادئ بكاريزماه وبجرأته وباستعداده للموت مجابها الجنرال الذي ما زال يتحرك بعقلية عصابة تقاوم في الظل كما يعتقد أغلبية الشعب الثائر بواسطة ذباب إلكتروني جندت له إمكانات مادية ومالية خرافية حسب المؤيدين للكاتب بوباكير. وللأسف الشديد لم تقتصر مهمة العصابة المقاومة للتغيير الديمقراطي على الذباب الإلكتروني الجاهل والوسخ والجبان الذي كلف بتشويه صورة المناضلين الشرفاء، وامتدت إلى إعلاميين ومبدعين محترمين راحوا يحطون من شأن كل من يختلف معهم فكرياً وخاصة الذين يعادون العروبة والإسلام والوطن في تقديرهم ويتوقون إلى مجتمع تغريبي تتخذ فيه العلمانية مرادفا للكفر حتما على الطريقة الفرنسية. فاسم كبير مثل عبد العزيز بوباكير غير المحب للضجيج وللأضواء بحكم مزاجه لم يذكر بالاسم في صفحة شخص أعتبره مثقفا كبيرا، والذي اقتصر على الحط من شأن المثقف الذي أبدع مثله لكن بتوجه فكري مختلف عن توجهه، وحز في قلبي فعلاً أن يتعامل هذا الشاعر المحسوب على الإسلاميين مع مثقف يساري بروح أيديولوجية إقصائية وهو الذي ما زال يعاني منها.
مهما يكن من أمر المتصارعين فكرياً على جماجم شهداء حرية الجزائر إلى حد التكفير والتخوين نتيجة الاختلاف في المعتقد والرأي، لا يمكن للضجة التي أحدثها كتاب عبدالعزيز بوباكير إلا أن تزيد من خصوصيته اللافتة بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع توجهه أو مع مضامين ونوعية كتبه التي يقرأها أعداؤه وأنصاره في حدود علمي. وكما كان منتظرا، فإن اشتعال مواقع التواصل الاجتماعي شعبيا ونخبويا تأييدا أو معارضة للكاتب بوباكير ما هي إلا دلالة سميولوجية عميقة وعريضة ناطقة بحضور مبدع لا يمكن لمنصف موضوعي تجاهله أو تهميشه إلى حد عدم ذكر اسمه عند التعليق على كتابه.
التقديس والتكفير أو التأييد والمعارضة حيال حالة اسمها عبد العزيز بوباكير حقيقة مستمرة بوجهيها حتى لحظة كتابة هذه السطور، والضجة الإعلامية والسياسية التي فرضها عليه الجنرال نزار بعد تفجيره قنبلة تهديده بالملاحقة القضائية لن تزيد الرجل إلا صلابة مبدئية كما تبين في تحديه الجنرال المطالب بسحب الكتاب أو حذف مقاطع القذف والتشويه كما يعتقد قبل

صدور الحكم القضائي النهائي.
ويجدر الذكر أن صدور كتاب بوباكير "بوتفليقة رجل القدر" عن "دار الوطن للنشر" لصاحبها الروائي كمال قرور سبقته ندوة فكرية نشطها في مقر صحيفة "الحوار"، وهي الندوة التي تروج من يوم لآخر عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع دفع الجنرال نزار إلى استباق أمر انتشارها المرعب بمحاولة تحدثه هاتفيا مع مدير الصحيفة محمد يعقوبي حسب ما جاء في صفحته الفيسبوكية.

الناشر يتحدى الجنرال أيضاً
كما كان منتظرا، لم يعبأ الروائي كمال قرور بإعذار الأستاذ عجال محمد، المحامي المعتمد لدى المحكمة العليا، الذي أرسله له يوم الثامن والعشرين من نيسان، متضامنا مبدئيا مع بوباكير، وعبر عن موقفه في صفحته الفيسبوكية مؤكدا أن داره محترمة ومسؤولة ولا تحجر على الرأي الحر في زمن الثورة التحريرية الجزائرية الثانية، ونشرها كتاب "بوتفليقة رجل القدر" تضمن شهادات أدلى بها الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد لمؤلفه الذي سبق أن أحدث ضجة بنشره الجزء الأول من كتاب مذكرات الرئيس الراحل، والذي سيتضمن في جزئه الثاني حقائق مرعبة عن علاقته بالرئيس المخلوع بوتفليقة، ومن المنتظر أن يصدر الصيف المقبل. ويجدر الذكر أن حرم الرئيس الراحل السيدة حليمة أبدت استعدادها للشهادة في حال محاكمة بوباكير لتأكيد صحة كل ما كتبه عن الجنرال على لسان زوجها.
سخط الجنرال لم يتوقف عند حد محاولة الاتصال بمدير الصحيفة التي أضحت منبرا حرا للكاتب بوباكير الذي قال أمام جمهور لم تسعه الصحيفة: "إن الرئيس بن جديد كان ينادي الجنرال نزار بالمجرم" وأنه ندم على تعيينه وزيرا للدفاع. شاعرنا الكبير سخر منه ولم يذكر اسمه كآلاف الجزائريين الذين يرون فيه أضعف رئيس عرفته الجزائر خلافا لما يعتقده محاوره وملازمه ودارسه بعمق وعن كثب بخلفية معرفية نظرية، وهو اليساري الذي يفترض وفق منطق يساريين بارزين أن لا يهتم بالرئيس اليميني الجاهل والذي كاد أن يسلم الوطن للإسلاميين الفاشيين على طبق من ذهب حتى وإن كانت إرادة الشعب سلاحه في وجه ديمقراطيين أضحوا مؤمنين بالدبابة لإنقاذ الوطن من إسلاميين لا يستحقون الحرية. وكما فعل قرور بنشره نص إعذار محامي الجنرال نزار في صفحته، روج بوباكير على نطاق واسع هذه المراسلة التي تؤكد صحة استمرار قضاء العصابة البوتفليقية التي يقال إنها ذهبت معززة بتضامن آلاف المثقفين الذين هبوا بكل الطرق للوقوف مع مظلوم لا يتقاسمون بالضرورة توجهه ولا تربطهم به علاقة جهوية أو شخصية أو فكرية مثل المؤرخ الكبير محمد الأمين بلغيث الذي قال في أكثر من حديث صحافي إن الجنرال نزار ممثل حزب فرنسا الذي لا ما زال متجذرا في الواقع السياسي الجزائري كما عبرت عنه ملايين الجماهير الشعبية عبر عبقرية هتافات وكتابات مختلفة اللغات والأساليب والوسائل ربطت من خلالها بين تآمر فرنسا ودول خليجية باتت حليفتها بدعوى محاربة الإسلاميين المتطرفين على طريقة حفتر، والذين يتحينون فرصة العودة لتهديد استقرار الجزائر اليتيمة اليوم بعد خلع صانعه.

كُنْ رجلاً وحاكمني!
بوباكير رد عليّ وعلى آخرين يريدون اقتناء كتابه في صفحته قائلاً: "أقول إلى كل من يريد شراء كتابي الذي يريد نزار مصادرته ومنعه أن الكتاب صدر اليوم بكميات محدودة وأنا لا أملك نسخة ". كما رد على الجنرال بعد تهديده بملاحقته قضائيا: "كُنْ رجلا وحاكمني"، ودعاه إلى مناظرة إعلامية في أقرب وقت يدعو لها كل وسائل إعلام الدنيا كما فعل برنار هنري ليفي في جولته الأوروبية بمسرحية فشلت في الحد من النار المشتعلة في البيت

الأوروبي، وهو ما مر معنا في مقال سابق. ويجدر بالذكر أن ليفي زار الجزائر في عز الإرهاب دفاعا عن الديمقراطية كما يفهما نزار وأمثاله من المثقفين الذين اختفوا وراء دبابته، على حد تعبير الروائي الكبير الراحل الطاهر وطار اليساري الذي سبق أن قال لي في مقر الجاحظية وأنا أحاوره حول صحن سمك: "الإسلاميون ليسوا أعدائي.. إنهم من أبناء الشعب الجزائري وتنبأت في رواياتي ببروزهم". مات وطار وبقي حيا في تاريخ الجزائر بمواقفه المثيرة التي أزعجت عشرات المثقفين اليساريين مثله ومن بينهم الذين أيدوا نزار، وسكوتهم اليوم حيال تهديده الكاتب اليساري مثلهم مأساة بكل المعايير علما أن لا أحد يمنعهم من التعبير عن رأيهم مخالفين مبدعاً مثلهم يؤمن أن الشاذلي بن جديد لم يكن خطرا على الجزائر كما كان بوتفليقة والجنرالات الذين أتوا به إلى السلطة التي حاول الرئيس الراحل الذي يقال إنه أمي إصلاحها أفضل من حكام متعلمين سابقين ولاحقين له. وكما يحدث منذ أيام مع مثقفين أصبحوا يدافعون عن القايد متهمين كل مثقف وصحافي يختلف مع تصورهم لحل أزمة الجزائر ببوق حزب فرنسا ـ في إشارة إلى العصابة البوتقليقية التي طردها القايد ويرفض اقتلاعها باسم الدستور الذي داست عليه بحضوره ـ يتكرر سيناريو التهم المؤسسة وغير المؤسسة والتشهير المتبادل من خلال جنرال يحظى بسكوت مثقفين وبتشفي آخرين ويحارب عن طريق آخرين هبوا يناصرون بوباكير مظلوما وليس ظالما ما دام لم يتهور مستغلا ثورة شعبه التي حررت الجميع بل قام بدوره في الظرف المناسب وفي الوطن المناسب حاميا نفسه من مصير منتظر بتسجيلات حية لن تموت حتى بعد رحيله كما أتصور، وذهب بوباكير إلى أبعد من ذلك حينما أضاف يقول إنه يملك حقائق أخرى عن نزار سيكشف عنها في وقتها الأنسب.

التضامن يتسّع ويكبر
مسلسل التضامن مع الكاتب بوباكير يتسع ويكبر في سياق متصل مع رحيل الحقوقي ومعتقل الرأي كمال الدين فخار في مستشفى فرانز فانون إثر إضراب عن الطعام دام شهوراً. وليس كل المثقفين الذين حملوا شعار "كلنا بوباكير" من اليساريين والشاذليين (نسبة إلى الرئيس الراحل الشاذلي). كما أن عددهم يزداد من يوم لآخر، ومن بينهم الإعلامي والكاتب عادل صيادي الذي كتب يقول: "حينما يهدد جنرالا كاتبا فذلك دليل على أن المثقف يسترجع ما أضاعه السياسي المتخاذل". وقال كمال بوفتوحة: "عندما يهدد جنرالا كاتبا فاعلم أن الكلمات أكثر وقعا وتأثيرا من الرصاصات".
أما عبدالعزيز بوباكير، فبقدر ما هو سعيد في تقديري بالتضامن الذي أضحى ثورة داخل ثورة بقدر ما هو حزين كما أعتقد لتحوله إلى نجم رغم أنفه، وهو ناسك في معبد الكتابة، وزاهد في الحياة وفي الكلام.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.