"تزيّنت" جائزة نوبل للآداب هذه السنة 2016 بالأغاني والموسيقى عبر اسم بوب ديلان المؤلف الموسيقي والمغني والشاعر الأميركي. ولعل الخبر المفاجئ فعلًا، أدنى إلى إلقاء تحية وداع خجولة من العولمة المتوحشة التي تعبد المال ولا تتورع عن حرث الأرض والناس، إلى القيم الإنسانية التي طبعت ستينيات القرن العشرين، وأشاعت أوهامًا وأحلامًا عن قدرة البشر على الإيمان بمستقبل أفضل وعلى الإتيان بالخير من خلال الوقوف إلى جانب الحق والضحية والطبيعة. شيء يشبه المقارنة بين مكانين: الغابة حيث لا قانون إلا المال والسلاح، والأم الطبيعة حيث البشر كما في الكتب السماوية متساوون، وكما أيضًا في أغاني فرقة البيتلز - خصوصًا جون لينون - والرولينغ ستون وغيرهما الكثير من أيقونات الموسيقى الشعبية الغربية بأنواعها الوفيرة.
تتسق الأمور من تلقائها ما أن يتصفح المرء صفحة بوب ديلان على موسوعة الويكيبيديا، فلا عجب أن يكون "جيل البيت" Beat Generation، بشعرائه وكتّابه مصدر إلهام لديلان، الذي كتب الشعر وألف له موسيقى جميلة، وغناه أيضًا. ربمّا أرادت جائزة نوبل للآداب هذا العام النفاذ من كلمات الأغاني، باعتبارها المنصة الأقرب إلى الشعر والأدب، لتظهر جائزة بروح العصر، غير متشبثة بقوانين أكاديمية صارمة.
فالمتأمل في كلمات أغاني ديلان، لن تنقصه الفطنة ليدرك أصداءها الاجتماعية ومنابعها المنحازة للعدالة والميالة إلى السلام، كما في أغنيته / قصيدته الشهيرة: "Blowin' in the Wind" (من الممكن ترجمتها بـ تذروه الرياح)، حيث يقول :"كم سنة يستطيع بعض الناس العيش، قبل أن تتاح الحرية لهم؟/ وكم مرة يستطيع المرء الإشاحة بوجهه/ متظاهرًا أنه لا يرى شيئًا؟/ الجواب يا صديقي، تذروه الرياح/ عبثًا صديقي تذروه الرياح". ولعلّ السياق الذي أنتج أغاني/ قصائد مماثلة، كان في بال اللجنة التي من باب شعر الأغاني، اصطفت ديلان لهذا العام.
وإن بدت المسافة بعيدة كل البعد بين كلمات الأغاني والأدب، فإن تفصيلًا صغيرًا قد ينقصها؛ إذ لا أعرف شاعرًا واحدًا لا يتمنى علانية أو سرًا أن تخرج كلمات قصائده من الورق صوب النوتات والأغاني. ففي الترنم بالكلمات الدؤوبة، حياة للقصيدة.