}

حسونة المصباحي: الشعر يعلمنا التكثيف وتجنب الثرثرة

عماد الدين موسى عماد الدين موسى 6 فبراير 2020
حوارات حسونة المصباحي: الشعر يعلمنا التكثيف وتجنب الثرثرة
"أكتب في كل مجال والشعر أبو الفنون جميعها"
في حديثنا مع الكاتب والروائي والمترجم التونسي حسونة المصباحي نُعرّج على أبرز المحطات في مشواره الأدبي، حيثُ نتوقف بدايةً عند قضائه أكثر عقدين من الزمن في المغترب، ومن ثمّ نذهب إلى البدايات حيثُ روايته "هلوسات ترشيش" والتي تحتفي بالهامش أو ما يسمّى بعالم الظل والشقاء الإنساني، كما نتوقف عند روايته "لا حداد على أمي" والتي حصدت مؤخراً جائزة الترجمة في معرض تونس الوطني للكتاب، فكتابه "كتاب التيه" والذي يؤرخ من خلاله العديد من رحلاته إلى بلدان غربية وعربية.

ضيفنا، المولود في ريف القيروان سنة 1950، تحصل على جائزة محمد زفزاف للرواية العربية بالمغرب سنة 2018، صدرت له ثلاث مجموعات قصصية هي "حكاية جنون ابنة عمي هنية"، "ليلة الغرباء"، "السلحفاة". كما أصدر عدداً من الروايات، نذكر منها "الآخرون"، "وداعاً روزالي"، "نوارة الدفلى"، "حكاية تونسية"، "هلوسات ترشيش".
ترجم من الفرنسية إلى العربية عشرات المؤلفات، منها "أصوات مراكش" لإلياس كانيتي، "قصص للأطفال" لجاك بريفير، "الحب هو البراءة الأبدية" منتخبات من الشِعر العالمي، "رسائل إلى صديقة من البندقية" لراينر ماريا ريلكه.
هنا حوار معه:

 (*) أقمتَ لأكثر من عقدين في مدينة ميونيخ الألمانيّة، تاركا خلفك طفولة ما تزال حاضرة في متخيلك الأدبي إلى حدود اليوم. كيف تنظر إلى الأوقات التي قضيتها هناك خاصة في لحظة الطفولة والشباب؟

- أقمت في ميونيخ أزيد من عشرين سنة ثم عدت إلى بلادي في نهاية عام 2004. ويمكن أن أقول إنني اكتسبت في غربتي الطويلة تجربة مهمة للغاية في مجالات عديدة. لذا يمكن أن أقول إنني أصبحت كاتبا حقيقيا وأنا في ميونيخ لأن المسافة بيني وبين وطني، وبين محيطي العائلي والاجتماعي سمحت لي بأن اتأمل حياتي السابقة بهدوء وتمعن، وأن أغوص في عالمي الداخلي بعيدا عن المؤثرات الخارجية. ولعلي كتبت أجمل قصص عن طفولتي في ريف القيروان، وعن قسوة الحياة فيه، وعن أهلي هناك وأنا في ميونيخ أنظر إلى تهاطل الثلوج من خلال النافذة.

 

(*) تعد اليوم أحد أبرز الأسماء الأدبية العربية التي اشتغلت على الهامش، خاصة في روايتك "هلوسات ترشيش"، باكورة إنتاجك الأبدي. ماذا يمكن أن تقول للقارئ عن هذه الرواية؟
- "هلوسات ترشيش"، روايتي الأولى، عكست قصة جيلي الذي عاش الأوهام والأحلام ليجد نفسه أخيرا ضائعا، ولا سند.

والوعي بذلك كان له وقع مأساوي على الكثيرين. ونحن نتبين ذلك من خلال عبد الفتاح الذي اختار المنفى بحثا عن الخلاص، وأيضا من خلال ياسين الشاعر الموهوب الذي ينتحر بعد أن يفقد الأمل في بلاد يحكمها طاغية، وفيها استفحلت الأمراض السياسية والاجتماعية التي استغلتها الحركات الأصولية المتطرفة والعنيفة لكي تهيمن على العقول والنفوس، وتجر الشباب الى الإرهاب و"الجهاد المقدس". ورغم أن الرواية تعكس أجواء أوضاع عاشتها تونس في السبعينيات وفي الثمانينيات من القرن الماضي، فإنه يمكن القول إنها لا زالت تجسد الواقع التونسي اليوم في مختلف تجلياته.  

 

(*) روايتك "لا حداد على أمي" حصدت مؤخراً جائزة الترجمة في معرض تونس الوطني للكتاب. ماذا تعني لك هذه الجائزة؟
- "لا حداد على أمي"، رواية كتبتها بعد أن عدت من ألمانيا، وفيها رسمت صورة لأحوال الشباب الذي يعاني من اليأس، ومن الإهمال والتهميش، ومن عوامل أخرى كثيرة تدفع الكثيرين إلى أن يرموا بأنفسهم في مراكب الموت طمعا في الوصول إلى "الجنة الموعودة" التي هي أوروبا، أو هم يتحولون إلى منحرفين ومجرمين، أو ينخرطون في حركات أصولية طمعا في الفوز بالجنة بعد أن تيقنوا أن لا مكان يليق بهم في الحياة الدنيا. والشاب علاء الدين الذي يحرق أمه في روايتي المذكورة هو أنموذج للشبان الذي يدفهم اليأس، والفقر، إلى ارتكاب أفظع الجرائم.

 

(*) صدر لك قبل أشهر قليلة عن دار نقوش عربية كتاب بعنوان "كتاب التيه" مؤرخا من خلاله العديد من رحلاتك إلى بلدان غربية وعربية. إلى أي حد يمكن اعتبار هذا الكتاب تثمينا للرحلات التي شهدتها المنطقة العربية منذ القرن التاسع عشر؟
- "كتاب التيه" هو مجموعة نصوص كتبتها من وحي رحلاتي الكثيرة عبر مدن عربية وأوروبية. ومن خلال هذه الرحلات يكتشف القارئ ثقافات مختلفة، ويتعرف على شعراء، وفلاسفة، وفنانين تركوا بصماتهم واضحة في هذه المدينة أو تلك. لذلك يمكن القول إن كتابي عكس ما يمكن أن يسميه بـ"رحلة الاكتشاف والمعرفة". كل نص هو في الحقيقة مفتاح لمدينة عربية أو أوروبية، وجولة في تاريخها من خلال شعرائها وكتابها وفنانيها.

 


 المصباحي.. تأمل الحياة بهدوء وتمعن


















(*) برأيك؛ ما الفرق المنهجي والتخييلي بين كتابة الرحلة واليوميات؟
- كل واحد منهما له خصائصه... وأنا كتبت أدب الرحلة وكتبت اليوميات... وهذا ما فعلته في "يوميات ميونيخ"، و"العودة إلى ميونيخ"، وفي "يوميات الحمامات".... ومن خلال هذه اليوميات يتعرف القارئ على عالمي الداخلي، وعلى قراءاتي، وعلى أوضاعي من دون أن أغفل عن العالم الخارجي وأحداثه الصغيرة والكبيرة.

 

(*) يتميز الكتاب بخاصية فريدة صنعت عوالمه الأدبية إلى جانب قدرتك على الوصف

والحكي، وهي أشعار لوركا التي تبدو وكأنها ترافقك في أسفارك. لماذا لوركا؟
- ليس لوركا فقط... بل أنا أحب أن أقرأ الشعر في حلي، وفي ترحالي... ويحضر الشعر في كل ما أكتب سواء كان قصة، أم رواية، أم مقالا أدبيا، أم نصا في أدب الرحلة، أم يوميات... الشعر أبو الفنون جميعها، وأنا أحتاج إلى الشعر لأنه يعلمني التكثيف والاختصار وتجنب الثرثرة والبلاغة الجوفاء.

 

(*) إلى جانب كتابة الرواية اشتغلت على ترجمة عدد من الأعمال الشعرية من بينها ما صدر لك قبيل أسابيع بالمغرب عن بيت الشعر. كيف تستطيع أن تتنقل بهذه السهولة بين أنماط مختلفة من الكتابة دون عناء؛ وما الذي يمكن أن تقدمه لك الترجمة ككاتب وروائي؟
- أنا أكتب في كل مجال... ودائما أجد نفسي مرتاحا ومطمئنا في كل المجلات التي ذكرت... ولعل هذا يعود إلى أنني أحب أن أنتقل من مجال إلى آخر، وأن أقفز من ضفة إلى أخرى تجنبا للرتابة، وبحثا عن التحرر من كل القيود سواء كانت في مجال الكتابة أم في مجال الحياة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.