}

معرضان للكتب ببيروت: في حاجة لبنان لصوت ثقافي موحد

ليندا نصار ليندا نصار 7 أكتوبر 2023
هنا/الآن معرضان للكتب ببيروت: في حاجة لبنان لصوت ثقافي موحد
من الدورة السابقة لمعرض بيروت الدولي للكتاب
يومًا بعد يوم، تزداد حاجة لبنان إلى صوت ثقافي موحد يجتمع تحت رايته المثقفون والمبدعون الذين لطالما ساهموا في صنع مجد لبنان وهو ما زال محفوظًا في الذاكرة الثقافية للبلد، حيث كانت بيروت عاصمة ومحطة لا بد منها، يقصدها الأدباء والمثقفون من كل البلدان العربية والغربية.
في السنوات الأخيرة، كان لا بدّ للأزمة الاقتصادية والأوضاع السياسية من أن تحلّ بثقلها على الوجه الثقافي للبلد، وقد بدا ذلك جليًّا بدءًا من خفوت الأنشطة، ومنها الأمسيات الشعرية والندوات التي كانت منتشرة في قلب العاصمة بيروت، وتحديدًا في منطقة "الحمرا". كذلك في المناطق اللبنانية الأخرى شمالًا وجنوبًا، وصولًا إلى معارض الكتب التي لطالما أوحت بشغف المثقفين واهتمامهم بالفكر الثقافي اللبناني.
فمعارض الكتب في كل البلاد العربية تتجه نحو جعل المعرض الثقافي لحظة من لحظات قوة البلد وصلابته وصموده. ويظهر ذلك في المحاور والندوات والفلسفة التي تستند إليها المعارض في دوراتها على عكس الوضع الراهن في لبنان.
لطالما كان المعرض منقوشًا في ذاكرة لبنان الثقافية، وشكَّل التعبير الأشمل عن حريته وسط كل القيود، وعبّر عن هويته الجمالية، وترك أثرًا كبيرًا في أذهان المثقفين، كونه محاولة أخرى للصمود في هذا البلد، وفعل مقاومة، ومحاولة لترميم الحياة، وتشريع الثقافة والإبداع على آفاق جديدة وحيوات أخرى.
واليوم، في بلد تغيب عنه منطقة البحث عن ترسيخ ثقافة الاختلاف، والتي ينتج عنها انقسامات منها إقامة معرضين للكتب بتسميتين مختلفتين وبزمنين ومكانين مختلفين بعد أن كانا متحدين لفترات: معرض لبنان الذي ينظمه اتحاد الناشرين، ومعرض بيروت الدولي للكتاب في دورته الـ 65، والذي ينظمه النادي الثقافي العربي، فما أن ينتهي الأول حتى يبدأ الثاني.
لكن هذا الأمر لا يعني أنه لا يمكن أن تنظم المعارض في البلديات والساحات والمدن، من أجل نشر الجمال والإبداع وهوية لبنان الذي كان يصدّر الثقافة دائمًا إلى كل العواصم العربية، نشرًا وترجمة وإبداعًا وفكرًا ونقدًا. فالصناعة الثقافية تحدث في بيروت، حين تتوحّد الرؤى ضمن أفق جماعيّ، يكون هدفه الأوحد تنمية هذه الأفكار ودعمها، ومواصلة ترسيخ فكرة أساسية أنّ لبنان وطن للثقافة في العالم العربي. والسؤال هنا إلى أي حدّ يمكن للثقافة في لبنان أن تمحو تلك التدافعات الأيديولوجية والدينية والعرقية، وأن تدخلها إلى منطقة المعرفة والتفكير النقدي، وإنسانية الإنسان؟




لا شك في أن الانفتاح على ثقافات أفريقيا، بالإضافة إلى ثقافات قارات أخرى، من شأنه أن يغني هذا الوعي الذي لا بد من أن يتوحد البلد عبره، ومن هنا تأتي أهمية ثقافة التنظيم لمعرض دولي يحتضن الجميع، أعني جميع الأصوات والهويات واللغات والثقافات التي تنتمي إلى الوطن الواحد المعروف بالتعددية.
فالمعارض التي تستند إلى خلفية دينية، أو عرقية، أو سياسية، تلغي فكرة نبض لبنان القائم على هذه التعددية والحوار المفتوح، وثقافة الاختلاف. ولربما حين تتضافر الجهود، وفي هذه المرحلة التاريخية المؤلمة التي يمر بها هذا البلد، يسمح للثقافة بأن ترمم تلك الجروح، إذ أنّه في غياب هذه الأخيرة، تصبح الأوطان أكثر عرضة للانحطاط والتلاشي.
تعود المسؤولية بالدرجة الأولى هنا إلى تلك الوزارات المعنية بتنظيم معرض دولي يليق بلبنان، نقصد بذلك تنظيم معرض مؤسساتي من دون أن يحتكم المعنيون به إلى دين أو حزب، ويكون بذلك هدفها الأساسي الصناعة الثقافية. لكن كيف يمكن لذلك أن يحدث في ظلّ غياب دولة تعيش فراغًا داخليًّا، بلا رئيس، وبحكومة تصريف أعمال؟ وإذا بنا أمام وجهين متناقضين، فبدلًا من أن تكون الثقافة فعل مصالحة تجمع المثقفين اللبنانيين، أصبحت تشكّل سببًا للخصام والتفريق، مهما تمّ نكران هذه الحقيقة. من هنا تأتي الحاجة إلى صوت ثقافي موحد للمثقفين اللبنانيين.
يبقى السؤال هنا: إلى أي لبنان نتطلّع: لبنان الطائفي والحزبي، أو لبنان صلة التعايش المشترك بين مختلف أبنائه ووجوهه المتعددة؟ ألن يتمكن القطاع الثقافي من أن يكون سبّاقًا في النهوض من هذه الكبوة التي أصابته؟ ومتى تستقلّ الثقافة وتبتعد كل البعد عن السياسة؟
يستحق معرض الكتاب الذي طبع في خارطة الثقافة العربية أن يُحصّن، وهو الذي طرحت فيه الأسئلة الراهنة، والذي لطالما شكّل منطقة احتماء للكتاب والناشرين وحافظ على حقوق الناشر، كما أنه لطالما عبّر عن وجه لبنان الثقافي وحماه من الأفكار التدميرية المؤدية إلى العنف أيضًا. كل ذلك يعود إلى أهدافه الأساسية بما فيها إعلاء القيم والارتقاء بالإنسانية لبناء مجتمع مفكر مثقف حضاري يليق بالجيل الجديد وتجاربه الإبداعية التي تشكل مستقبل لبنان، وليضم إلى المجتمعات العربية والغربية في ما بعد.
مع ذلك، يبقى من الحق أن نقول إنه على الرغم من الأزمات تبقى بعض البذور التي مهما احتاجت إلى وقت ستتفتح في نهاية الأمر، على أنّ لبنان لا تهزمه النكبات، هذا البلد الذي يغلب أزماته، بل يتغلب عليها، كما يشهد التاريخ على ذلك.
ختامًا، هل سينهض لبنان خلال فترة قريبة لتنهض معه القطاعات المدمرة كافة بما فيها القطاع الثقافي؟ متى سيعي اللبنانيون ضرورة الحوار المبني على أسس فكرية متينة وأجواء إيجابية تنعكس على الجيل الطالع فتنطلق الثقافة من جديد؟ وكيف يمكن للبنان أن يستعيد مكانته الثقافية التي خسرها بشكل تدريجي ليصل إلى ما هو عليه اليوم؟ ومتى ينتهي الصراع فيه؟...

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.