}

أصوات شعرية لأجل فلسطين: الحزن على توقيت غزة (2/2)

ضفة ثالثة- خاص 24 أكتوبر 2023
هنا/الآن أصوات شعرية لأجل فلسطين: الحزن على توقيت غزة (2/2)
عمل للفنان التشكيلي الفلسطيني محمد العزيز عاطف

 

في مثل هذا الموت الجماعي الرهيب، حيث يتكرر التوحش الصهيوني ويتمدّد من دون سدّ، ومن دون أدنى حدّ من الضمير، ومن دون أي وازع أخلاقي وإنساني، وأمام أشلاء يصعب تحديد مدى ألمها من الوجود، يفقد المعنى كله معناه. لا معنى لي ولك ولأحلامنا وللأفكار الكبيرة وللكلمات الفلسفية أمامك يا غزة. ما يبقى هو الصمت والألم فقط أمام فظاعة هذه الهمجية اللاإنسانية. تبقى كلمات قليلة يمكن أن تُقال، جمعناها هنا لفلسطين، أصوات شعراء من العالم العربي تريد أن تقول حزنها على غزة، على فلسطين، ومن العالم كله.

هنا القسم الثاني والأخير من هذه الأصوات الشعرية.


(دارين حوماني)

 


صالح لبريني – المغرب

غزّةُ فِي انْتِظَارِ الرِّيحِ

 

(1)

في أرضنا يزهر دم حارق

جثامين تصرخ في وجه العدم

عيون تصلي دمعًا

وتُسْدِلُ مِلْحًا على شفاه عاجزة

من هنا

كان النهر يجرح الأرض بالياسمين

بزيتون يوقظ الحنين إلى أول الألم

كان الفجر لا ينام

المحاريب تلهج بأسماء الأنبياء

والجبال تقود كتائب الشهداء

إلى كعبة الإله

وكان النخيل يزهو بتسابيح الغرباء

تمزّق الليل في عزلته

وصاح الصباح: افتحوا النوافذ

الأبواب

الطريق

ليعبر النون إلى نوره

في

انتظار

يقظة

الريح..

 

(2)

هم لن يتمكنوا من ضوء الشمس

عميان أتوا يحملون وهمهم في واضحة النار

يمموا جهة الجحيم تتبعهم لعنة الطريق

مدججين بما تبقى من يقين كاذب

وها هم يسقطون في فخاخ النور

الصاعد صوب السماء...

(3)

مَنْ قال إنّ الموتى لا يُبصرون دمهم معلّقًا

على

جدران

الأنقاض

الأنفاس تصعد من وجع الأرض فجرًا

يتسلّق

ليل

القنابل

ويسبّح بمواكب مضاءة بجذل الشّفاه

أنا اللهب القادم من رماد قديمٍ

أنا اللّهب القادم من رماد جديد

معي ريحٌ ترتّب آخرَ النعوش

آخر الغيوم على أرض مقدسيّة

وأخرى تصلّي جنوب القلب لرماد الوقت

لأياد تربّي صلصال البدء الجديد

معي قبائلُ تضيء غزّة بأنفاس طفولة

ونخوةٍ ابتهال

وحشودٌ من نسورٍ ترقص على جثث الخراب العميم

من هنا مرّوا يرتلون سِفْرَ الأسلاف

تتبعهم قوافل الطيور، سيولٌ من دروعٍ، نهارٌ لا يلتفت إلى ليل بلا هوية، وأقمارٌ مزنّرة بِشُهُبٍ الآتي المشرع على حلمٍ من شَرَرٍ

تطوقهم حماماتٌ من لهبٍ ساطعِ من أقصى الجبال...

ترافقهم أكفٌّ تتلو خرائط الينابيع، وخمائل السنابل والأشجار

وها أنا أشرع الخنادق لخيول تشق غبار المنحدرات، خيولٍ مثقلةٍ بصواريخ من أملٍ، ورصاص من نور، وطائراتٍ من تاريخٍ جديد

فأرى الرياح تطوي الرمال وتنام على أريكة الغدير لقالقٌ تحرس الجذور والبراعم الطالعة من جرح القصيدة

لا خيال ينفع أمام هولٍ جثامين الشهداء، لا لغة تحكي تاريخ الحرائق وعذوبة الحدائق،

لا مجاز يحيط بفجائع الأرض، سوى صرخة تكتم براكين الألم، سوى صحراء تفتح أشداقها ولا ترتوي، سوى مقابر تكتب دم النخيل وخيانة الإخوة

تلك مآتم أخرى ترتدي حاضرَ الأحياء الموتى

تسري في عروقٍ ميّتةٍ لإخوة في سباتٍ ضاربٍ في الغياب

وتندب تاريخَ الشمس الآفلة

فيا أيتها الأبجدية تقدّمي وانفضي عن غزّة رماد القبيلة

لتنبعث النار من غضبِ الجنوب

من قاسيون الرابض على صهوة الكناية

من الجليل الصامد في وجه الغرابين

نار تطوّح الباطلَ ولا مجد للأنقاض

أنا اللهب القادم من رماد قديم

أنا اللهب القادم من رماد جديد

ميراثي بعثٌ جديد                                                                                                                                                            أممٌ من عصافير                                                                                                                                                              أقاليمُ من نخيل                                                                                                                                                            ممالك من حلُمٍ                                                                                                                                                                ووطنٌ ممتدٌّ إلى آخر الّنشيد

أُفْرِدُ مدايَ للعوسجِ واختيال البراري

أُوَزِّعُ الصّباحاتِ على المدائن والصوامع والكنائس، وأرتضي يمامَ الصّهيل

حيثُ النبوءة تصعد أدراج النخيل

حيث الأرض تلتهب بأسماء الشهداء وهم

ينثرون طفولة الوقت الجديد...!!!

 

(4)

هم الغرباء

لا جدار لهم، لا نخيل لهم، لا ليمون ولا زيتون يشهرونه في أرضنا

لا طفولة تعرفهم، تعرفهم المنافي والصحراء، ولعنة الله، ولا تعرفهم نكهة القهوة في وطني،

تشهد عليهم خرافاتُ المبكى، شاشية الحرباء، وسحر المكائد،

هم الغرباء سيلفظون من أرضنا، وتطوقهم سلاسل المتاه.

 

مصطفى سبيتي- لبنان

يا قدس

 

يا قدسُ

خُذي جمرَ أحداقنا وارشقي

حصى قُدَّ من حقدنا المُحرِقِ

وهاكِ القلوبَ حجارًا تلظّى

ارجميها حنانيكِ لا تُشفقي

لعلَّ جفونًا كساها الهوانُ

تَكَحَّلُ بالعزمِ في ما بقي

وحُلمًا كبا تحت عاري الغصونِ

سنينَ يفيءُ إلى المورقِ

صمودُكِ والصبرَ، يا قُدسُ يُحيي

الذي مات من مجدنا الأسبقِ

وعبْرَ جراحكِ تسري الشموسُ

لتُذْوي أسى ليلنا المُطْبقِ...

نفتْكِ الصحارى التي أنجبتكِ

ولاذتْ إلى رَحْبها الضيّقِ

وفي مقلتَيها يعيثُ سرابٌ

يُمَنّي الكثيبَ شذا الزنبقِ

تُعكّرُ مجرى تُقاكِ الرمالُ

فما غيرُ نبعِكِ صافٍ نقي

ومنك تعوزُ الصحارى ربيعًا

يقيها هجيرَ الزمان الشقي

غروبًا غروبًا تغورُ وأنتِ

تُقيمينَ في غُرّةِ المشرقِ

همُ أسلموكِ الى الغاصبين

وهُمْ شرّعوكِ لكي تُسْرَقي

وهُم أخلعوكِ قميص البهاء

وهُم ألبسوكِ الأسى، صدّقي

أمامك حقدٌ وخلْفكِ غدرٌ

وخلفكِ شرُّهما فاتّقي...

ذَرِينا فنحن عبيدُ الظلامِ

وأيّان جَدَّ السُرى نلحقِ

غدَونا نَعدُّ الليالي اتصالًا

كأنّ المشارقَ لم تُفْلَقِ

ضللنا السبيلَ فمِنْ مأزقٍ

نجِدُّ الرحال الى مأزقِ

ذرِينا فنصرُكِ بين يديكِ

تجذَّر في طُهرِكِ المُطْلَقِ

حسَينٌ إليكِ يلّمُّ الحصى

على ضفّتَي دمهِ المُهرَقِ

ويسوعُ يثأرُ من صالبيه

بسيفِ غَضوبٍ وقلْبِ تَقي

وطهَ أتاكِ بقرءآنه

يصيحُ بها: يا سماءُ اطبقي.

فأنت سُراهُ ومعراجُه

ولولاكِ ذا الكونُ لم يُخلقِ...

سيبقى لمعراجك النصرُ يرقى

البُراقَ لِوجْدِ الغدِ الشَيّقِ

سنأتيكِ نحملُ ظلمَ السنينَ

التي أرهقتنا ولم ترْفقِ

تُفَرّقنا في هواكِ الدروبُ

وعندكِ يا قدْسنا نلتقي.                                                                                                                                                                                                                                             

روضة الحاج- السودان:

أنا أيضًا فلسطيني!!

 

ماذا تريدونَ؟ فالأقصى لنا

ولنا 

مسرى النبيِّ

وتغريدُ الحساسينِ

 

مهدُ المسيحِ

ودمعُ المريماتِ لنا

وقبلةُ الغيمِ

في خدَّ الرياحينِ

 

وقهوةُ الفجرِ

ناياتُ الرعاةِ لنا

قصائدُ الحبِّ

أوجاع التلاحينِ

 

لنا السماءُ التي تدنو

لنلمِسَهَا

على البيوتِ

على كرْمِ البساتينِ

 

حجارةُ الأرضِ

أنغامُ الحياةِ هنا

والنخلِ والنحلِ

والزيتونِ والتينِ

 

يخصنا كل شيء ها هنا

فمتى ستفهمون

إشارات الملايينِ

 

تخصنا هذه الغيمات تعرفنا

كل الطيوب وأصوات الفناجين

 

ماذا تريدونَ؟

في أرضٍ

يصيحُ بها حتى الجمادُ

أنا أيضًا فلسطيني!!

 

فاطمة الزهراء بنيس- المغرب:

أيا غزة

 

اتَّكئي على أشلائك

احملي ما تبقى منك

قاومي الموتَ

لهذه الحقبة

طعم الخيانة

وذاك الوحش الأسود

مثقل بالفظاعة

يجلدُك. . . يكتب سِفرَك

بفتات أنقاضك

فاتركي للحداد أن يتمسرحَ قليلًا

واتركي أتباع السلام

فيما تركوا

عانقي موتاك

الدم في مقلتيك ماء

والماء حياة...

 

نبيلة زباري- البحرين:

غزة الإباء

 

غزة...

يا جرحًا أكبر من الجرح المهدور

يا ريحًا صرصر للصوت المطعون

يا حجرًا أصلب من بني صهيون

من ذوي الصدور الفارغة... الفارغة...

حتى من... بقايا شعور...!

 

غزة... والأجساد المحروقة

رسائل التاريخ للأجيال...

أجساد تغذي الأرض

لتنبت أغصان التين والزيتون

بعدد الثائرين...!

 

غزة... احتضار... وأطفال بلا وجوه...

بلا عرائس... بلا أعياد...

أطفال كصرخات

تصب أسماءها فوق الشظايا

عالمًا من غضب...

تكتب ملحمة المجازر

للدنيا المؤجلة:

"نحن هنا... أبناء غزة... أبناء القدس... أبناء الأقصى وفلسطين...

غاضبون... ثائرون... مقتولون...!

من هنا...

نهديكم مزارع الدم

لتصنعوا منها

أكاليل لأعراس الشهداء...!

ولتقتفوا بها وصايا الضحايا

ولتضعوا شواهد الصمت المؤبد

أفواها للقبور...!

 

أيا غزة العزة... سلامًا...

يا راية محبوكة بالضمائر والدماء...

اخفقي... فوق الكروم والياسمين

اسقي البساتين كرامة الجنائز

واروي البرتقال بحمم القنابل

لطخي بالعار أيادي المجرمين

فالدرب إلى النصر

وإن كان وعرًا

لكنه حتمًا... بعون الله، 

وطوفان الأقصى

حتمًا سيبين...!

 

غزة... يا رمزًا للعزة وللكبرياء...

اصنعي الأمل شعاعًا

ولا تغمضي عن الشمس...

لا تغمضي...

كي تبقى الأرض مروية 

بالثأر... بالصبر...

في خطى الرجوع والإباء

 كي تبقى الشهادة وسامًا لامعًا

تبقى... على هامتك... 

وعلى... صدور الشهداء...!!

 

حنان فرفور- لبنان:

وشوشات نورسة مقدسية

 

من شهقةٍ للموج، صاركَ نورسا

فانفضْ رمال الصمت كي تتنفّسا

ما كنتَ أوّل ماردٍ، يفري الجراح

لأن ملح الكون، ظنّك أخرسا

ما كنتَ أوّل متخمٍ بسوادهم

ظنّ الركون إلى الربابة مشمِسا

وكمثل غربالٍ يفتّق عينه

آليتَ في الأعواد أن تتفرّسا

متْ مرةً أو مرتين ولا تقلْ

يا أيّها المثقوب: جرحي أفلسا!

في القدس يحترف الوسامة فتيةٌ

إذ كلما قدّوا الصليب استأنسا

في القدس تقترف الوشاية غيمةٌ:

عن طعمهم في الماء لمّا يُحتسى

عن ظلهم لمّا "يُحرحرُه" الرصاص

بطلقةٍ، كي لا ينام وينعسا

عن طفلةٍ، وقفت طويلًا في القطار

لتمنح الكون المنافق مجلسا!

عن لهجة سمرا تضمّ الياء

في "يُمّا" لتكتم للنزال الأنفسا

وتقول صافِحْ؟ ليس كفّي، تلك

مِن أوجاعها الحسنى تصير مسدسا

هذا رصاصي موجزٌ في خمسةٍ

شدّوا يدي، يصلِ السلام مغمّسا! 

 

عامر الطيب- العراق

للتأكد من أنها عينٌ إنسانية

 

 كم سيكون مأساويًا أن تبقى عاشقًا

حتى هذه الأيام

حيت يقومون بتوديع ميت في الجوار

ثم يدفنونه ويعودون

يشعلون الشموع

ويتذكرون ما لم يقم به:

أحبّ الحياة أم نسي أن يفعل؟

عاش سعيدًا أم قضى عامًا بأكمله

من أجل ملاقاة محبوبه؟

كم سيكون مأساويًا

أن نحمل جسد الميت حين يحترق الحقل،

أن نحافظ عليه بينما تتضرر المحاصيل،

أن يسنده أحدنا على الآخر فنقع...

***

ميتون في عالم من المياه المعتمة

لكنا لسنا أحرارًا

كالأسماك الفضية

أفواهنا تمتلئ بالماء

أحذيتنا بالزبد والأنهار جارية دون أدنى انتباه...

ميتون كأننا

بالقدر الذي قررنا أن نغمضَ به أعيننا كاملةً

حاولنا أن نطفو...

في البحث عن عينٍ صغيرةٍ،

قطعتُ طرقًا طويلة كعروق الشمس،

عبرتُ أنهارًا ونزلتُ نحو ينابيع زائفة...

ألفتُ الأغنيةَ كمن ينفخُ بكلماتهِ دون مبالاة

وصدقتُ أن الأرضَ عين مُطفأة

في البحث عن عين حمراء

للتأكد من أن هذا هو الدم

للتأكد ثانية من أنها عين إنسانية

ضغطت بقوة إصبعيّ على الجفونِ الهامدة

ولم يتفتتْ الحجر.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.