}

الأدباء ومونديال قطر: عن علاقة الكُتّاب العرب بالرياضة

ضفة ثالثة ـ خاص 30 نوفمبر 2022
على هامش الحدث الرياضي الأبرز عالميًا، المتمثل في بطولة كأس العالم لكرة القدم (مونديال قطر 2022) والذي تنظمه قطر والاتحاد العالمي لكرة القدم (فيفا)، سأل منبر "ضفة ثالثة" عددًا من الأدباء والكتاب العرب، حول علاقتهم بالرياضة، انطلاقًا من متابعتهم للمونديال الكرويّ المقام حاليًا في قطر: كيف تتابع المونديال (من المنزل أم من مكان يوفر "خدمة كسر التشفير")؟ أي المنتخبات تشجع ولمن تتوقع الكأس؟ ما علاقتك بالرياضة وهل تمارس رياضات معينة؟ برأيك، في واقع عربي (وعالمي) ملغوم بالحروب والكوارث والتهجير، وفي أجواء مشحونة بالمعارك السياسية، ألا تمثل الرياضة نافذة مفتوحة على مساحات المحبة والسلام والتقارب بين الثقافات والشعوب؟ وكيف ترى إلى فوز قطر بالرهان كأول دولة عربية تنظم بطولة كأس العالم؟

هنا الجزء الأول:

                                                                   [صدام الزيدي]


منى بنت حبراس السليمية (كاتبة/ عُمان):

في طفولتي لعبت حارسة مرمى

أتابع المونديال من البيت، فأنا أحب أن أتفاعل مع حماس المباريات في جو خاص، كما أني لا أستمتع بمتابعة المباريات في المقاهي والمواقع المزدحمة.

قبل مباراة السعودية والأرجنتين كنت أشجع منتخب الأرجنتين، ولكن المفاجأة السارة جدًا التي فجّرها المنتخب السعودي تفرض عليك أن تشجعه حتى النهاية، ولكن هذا لا يلغي معاودة تشجيعي في الأدوار القادمة لمنتخب الأرجنتين الذي أتوقع أنه سيعود إلى المنافسة وقد يصل إلى المباراة النهائية. كما أشجع منتخبي البرتغال والبرازيل، والمنتخبات العربية كذلك.

أعشق كرة القدم منذ وقت مبكر، ولعبت حارس مرمى في طفولتي ومراهقتي في ملعب الحارة الترابي، ولكني توقفت بعد ذلك من دون أن يخفت افتتاني بها. وقد كتبت أكثر من نص ودراسة عن كرة القدم وحضورها في الأدب العماني. أما الرياضات التي أمارسها باستمرار فهي رياضتا المشي والجري.

الرياضة (ومونديال كرة القدم تحديدًا) هو الحدث الوحيد في العالم الذي يوحّد الجميع على اختلافاتهم. في أيام المونديال ينسون كل ما يفرقهم ليجتمعوا على حب المستديرة فقط. لا يشغلهم شاغل عن أخبار المباريات ومجرياتها، وكل ما عداها يذهب إلى خانة المؤجل حتى إشعار آخر نود ألا يأتي أبدًا. ينسى العالم قضاياه وحروبه وخلافاته طوال 28 يومًا، وهذه مدة أشبه بالهدنة التي تهديها كرة القدم للعالم والإنسان، وليس مثلها قادر على ذلك.

فوز قطر بتنظيم كأس العالم فوز عربي مهم قد لا يتكرر، فهذا الحدث الذي يجري الآن على مبعدة مسافة قصيرة منا يشعرنا بأننا جزء من الحدث، وقد أثبتت قطر أنها جديرة بتنظيمه، فما نشاهده من نجاح – حتى الآن على الأقل – يدعو إلى مؤازرة الأشقاء في قطر للوصول إلى تحقيق دورة ناجحة وتاريخية.

جان دوست ومنى بنت حبراس السليمية



جان دوست (روائي كردي/ سورية):

أحب الرياضات الذهنية كالشطرنج والداما

لا أتابع المباريات إلا بالصدفة. وإن حدث ذلك ففي المنزل مع عائلتي الصغيرة. في السابق كنا نجتمع في بيت أحدنا لنتابع المباراة فيما يشبه حفلًا عامًا نتبادل النكات وننقسم إلى فريقين ونتناول الفاكهة ونشرب ما تيسر. في هذه الغربة المقيتة، ليس لي إلا أن أجتر الوحدة وقد شارفت على الستين من العمر. ليست بي رغبة في متابعة المباريات. المباريات مرتبطة في ذاكرتي بفصل الصيف. ربما لحدوثها هذه المرة في فصل الشتاء تأثير سلبي.

لا أشجع في الحقيقة أحدًا. في السابق كان قلبي يخفق لفريق البرازيل جريًا على عادة مجتمعاتنا التي تشجع الأقوياء. لا أحد يشجع غانا أو فريقًا مغمورًا. الكأس ستذهب لصاحب الحظ الأوفر.

في بداية شبابي كنت أمارس الجري. وكنت أسابق رفاقي فأسبقهم. أحب الرياضات الذهنية كالشطرنج والداما. الآن أمارس فقط المشي. أصبحت كسولًا في الفترة الأخيرة.

لا أعتقد أن الرياضة قد تصبح نافذة مفتوحة على المحبة والسلام. في البشر طاقة تدميرية هائلة يستعملونها بكل سهولة ولا تفيد معها نوايا السلام والكلمات اللطيفة المخدرة. الرياضة أيضًا تصبح وقودًا لبعض الحروب. الهندوراس ودولة مجاورة دخلتا حربًا شعواء على خلفية مباراة لا أتذكرها. وعلى كل حال فالفرق الرياضية تمثل الدول والأنظمة وتتدخل فيها السياسات المتضاربة وتصرف عليها أموال هائلة فيما يشبه هدرًا جنونيًا للمال. ربما كان الجانب الإيجابي للمباريات ولكأس العالم بشكل خاص، هو المتعة التي تمنحها للشعوب والجماهير الفقيرة المسحوقة التي تكافح لأجل تأمين لقمة العيش.

قطر فازت بالرهان بسبب إصرارها ومثابرتها. وفي هذا بعض العزاء في جو المنافسة العالمية الشديدة على الاستحواذ على حق تنظيم هذا الحدث الرياضي الذي أصبح ثلاثة أرباعه بيزنس يتربح منه كثيرون. أتمنى أن يكون مونديال هذه السنة علامة فارقة في تاريخ الرياضة.

محمد دبوان المياحي (روائي/ اليمن):

الرياضة تحرّر الانفعالات البشرية 

أتابع كأس العالم من استراحة عامة. أشجع المنتخبات العربية ثم بعض منتخبات أميركا اللاتينية مثل الأرجنتين، ولكن عندما كانت الأرجنتين أمام السعودية شجعت السعودية. كذلك أشجع البرتغال، بلجيكا، البرازيل، وفرنسا أيضًا.

علاقتي بالرياضة محدودة، لست رياضيًا على مدى العام، أتابع بطولات كأس العالم والأندية الأوروبية، فقط المباريات المهمة والمركزية وليس كل شيء.

أتوقع الكأس في هذا الموسم، إما برازيلي أو برتغالي واحتمال فرنسا، هذه الثلاث الدول.

لا أمارس رياضات معينة سوى رياضات طفيفة في المنزل.

بالفعل الرياضة تمثل متنفسًا، والفضاء الوحيد للناس للشعور بالتحرر من ضغط الواقع اليومي. أصبحت الرياضة بمثابة عقيدة للبشرية كلها.. فقد الناس إيمانهم بيقينيات وثوابت كثيرة وتشوشت كل المجالات لديهم، باستثناء الرياضة صارت الفضاء الوحيد الذي يمنح مساحة تحرر ويجعلهم يتناغمون، يمنحهم شعورًا قوميًا وحالة من التوحد الوجداني أيضًا انفعالًا وانتماءً. الرياضة مجال يوفر إمكانية لاختبار كل الانفعالات البشرية المكبوتة وتحررها دون عواقب خطرة.

أظن أن نجاح دولة قطر في أن تنظم كأس العالم، هذا درس مذهل ودرس مرجعي لكافة دول المنطقة. واقع الهوان السياسي للدول العربية جعل الشعوب تفقد إيمانها بالقدرة على منافسة العالم وتنظر لنفسها بدونيّة.

قطر جاءت كدولة نشطة وفعّالة ومُنظَّمة وتشتغل بشكل مرتب، تمكنت من أن تتسلل من الفجوات العالمية وتحجز مساحة لها وتنتزع هذه الفرصة، وهذا درس عظيم. أتمنى من الدول العربية ليس تقليد قطر في هذا المجال (محاولة الحصول على الفرصة نفسها) وإنما إتباع نهجها في التفاعل بفاعلية وإقامة علاقات مع العالم وقدرتها على إقامة نفوذ واختراق دولي مهم. هذا هو الدرس المنطقي الذي تقدمه قطر.

من اليمين: عصري مفارجة، سفيان رجب ومحمد دبوان المياحي



عصري مفارجة (شاعر/ فلسطين):

كرة القدم شغفي الذي لا ينقطع

أتابع من منزلي كرة القدم على قناة الفجر الجديد من خلال الاشتراك بـ hadara tv.

كرة القدم شغفي الذي لا ينقطع مذ كنت طفلًا لم يبلغ العاشرة بعد. ذاكرة طفولتي تعج بصور مارادونا وكانيجيا ومشاهد كأس العالم في عام 1986. أحب كرة القدم، بل يصل بي الأمر أن أعيد مباريات قديمة لساعة أو ساعتين يوميًا، ولا يحسبني أحد مبالغًا لو قلت بأني حين أشعر بالأرق والقلق أبحث عن أي مباراة كرة قدم على القنوات الرياضية ومتابعتها للتخلص من الأرق. اللون الأخضر وصوت الجماهير والهجمات المرتدة والمراوغات كلها أشياء تصيبني بالسعادة بشكل مفاجئ، هذا ولا أنسى أنني كنت أحد لاعبي الحارة ما يعادل رقم (10) اليوم، حيث كنا نقضي نصف النهار نركض خلفها، وكنت أجيد لعب تنس الطاولة ولدي بطولات، وأذكر أيام الجامعة حصلت على الوصيف في بطولة الجامعة.

كأس العالم هذا العام مثير منذ البداية وممتع، أرى منتخباتنا العربية على تنافسية عالية، وقادرة على صنع الحدث ورفع كأس العالم، لم لا؟ لدينا عناصر في منتخب قطر وتونس والمغرب والسعودية تتمتع بجودة عالية وتلعب بطريقة جماعية مذهلة، هذا والكثير من لاعبي المنتخبات العربية محترفون. لا شيء مستحيلًا في كأس العالم، كل منتخب يصل هنا قادر على رفع كأس العالم.

سفيان رجب (روائي/ تونس):

الرياضة تواصل مع الآخر واحتفاء بثقافته

أتابع المونديال متنقّلًا بين بيتي والمقهى، المونديال يطرق باب الحنين في القلب إلى أيام الطفولة حين كنّا نتابع الكرة الساحرة مع مارادونا وكانيجيا وروماريو وفالديراما وستايشكوف وأوكوشا وجورج هاجي وروجي ميلا وبيبيتو... في بدايات التسعينيات من القرن المنقضي. في تلك الأيام كنت أمارس كرة القدم في الأصناف الصغرى من جمعية مدينتي. وحين بلغت العشرين تحوّلت إلى ممارسة العدو الريفي، قبل أن أترك ممارسة الرياضة وأنشغل بالكتابة الأدبية.

أشجّع المنتخبات العربيّة الأربعة في المونديال والمنتخب الهولندي، أمّا هذه الدّورة فالكأس لن تخرج من دائرة هذه الفرق الثلاثة: البرازيل، فرنسا، هولندا.

الرياضة في مفهومي تتجاوز منطق الرهان، لتصل إلى درجة الخطاب الإنساني الراقي، القائم على التواصل والاحتفاء بالآخر وبثقافته، وإفراغ الطاقة السلبيّة في ملعب أو في مضمار أو في حلبة. لم يبق أمام هذا الإنسان سوى ألعابه التي اكتشفها المهمّشون.

هذه الدورة الجديدة من المونديال لها نكهة عربيّة خاصّة جدًّا، وقد نجحت قطر نجاحًا باهرًا في تنظيمها، وخاصة في تهيئة الملاعب والإقامات لضيوفها من لاعبين ومسؤولين ومشجّعين.

محمد يويو وإيهاب شغيدل


محمد يويو (شاعر/ المغرب):

هدنة للشعوب

كأس العالم تلك الهدنة التي تأخذها الشعوب بين حرب وحرب من دون أسباب راجحة! ونعني بالحرب ما ضمّ صنوف القتال والكلام، والحرب -كما قالت العرب قديمًا - سجال، غير أن هذا السجال أو المبارزة والتباري يصبح تلاهيًا ومداعبة في هذا المحفل الكروي الذي يستضيفه لأول مرة بلد عربي؛ قطر التي أبهرت العالم، وأسرت القلوب، وجذبت أنظار العالم نحوها برسائل السلام التي اكتنزها حفل الافتتاح، ومن جهة أبكمت الأفواه المترصدة المتبجحة بحقوق الإنسان، وكأن الهدنة تلك لم ترقهم!

كأس العالم متعة حقيقية، وكرة القدم متنفس للجميع حول العالم، وشغف خاص بالنسبة لي، إذ إنّ تعلقي بها رافق طفولتي، فكان مرتع الصبا والاستراحة بين الواجب المدرسي والواجب المنزلي، أتذكر تلك اللهفة واللذة التي أتذوقها ما إن أنهي تمرينًا رياضيًا قدمه الأستاذ، تهيئة لدرس مقبل، وما إن يتناهى إلى مسمعي دقات عتيقة على الباب، حتى أضم دفتي دفتري، وأعدو مع صديقي إلى الملعب الذي خطوناه بأرجلنا ورسمت أيادينا الصغيرة حدوده وخطوطه ابتسامات جيرية! وبالمناسبة كنت أشغل مركز الظهير الأيسر المدافع، باعتباري أعسر، وكم كأسًا رفعنا!

أستذكر أيضًا متابعتي لكأس العالم 1998، التي أثنى فيها الكل على المشاركة المشرفة للمغرب، فرغم خروجه من الدور الأول بالطريقة التي لا تخفى على الجميع، إلا أنه وصل إلى النهائي، ليسعدنا الحكم المغربي سعيد بلقولة ويسعد العرب بتحكيمه الكفؤ والعالمي في المباراة الختامية التي جمعت البلد المستضيف فرنسا بالبرازيل. هي حالة استيهام وانتشاء برفع كأس العالم التحكيمي!

مشاركة نترجى أن تفوق الآمال في قطر 2022، لمنتخبنا المغربي الغالي بقيادة الناخب وليد الركراكي، حيث بدأت بظهور مقنع في المباراة الأولى ضد كرواتيا، وكلنا رجاء بأن تتواصل الانتصارات، سواء لنا أو للمنتخبات العربية الشقيقة.


إيهاب شغيدل (شاعر/ العراق):

كرة القدم هي "لغة العالم"

لا شك كنوع من التمرد يمارس غالبية الناس عمليات القرصنة على القنوات المغلقة، ذلك يمنحهم شعورًا مضاعفًا بالحرية، خصوصًا في العراق فهناك شركات تكسر التشفير ثم تبيعه!

لي رحلة مع المنتخبات غريبة بعض الشيء، تقريبًا في كل كأس عالم أركز على فريق وأشجعه، في الطفولة كنت من مشجعي المنتخب الإنكليزي، أيام بيكهام وأوين وذاك الجيل الذهبي، لاحقًا كنت مع عصر الإسبان خصوصًا الجيل الذي حقق لقب 2010. الآن أعتقد أن إسبانيا وميسي والبرازيل هي الفرق المرشحة فميسي ليس لاعبًا فحسب.

أول ما أتذكره في طفولتي أنني كنت أمارس كرة القدم، لم أمارس غيرها لأسباب تتعلق بما يتوفر في المدن الشعبية، في مدينة ولادتي مدينة الثورة/ (الصدر) حاليًا، كرة القدم هي اللغة الرسمية والأكثر قدرة على منح الأهمية والتفوق.. أمارس بشكل متقطع حتى الآن ذاك السحر، فما أن تتدحرج الكرة حتى أعود طفلًا لا يعرف سوى الجري والتمرير.

غالبًا يطلق على كرة القدم مجازًا بأنها "لغة العالم"، الرياضة هي الأرضية الأكثر قدرة على منح السلام والمحبة والتعاطف، يقال إن بطولة أمم أوروبا صارت لأن تلك الشعوب تريد أن تتنافس بمكان آخر، لا موت فيه، أنا مع هذا التصور. انتصار رمزي في أي رياضة قد يغذي غريزة تجار الحروب والطاقة وغيرهم.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.