}

تقليعة إسرائيلية جديدة: بلطجة سلطوية مُخصخَصة للمهمات القذرة! (3-3)

ضفة ثالثة ـ خاص 24 ديسمبر 2020
هنا/الآن تقليعة إسرائيلية جديدة: بلطجة سلطوية مُخصخَصة للمهمات القذرة! (3-3)
"لا يمكن لنظام الـ"بسملق" الازدهار إلا بإطار الكذب والإخفاء"

توطئة
نواصل هنا نشر مقالة مُطوّلة ظهرت مؤخرًا في مدوّنة "لا تمت غبيًّالأستاذ الألسنية في "جامعة بن غوريون" في بئر السبع عيدان لاندو، وتوقف بالتفصيل فيها عند ما أسماها ظاهرة "البلطجة السلطوية المُخصخصة للمهمات القذرة (الـ"بسملق")" التي ازدهرت في إسرائيل خلال العقدين الفائتين بغية تطبيق سياسة نظام حكمها اليميني، وبالأساس فيما يرتبط بسرقة الأرض الفلسطينية، وبقمع أي معارضة داخلية لهذه السياسة يمكن أن تشكل سندًا لأي معارضة من الخارج.
وتنبع أهمية هذه المقالة من عدة عوامل، وأبرزها:
أولًا، أنها تعتبر بمثابة قاعدة بيانات أولية لتلك الظاهرة الآخذة في الاتساع والتكرّس.
ثانيًا، أنها تكشف عن جوهر نظام الحكم القائم في إسرائيل في الوقت الحالي، وتحديدًا من حيث ماهية الإجراءات التي أقدم عليها ولا يزال، ليس للتعاطي مع قضية فلسطين والاحتلال والاستيطان فحسب إنما أيضا لحسم الجدل الداخلي حيال كل ما سبق، حتى وإن كان مثل هذا الجدل جاريًا ضمن هامش ضيق.
وفيما يختص بالاستنتاجات التي يخلص إليها الكاتب من مقالته، تجدر الإشارة إلى ما يلي على وجه الخصوص:
1-   المجتمع المدنيّ في إسرائيل لا يزال هشًّا في حين أن بالإمكان التغلب على هذه النواقص والعيوب، من وجهة نظر الكاتب، بواسطة بناء مجتمع مدني متين ومتماسك. وهو يعتقد أن سيرورة بناء مجتمع كهذا يكون متينًا متواصلة، وبدأت في احتجاجات صيف 2011، وتواصلت في مظاهرات اليهود الأثيوبيين وصولًا إلى حملة الاحتجاج التي اندلعت في صيف 2020 (على خلفية شبهات الفساد التي تحوم حول رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، من جهة، وأداء الحكومة في معالجة الأزمتين الصحية والاقتصادية- الاجتماعية ترتبًا على جائحة كورونا، من جهة أخرى)، ولكن لا تزال بعيدة جدًا عن تحقيق غاياتها. كذلك يعتقد أن المجتمع المدني المتين والمتماسك، الذي يمتلك وعيًا سياسيًا متطورًا، هو فقط الذي بإمكانه كبح أعمال سلطوية آثمة تُخفى عنه كنهج مبدئي. وهذا يتطلب جمهورًا يقظًا يطرح كل يوم سؤالين اثنين: ماذا تفعلون باسمي وبالنيابة عني؟ ماذا تفعلون بأموالي؟ ويطالب بإجابات صريحة، واضحة ووافية.
2-   ينطلق الكاتب من أن الجمهور العريض في إسرائيل قادر على طرح السؤالين السالفين في عدة مجالات مثل العمل والتشغيل، والطاقة، والصحة، ما يجعله غير متشكّك في قدرته على طرحهما في المجالات التي يُقصى عنها باستمرار وعلى الدوام، مثل الاتجار بالأسلحة وتقنيات الرصد والتعقب، ونهب أراضي الفلسطينيين وممتلكاتهم، والحرب القذرة ضد منتقدي سياسة إسرائيل وما شابه. وبالرغم من أن الطريق إلى سيرورة كهذه لا تزال طويلة، فيما أن التثقيف السياسي لدى الإسرائيليين ما زال في مهده، فهو يؤكد أنه لا طريق أخرى غير هذه وأن أي محاولة لرسم طريق أخرى بديلة ستكون مرغمة على البدء من البديهيات الأولية: ضرورة عرض الحقيقة على المواطنين، فلا يمكن لنظام الـ"بسملق" أن يزدهر إلا في إطار ثقافة الكذب والإخفاء، التي يمكن اعتبارها في دولة الاحتلال ذات "ماركة مسجلة". ولا بُدّ من أن نضيف إلى أن تلك الثقافة التي تمارس الشطب والانتقاء ما كان من الممكن أن تنجح في الإخفاء من دون أن يتلازم ذلك مع التعاون من جانب الكُتّاب والباحثين حيال ما تُسمى بـ"فريضة الصمت" في السيرورة الرامية في المحصلة إلى بناء "الوعي الذاتي للمجتمع" على أساس الكذب والاختلاق، وهي الفريضة التي تجاهر هذه المقالة بالوقوف على الضدّ منها.
هنا الجزء الثالث والأخير من هذه المقالة:

(أنطوان شلحت)

جمعية "رجافيم" كمنظمة "بسملق"

في عام 2006 تنظمت مجموعة من الأعضاء في حركة "كومميوت" ("استقلال وسيادة") اليمينية المتطرفة التي تتبنى آراء الحاخام المتطرف مئير كهانا، وهي المجموعة ذاتها التي نظمت "مسيرة الحيوانات" وأقامت جمعية "رجافيم". و"رجافيم" هذه معروفة للجمهور الواسع في إسرائيل بوصفها جمعية فعالة تتعقب وتراقب أي أعمال بناء غير قانونية ينفذها العرب في مختلف أنحاء البلد، وخصوصًا في الضفة الغربية، ثم تنبه السلطات المسؤولة إليها، عبر تقديم شكاوى رسمية، تقديم طلبات التماس قضائية وغيرها. لكنّ الاسم الذي لا يقل دقة لجمعية "المحافظة على أراضي الأمة" سيكون "جمعية تبييض لصوص الأراضي". لا أقل من 14 ناشطًا ومديرًا مركزيًا في "رجافيم"، وفق ما كشف عنه الباحث شاحر غينوسار في تحقيقه الاستقصائي الذي نشره قبل سنتين، استنادًا إلى العمل الميداني الذي تقوم به منظمة "كيرم نفوت"، يستولون على بيوت غير قانونية أو اشتروا بيوتًا أنشِئت من دون تراخيص. في مقدمة هؤلاء الناشطين والمديرين عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش، أحد مؤسسي "رجافيم" والذي يقيم في مستوطنة "كدوميم" في بيت بُني على أرض لم يتم إعلانها "أراضي دولة" بعد (أي يرجح أن يكون أصحابها فلسطينيين). هذه الحقيقة مثيرة للغاية بالطبع، لأن سموتريتش كان من القوى المركزية التي دفعت إلى سن "قانون التسوية" الذي سنعود إليه على الفور.
من بين كشوفات "كيرم نفوت"، أيضًا: المدير الأول للجمعية، يائير بن دافيد، كان قد اقتحم قطعة أرض بملكية خاصة، ثم طُرد منها وصدرت بحق منزله المقام في بؤرة "كشوالا" الاستيطانية 8 أوامر هدم. شريك سموتريتش في تأسيس هذه الجمعية ومديرها حتى قبل فترة وجيرة هو يهودا إلياهو، المقيم في بؤرة "حرشا" الاستيطانية غير القانونية (التي أسبغ عليها أفيحاي مندلبليت، المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، كامل الشرعية المطلوبة)، والذي أصدرت الإدارة المدنية أمرًا بهدم منزله. يهودا إلياهو هذا كان يعمل، في المقابل وفي الوقت نفسه أيضًا، مساعدًا لرئيس مجلس مستوطنات بنيامين، ما يقدم نموذجًا ساطعًا عن العناق الإيديولوجي بين الجمعية والمؤسسة السلطوية.
يمكننا أن نلخص، إذًا، لنقول إن "رجافيم" هي جمعية لتبييض مخالفي البناء اليهود، أكثر من كونها لتجريم مخالفي البناء الفلسطينيين. وينسجم هذا التوصيف، تمامًا، مع الدور المركزي الذي لعبته هذه الجمعية، وخاصة بتسلئيل سموتريتش، في سن "قانون التسوية". فسموتريتش كان صاحب المبادرة لسن هذا القانون، الذي قررت المحكمة العليا مؤخرًا إلغاءه، الأمر الذي يبقي منزل سموتريتش نفسه وبيوت المسؤولين الآخرين في "رجافيم" على مكانتها غير القانونية، غير أن سموتريتش قد تعهد بسن "فقرة التغلب" التي سيكون بالإمكان بواسطتها شطب وإلغاء قرارات الحكم التي تصدرها المحكمة العليا.  
بناء على هذا، يمكن القول إن أمام منظمات الـ"بسملق" استراتيجيتين اثنتين لتبييض جرائمها: الأولى ـ تغيير القانون الذي يعرّف الجريمة من أجل تبييضها، بياض الثلج. والثانية ـ تغيير القانون الذي أتاح للسلطات الكشف عن المجرمين، كي يتمكنوا من مواصلة جرائمهم من دون أي معيقات. لكن ما لم يكن واردًا في الحسبان، إطلاقًا، هو وقف هذه الجرائم.   
تريثوا، فهذه ليست الذروة. الذروة هي أن الجمعية، التي يقوم وجودها كله على تضارب المصالح الصارخ، تزعق ضد تضارب مصالح لدى الآخرين. في نهاية عام 2016، طالبت "رجافيم" بعزل العميد (احتياط) دوف تسادكا من منصبه مسؤولًا عن المفاوضات مع البدو المقيمين في منطقة "معاليه أدوميم" حول إخلائهم من هناك.
السبب: الكشف عن أن تسادكا كان شريكًا في جمعية أقامها (الوزير السابق) يوسي بيلين للتعاون الإقليمي، بدعم من الاتحاد الأوروبي. "تضارب مصالح"! زعق نشطاء "رجافيم" وشغّلوا مدفعية الصراخ المعتادة لدى زاعقي اليمين. لكنّ هذا الزعيق أثمر فعلًا وجرى عزل تسادكا ولم يلتفت أيّ كان إلى أن أحدًا لم يعر أي اهتمام لحقيقة أن الضغوطات في هذا الموضوع مارستها جمعية ذات مصلحة واضحة في حسم المفاوضات باتجاه محدد (أي، طرد البدو من أراضيهم). وقد بدأت "رجافيم" مؤخرًا بتفعيل منظمة ابنة، تابعة لها، تسمى "نصون الأزل"، تعمل من أجل اقتلاع وطرد تجمعات فلسطينية من "مواقع أثرية".
هذا الارتباط العضوي ما بين "رجافيم" والسلطة أقيم من خلال عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش وبواسطته بالطبع. لكنه ليس الوحيد. فبعد أشهر قليلة على تسلمها منصب وزيرة العدل، عيّنت أييلت شاكيد مستشارًا خاصًا لها لشؤون الاستيطان، وهي وظيفة غير مسبوقة في هذه الوزارة. أما الشخص الذي عينته مستشارًا فهو المحامي عميت فيشر، الذي جاء إليها مباشرة من منصب المستشار القانوني لجمعية "رجافيم". كانت مهمة فيشر الالتفاف على النيابة العامة وتجاوزها في جميع طلبات الالتماس الخاصة بالبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية وتحديد موقف الدولة تجاهها. وكانت أمرًا طبيعيًا للغاية حقيقة استمراره، كل الوقت، في تمثيل مستوطنين ومنظمات يمينية في طلبات التماسهم ضد الدولة. دليل آخر على امّحاء الحدود تمامًا ما بين الدولة ومنظمات الـ "بسملق".

من الواضح أن الدولة تموّل هنا "طلبات التماس ضد نفسها"، لأن الدولة ليست جسمًا متجانسًا، بل محكومة من قبل الأحزاب السياسية التي نقشت على
راياتها نهب أي قطعة أرض ممكنة من أيدي الفلسطينيين



تحصل "رجافيم" على التمويل الحكومي عبر العديد من القنوات، بما في ذلك مجالس إقليمية في الضفة الغربية. فقد كشف تحقيق استقصائي أجراه الصحافي يوتام بيرغر عن أن "رجافيم" حصلت على مئات آلاف الشواكل من مجالس "شومرون" ومجالس "جبل الخليل" لغرض "مراقبة ومعالجة البناء الفلسطيني غير القانوني في نطاق المجلس" ولغرض "حماية الأراضي وتخليصها" (كما ورد في وثيقة رسمية). حصة الأسد من ميزانيات هذه المجالس هي أموال حكومية بالطبع. ويتضح من تقرير حركة "السلام الآن" أن "رجافيم" حصلت بين العامين 2007 و2016 على ما يزيد عن 17 مليون شيكل من مصادر جماهيرية عامة. وهي تحصل، منذ عام 2011، على مبلغ مليونيّ شيكل سنويًا من المال العام.
نذكّر بأنه في نطاق منطقة نفوذ "مجلس جبل الخليل" تقع خربة سوسيا التي تشن "رجافيم" حملة لا هوادة فيها من أجل محوها عن وجه الأرض وتحقق إنجازات جزئية في هذا المجال، بدعم من المحكمة الإسرائيلية العليا. التنكيل السلطوي المستمر بسكان خربة سوسيا بدأ قبل تأسيس "رجافيم" بوقت طويل، والحقيقة أن الدولة أوكلت مسؤولية متابعة هذا الملف إلى جمعية "رجافيم" وبدلًا من إثقال كاهل الإدارة المدنية وإشغالها بالمحاكم، يقوم محامو "رجافيم" بتأدية هذه المهمات بدلًا منها. وهذا ما يوضح، بصورة جلية، حقيقة أن التمييز/ الفصل بين الدولة ومنظمات الـ "بسملق" هو تمييز تكتيكي فقط، لأن هذه الأخيرة تواصل تنفيذ السياسات التي كانت الدولة ترغب فيها أصلًا.
يقوم هذا النهج، برمّته، على الفصل المصطنع المذكور بين السلطات، خصخصة البلطجة وطمس الآثار. من الواضح أن الدولة تموّل هنا "طلبات التماس ضد نفسها"، لأن الدولة ليست جسمًا متجانسًا، بل محكومة من قبل الأحزاب السياسية التي نقشت على راياتها نهب أي قطعة أرض ممكنة من أيدي الفلسطينيين.

نتنياهو وعضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش
















تنشط جمعية "رجافيم" في داخل حدود إسرائيل، داخل "الخط الأخضر"، أيضًا، وخصوصًا ضد القرى غير المعترف بها في منطقة النقب. هنا، كذلك، يمكن ملاحظة بصمات الدولة على طلبات الالتماس التي تقدمها هذه الجمعية. خذوا مثلًا قرية الزرنوق في النقب. نحو 4000 مواطن يعيشون على مئات الدونمات، من بينها منطقة صغيرة كانت بملكية يهودية قبل مائة عام. تقدمت "رجافيم" بطلب التماس، باسم الورثة الشرعيين، لكن المحكمة رفضته في عام 2013. لم تستسلم "رجافيم" بالطبع، بل تواصل إعاقة ومنع بناء مؤسسات جماهيرية في القرية، مثل المدارس أو غيرها. وفي المقابل، تعمل الدولة على إخلاء سكان القرية ونقلهم إلى حي جديد سوف يقام في مدينة رهط، وهي خطوة قوبلت بمعارضة واحتجاج شديدين من جانب كلا الطرفين، اللذين لم يكونا طرفًا في القرار بالطبع. لقد وضعت الدولة مخططًا لإنشاء بلدة يهودية على أراضي قرية الزرنوق ـ على غرار ما حصل في حيران، التي ورثت أم الحيران ـ سيطلق عليها اسم "عومريت" وقد بدأ تسويق وبيع الأراضي فيها لجمهور المتدينين من اليهود.
حالة الزرنوق تمثل نموذجًا مثيرًا للتعاون المشترك من خلال توزيع الأدوار بين الدولة ومنظمات الـ "بسملق" ـ ذراع النهب (من العرب) وذراع الاستيطان (بين اليهود) تعملان بتنسيق تام لتحقيق هدف مشترك.


NGO مونيتور كمنظمة "بسملق"  

أقيمت منظمة "إن. جي. أو. مونيتور" (منظمة لمراقبة ورصد المنظمات غير الحكومية. الاسم الرسمي: معهد أبحاث المنظمات غير الحكومية) عام 2002 كفرع لـ "المركز المقدسي لشؤون الجمهور والدولة"، وهو معهد دراسات يميني محافظ يترأسه دوري غولد، السفير الإسرائيلي السابق في الأمم المتحدة. مؤسس هذه المنظمة هو جيرالد شتاينبرغ، الذي عمل من قبل في ديوان رئيس الحكومة وفي وزارة الخارجية. منذ بدايتها، إذًا، تشكلت هذه المنظمة على صورة المؤسسة اليمينية في إسرائيل وكانت، على مدى فترة طويلة، ذراع الظل للدعاية الإسرائيلية. لكن "مجموعة العمل السياسي" التابعة لصندوق روزا لوكسمبورغ نشرت، قبل عامين، دراسة شاملة وافية عن هذه المنظمة كشفت عورتها على الملأ.

تحظى NGO مونيتور بشعبية وتعاطف غير محدودين في وسائل الإعلام الإسرائيلية، بجميع أطيافها. ممثلها الأكثر وفاءً، بالطبع، هو الصحافي بن درور يميني.

 "إن. جي. أو. مونيتور" متخصصة في التشهير بمنظمات حقوق الإنسان التي تنتقد الاحتلال الإسرائيلي. ويتركز نشاطها، أساسًا، في المجال الدبلوماسي: النشر والترويج المكثفان لـ"أبحاث" (سنوضح حالًا سبب المزدوجين) حول "الدعم" المزعوم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي لمنظمات إرهابية. تضع "إن. جي. أو. مونيتور" "أبحاثها" هذه بين أيدي سياسيين إسرائيليين يتحدون الحقائق، مثل يائير لبيد أو تسيبي حوتوبيلي، فيطلق هؤلاء ـ مسلَّحين بتقرير الإدانة الجاهز ـ حملة توبيخ للبرلمانات الأوروبية التي "تموّل منظمات BDS معادية لإسرائيل".
سفاح المحارم بين NGO مونيتور والسلطة ليس أمرًا سريًا. فقد اعترفت وزارة الخارجية علنًا بأنها تعتمد على تقارير هذه المنظمة وتشارك في اللقاءات التي تبادر إلى تنظيمها مع سياسيين في خارج البلد. ووصف المتحدث الرسمي بلسان وزارة الخارجية الإسرائيلية، عمانوئيل نحشون، التعاون بين وزارته و"NGO مونيتور" بالكلمات التالية: "نحن نعمل معهم بصورة وثيقة. ثمة تنسيق بيننا ونحن نتشارك المعلومات". ومن هنا، فالحديث يدور إذًا عن ذراع تنفيذية للسلك الدبلوماسي الإسرائيلي تحظى بعناق إيديولوجي من جانبه، تحت غطاء كونها "جمعية خاصة".
لـ"NGO مونيتور" علاقة وثيقة مع بنيامين نتنياهو شخصيًا، أيضًا، وهي التي أثمرت في انتزاع تعهد من الدنمارك بتشديد المعايير لمنح منظمات المجتمع المدني هبات ومساعدات مالية؛ وهو القرار الذي بُدئ بتنفيذه قبل سنتين. وفي شباط/فبراير الأخير، وبّخت وزارة الخارجية الإسرائيلية نائب السفير البلجيكي في إسرائيل، على خلفية النقاش الذي أجراه مجلس الأمن الدولي ودعا إليه ناشطًا معاديًا لإسرائيل عضوًا في "الرابطة الدولية لحقوق الأطفال في فلسطين". وكانت NGO مونيتور قد أعلنت ارتباط هذه الرابطة بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، غير أن دول الاتحاد الأوروبي لم تقتنع بهذا الادعاء.
الأكاذيب وأنصاف الحقائق هي زاد NGO مونيتور. وقد أرغمت دبلوماسيين أو منظمات مجتمع مدني، مرارًا، على نشر مقالات "تبرير وتزلف" تكشف الأكاذيب، واحدة واحدة. وكيفما نظرت في تقارير NGO مونيتور، تصطدم بالافتراءات، حتى أصبحت عدم موثوقية هذه المنظمة في كل ما يتعلق بتقاريرها ومدى صدقيتها أمرًا معروفًا وشائعًا بين الصحافيين غير الإسرائيليين. وقد نشر ماتي فريدمان، الذي عمل مراسلًا لوكالة "أسوشيتد برس" في إسرائيل خلال العقد الأخير، أن وكالة الأنباء منعت موظفيها من اقتباس NGO مونيتور أو رئيسها.
في إطار صناعة الكذب التي تمارسها هذه المنظمة، إذا ما كان في منظمة حقوقية فلسطينية، مثلًا، ناشط تعرض للاعتقال في سجن إسرائيلي في السابق (وليست ثمة عائلة فلسطينية واحدة لم تتعرض لهذا سابقًا أو لا تتعرض له الآن)، فستقوم NGO مونيتور باستغلال هذه الحقيقة بغية حرف الأنظار والتعمية عن ادعاءات المنظمة الحقوقية. هذا ما حصل، مثلًا، حين نشرت مؤسسة "الحق" – القانون من أجل الإنسان (وهي جمعية حقوق إنسان فلسطينية، غير حكومية ومستقلة، مقرها مدينة رام الله) أن إسرائيل تسرق المياه من الفلسطينيين، خرجت NGO مونيتور في حملة تشهير ضد المؤسسة، من خلال الاستعانة بوسائل الإعلام الإسرائيلية، رغم أن الحقيقة مؤكدة: إسرائيل تسرق المياه من مناطق الضفة الغربية، على مدار سنوات عديدة، وتنتهج سياسة تمييز صارخة في توزيع المياه على الفلسطينيين.
تحظى NGO مونيتور بشعبية وتعاطف غير محدودين في وسائل الإعلام الإسرائيلية، بجميع أطيافها. ممثلها الأكثر وفاءً، بالطبع، هو الصحافي بن درور يميني.
كانت NGO مونيتور التي وقفت خلف "قانون إلكين" للكشف عن مصادر التمويل الأجنبي للجمعيات في إسرائيل. هذا القانون يتحدث عن التمويل الحكومي فقط، للتمويه على التمويل الخاص والمكثف جدًا الذي تحصل عليه منظمات اليمين عمومًا، وNGO مونيتور على وجه الخصوص. الهدف الأول والأهمّ من كل هذه السلوكيات البلطجية هو ـ كما يشير تقرير مجموعة العمل السياسي ـ إخفاء الحقائق عن الاحتلال الإسرائيلي، أولًا وقبل أي شيء آخر: "إخفاء وتقليص الانعكاسات الإنسانية والسياسية، وكذلك الجوانب القضائية، في كل ما يتعلق بالاحتلال والسيطرة الإسرائيلية على المناطق الفلسطينية".

فكِّروا مرة أخرى بالعلاقات التبادلية بين NSO ووزارة الدفاع، بين "إلعاد" ومختلف الأذرع السلطوية (وزارتا التربية والتعليم والسياحة، سلطة الطبيعة والحدائق، سلطة الآثار وغيرها). فكِّروا بكتائب الدعائيين الذين تجندهم "إن. جي. أو. مونيتور" و"كيلع شلومو" ـ هؤلاء جميعًا ليسوا ملحقين حزبيين تابعين لليكود، بل يتمتعون بمكانة رفيعة ومتينة في المجتمع الإسرائيلي.



عودة إلى العلاقات الوثيقة والحميمة بين NGO مونيتور وبين المؤسسة الحاكمة ـ الباب الدوّار: باستثناء الشخصين المؤسسين، دوري غولد وجيرالد شتاينبرغ، اللذين سبق ذكرهما أعلاه، حري بالذكر أيضًا رئيس NGO مونيتور السابق، يوئيل غولوفنسكي، الذي جاء إلى هذه المنظمة من الوكالة اليهودية، إضافة إلى إشغاله منصب رئيس "معهد دراسات الاستراتيجيات الصهيونية". وفي الاتجاه المعاكس: آشير فريدمان، رئيس طاقم العاملين في مكتب وزير الشؤون الاستراتيجية السابق، غلعاد إردان، كان يعمل في NGO مونيتور قبل إشغاله هذا المنصب. كما عمل فريدمان، أيضًا، لدى الوزيرين يوفال شتاينيتس وموشيه يعلون. ومن هو مستشار NGO مونيتور لشؤون القضاء العسكري؟ إنه العميد (احتياط) موريس هيرش، الذي أشغل حتى عام 2016 منصب رئيس النيابة العسكرية في الضفة الغربية، وهو الجسم المكلف بمهمة التطبيق القانوني للأبارتهايد. ولن تُصدموا بالطبع حين تعلمون أن هيرش هذا يقيم في منزل غير قانوني أقيم على أرض فلسطينية خاصة، مثل زملائه في "رجافيم" تمامًا.
ملتزمةً بطابعها كمنظمة "بسملق" ووفية له، تحرص NGO مونيتور على تمويه وإخفاء مصادر تمويلها، بينما لا تتوقف عن مهاجمة مصادر تمويل منظمات حقوق الإنسان. 96% من ميزانية "الصندوق الجديد لإسرائيل" مصدرها من تبرعات فردية خاصة، وهي علنية ومكشوفة تمامًا بالطبع. غير أن هذا لا يحول دون شن NGO مونيتور هجومًا كاسحًا على هذا "الصندوق" وخصوصًا على خلفية دعمه، المالي، لمنظمات مثل "عدالة"، "لنكسر الصمت"، "أطباء من أجل حقوق الإنسان" وغيرها، والتي تعرضها NGO مونيتور على موقعها بوصفها "عملاء شيطانيين لحركة BDS".
طبقًا للتقرير الذي أعدته "مجموعة العمل السياسي"، الجزء الأكبر من أموال NGO مونيتور يتم تجنيده من خلال صندوق "ريبورت" (Report) ذي العلاقة مع معاهد أبحاث تابعة للمحافظين الجدد في الولايات المتحدة. هوية المتبرعين لا تزال طي السرية والكتمان. في عام 2010، استخدمت المنظمة الوكالة اليهودية كقناة لتحويل تبرع شخصي بمبلغ 570 مليون شيكل. حتى موقع NGO مونيتور نفسه يمارس رقابة على الأسماء في قائمة الصناديق المانحة لهذه المنظمة (والذين يلزمها القانون بالكشف عن هوياتهم). في عام 2013، لم تقدم NGO مونيتور أي تقرير لمسجل الجمعيات. حين تكون جزءًا من اليمين، فكل شيء مسموح لك.
من الصعب العثور على دليل أكثر وضوحًا على التظاهر الكلبيّ الذي تبديه NGO مونيتور والذي يثبت ازدواجية المعايير التي تعتمدها، تجاه نفسها وتجاه منظمات حقوق الإنسان، في كل ما يخص التبرعات الخاصة. فحقيقة أن هذه المنظمات تكشف قائمة مانحيها على الملأ، بينما تصر NGO مونيتور على الاحتفاظ بقائمة مانحيها في العتم، تثبت بما لا يدع مجالًا لأي شك أن رؤساء NGO مونيتور أنفسهم مدركون لدونيتهم الأخلاقية في هذا السياق.


دائرة الاستيطان في المنظمة الصهيونية العالمية كمنظمة "بسملق"
دائرة الاستيطان في المنظمة الصهيونية العالمية هي إحدى منظمات الـ "بسملق" الأكثر أقدمية وشهرة، وهي قناة التمويل المركزية لمشروع الاستيطان وأداة للسيطرة البلطجية على الأراضي الفلسطينية. كان سرًا ذائعًا طوال سنوات عديدة أن ليس ثمة أي رقابة على قناة التمويل هذه للمستوطنات، إذ إن القيود القانونية لم تأت لتحقيق الأهداف التي ترغب السلطة في تحقيقها. هكذا، تجاوزت ميزانية هذه الدائرة، كل سنة من جديد، حجم ميزانيتها المقررة حتى تم في عام 2014 اكتشاف حقيقة أن 75% من هذه الميزانية تستثمَر في مشاريع لها علاقة بحزب "البيت اليهودي"، كما حصلت الدائرة على أموال ائتلافية من حزب "إسرائيل بيتنا" في مقابل مصالح شخصية وتعيينات لمقربين.
كان مراقب الدولة الإسرائيلية قد نشر، على مدار سنوات عديدة، تقارير خطيرة عن أداء هذه الدائرة، لكن دون جدوى. وفي عام 2014، نشر معهد "مولاد ـ لتجديد الديمقراطية في إسرائيل" تحقيقًا استقصائيًا شاملًا عنها كشف، ضمن أشياء أخرى، كيف حوّل حزب "البيت اليهودي" هذه الدائرة إلى قناة قانونية لرصد وتحويل الميزانيات لمراكز التعليم الدينية اليهودية في المدن المختلفة. وقد عملت هذه الدائرة في العتم لسنوات عديدة تخبطت إدارتها خلالها في الرد على السؤال: هل تكشف عن نشاطها أمام الجمهور العام (الذي يموّل نشاطها!) وكيف؟ وكان هدفها من ذلك "تقديم رد شافٍ للمطالبين بحرية المعلومات، من جهة، وإيجاد الصيغة المناسبة لتجنب ضرورة الكشف عن الرسالة الأساسية التي تؤديها الدائرة، من جهة أخرى"، كما أشار رئيس إدارتها قبل ثماني سنوات.
لُجِم هذا التسيب المنفلت قليلًا، إثر ضغوط مارسها عدد من أعضاء الكنيست، حين أوصت وزارة العدل بإغلاق هذه الدائرة ـ الجسم الهجين الغريب الذي حظي بميزانيات حكومية لكنه لم يكن خاضعًا سوى للمنظمة الصهيونية، ما يعني أنه لم يكن ملزَمًا بالحصول على استشارة قانونية من وزارة العدل أو خاضعًا لأي رقابة مالية من جانب المحاسب العام في وزارة المال، إضافة إلى كونه معفًى من أحكام ومقتضيات قانون المناقصات وقانون حرية المعلومات.
ما حدث بعد ذلك هو بمثابة درس مذهل في متاهات "الحوكمة" الإسرائيلية. فبعد شهرين من ذلك التطور، قُدم إلى لجنة القانون، الدستور والقضاء البرلمانية طلب لإخضاع الدائرة لأحكام قانون حرية المعلومات. لكن رئيس هذه اللجنة آنذاك، عضو الكنيست المحامي دافيد روتم (من "إسرائيل بيتنا")، رفض هذا الطلب وأعلن دون أي خجل أو حرج: "أريد أن أمنعكم من الحصول على معلومات لاستغلالها في طلب التماس إلى المحكمة العليا لوقف ومنع البناء في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)". روتم هذا كان حالة تضارب مصالح حاد، إذ كان قد مثّل الدائرة ضد تقرير البؤر الاستيطانية الذي أعدته طاليا ساسون، نائبة المستشار القانوني للحكومة. غير أن تضارب المصالح الحاد والفظ هذا لم يمنعه من إجهاض ودفن محاولة الكشف عن طرق تمويل الدائرة. وقد كان في أقواله الصريحة تأكيد واضح على أن مشروع الاحتلال يحتّم الإخفاء والكذب، ولذا فثمة حاجة ماسة إلى أشخاص، يفضل أن يكونوا حقوقيين مؤهلين، يغطون على الإخفاء والكذب. إنه العناق الإيديولوجي بين تنظيم الـ "بسملق" والدولة، الباب الدوار، تطابق المصالح وانعدام الشفافية ـ هذه كلها هنا. 

لا يزال الطريق طويلًا ولا يزال التثقيف السياسي لدى الإسرائيليين في مهده، لكن لا طريق أخرى غير هذه وأي محاولة لرسم طريق أخرى بديلة ستكون مرغمة على البدء من البديهيات الأولية: ضرورة عرض الحقيقة على المواطنين. لا يمكن لنظام الـ"بسملق" أن يزدهر إلا في إطار ثقافة الكذب والإخفاء.



بالرغم من ذلك، أقر الكنيست في كانون الأول/ ديسمبر 2015 تطبيق قانون حرية المعلومات على الدائرة. في المقابل، نجح عضو الكنيست المجتهد بتسلئيل سموتريتش (الذي يتكرر اسمه مرات عدة في هذا المقال، وليس مجرد صدفة) في "تحرير" أنشطة الدائرة، بما يتناقض تمامًا مع توصية وزارة العدل، فعادت إلى نشاطها الكامل حتى منتصف عام 2017. خلال عام 2018، أعد سموتريتش، سوية مع عضوي الكنيست من الليكود يوآف كيش ودافيد بيتان، مشروع قانون خاص لـ"شرعنة وتأهيل" دائرة الاستيطان، بما يتناقض تمامًا ـ مرة أخرى ـ مع توصية وزارة العدل التي أقرت ضرورة إغلاق الدائرة وإعادة جميع صلاحياتها إلى وزارة العدل.
قوبل مشروع القانون الذي قدمه سموتريتش بمعارضة من المستشار القانوني للكنيست ومراقب الدولة اللذين أشارا إلى أن هذا المشروع يدوس، عمليًا وبفظاظة، الرأي الاستشاري الذي أعدته نائبة المستشار القانوني للحكومة، دينا زيلبر، إضافة إلى أنه يضمن في نص قانوني صلاحيات تمويلية للدائرة، من دون أية آليات رقابة مناسبة.
لا يزال مشروع قانون سموتريتش عالقًا حتى الآن، لكن الأمور القذرة في دائرة الاستيطان تسير كالمعتاد. ميزانيات استثنائية من وزارة الزراعة تتدفق كما كان في السابق، يتم تحويلها بشكل روتيني لتمويل مشاريع غير قانونية في المناطق الفلسطينية.
من المهم التنويه في هذا السياق بأن دائرة الاستيطان لا تنشط في الجانب المالي فقط، بل في تخصيص الأراضي غير الخاضعة للرقابة في الأراضي المحتلة أيضًا. وهناك أيضًا تبرز بوضوح بصمات النشاط الجنائي الذي تقوم به منظمة الـ"بسملق" هذه: تخصيص أرض فلسطينية خاصة للبؤر الاستيطانية غير القانونية "معاليه يربعام"؛ "متسبيه كرميم"؛ "متسبيه داني"؛ ولمستوطنة "عوفرا" وغيرها الكثير الكثير.
درور إيتكس، الباحث في شؤون الاستيطان والمستوطنات، وصف نمط العمل هذا بمصطلحات تتناسب تمامًا، وبصورة مذهلة، مع مزايا منظمات الـ"بسملق" بشكل عام: "أصبح واضحًا، منذ سنوات طويلة، أن دائرة الاستيطان تبنت أنماط العمل الجنائية، بعدما أخذت على عاتقها مهمة المقاول في تنفيذ الأعمال القذرة التي تحاول سلطات الدولة إبعاد نفسها عن التورط المباشر فيها".
مدير دائرة الاستيطان هذه هو تسفيكا بار حاي، المستوطن في مستوطنة البلطجيين "سوسيا". فهل ثمة مفاجأة في هذا؟



منظمات الـ"بسملق"

اتسعت ظاهرة منظمات الـ "بسملق" بصورة كبيرة جدًا خلال العقدين الأخيرين على وجه التخصيص. والنماذج الستة التي عرضناها في هذه المقالة تنشط في مجالات مختلفة ـ اقتصادية، عقارية، قضائية وإعلامية ـ تضم في ثناياها غير قليل من المنظمات ذات الطابع التنفيذي المشابه. هذه أبرزها، باختصار:
-         "أفق للاستيطان"، جمعية استيطانية لتخليص الأراضي، أشبه بأخت شقيقة لـ"رجافيم".
-         "الحركة من أجل الحوكمة والديمقراطية"، تختفي خلف هذا الاسم الاحتفالي منظمة مواجهة قضائية تابعة لحركة "كومميوت" الكهانية الداعمة لحركة "تاغ محير" (تدفيع الثمن). وهذه "كومميوت" نفسها التي وقفت خلف "رجافيم".
-         "ت م د"، التي أقامها أعضاء "كومميوت" كرافعة قضائية لمواجهة مؤسسات تطبيق القانون ويترأسها المحاميان يهودا عمراني وسمحا روتمان. هذه هي الحركة التي أعدت مشروع القانون الخاص لإلغاء واجب طرح مناقصات لتعيين مستشارين قانونيين في الوزارات الحكومية المختلفة؛ وهو مشروع القانون الذي أقر بالقراءة التمهيدية، لكنه سقط بالقراءات اللاحقة، لكن من المؤكد أننا سنسمع عنه لاحقًا.   
-         "شورات هدين" (حُكم القانون/ المركز الإسرائيلي للقضاء)، هي جمعية لـ"القتال القضائي" أقيمت عام 2002 لتتصدى لمؤسسات، محلية وأجنبية، ولدول تساند الحقوق الفلسطينية، تحت عنوان عام هو "محاربة الإرهاب". مؤسسة ومديرة هذه المنظمة هي المحامية نيتسانا درشن لايتنر، المستوطنة في مستوطنة "حشمونائيم" والعميلة السابقة في الموساد، ضمن وحدة تخصصت في "محاربة منظمات الإرهاب اقتصاديًا". في لحظة صراحة نادرة، تجيب لايتنر عن سؤال حول سبب عدم قيام الدولة نفسها بما تنتدب "شورات هدين" للقيام به فتقول: "لأن للدولة مصالح متبادلة، ما يجعلها مقيدة ومحدودة الإمكانيات. السلطة الفلسطينية، مثلًا، قد تكون عدوة مرة وشريكة في مفاوضات سلام مرة أخرى. الدولة محدودة في علاقاتها الخارجية وفي اعتباراتها السياسية وهي ملتزمة بمواثيق ومعاهدات دولية تمنعها من العمل في هذا المجال. ولهذا، كان من الضروري الاستعانة بطرف خارجي وتشغيل أشخاص خصوصيين لا علاقة مباشرة لهم بمصالح الدولة".
تحت يافطة "الإرهاب" المرنة بدرجة مذهلة، بالإمكان إدخال أي خصم إيديولوجي. وحين يدير لك هذه المعركة القضائية تنظيم خاص، لا النيابة العامة للدولة وادعائها العام، فليست ثمة حاجة لتقديم أي تقرير جماهيري وليست ثمة حاجة لأية رقابة. "شورات هدين" هي أداة ممتازة لتكريس التابو الإعلامي بشأن تعريف "الإرهاب" الفلسطيني.
-         "عاد كان" (إلى هنا)، جمعية تأسست عام 2015 لزرع "مدسوسين"/ جواسيس في منظمات لحقوق الإنسان ومنظمات يسارية بغية الكشف عن مواد جنائية أو محرجة ضدهم. بداية هذه الجمعية كانت في جمعية "واقٍ لإسرائيل يهودية وديمقراطية" التي أقامها جلعاد آخ، المستوطن من "عيلي"، الذي أقام قبل ذلك "المنتدى من أجل إسرائيل خضراء"، وهو تنظيم استيطاني سعى إلى طرد الفلسطينيين بدعوى "حماية البيئة". مؤسس الجمعية وناشطوها المركزيون هم خريجو "وحدات نخبة" عسكرية، ما يعني أن الجمعية هي من صلب المؤسسة، من لحمها ودمها.  

 

ما المشكلة في نظام الـ"بسملق"؟
هي ليست مشكلة واحدة، بل مشكلتان، وكلتاهما أساسيتان تمسان جذور السلطة الحاكمة. ولذا، لا ينبغي اعتبارهما مُنتَجًا ثانويًا لهذا الحزب الحاكم أو ذاك، بل يتعين اعتبارهما جزءًا جوهريًا من شكل النظام الذي تبلور في إسرائيل خلال العقدين الأخيرين. صحيح أن هذه السلطة تبلورت في ظل حكم حزب الليكود وأن أكثرية منظمات الـ"بسملق" تخدم أهدافه السياسية، إلا أنه لا يجوز أن نستخلص من هذا أن تغيير الحزب الحاكم سيؤدي بالضرورة إلى اقتلاع هذا النظام من جذوره. فكِّروا مرة أخرى بالعلاقات التبادلية بين NSO ووزارة الدفاع، بين "إلعاد" ومختلف الأذرع السلطوية (وزارتا التربية والتعليم والسياحة، سلطة الطبيعة والحدائق، سلطة الآثار وغيرها). فكِّروا بكتائب الدعائيين الذين تجندهم "إن. جي. أو. مونيتور" و"كيلع شلومو" ـ هؤلاء جميعًا ليسوا ملحقين حزبيين تابعين لليكود، بل يتمتعون بمكانة رفيعة ومتينة في المجتمع الإسرائيلي.  

المشكلة الأولى: هي أن نظام الـ"بسملق" يعمل ضد مبدأ التمثيل في النظام الديمقراطي. جميع تنظيمات الـ"بسملق" تعمل في مجالات تشكل موضع خلاف جماهيري حاد وتعالج مسائل جوهرية في حياة المجتمع الإسرائيلي: الحقوق القومية على الأراضي، حرية التعبير، الضلوع في جرائم حرب، مساندة أنظمة استبدادية، الاستثمار في المستوطنات وغيرها. هذه التنظيمات ليست مقاولين مُرخصين وقانونيين لتنفيذ سياسة رسمية حظيت بثقة الناخب في الكنيست، بل العكس تمامًا: هي تنفذ نشاطاتها في قلب الظلام من خلال إخفاء متشعب لأساليب عملها ومصادر تمويلها. وحتى لو كانت ثمة أغلبية في الرأي العام الإسرائيلي مؤيدة بصورة "غامضة" لمثل هذه النشاطات والأفعال ـ كما يزعم البعض ـ إلا أن الجمهور لم يعبر عن موافقته هذه بأي وسيلة أو طريقة معتمدة ومقبولة في نظام الديمقراطية التمثيلي. ولذا، ليست هناك أي قيمة أو معنى فعلي لهذا "القبول" المزعوم من جانب تلك "الأغلبية" لتلك السياسة التي لم توضع موضع النقاش الجماهيري. وطالما أن من ينفذ هذه "المهمات" هي أجسام خاصة وغير منتخبة، فإن مسألة التمثيل تبقى غير مطروحة على الإطلاق. وهذه هي المشكلة.

أما المشكلة الثانية
، والمرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأولى بل وتفاقمها، فهي حقيقة أن نظام الـ"بسملق" يقوّض مبدأ الشفافية في النظام الديمقراطي. ولقد بيّنّا هنا أن انعدام الشفافية والإخفاء المتعمد يشكلان جزءًا لا يتجزأ من شيفرة العمل لدى هذه التنظيمات. هذا الإخفاء ضروري هنا بالطبع، لأن تنظيمات الـ"بسملق" تخرق القوانين باستمرار، سواء في داخل دولة إسرائيل نفسها أو في دول أجنبية. وحتى لو لم تخرق القانون، فهي ضالعة في أنشطة بلطجية قذرة لا ترغب الدول في أن تكون داعمة لها أو واقفة وراءها. في النظام الديمقراطي المشوش، كما هو لدينا في إسرائيل، تبدي مؤسسات الرقابة العامة للقانون ـ لجان الكنيست، مراقب الدولة، الإعلام النقدي وغيرها ـ ضعفًا وعجزًا، بل الأسوأ من هذا حتى ـ تتماهى، في كثير من الأحيان، مع منظمات الـ"بسملق" التي يفترض بها أن تمارس الرقابة عليها.


ما العمل؟

بالإمكان التغلب على هذه النواقص والعيوب بواسطة بناء مجتمع مدني متين ومتماسك. هذه سيرورة متواصلة (بدأت في صيف 2011، تواصلت في مظاهرات الأثيوبيين وصولًا إلى حملة الاحتجاج في صيف 2020) ولا تزال إسرائيل بعيدة جدًا عن نهايتها، لكن لا مجال ولا سبيل إلى تجاوزها. إن المجتمع المدني المتماسك، صاحب الوعي السياسي المتطور، هو فقط الذي بإمكانه كبح الأعمال السلطوية التي تُخفى عنه كنهج مبدئي. هذا يتطلب جمهورًا متيقظًا يطرح كل يوم سؤالين اثنين: ماذا تفعلون باسمي وبالنيابة عني؟ ماذا تفعلون بأموالي؟ إنه الجمهور الذي لا يكتفي بصمت جنرالات الاحتياط الغني الدلالات، بهز الرؤوس المهدئ من جانب "خبراء" الأمن القومي، ويطالب بإجابات صريحة، واضحة ووافية. وإذا كان الجمهور قادرًا على طرح مثل هذه الأسئلة في مجالات العمل والتشغيل، الطاقة والصحة، فليس ثمة شك في أنه قادر على طرحها في المجالات التي يُقصى عنها باستمرار وعلى الدوام، مثل تجارة الأسلحة وتقنيات الرصد والتعقب، نهب أراضي الفلسطينيين، الحرب القذرة ضد منتقدي إسرائيل وما شابه. نعم، لا يزال الطريق طويلًا ولا يزال التثقيف السياسي لدى الإسرائيليين في مهده، لكن لا طريق أخرى غير هذه، وأي محاولة لرسم طريق أخرى بديلة ستكون مرغمة على البدء من البديهيات الأولية: ضرورة عرض الحقيقة على المواطنين.
لا يمكن لنظام الـ"بسملق" أن يزدهر إلا في إطار ثقافة الكذب والإخفاء.     

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.