}

تقليعة إسرائيلية جديدة: بلطجة سلطوية مُخصخَصة للمهمات القذرة! (1)

ضفة ثالثة ـ خاص 10 ديسمبر 2020
هنا/الآن تقليعة إسرائيلية جديدة: بلطجة سلطوية مُخصخَصة للمهمات القذرة! (1)
كُتب الكثير حتى الآن عن تاريخ شركة NSO القذر

توطئة
ننشر بدءًا من هذا العدد مقالة مطولة ظهرت مؤخرًا في مدوّنة "لا تمت غبيًا" لأستاذ الألسنية في "جامعة بن غوريون" في بئر السبع عيدان لاندو، وتوقف بالتفصيل فيها عند ما أسماها ظاهرة "البلطجة السلطوية المُخصخَصة للمهمات القذرة (الـ"بسملق")" التي ازدهرت في إسرائيل خلال العقدين الفائتين بغية تطبيق سياسة نظام حكمها اليميني، وبالأساس فيما يرتبط بسرقة الأرض الفلسطينية، وبقمع أي معارضة داخلية لهذه السياسة يمكن أن تشكل سندًا للمعارضة من الخارج.

تنبع أهمية هذه المقالة من عدة عوامل:
أولًا، أنها تعتبر بمثابة قاعدة بيانات أوليّة لتلك الظاهرة الآخذة في الاتساع والتكرّس.
ثانيًا، أنها تكشف عن جوهر نظام الحكم القائم في إسرائيل في الوقت الحالي، وتحديدًا من حيث ماهية الإجراءات التي أقدم عليها ولا يزال، ليس للتعاطي مع قضية فلسطين والاحتلال والاستيطان فحسب إنما أيضا لحسم الجدل الداخلي حيال كل ما سبق، حتى وإن كان مثل هذا الجدل جاريًا ضمن هامش ضيق.

وفيما يختص بالاستنتاجات التي يخلص إليها الكاتب من مقالته، تجدر الإشارة إلى ما يلي على وجه الخصوص:

1-   المجتمع المدنيّ في إسرائيل لا يزال هشًّا في حين أن بالإمكان التغلب على هذه النواقص والعيوب، من وجهة نظر الكاتب، بواسطة بناء مجتمع مدني متين ومتماسك. وهو يعتقد أن سيرورة بناء مجتمع كهذا يكون متينًا متواصلة، بدأت في احتجاجات صيف 2011، وتواصلت في مظاهرات اليهود الأثيوبيين وصولًا إلى حملة الاحتجاج التي اندلعت في صيف 2020 (على خلفية شبهات الفساد التي تحوم حول رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، من جهة، وأداء الحكومة في معالجة الأزمتين الصحية والاقتصادية- الاجتماعية ترتبًا على جائحة كورونا، من جهة أخرى)، ولكن لا تزال بعيدة جدًا عن تحقيق غاياتها. كذلك يعتقد أن المجتمع المدني المتين والمتماسك، الذي يمتلك وعيًا سياسيًا متطورًا، هو فقط الذي بإمكانه كبح أعمال سلطوية آثمة تُخفى عنه كنهج مبدئي. وهذا يتطلب جمهورًا يقظًا يطرح كل يوم سؤالين اثنين: ماذا تفعلون باسمي وبالنيابة عني؟ ماذا تفعلون بأموالي؟ ويطالب بإجابات صريحة، واضحة ووافية.

 من مشاهد احتجاجات ساخنة شهدتها شوارع تل أبيب والقدس من جانب اليهود الأثيوبيين الغاضبين من التمييز العنصري ضدهم. (رويترز)















2-   ينطلق الكاتب من أن الجمهور العريض في إسرائيل قادر على طرح السؤالين السالفين في عدة مجالات مثل العمل والتشغيل، والطاقة، والصحة، ما يجعله غير متشكّك في قدرته على طرحهما في المجالات التي يُقصى عنها باستمرار وعلى الدوام، مثل الاتجار بالأسلحة وتقنيات الرصد والتعقب، ونهب أراضي الفلسطينيين، والحرب القذرة ضد منتقدي سياسة إسرائيل وما شابه. وبالرغم من أن الطريق إلى سيرورة كهذه لا تزال طويلة، فيما أن التثقيف السياسي لدى الإسرائيليين ما زال في مهده، فهو يؤكد أنه لا طريق آخر غير هذه وأن أي محاولة لرسم طريق أخرى بديلة ستكون مرغمة على البدء من البديهيات الأولية: ضرورة عرض الحقيقة على المواطنين، فلا يمكن لنظام الـ"بسملق" أن يزدهر إلا في إطار ثقافة الكذب والإخفاء، التي يمكن اعتبارها في دولة الاحتلال ذات "ماركة مسجلة". ولا بُدّ من أن نضيف إلى أن تلك الثقافة التي تمارس الشطب والانتقاء ما كان من الممكن أن تنجح في الإخفاء من دون أن يتلازم ذلك مع التعاون من جانب الكُتّاب والباحثين حيال ما تُسمى بـ"فريضة الصمت" في السيرورة الرامية في المحصلة إلى بناء "الوعي الذاتي للمجتمع" على أساس الكذب والاختلاق، وهي الفريضة التي تجاهر هذه المقالة بالوقوف على الضدّ منها.

هنا الجزء الأول من هذه المقالة، وسيتبعه جزءان:

(أنطوان شلحت)

 مقر شركة NSO في هيرتسليا (أ ف ب) 













*****

استهلال: NSO كمثل
بدا، خلال السنة الأخيرة، أن شركة السايبر الهجومي الإسرائيلية NSO لا تفارق العناوين (مجموعة "إن. إس. أو" - بالإنكليزية: NSO Group Technologies Ltd- هي شركة تكنولوجيا إسرائيلية تركز في عملها على الاستخبارات الإلكترونية. NSO هي الأحرف الأولى من أسماء الشركاء الثلاثة مؤسسي هذه الشركة ومالكيها: نيف كرمي، شاليف خوليو وعومري لافي). في بداية السنة، ضمت الشركة إلى صفوفها، بسرعة واضحة، العميد أريئيلا بن أبراهام التي أشغلت، حتى تلك اللحظة، منصب رئيس الرقابة العسكرية (وهي إحدى أذرع شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي ـ "أمان")، وأوكلت إليها منصب "مديرة وحدة العلاقات مع الجمهور". غير أن المفاوضات بين الشركة وبن أبراهام كانت قد بدأت قبل أن تخلع هذه الأخيرة بزتها العسكرية، بل لجأت إلى تبكير موعد إنهائها إشغال المنصب العسكري من أجل الانتقال إلى طاقم الشركة الجديدة. بعد ذلك بأيام معدودة، جندت الشركة شارون ليشم، رئيس طاقم وزارة الدفاع الذي عيّنه وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان، لمنصب "مدير قسم السياسات الدولية" في الشركة. وقبل ذلك بشهرين، كانت الشركة قد أنهت تعاقدها مع مكتب العلاقات العامة الذي كانت تتعامل معه وانتقلت إلى مكتب آخر هو MFU، الذي يملكه عوديد هرشكوفيتش، نائب الناطق الرسمي بلسان الجيش الإسرائيلي سابقًا.

معلومات مثيرة، حقًا. أليس كذلك؟

في غضون شهرين اثنين، أقامت NSO منظومة جديدة للعلاقات الخارجية، جميع العاملين فيها من خريجي الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. ليسوا مجرد خريجين عاديين، وإنما خريجون حديثًا جدًا. السياق الفوري واضح تمامًا، فقد وجدت NSO نفسها تحت هجمة واسعة من جانب الرأي العام مع بدء ظهور ضحايا منظومة الرصد والتعقب التي باعتها (لجهات مختلفة) إلى العلن، ثم تقديم دعاوى قضائية ضدها، بمن فيهم بعض الضحايا الذين من غير المحبذ التعامل معهم. تبدد هدوء الحياة المريحة في عتمة عالم الظلال الذي يلف الصفقات الأمنية. ومن بواعث الحرج الكبير أن تقنيات الرصد والتعقب التي باعتها NSO بدأت تنكشف ليس في دول العالم الثالث فحسب، إنما أيضًا في إسبانيا وبولندا، حيث جرى استخدامها ضد المعارضة السياسية الشرعية. بذا تغيّرت قواعد اللعبة.
لكن فحص العلاقات الوثيقة جدًا بين NSO والأجهزة الأمنية الرسمية في إسرائيل ينبغي أن يجري في سياق أوسع وأعمق، يسبق هذه الكشوفات الأخيرة. وهو سياق منظومة متشعبة من المصالح المتقاطعة والمتداخلة بين الشركة وحكومات إسرائيل التي تجد نفسها أكثر عزلة في العالم الغربي، باستمرار وبصورة متزايدة؛ حكومات تجد نفسها، في عمليات التصويت التي تُجرى في الأمم المتحدة والمحافل الدولية الأخرى، مضطرة إلى الاعتماد على أصوات دول هي موضع شكوك متزايدة. في هذا السياق، أيضًا، تزدهر العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والأنظمة الاستبدادية في بعض دول الخليج العربي وأميركا الجنوبية وأفريقيا. وأي مقابل أجمل وأفضل من تقنيات الرصد والتعقب يمكن لإسرائيل أن تعرض على تلك الأنظمة؟ خذوا رخصة تصدير لهذه الأنظمة القذرة ـ تقترح الدولة على NSO (لكن ليس عليها وحدها فقط). أنتم ستجنون أرباحًا بعشرات، مئات، ملايين الدولارات، ونحن سنكسب شركاء مخلصين في طريقنا السياسية.
كان بالإمكان الاستدلال على مدى عمق وقوة هذا التكافل من ردة فعل إسرائيل على الدعوى التي تقدمت بها منظمة العفو الدولية "أمنستي" وطالبت في إطارها بسحب رخصة تصدير برمجية التجسس الاختراقية "بيغاسوس"، من إصدار شركة NSO (وهي البرمجية التي استُخدمت في ملاحقة واعتقال ناشطين في مجال حقوق الإنسان في دول عديدة). فقد طالبت إسرائيل، في ردها على هذه الدعوى، بأن تجري مناقشة الدعوى والنظر فيها في جلسات سرية مغلقة؛ ذلك أن لدولة إسرائيل ولشركة NSO أسرارًا مشتركة ولا ترغبان في رفع النقاب عن حيثياتها وتفاصيلها. وحين استجابت المحكمة لهذا الطلب، فقد أكدت ما يعتمل تحت السطح: ليس ثمة فصل حقيقي بين المصالح الأمنية الإسرائيلية في تصدير السايبر الهجومي وبين المصالح التجارية لشركة NSO. إنها تغطية متبادلة بدماء الأبرياء.  

رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو (من اليمين) وناشر صحيفة "يديعوت أحرونوت" أرنون موزيس 

















تجسدت شراكة الطريق هذه بصورة مقلقة حين ادعى المدير العام لشركة NSO، شاليف خوليو، خلال النظر في إحدى الدعاوى القضائية ضدها، بأن المدّعين هم "منظمات معادية تنشط ضدنا كجزء من معركة أوسع غايتها الإضرار بالشركة نفسها وبدولة إسرائيل". بذا أضحت حجة معاداة السامية كادعاء دفاعي انعكاسي، من جانب الدعاية الإسرائيلية، مكوّنًا أساسيًا في العلاقات العامة لدى الشركة. ويجدر التنويه بأن لهذا الإجراء شريكًا ثالثًا هو مجموعة صحيفة "يديعوت أحرونوت". فهذه الصحيفة تنشر، باهتمام ومثابرة، عن "الملاحقات" التي تتعرض لها NSO في شتى أنحاء العالم، بل تجاوزت ذلك مؤخرًا حين أفردت موقعًا بارزًا على صفحاتها لمقالة رأي كتبها المدير العام للشركة، شاليف خوليو، وشرح فيها سببًا على غاية الأهمية يوجب رصد وتعقب مرضى فيروس كورونا في إسرائيل بواسطة منظومة التعقب التي تزودها شركته. هذه هي العلاقات العامة، بلطف من موزيس (أرنون موزيس، مالك مجموعة "يديعوت أحرونوت")؛ أما الثمن، فعلينا نحن التكهن به. الانحناءة الأخيرة في هذه الرقصة الفاسدة التي تؤديها NSO سوية مع المؤسسة الإسرائيلية تتمثل في الكشف عن حقيقة أن رئيسة الشركة، شيري دوليف، هي صديقة شخصية مقربة لأييلت شاكيد (وزيرة العدل السابقة وعزيزة "يديعوت أحرونوت") ومن معارف الوزير السابق نفتالي بينت نفسه.

تقنيات الرصد والتعقب التي باعتها NSO بدأت تنكشف ليس في دول العالم الثالث فحسب، إنما أيضًا في إسبانيا وبولندا، حيث جرى استخدامها
ضد المعارضة السياسية الشرعية. 



كُتب الكثير حتى الآن عن تاريخ شركة NSO القذر. وهي ليست وحيدة بالطبع، إذ ثمة شركات أخرى عديدة مثلها تجرّ كل واحدة منها وراءها سلسلة كريهة من الجرائم في خدمة الأنظمة المستبدة. قبل سنة ونصف السنة، نشرت مجلة "نيويوركر" تحقيقًا استقصائيًا موسعًا حول "سي جروب" الإسرائيلية وحربها ضد نشطاء "حركة المقاطعة، سحب الاستثمارات والعقوبات" (BDS) الفلسطينيين في الولايات المتحدة. فقد وظفت الشركة خريجين من جهاز الموساد ومن شعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان") في مهمات تجسسية ضد نشطاء "حركة المقاطعة" ولجمع معلومات شخصية ومحرجة عنهم (مثلًا، فضح شخص مسلم معروف وهو يشرب الخمر). وكان من بين ما كشف عنه التحقيق الاستقصائي ضلوع مستشار رئيس الحكومة لشؤون الأمن القومي آنذاك، يعقوب عميدرور، في هذه المهمات. وقد أوضح عميدرور: "إن الحكومة الإسرائيلية ليست حاضرة هناك، وأنا اعتقدت بأنه إذا كان أشخاص مستعدين للقيام بذلك بشكل شخصي، فبالإمكان دعمهم ومساعدتهم". هذه جملة مفتاحية تلخص بصورة جيدة آلية العمل السلطوي الذي هو صلب هذه المقالة.
تتيح لنا هذه المراجعة رسم بروفايل مُحدّد للسلوك التنظيمي حيال السلطة، لكن من جانب السلطة أيضًا وبشكل أساسي. وكما سنرى، يعود هذا البروفايل ليظهر بالصورة الدقيقة ذاتها في العديد من الشركات والجمعيات الناشطة، ظاهريًا، في حقول وميادين متغايرة تمامًا. الخيط الواصل بينها جميعًا خفيّ عن الأعين، لكنه في لحظة انكشافه يغدو عصيًا على التجاهل. لا اسم لهذا البروفايل ولا هوية معروفة، مما يزيد مهمة تحديده وتشخيصه صعوبة. سنسميه هكذا: بلطجة سلطوية مخصخَصة للمهمات القذرة. واختصارًا، لتسهيل الأمر: "بسملق". يفترض بهذا التعبير أن يشمل في طياته أيضًا ولكن ليس فقط، مصطلح Gongo الذي يسري على جمعيات القطاع الثالث المحكومة للسلطة، بيد خفية. وهو أكثر اتساعًا بسريانه، أيضًا، على شركات خاصة وكيانات شبه عمومية، وهو أكثر عينية وتحديدًا بتطرقه إلى نمط العمل البلطجي، المحصن من أي عقاب، الذي تمارسه كل تلك المنظمات.

كُتب الكثير حتى الآن عن تاريخ شركة NSO القذر. وهي ليست وحيدة بالطبع، إذ ثمة شركات أخرى عديدة مثلها تجر كل واحدة منها وراءها سلسلة
كريهة من الجرائم في خدمة الأنظمة المستبدة.



قبل الاسترسال، يجدر أن نسجل بعض الملاحظات المنهجية حول هذه المقالة الطويلة.
لهذه المقالة هدفان اثنان ومن المنطقي الافتراض بأن كل واحد منهما يخدم قطاعًا محددًا من جمهور القراء، مختلفًا بعض الشيء.
الهدف الأول هو نظري ـ تجريبي: خلق ما يشبه قاعدة البيانات، أو قاعدة معرفية، مرتبطة قدر الإمكان بمصادر أولية، بشأن موضوع تنظيمات الـ"بسملق" في إسرائيل. فمثل هذا التركيز في مكان واحد ليس متوفرًا في أي مكان، على حد علمنا. ثمة وفرة هائلة من المواد الصحافية، بعضها ممتاز حقًا، حول التنظيمات والجمعيات التي سيطالها البحث هنا. لكن طبيعة هذه المواد أنها محصورة في زمن محدد ما وليس فيها تراكم للمنظور والفهم اللذين لا يمكن استخلاصهما إلا بالتأمل الرأسي، العامودي، على امتداد فترة زمنية، في نشاط تلك الأجسام. هذا المنظور يُبنى هنا بغية أن تكون هذه المعلومات، التي تنطوي على أهمية سياسية قصوى، متاحة وقابلة للاستخدام لكل راغب في ذلك.
الهدف الثاني هو تحليلي ـ نظري: استحداث نظرة أفقية حيال ظاهرة الـ"بسملق"، تحديد أوجه التشابه بينها واستنباط "بروفايل" ثابت منها، شيفرة متكررة. القدرة على ملاحظة بروفايل كهذا في المستقبل هي مهارة ذات قيمة وأهمية في بلورة الوعي السياسي النقدي. ستعيننا هذه على رؤية النظام في قلب الفوضى، ومن ثم ستسهل علينا مهمة التعامل مع وفرة من الوقائع والأحداث، لا علاقة بينها في الظاهر، لكنها تشكل، في الواقع، تجسيدًا لهيكلية أعمق بكثير. لا حاجة إلى القول إن هذه القدرة أكثر حيوية في عصر الأخبار الكاذبة الذي يجد المواطن نفسه مُطالَبًا ليس بتنظيم الحقائق في هيكلية ذات معنى فحسب، بل ـ وفي الوقت ذاته ـ بأن يكون مصفاة لـ"الحقائق" المزيفة أيضًا. 

بصورة أكثر تحديدًا، أقترح ثلاث طرق لقراءة هذه المقالة:
  1. إن كنتم حكماء وتعرفون القضية كلها وتبحرون في موادها، انظروا إلى البداية والنهاية، خذوا الاستنتاجات الجاهزة وواصلوا السير قُدمًا. لم آت لأجدّد لمن يعرف كل شيء. 
  2. إن كنتم تعرفون جزءًا فقط من هذه المواد ـ تعرفون، مثلًا، تاريخ جمعية "إلعاد"، لكنكم لا تعرفون الكثير عن NGO Monitor (رصد وتعقب المنظمات غير الحكومية. وهو المشروع المركزي الذي ينفذه "معهد أبحاث المنظمات غير الحكومية" الإسرائيلي اليميني)، اقفزوا إلى الأجزاء غير المعروفة لكم. المقالة مبنية بطريقة تركيبية وبإمكانكم قراءة أي جزء تريدون، من دون قراءة الأجزاء الأخرى.
  3. إن كان الجزء الأكبر من المادة غير معروف لكم، أو إن كنتم أشخاصًا أساسيين تحبون القراءة من الألف إلى الياء، فإنني أحثكم على فعل ذلك من دون أي تردّد، لأن هذه المقالة كُتبت من أجلكم أنتم خصيصًا، وبالأساس. لديّ توصية واحدة وفقط: لا تحاولوا ابتلاع المادة كلها مرة واحدة. اقرأوا المقالة أجزاء، على مدى بضعة أيام، كي تستخلصوا منها الفائدة القصوى.

 

"بسملق": خطوط عريضة

الكلمتان "بلطجة سلطوية" ليستا عفويتين، بل تهدفان إلى تحويل الانتباه من نشاط الشركة أو الجمعية، الذي يبدو في العادة مدفوعًا بمصالح داخلية خاصة بها فقط ـ تجارية أو أيديولوجية ـ إلى اليد الموجِهة من جانب السلطة التي تستخدمها لخدمة أهدافها هي. سنتوقف لاحقًا عند الفائدة التي تجنيها السلطة من عمل "عن بعد" كهذا. من المهم أن نفهم الآن أن "اليد الموجِّهة" قد تتمظهر في تشكيلة من الصور المختلفة، المباشرة أو غير المباشرة، وليس من الضروري إطلاقًا (رغم أنه يحدث أحيانًا) أن يكون لذلك تعبير مباشر وصريح. وليس أقل أهمية ـ إدراك أن حقيقة كون ممثلي الشركة أو الجمعية يتحدثون باسم أنفسهم أو ينكرون حتى أي علاقة جوهرية مع السلطة لا تغير شيئًا على الإطلاق، لا إيجابًا ولا سلبًا، في حقيقة العلاقات الجوهرية بينها وبين السلطة. فهذه العلاقات يجري فحصها على ضوء الأفعال، السياسات، القرارات أو الامتناع المتعمد عن اتخاذ قرارات.

بناء على ذلك، ما هو بروفايل منظمات البلطجة السلطوية المُخصخَصة للمهمات القذرة؟

إن المكوّنات التالية تتكرّر فيها كلها:

  • أعمال قذرة؛
  • سلوك جنائي؛
  • إخفاء وغياب الشفافية؛
  • باب دوّار إلى السلطة؛
  •  قناة تمويلية إلى السلطة؛
  • دعم قانوني من السلطة؛
  • احتضان أيديولوجي من السلطة.

أوردنا نماذج عن هذه المميزات جميعها في الفقرات الافتتاحية من هذه المقالة، والتي خُصصت لشركة NSO. والحق يجب أن يقال: تستحق هذه الشركة الشكر الجزيل على أنها في غضون فترة زمنية قصيرة جدًا، نجحت في أن تعلي إلى السطح بروفايل نشاط عملت مجموعة كبيرة من المنظمات على إخفائه لسنوات عديدة جدًا. أصبح من الأسهل الآن ملاحظته، حتى في أماكن أخرى أيضًا.
اخترت الاستهلال بشركة NSO بالذات، كنموذج غير اعتيادي لـلـ"بسملق"، وليس بنموذج التاج المعروف للجميع ـ حركة "إم ترتسو" ("إذا أردتم")ـ لأن آليات عمل "إم ترتسو" أصبحت مكشوفة ومعروفة وقد نُشر عنها في مواقع عديدة باعتبارها ميليشيا مُخصخَصة لحزب الليكود الحاكم. هاكم تذكيرًا موجزًا: في عام 2007، أرسل مؤسس هذه الحركة، رونين شوفال، إلى رئيس الحكومة ورئيس الليكود، بنيامين نتنياهو، "خطة عمل" لإسقاط إيهود أولمرت؛ في عام 2008، تبرع يوآف هوروفيتس، رئيس مقر الليكود، لهذه الحركة بمبلغ 74 ألف شيكل؛ كذلك "صندوق سيغال ليسرائيل"، الذي يملكه الشقيقان فاليك وأحد المتبرعين المركزيين لنتنياهو، تبرع لحركة "إم ترتسو" في العام ذاته بمبلغ 190 ألف شيكل؛ بين الأعوام 2011 و2103، حصلت الحركة على تبرع بمبلغ 113 ألف شيكل من "صندوق عتسماؤوت/ استقلال" الذي يترأسه كينيث أبراموفيتش، رئيس منتدى أصدقاء الليكود في الولايات المتحدة وأحد المتبرعين المهمين لنتنياهو؛ وثمة الكثير غير هذه، أيضًا، لكل من يرغب في الاطلاع والاستزادة.

كشف النقاب مؤخرًا عن أن مجموعة "القمصان البيضاء" من حي رحافيا في القدس ليست سوى اسم سرّي آخر لنشطاء حركة "إم ترتسو" 















نظمت حركة "إم ترتسو" خلال الأعوام الأخيرة سلسلة من حملات الملاحقة والإقصاء ضد من وصفتهم بأنهم "مندسون"، ضد أصوات نقدية في الأكاديميا، في عالم الثقافة، في الجهاز القضائي وغيره. وقد حظيت تلك الحملات باحتضان سلطوي مؤسساتي دائم: وزراء وأعضاء كنيست من اليمين يقتبسون "أوراق الموقف" التي تصدرها هذه الحركة وكأنها خلاصات دراسات جدية، ثم يروّجون الأخبار الكاذبة منها. في كل معركة انتخابية، تنشط هذه الحركة لصالح حزب الليكود، وقد كشف النقاب مؤخرًا عن أن مجموعة "القمصان البيضاء" من حي رحافيا في القدس ليست سوى اسم سرّي آخر لنشطاء حركة "إم ترتسو" الذين يجتهدون للتخريب على حركة الاحتجاج الأخيرة ضد نتنياهو.

اخترت الاستهلال بشركة NSO بالذات، كنموذج غير اعتيادي لـلـ"بسملق"، وليس بنموذج التاج المعروف للجميع ـ حركة "إم ترتسو". لأن آليات عمل
"إم ترتسو" أصبحت مكشوفة ومعروفة وقد نُشر عنها في مواقع
عديدة باعتبارها ميليشيا مُخصخَصة لحزب الليكود الحاكم.



لندع "إم ترتسو" جانبًا وننتقل الآن إلى منظمات وجمعيات أخرى تنشط بموجب هيكلية الـ"بسملق".
إن حصة الأسد من هذه المقالة مخصصة لستة تنظيمات "بسملق" هي: NSO، إلعاد، عطيرت كوهَنيم ("إكليل الكهنة")، كيلَع شلومو ("مقلاع سليمان")، رجافيم، NGO مونيتور (مرصد المنظمات غير الحكومية) وقسم الاستيطان في المنظمة الصهيونية العالمية. ويعالج الفصل الأخير من المقالة، بصورة موجزة، أربعة تنظيمات "بسملق" أخرى هي: "أفق للاستيطان" (أوفِك لهتيشفوت)، "الحركة من أجل الحوكمة والديمقراطية"، "المركز الإسرائيلي للقضاء" (شورات هدين) و"إلى هنا" (عَدْ كان). وثمة بالطبع تنظيمات أخرى لم نأت على ذكرها.
ركزنا الحديث هنا، لأسباب مفهومة، في تنظيمات "بسملق" تنشط في المجال الأمني وفي مجال الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، لكن من الواضح أن الموديل الأساسي موجود أيضًا في مجالات وميادين أخرى، منها مجالا التعليم والصحة مثلًا، وبالإمكان العثور على نماذج غير قليلة منه تحت عنوان "أضرار الخصخصة". معادلات سلطوية خالصة، مثل الخدمات الصحية وتحديد مضامين التعليم، وُضعت في أيدي شركات خاصة تعتمد، غير مرة وفي غير مقام، سياسات وحشية ترمي إلى تحقيق أقصى الأرباح: استغلال العمال، غض النظر عن نواقص الأمان، الجباية غير المحقة لعمولات خدمة من المواطنين وغيرها.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.