}

رحيل مي منسى: الكتابة انتصار للإنسان

ليندا نصار ليندا نصار 24 يناير 2019

طالعتنا الصّحف بخبر رحيل الأديبة والصحافية والناقدة اللبنانية مي منسى عن هذا العالم الذي حضرت فيه ما يناهز الثمانين عامًا، لتترك ذكراها منقوشة في الثقافة العربية، وذلك بعد أن كانت من مبدعات المختلف والمتميّز، على مستوى الكتابة الصحافية والروائية التي تضمّنت مواضيع عدّة، وكانت في معظمها حسّاسة وغنيّة. كما عُرفت بمسارها المهنيّ المثاليّ النظيف. وراكمت أعمالًا متنوّعة، ليس فقط على صعيد الكتابة الصحافيّة والأدبيّة والنقد الأدبيّ والمسرحيّ والموسيقيّ، كما سبق أن ذكرنا، بل تطرّقت إلى قصص الأطفال أيضًا. وقد عبَرت جسر الإبداع مسافرة فيه إلى اللّاحدود، تاركة إنجازًا رفع اسم لبنان، الوطن الذي كان منبع ووحي الكتابة بالنّسبة إليها. ولا شكّ في أنّ هذه الكاتبة استطاعت أن تسحر المتلقّي بأسلوبها المختلف، المتميّز بسلاسته وقربه من القارئ، وقد سار قلمها حاملًا رسالة الإبداع الإنسانيّ.

إثر وفاتها، نعى اتحاد الكتاب اللبنانيين الأديبة مي منسى في بيان جاء فيه: "فقد لبنان، بل فقدت الثقافة العربيَّة، إحدى الرائدات في دنيا الإعلام والرواية والأدب والفن. رحلت مَيْ مَنَسَّى، التي لم تفارق البسمة محيّاها رغم الألم، ولم يتوقف يراعها رغم الوجع. كتبت مي بفرح، حتى ليخال المرء كلماتها قطعًا موسيقية تتآلف في ما بينها لتعزف لحن الحياة ضمن أوركسترا مبدعة. كانت مي رفيقة المهرجانات، من بعلبك إلى جبيل وإلى بيت الدين؛ فنقدت بإخلاص ورقيّ، من دون أن تبالغ في إشادة أو تجرح في نقد. تُفارقنا مي، لكنها لا ترحل. إنها باقية في رواياتها الكثيرة وفي مقالاتها الأدبية والفنية".

تناولت مي منسى في كتاباتها قضايا الذاكرة المعلّقة في الروح، التي توثّق الحرب والهجرة والفراق، كما أنها عبّرت فيها عن الأنا المتشظّية عبر الزّمان للإنسان حامل الوجع والألم الذي ما لبث أن تربّص به منذ طفولته ورافقه طوال عمره. فاتّخذت موقف المعالجة النّفسيّة والمرشدة الاجتماعيّة، التي استطاعت التّعبير عمّا تراه في الحياة اليوميّة، دامجة الواقع بالمتخيّل، متناولة قضايا المجتمع، ومنها بنت حيوات أخرى في أماكن متعدّدة، بحيث جعلت القارئ يشعر أنّه يعيش مع الشّخصيّات ويتأثّر بها وينفعل بانفعالاتها.

ولطالما آمنت الراحلة بأنّ الكتابة انتصار للإنسان، وتضميد لجراحه المستمرّة عبر الزّمان. وهي رتق للتّمزّق الدّاخليّ الذي يعتري الكائنات منذ بداية الوجود. وقد تميّزت هذه المبدعة بالحكمة في نقدها الفنيّ، ما جعلنا نتعلّم منها فنّ الإصغاء إلى الآخر، والاعتراف به كإنسان قبل كلّ شيء، كذلك أخذنا عنها فنّ التّعامل مع الكتابات بحبّ وموضوعيّة في آن، خصوصًا لدى ممارستها أنواع النّقد.

أمّا بالنّسبة إلى رواياتها، فقد جسّدت فيها المعاناة من خلال شخصيّاتها، مبدعة صورًا عن الحياة والوجود. كما عملت في بناء السّؤال الخاصّ الّذي يشغل كلّ كاتب مبدع وموهوب حقيقيّ، يحاول إيجاد الإجابات حول تساؤلاته المتعلّقة بعدّة قضايا.

مي منسى ورقة سقطت من ثقافة لبنان وتاريخه الأدبيّ، فبقيت ذكراها محفورة في طبيعته، الّتي لطالما أحبّتها وتحدّثت عنها، خصوصًا منطقة "بشري" في شمال لبنان، المكان الّذي تأثّرت به، فطلبت أن تدفن فيه بجانب أمّها. هكذا نامت مي منسى وحبرها بقي نابضًا، يتحرّك ليلوّن أوراقًا من دفاتر شجرة الرّمّان!

تشكّل أعمال الأديبة والصحافية مي منسى قيمة مضافة للمكتبة العربيّة، وتعتبر مقالاتها إثراء للصحافة.

وفي لمحة سريعة عنها، وبحسب ما كتب على مواقع من الإنترنت: مي منسى كاتبة وروائية لبنانية. بدأت حياتها المهنية عام 1959 في تلفزيون لبنان، مذيعة ومعدّة برنامجين: "نساء اليوم" و"جرف على طريق الزوال". عام 1969 التحقت بجريدة النهار، كما أنّها برعت كناقدة في شؤون الأدب والمسرح والموسيقى. وعملت كرئيسة تحرير مجلة "جمالك" الشهرية. تحمل دبلوم دراسات عليا في الأدب الفرنسي. بدأت مشوارها في العمل الصحافي عام 1959 في التلفزيون، وكانت ناقدة في جريدة "النهار" اللبنانية منذ 1969. صدرت لها سبع روايات باللغتين العربية والفرنسية، بالإضافة إلى كتاب للأطفال وترجمات عديدة، أغلبها من الفرنسية إلى العربية. وهي شقيقة الروائية والشاعرة اللبنانية فينوس خوري- غاتا الحائزة على جائزة الغونكور الفرنسية للشعر عن مجمل أعمالها.

 من أعمالها نذكر: "أوراق من دفاتر شجرة رمان"، "المشهد الأخير"، "أنتعل الغبار وأمشي"، "الساعة الرملية"، "حين يشق الفجر قميصه"، "تماثيل مصدعة" و"ماكنة الخياطة"، ومئات المقالات النقدية والأدبية والفكرية، التي أغنت المكتبة اللبنانية والعربية، كما المكتبة الموسيقية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.