}

"مدن الثقافة الأردنية".. "تنوير" بعقليةٍ بيروقراطية

غسان مفاضلة 21 يناير 2018
هنا/الآن "مدن الثقافة الأردنية".. "تنوير" بعقليةٍ بيروقراطية
شعار المفرق مدينة ثقافية

في الوقت الذي كانت فيه وزارة الثقافة الأردنية تحتفل مع نهاية العام الماضي باختتام "مشروع مدينة الثقافة" الذي غطّى على مدار أحد عشر عاماً، محافظات المملكة كافة، وكانت مدينة المفرق (80 كلم شمال شرق عمّان) آخر محطات المشروع الذي وضعته الوزارة عام 2006 ضمن أول خطةٍ تنمويةٍ عرفتها منذ تأسيسها؛ طالعنا "المجلس الاقتصادي والاجتماعي" الذي يعمل كهيئة استشارية لمجلس الوزراء، بإصدار ورقة تحت عنوان: "المشهد الثقافي في الأردن: الأزمة وآفاق التنمية والتغيير".

ورقة المجلس التي جاءت بعد العديد من الاجتماعات واللقاءات التي ضمت أطيافاً ونخباً من المثقفين والأدباء والفنانين والخبراء للوقوف على راهن المشهد الثقافي، تؤكد تراجع الحياة الثقافية في الأردن، وتآكل الرأسمال السلوكي والأخلاقي، وغياب المشروع الوطني المعني بالتقدم، والانتقال إلى مجتمع الإنتاج واقتصاد المعرفة، وغياب الرؤى المتقدمة لاستثمار الثقافة والفنون في تحقيق التنمية والتحديث.

وزارة الثقافة، والهيئات والمؤسسات المعنية بالشأن الثقافي، لم تلتفت إلى ما ورد في ورقة المجلس، ولم تعْرهُ أدنى اهتمام؛ ربما لأن مناقشة الأسباب الحقيقية لإخفاق خطط التنمية الثقافية وتراجعها على غير صعيد، من شأنها أن تعصف بتلك الأهداف التي دأبت على إشهارها، والتغني بها مع المشروعات الثقافية التي تتبناها المؤسسة الرسمية، وتذيّلها، عادةً، بأهداف فضفاضة، مثل هدف "تحقيق التنمية الثقافية، وعدالة توزيع مكتسباتها، وإبراز دور الثقافة والفنون في التنوير ومحاربة الظواهر المجتمعية السلبية".

 لكن المشهد نفسه، يؤكد أن مخرجات تلك المشروعات لم تحقّق الحد الأدنى من الأهداف التي وضعت من أجلها. فيما ساهمت العقلية البيروقراطية، وغياب المراجعة الجوهرية لأسباب ضعف تلك المخرجات، وتراجعها عاماً بعد عام، في زعزعة الثقة بما يصدر عن المؤسسة ذاتها، من خطط تنموية، لا ينمو منها شيء، سوى هدر الوقت والجهد والمال العام.

مفارقة صادمة

وبعد مرور أزيد من عقدٍ على "خطة التنمية الثقافية" التي اعتمدت أكثر من ثلاثين برنامجاً ومشروعاً ثقافياً، بهدف "تحقيق نقلة نوعية في العمل الثقافي في الأردن" بحسب وزير الثقافة آنذاك د. عادل الطويسي، من ضمنها "مشروع مدينة الثقافة الأردنية" الذي وضع على هدي مشروع عواصم الثقافة العربية الذي انطلق عام 1996، إضافة إلى "مشروع التفرّغ الإبداعي" و"مشروع الدار الوطنية للترجمة والنشر" ومشروع "إنشاء محطة إذاعية ثقافية (FM) تديرها الوزارة وتتبنى نشر الثقافة المجتمعية" وغيرها من المشاريع الطامحة التي تضمنتها الخطة بهدف إنجاز "نموذج ثقافي وطني ينتج خطاباً عصرياً يؤمن بالحوار والتعددية، وينبذ التعصب والانغلاق" وفق الوزير نفسه؛ جاءت تلك المفارقة الصادمة التي حملتها ورقة "المجلس الاقتصادي والاجتماعي" في تشخيصها للمشهد الثقافي، بعد كل ذلك "الهذر والهدر".

دعوة ورقة المجلس الذي يرأسه الأكاديمي رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية الأسبق في الجامعة الأردنية، وعضو البرلمان السابق د. مصطفى حمارنة، إلى "تبني رؤية جديدة للنظرة الاجتماعية غير المبالية بالثقافة" جاءت بعد وقوفها على مسببات تراجع الثقافة إلى موقع متأخّر على سلّم الاهتمامات، خاصةً مع مناهج التعليم التي "قلّما تعطي اعتباراً للتذوق الفني والإبداعي" إضافةً إلى "محدودية الابتكار في المشاريع التي تتبناها المؤسسات المعنية بالثقافة، وعدم قدرة القائمين على الفعل الثقافي على الربط بين الثقافة والتنوير".

الورقة نفسها، وبناءً على العلاقة الوثيقة التي تربط بين الثقافة والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، تسحب الشرشف دفعةً واحدةً من على طاولة مشاريع التنمية الثقافية الرسمية التي صار معها التناسب طردياً باتجاه "التحوّل السلبي في المجتمع الأردني نحو المزيد من الماضوية والمحافظة، وصاحب هذا التوجّه ازدراءٌ للآداب والفنون".

ليست ورقة "المجلس الاقتصادي والاجتماعي" هي فقط، التي تطالب "بضرورة القيام بمسح للمشهد الثقافي في الأردن، سواء من ناحية التشريعات والسياسات، أم من جانب البنى التحتية؛ فعلى صعيد "مشروع مدينة الثقافة" فقد سبق لرئيس بلدية الكرك المهندس أحمد الضمور، أن طالب بإلغاء المشروع وتحويل تمويله الى مشاريع ذات صلة بالمواطنين، وبالبنية التحتية للمدينة. وحمّل، حينها، بوصفه رئيس المكتب التنفيذي للكرك مدينة الثقافة الأردنية لعام 2009، وزارة الثقافة فشل فعاليات الكرك مدينة الثقافة الأردنية، لأنها "فعاليات ارتجالية تفرّدت بها بيروقراطية المؤسسة الرسمية".

تعثّر التنمية الثقافية

"مشروع مدينة الثقافة الأردنية" الذي خُصّص له في أولى محطاته عام 2007 مع مدينة إربد (70 كلم شمال العاصمة عمّان) ميزانية قاربت مليون ونصف المليون دولار أميركي، لتتراجع إلى ما دون النصف في محطاته الأخيرة؛ ليس هو المشروع الوحيد الذي يشير إلى إخفاق "خطة التنمية الثقافية" في تحقيق الحد الأدنى من طموحاتها وأهدافها المعلنة؛ فهناك، أيضاً "مشروع التفرغ الإبداعي" الذي حصل عليه 43 متفرغاً في المجالات المختلفة للأعوام 2007 وحتى 2013، بواقع نحو 21 ألف دولار أميركي للمتفرغ على مدار عام واحد، وذلك قبل تجميده مدة أربع سنوات بحجة "التقشف" وتجاوز عثراته وهناته؛ ليصار إلى تفعيله من جديد العام الماضي ضمن تعديلات سطحية؛ أبرزها، تقسيم مدة التفرّغ على أكثر من المتفرغين. إضافة إلى العديد من مشاريع "الخطة التنموية" التي لم تر النور، سوى أثناء تعدادها وترويجها، أمام عدسات الإعلام.

تعثّر تحقيق أهداف "التنمية الثقافية" وإخفاقاتها، لا ينحصر في إطاره المالي الشحيح بطبيعة الحال، على الرغم من أهميته، بوصفه ركيزة المنجز الثقافي، وقوامه في التحقّق والشيوع  والنماء؛ وإنما التعثّر الحقيقي، يكمن في العقلية الشحيحة بالتصورات والأفكار والرؤى المستنيرة التي تجعل من الثقافة والفنون، منصةً حقيقيةً للنهوض بالمجتمع من أوحال التخلّف والتعصّب والفساد. إنها العقلية ذاتها، التي عطّلت "بيروقراطيتها" دور الثقافة في النهوض من أوحال التخلّف والفساد والتعصّب.

بالتوازي مع تلك العقلية، وبما تحوزهُ من أذرعٍ ممتدةٍ في مناحي الحياة كافة، وفي بلدٍ مثل الأردن، يفتقر أساساً للبنى الثقافية التحتية؛ فإن الحديث عن مراكز ثقافية حقيقية، مثل صالات عرض سينمائية ومسرحية وموسيقية وتشكيلية، باستثناء العاصمة عمّان؛ يُعدّ ضرباً من ضروب الخيال. ومع الخُلاصات التي توصّلت إليها "ورقة المجلس" بنتائجها البائسة لمآلات التنمية الثقافية في مشهدها الأردني، لا نملك سوى القول، أو الصراخ بصوتٍ مخنوقٍ "لقد بلغنا قاع البئر".

مثقفون وفنانون وأدباء أردنيون، لم يروا في مشروع "مدينة الثقافة الأردنية" والمشاريع التي صاحبته ضمن خطة التنمية الثقافية، وفق تصريحاتهم لـ "ضفة ثالثة": نتائج ملموسة على أرض الواقع. وذهب بعضهم إلى اعتبار تلك المشاريع، مجرد طقوس عابرة للمدن، لا تؤسس لقواعد ثابتة لعمل ثقافي مستدام، ولا تفتح الباب أمام تحقيق تراكم ثقافي أو فني أو معرفي في المدن الثقافية. ومنهم من رأى أن فكرة "المدن الثقافية" نُفذت بالطريقة التقليدية التي اعتاد عليها العقل السياسي والإداري في الأردن، وهو عقل "عابرٌ للتخصصات" وليس محصوراً في الثقافة.

فيما تساءل آخرون، عن حقيقة "العلامة الفارقة" التي حققتها تلك المدن في سنواتها الثقافية، جراء زيادة عدد المطبوعات الندوات والقراءات الشعرية والقصصية والمعارض الفنية التي يتسيّدها الخواء. ومنهم من عدّ أهداف المشروع "أكبر من إمكانات الوزارة وأدواتها".

انعدام الأثر المرجو من تكدّس الفعاليات على مدار سنوات مدن الثقافة، والتي ناهزت نحو 5000 فاعلية، إضافة إلى نَشْر أكثر من 300 كتاب، بعشرات آلاف النسخ؛ يُعدّ مؤشراً واضحاً (إن لم يكن فاضحاً) على غياب الخطط والرؤى الاستراتيجية لتنمية الثقافة والفنون.

ويبقى التخوّف، ذاته، من انعدام الأثر، قائماً مع المرحلة الثانية من "مشروع مدينة الثقافة" الذي بوشر العمل به مطلع العام الحالي، ليشمل المدن الواقعة في مراكز الألوية، بهدف تفعيل الحراك الثقافي فيها، بحسب مسؤولي وزارة الثقافة.

 

حساء ثقافي

المنسق الثقافي لمدينة إربد التي كانت أول مدن "المشروع" القاص والروائي هاشم غرايبة، قال إن "مشروع مدينة الثقافة الأردنية" محكومٌ بالمناخ الثقافي العام، وليس بمدخلاته ومخرجاته المادية فقط "ولأنه لا توجد خطة وميزانية ورؤية لتنمية الثقافة والفنون في الأردن، فلن يكون هناك تنمية ثقافية محلية في الأقاليم". لافتاً إلى غياب البرنامج السنوي الواضح لتنفيذ المشروع، وكيفية استثمار موازنته.

ووصف غرايبة أسلوب الإنفاق على النشاطات الثقافية للمشروع "بأسلوب تأثيث المشهد" الذي اعتمد على استسهال العمل بما هو دارج ومألوف "الشعراء؛ جمعوهم في أمسيات شعرية، لا يحضرها إلا قلة. الرسامون والنحاتون؛ أقيموا لهم معارض فن تشكيلي واشتروا من كل فنان قطعة. القاصون والروائيون؛ اطبعوا كتبهم. المسرحيون؛ مولوا عروضهم المسرحية.. هكذا نجحت المدن الثقافية بصنع حساء ثقافي لا يرغب به أحد" وخلص إلى أن الناشطين في المشروع، عندما يتطلعون، فقط، إلى حصتهم من ميزانيته، لا بدّ أن تخلو مخرجاته من بنى ثقافية راسخة؟!

معجزة ثقافية

"مشروع المدن الثقافية في الأردن" لم  يثمر عن شيء جوهري وملموس، بحسب الكاتب والأكاديمي د. موسى برهومة الذي يرى أنّ فكرة المشروع "نُفذت بالطريقة التقليدية إياها التي عودنا عليها العقل السياسي والإداري في الأردن "وهو عقل عابرٌ للتخصصات، وليس محصوراً في الثقافة". لافتاً إلى أن شعار المدن الثقافية، يوحي "بضرورة توفّر مسارح وفرق مسرحية، وأن يكون هناك غاليريهات تعرض الفن التشكيلي وتعلّمه، إضافة إلى توفر عروض سينمائية، أو دور سينما في المحافظات، وأن يكون هناك كتب ومجلات وإصدارات".

الشعار الفضفاض لمشروع "مدينة الثقافة" يحتاج إلى ميزانية كبيرة لا تكفي معها المليون دينار التي "انسخطت" فصارت نصف مليون يتعيّن عليها تغطية متطلبات محافظات المملكة كافة وإنعاشها ثقافيا، بحسب برهومة الذي قال أنه لم يعثر من خلال متابعته وقائع الحفل الأخير لمدينة المفرق "على إنجاز واحد تحقق، رغم اعتبار ما جرى في المدينة هو الأنجح على صعيد المدن الثقافية" رائيا أن الكلام الإنشائي العام لا ينفع "وربما يظلم الوزارة والمشروع، وأهل المحافظات التي استفادت من المشروع، إن كان حقاً ثمة فائدة ترقى إلى ما يذكره أهل الوزارة".

 وتساءل في السياق ذاته، إن كان المشروع الذي يهدف إلى نقل الفعل الثقافي إلى المحافظات والألوية، وتوزيع مكاسب التنمية الثقافية عليها، قد نجح في تحقيق غايته، أو جاء منسجماً مع رؤية الوزارة في "تفعيل الحراك الثقافي في المدن الأردنية بما يعكس ويعبّر عن خصوصيتها الثقافية، وترويج المنتج الثقافي لأبناء المدينة المختارة، وتبادل الخبرات بين منتجي الثقافة، وإنشاء البنية التحتية الضرورية للعمل الثقافي، والتعريف بالمثقف الأردني ودوره بالمجتمع، وتفعيل دور الثقافة في إحداث التنمية في المجتمع، وإبراز دور الثقافة والفنون في التنوير ومحاربة الظواهر المجتمعية السلبية؟!".

واستغرب برهومة تلك التأكيدات التي تطلقها الوزارة حول تحقيق شعارات وأهداف المدن الثقافية عِبر ميزانية متواضعة "شعارات كبيرة تروّجها الوزارة يظن معها المرء أنّ أكثر من مجرد نصف مليون دينار قد صرفت لإنجازها، مع أنّ مفردة واحدة فقط تحتاج إلى أكثر بكثير من المبلغ المذكور، فكيف تمكنت الوزارة، بهذا المبلغ، من إنجاز (المعجزة الثقافية)؟!"

 

سؤال "العلامة الفارقة"

الروائي والقاص إلياس فركوح، قال إنه ليس محيطاً بالخلفية التي تأتت عنها فكرة "مدينة الثقافة الأردنية" ومَن الذي اقترحها على وزارة الثقافة آنذاك "فما كان منها إلّا أن قامت بتبنيها!" ويضيف "ربما يكون لفت النظر إلى مدن الأردن الأخرى (إضافة إلى عمّان) وتعزيز البُعد الثقافي فيها، أو العمل على تنميتها ثقافياً، بمعنى: الأخذ بيد الكتّاب والمبدعين الذين يعتقدون بأنّ (هامشية) مدنهم تضعهم على "هامش" العناية والاهتمام والتبني! أو العمل على تأسيس بنية تحتية للأنشطة الثقافية، كمركز ثقافي يحتوي على مسرح، وقاعة ندوات، إلخ".

ويتابع فركوح "إذا كان الأمر على هذا النحو، فهو لا يحتاج إلى تخصيص سنة باسم المدينة، إذ يكفي أن تُدرَج كافة مشاريع البنية التحتية، وبمقدار ما تتضمنه المدينة من حالات إبداعية/ ثقافية قادرة على الاستفادة منها، ومن ثَم يُصار إلى تكليف الجهة الحكومية بتنفيذها، بعد دراسات جادة للاحتياجات الحقيقية".

غير أنّ الأمر، بحسب ما يرى، اقتصرَ على نشر مجموعة كتب ليست ذات سويّة عالية (غالباً) لكتّاب وكاتبات يعيشون في تلك المدن، أو يعودون في أصولهم إليها "وإذا لم تُصرف المبالغ المخصصة لهذا الجانب على هذا النحو؛ يلجأون لنشر كتب أخرى تحت شعار المدينة التي صادف أن كانت مدينة العام وقتذاك! وكذلك، زيادة عدد الندوات، والقراءات الشعرية والقصصية، وما شابه– وكأنهم بذلك يمنحون المدينة "وزناً وثِقلاً" تميّزا عن السنوات السابقة واللاحقة!" متسائلا "هل يشكّل هذا، علامةً فارقة فعلاً؟".

طقوس عابرة للمدن

من جهته، يرى الفنان التشكيلي والباحث هاني حوراني، أن المشاريع الثقافية في الأردن، عادةً، تبدأ واعدةً "وتنتهي مجرد مشاريع روتينية يوظفها المسؤولون الثقافيّون في تنفيع الأصدقاء والمحاسيب، حيث يتم إفراغ تلك المشاريع من مضامينها الجدية والإبداعية، ما يحيلها إلى طقوس عابرة للمدن" وهو بحسب رأيه، ما يجعلها عاجزة عن تأسيس قواعد ثابتة لعمل ثقافي مستدام "ولا تفتح الباب أمام تحقيق تراكم ثقافي أو فني أو معرفي في المدن الثقافية".

ويلفت، إلى أن الاستمرار بمشروع المدن الثقافية من دون مراجعة مردوده الثقافي الفعلي على المدن التي مرّ بها "يصبح غير مجد". ويتساءل في السياق ذاته، فيما إذا كان المشروع قد نجح في "إطلاق ناشطين جدد في المجال الثقافي والإبداعي؟ وهل ساهم في الكشف عن موارد ثقافية غير معروفة؟ وهل حفّز المؤسسات الاقتصادية والتعليمية على تبني مشاريع مستدامة، مثل المتاحف، أو الصناعات التقليدية التي تستقطب السياح،  وتوفر فرص عمل جديدة؟!"

أما الانتقال إلى المرحلة الثانية من "مشروع المدن الثقافية" الذي تبدأ أولى فعالياته هذا العام، يؤكد الحوراني ضرورة إجراء حوار صريح حول التجربة الماضية "وأن تؤخذ بالاعتبار أهمية التشارك مع مؤسسات المجتمع المدني، وغرف الصناعة والتجارة في المحافظات، وكذلك الجامعات والروابط والهيئات الثقافية في تخطيط  وتنفيذ وتمويل الأنشطة والمشروعات الثقافية".

العزلة عن الناس

 أما القاص نبيل عبد الكريم، فقد عدّ ما تحقّق من أثرٍ تنموي حقيقي لـ "مشروع مدينة الثقافة" يكاد لا يُلمس "سواء عند النخبة العاملين في المجال الثقافي، أم عند الشرائح الاجتماعية المختلفة التي يتوجه إليها المشروع" مؤكداً، أن الثقافة نشاط اجتماعي لا ينفصل عن الجوانب الأخرى للتنمية "اقتصادية وسياسية وتعليمية ومؤسسات مدنية، وجميعها تُعبّر عما يسمى الوجه الحضاري للأمة".

 أما أهداف المشروع، بحسب ما يرى "فقد كانت أكبر من إمكانات الوزارة وأدواتها. وما تحقق من نشاط ثقافي في المحافظات الأردنية باستثناء العاصمة، كان متواضعاً مقارنة بتلك الأهداف. ولم تمس الأنشطة الثقافية عصب المجتمع، بمعنى أنها ظلت معزولة عن الناس".

ولا يغفل عبد الكريم، الجهود الفردية التي ساهمت، إلى جانب وزارة الثقافة، في إثراء عددٍ من المبادرات على الرغم من تواضعها، خاصة في مدينتي إربد والزرقاء، وتحديداً، من قِبل أدباء شباب وفنانين ومعنيين بالعمل الثقافي، داعياً وزارة الثقافة "إلى تقديم دعم مستمر لأصحاب هذه المبادرات من الشباب وإدراجها ضمن خطط العمل المؤسسي مستقبلاً، كما أدعو إلى تعاون أكبر وأكثر فعالية بين الوزارة من جهة والبلديات والمدارس والجامعات ومؤسسات المجتمع المحلي في المحافظات في جهة أخرى".

وما أن انتهى مسلسل "التنوير" الثقافي الأردني وفق إيقاعه البيروقراطي، مع اختتام "مشروع مدينة الثقافة" في محطته الأخيرة بمدينة المفرق؛ حتى طالعتنا وزارة الثقافة منتصف الشهر الحالي، بالمرحلة الثانية من المشروع الذي سوف يواصل فعالياته هذا العام مع المدن الواقعة في مراكز الألوية؛ إذ وقع الاختيار على ثلاث ألوية من ثلاثة أقاليم لتكون مدن الثقافة للعام الحالي، وهي: لواء "الرمثا" عن إقليم الشمال، ولواء "عين الباشا" عن إقليم الوسط، ولواء "الأغوار الجنوبية" عن إقليم الجنوب.

يهدف المشروع في مرحلته الثانية، وفق مدير الهيئات الثقافية ومدير مشروع المدن الثقافية في الوزارة د. غسان طنش "إلى تفعيل الحراك الثقافي في المدن الأردنية بما يعكس ويعبر عن خصوصيتها الثقافية وترويج المنتج الثقافي لأبناء المدينة المختارة، وتبادل الخبرات بين منتجي الثقافة، وانشاء البنية التحتية الضرورية للعمل الثقافي والتعريف بالمثقف الاردني ودوره بالمجتمع وتفعيل دور الثقافة في إحداث التنمية في المجتمع، وابراز دور الثقافة والفنون في التنوير ومحاربة الظواهر المجتمعية السلبية".

وإذا ما توقفنا عند الفجوة الشاسعة بين الأهداف الرسمية المعلنة لمشاريعها الثقافية، وواقع الحال من جهة، وبين آراء العديد من المثقفين والمبدعين التي تكاد تتطابق مع ما ورد في وورقة المجلس الاقتصادي والاجتماعي من جهةٍ أخرى؛ سوف نخلص إلى نتيجة "مؤلمة" وتكاد تكون مُفزعة مستقبلاً، إذا ما أصرت العقلية البيروقراطية، بمساندة قوى "الشدّ العكسي" على المُضي قُدماً في التعطيل الممنهج لفاعلية الثقافة والفنون في االمجتمع، وإقصاء دورها المنشود في المساهمة بتحقيق التنمية والتغيير والتحديث؛ نتيجةٌ لن يكون معها "قاع البئر" سوى ملاذنا الأكيد، وسيتحول صراخنا، هناك، إلى أنين مكتوم.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.