}

النساء الفلسطينيات إبان الانتداب: التاريخ الاجتماعي من خلال الصورة

ضفة ثالثة 6 يوليه 2018

أطلقت الكاتبة الفلسطينية نادية حرحش، في الفاتح من تموز/ يوليو الحالي، كتابها "نساء القدس: المرأة الفلسطينية في فترة الانتداب البريطاني" وذلك في متحف محمود درويش في رام الله، وقدمها وحاورها أستاذ علم الاجتماع سليم تماري.

ويقع الكتاب، الصادر حديثًا عن "دار الرعاة للنشر والتوزيع"، في 202 صفحة من القطع المتوسط.

وتناولت حرحش في الكتاب نوعيات متعدّدة من النساء الفلسطينيات المعروفات بالعمل النضالي السياسي أو العسكري أو الثقافي، أو بالدور الروحي وغيره.

وقالت حرحش إن الكتاب يتحدث عن صورة لسيدات مقدسيات خلال فترة الانتداب البريطاني تجمعهن مع رائدة النهضة النسائية العربية، الناشطة المصرية هدى شعراوي، ومن خلال هذه الصورة يتوسع إلى شخصيات أخرى وحراك كامل في فلسطين، خلال فترة ما بين العشرينيات إلى نهاية الأربعينيات من القرن الماضي.

وأوضحت حرحش أنها اختارت فترة الانتداب لأنه كان فيها حراك نسائي محدد، كما أن النساء اللاتي اختارتهن بدأن العمل منذ بداية القرن العشرين حتى أواسطه.

وأشارت إلى السمة النخبوية لمعظم النساء اللاتي تناولهنّ الكتاب، وانتسابهنّ إلى عائلات معينة، معيدة ذلك إلى عدم توفر الفرصة لكافة النساء في تلك الفترة، وخصوصا العاملات منهنّ وربات البيوت، بالإضافة إلى الخلفية الأكاديمية والتعليمية.

وتقول حرحش في كتابها "عندما نظرت إلى تلك الصورة (لنساء مقدسيات مع شعراوي)، رأيت مشهدًا أبهرني. كل تلك النساء مجتمعات، ومع من؟ هدى شعراوي؟ وكأن قوة ما سحبتني إلى تلك اللحظة، وبدأت أجول بين تلك النساء، متفحصة في تفاصيلهن، نظراتهن، لباسهن، أعمارهن. أبهرتني الفكرة واستحوذت عليّ، فلأول مرة كنت أرى النساء الفلسطينيات، المقدسيات، في ذلك الزمن، خارج الصورة النمطية التي ألفتها عن جداتي وأقرانهن".

وأضافت: "في صورتنا هذه انعكاس واضح لأسلوب معيشة لم يتم التعبير عنه بشكل عام. تحتل الذاكرة الفلسطينية مشاهد للشتات وفرار الناس خلال النكبة. وتقدم الصورة تحديًا للأساطير حول فترة الانتداب، مثل تلك التي كانت تعكس أن الحجاب كان للجميع. هناك أيضًا شيء عن النساء في تلك الصورة يظهر تفاخرًا بطريقة الجلوس أو الوقوف. كنّ مرتديات ملابس عصرية تتناسب مع غداء رسمي أو تجمع، وتحديدًا تجمعا سياسي الطابع كان محوره المرأة. وتظهر طريقة لباسهن مزيجًا من الأناقة والموضة، مما يدل على تمييزهن لما يتناسب مع قواعد اللباس المتعارف عليه في مثل هكذا مناسبات. يمكننا أن نفترض أن العديد منهن كن منتميات إلى فئة مجتمعية أعلى، ويرجح وجود طبقة وسطى متعلمة على الأقل".

وقال سليم تماري إن ميزة هذا الكتاب أنه يقرن الصورة بالنص التحليلي، مضيفًا أن الكاتبة حاولت أن تستجلب صورا، بعضها من مصادر عائلية، وأخرى من مصادر أرشيفية، وعالجتها من خلال تحليل نصوصي، وهذا المزج بين الصور والتحليل أعطى ميزة لهذا الكتاب عن غيره.

وأوضح تماري أن الكتاب تناول دور النساء الفلسطينيات في فترة الانتداب البريطاني، ومعضلات الحركة النسائية في تلك الفترة، واعتبره محاولة متميزة لقراءة التاريخ الاجتماعي من خلال الصورة، مما يغيّر كثيرًا من الصور النمطية والاستشراقية عن المرأة الفلسطينية.

وأشار تماري إلى أن الكتاب يهدف إلى استنطاق صورة ظهرت عام 1945، وتشكل فيها حضور نسائي فلسطيني مميز لمناسبة زيارة لهدى شعراوي، رائدة الحركة النسائية في مصر والوطن العربي، وأخذت نادية في تمحيص معنى هذه الصورة، خاصة ما يتعلق بكسر الجانب النمطي في رؤية الحركة النسائية، وطبيعة أدوار النساء في تلك الفترة، حيث النظام الاجتماعي والكولونيالي السائد في فترة الانتداب.

وقال تماري: النسوة اللاتي قامت حرحش بإعادة الاعتبار إليهن، بعضهن معروفات كمناضلات سياسيات، وبعضهن تم تهميشهن كليًا، وهنا أعاد هذا الكتاب الاعتبار لهؤلاء المغيبات، وترك مساحة لصورهن في النصف الثاني من الكتاب يعزز من إعادة الاعتبار هذه.

وأضاف: عبر هذه الصورة تطرح حرحش عدة قضايا حول "معنى الحداثة"، ومعضلة "انصياع الحركة النسائية في الثلاثينيات والأربعينيات للحركة السياسية، على عكس بداية عشرينيات القرن الماضي"، وكذلك تأثيرات "الثورة الدستورية في عام 1908 بتفجير حريات واسعة كانت مقموعة في فترة الطغيان الحميدي"، لافتًا إلى أهمية الحديث عن مساهمات العديد من هؤلاء النسوة كساذج نصار، التي كتب عنها شيء يسير، ونشرت صورة لها، وكذلك فاطمة اليشرطية. كما حاولت المؤلفة من خلال استقراء هذه الصورة التعرف على هؤلاء النسوة، ومن أين أتين؟ وما علاقتهن بالنضالات الاجتماعية والسياسية، والإجابات تأتي من خلال استعراض سير قصيرة لأربعين سيدة كن في هذه الصورة، وتقدم خلفيات لتلك النساء، وكيف برزن في تلك الفترة، ولسن جميعهن مقدسيات، لافتًا إلى أن نساء القدس يشكلن أقلية في هذه الصورة.

ومن النساء اللاتي تحدثت عنهن حرحش في كتابها باقتضاب: نبيهة ناصر، وطرب عبد الهادي، ومي زيادة، وميليا السكاكيني، وكلثوم عودة، وعنبرة سلام الخالدي، وماتيل مغنم، وزليخة الشهابي، وأسمى طوبي، وشاهنده دزدار، ومفيدة درويش دباغ، ووجيهة الحسيني، ووحيدة خالدي، وفاطمة أبو السعود، وميمنة القسام، وحلوة جقمان، ووديعة خربطلي، وهند الحسيني، وفدوى طوقان، ونمرة طنوس، وفكرية صدقي، وحياة بلابسة، وسميحة خليل، ومهيبة خورشيد، ووداد الأيوبي، وناريمان خورشيد، وعصام عبد الهادي، وغيرهن.

وساذج نصار (1882-1963) ولدت في عكا، وعملت كمحررة في جريدة "الكرمل"، وكانت الصحافية الأولى التي تدخل السجن في فترة الانتداب البريطاني، حيث تم الحكم عليها بالسجن لسنة في آذار/ مارس 1939، واتهمت بأنها "امرأة خطرة جدًا" من طرف الانتداب البريطاني. وكتب زوجها نجيب نصار في حينه ما بدا تقدميًا بالنسبة للعالم العربي الذكوري: "إذا لم تجعلني الكرمل أدخل التاريخ، فإني سأدخله بسبب زوجتي التي كانت أول امرأة تُسجن في السجون البريطانية".

ووالد ساذج شيخ وقائد بهائي معروف. وتزوجت من نجيب نصار، صاحب جريدة "الكرمل" الصادرة في حيفا عام 1908. وكانت ساذج كذلك مسؤولة عن تحرير قسم المرأة بالجريدة عام 1926 وبدأت بالثلاثينيات جريدة مستقلة تحت اسم "رسالة الكرمل"، وأصبحت رئيسة تحرير "الكرمل الجديد" بين الأعوام 1941 و1944.

أما فاطمة اليشرطية (1880 – 1979)، فولدت في عكا. واشتهرت بالطريقة الصوفية الخاصة بها. وكان لها مريدون وتابعون، وتركت الكثير من الكتب، وهي ابنة لشيخ صوفي مرموق، هو علي نور الدين اليشرطي الشاذلي.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.