}
عروض

"عزيزي الكاتب": 50 رسالة تسخر من الناشرين و"البيست سيلر"

إيهاب محمود

24 يوليه 2019
ما الذي سيحدث لو كان هوميروس حياً الآن وذهب بمخطوط الإلياذة أو الأوديسا لإحدى دور النشر التي تبلغه أن العمل غير مناسب للنشر، أو أنها لن تتمكن من خلاله من تحقيق مبيعات جيدة؟ وكيف سيتعامل صمويل بيكيت مع ناشر يطلب منه تعديل نهاية قصته ليفهمها القارئ؟
هذا بالضبط هو ما فعله الصحافي الإيطالي ريكاردو بوزي في كتابه اللافت "عزيزي الكاتب" الصادر مؤخراً عن دار نينوى للنشر، بترجمة محمد ناصر الدين، حيث اخترع، بمزيد من الفكاهة والسخرية، عدداً من الرسائل التي افترض أن الناشرين سيقومون بتوجيهها لأهم الأدباء في التاريخ، معلقين على أمور لا تروق لهم، ومبدين ملاحظاتهم على نمط كتابة قد يؤثر في مبيعات الرواية ويجعلها لا تدر المال الذي ينتظره الناشر!
ويضم الكتاب خمسين رسالة رفض متخيلة للكتاب الأكثر شهرة في تاريخ الإنسانية من هوميروس إلى صمويل بيكيت، مروراً بوليم شكسبير، وجورج سيمنون، وفرجينيا وولف، ومرسيل بروست، وشارل شولتز، وأيضاً سيجموند فرويد. بكثير من الذكاء، ورشَّة من توابل الظرف الإيطالي المعروف، حيث يخترع الصحافي الإيطالي المشاكس ريكاردو بوزي رسائل ممتلئة بالكليشيهات الجاهزة ووصفات التسويق، وردود الفعل المتوقعة في وجه الكتب الأكثر
أصالة في تاريخ الأدب والفكر.
في نظر بوزي، فإن الخطابات التي توجهها دور النشر للرد على الأعمال التي ترد إليها، تحتوي على كثير من الإجحاف في حق العديد من الأعمال التي أعطى لها أصحابها جهداً إبداعياً يستحق التقدير، كما أنه يسلط الضوء على أن الردود تكون أغلبيتها انطباعية غير منصفة للتجربة ولا تعطي للمبدع فرصة لرؤية عمله بشكل أعمق أو بوجهة نظر وزاوية رؤية مختلفة قد تساعده في عمله الإبداعي.
ويطرح الكتاب أسئلة فانتازية بكثير من السخرية والدعابة، ما الحال لو كان هوميروس بيننا، وأرسل رائعته الملحمية الكبرى إلى دار النشر سايمون أند شيستر، المؤسسة التي تتعهد بطباعة وتسويق أعمال دان براون من شيفرة دافنشي وإنفرنو وغيرهما من كتابات "البيست سيلر"، أو الكتب الأكثر مبيعاً، هل كان كتابا هوميروس سيجدان مكانهما على واجهة المتاجر في الإمبراطورية التي فاقت في جبروتها أثينا وروما والعالم القديم بأسره إضافة إلى واجهات مكتبات باريس وبيروت وبكين؟
وهل كان قسم التسويق في متجر أمازون، كما يشير بوزي، ليطلب من فرانس كافكا تغيير عنوان روايته "المسخ" لتظهر ضمن الكتاب الأكثر مبيعا؟
ما الحال لو اقترح الناشر على بيكيت نهاية شبيهة لما يباع في أكشاك الصحف في المطارات من أدب لا يستفز حفيظة القارئ عموماً أو خياله، بل يحكمه بسيناريو يمكن التنبؤ المسبق بنهايته من أول كلمة من الفصل الأول؟
وبحس ساخر، يتناول بوزي رواية "دون كيخوته" مفترضاً أن ناشر الرواية سيطلب من ثيربانتس، مؤلف العمل، أن يغير بعض الأحداث، فتجري مثلا في أميركا بدلاً من إسبانيا، كي تحمل المزيد من المغامرات الأميركية التي تنطوي على التشويق والإثارة، وهما عاملان مهمان لجذب القارئ وإثارته.
ثمة أزمة ستتم إثارتها بين شكسبير وناشر أعماله، حيث سيعترض الناشر على تعرض شكسبير لشخصية شايلوك اليهودي في مسرحية "تاجر البندقية" طالباً منه "لا للمس بالأقليات" غير أن شكسبير يرفض الاستجابة لطلبات الناشر، ويخترع شخصية عطيل في تجربة أو مغامرة جديدة يتقاطع فيها مع الزنوج، ما يدفع ناشره لأن يكتب إليه طالباً منه الابتعاد عما أسماه البازار السياسي، وموضحاً: "تفرّغ للملوك القساة والعشاق المعذبين وعُد لاختصاصك الأثير سيد شكسبير".
وفي رسالة أخرى، يسخر الناشر من تناول شكسبير لشخصية هاملت، المسكونة بالهواجس، والمضطربة نفسياً، والتي يجد الناشر أنها لا تضمن للعمل نجاحاً جماهيرياً.
"قد يكون المكان الأمثل لكتابك مجلة علمية عن الصيد، أو موقعاً إلكترونياً، وليس في دار نشر
عريقة، وعليك أن تستمر بالمحاولة"- هذه هي الرسالة التي يفترض بوزي أن الروائي الأميركي الشهير إرنست همنجواي سيتلقاها فور إرسال روايته "العجوز والبحر" إلى دار النشر.
وعندما يرغب آرثر ميلر في نشر مسرحيته "موت بائع متجول"، سيخبره الناشر في وضوح: "في وقت الأزمة الاقتصادية ربما يحتاج العالم إلى جرعة من الثقة، لكننا نلتقي هذا المخطوط الفاشل المرتكز على قصة فاشلة في داخله، ونحن لا نريد أن نعطي لبطلك الفاشل أهمية أكبر".
هذه السخرية التي كتب بها ريكاردو بوزي كتابه تدل بوضوح على الآلية التي تعمل بها دور النشر في العالم، والتي يضع الكثيرون عليها العديد من علامات الاستفهام، حيث الاهتمام في الغالب الأعم بكتب "البيست سيلر"، وعدم وجود لجان قراءة عالية المستوى تتعامل مع العمل المرسل إليها بمزيد من الإنصات لصوت مؤلفه، والانشغال بهمومه التي ربما دفعته لكتابة روايته أو كتابه، وكذلك الاعتراض على الدور الذي تلعبه دور النشر بالأساس، حيث غلبت النبرة التجارية، وبات الكتاب سلعة كأي سلعة، وطالما ستكون عاجزة عن جلب المزيد من المال للناشر، فإنها أعمال لا تستحق أن تحتل أماكنها في واجهات المكتبات، وهو ما يضرب الأدب في مقتل، ولا يضع في الحسبان أن الإنسان ما كان ليبني حضارته، ولا يصل لتلك المكانة التي حققها خلال رحلته الطويلة، بدون أعمال أدبية شكلت وعي إنسان القرن الواحد والعشرين، الذي استفاد من تجارب الآخرين، واستقى معارفه وعلومه عبر هضم مئات التجارب التي حملتها إليه روافد عديدة ومتنوعة، لعل أهمها الأدب.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.