}
عروض

"استراتيجية المثقف.. تكتيك السلطة" وثورة السوريين لإبراهيم اليوسف

13 أبريل 2019
صدر عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر كتاب جديد للكاتب السوري إبراهيم اليوسف في ثلاثة أجزاء بعنوان "استراتيجية المثقف.. تكتيك السلطة"، في 400 صفحة من القطع المتوسط، وبطباعة أنيقة. وقد جاء الكتاب الأول بعنوان: هوية الكاتب وماهية الكتابة. وجاء الكتاب الثاني بعنوان: ثنائية الخطاب والتزييف. أما الكتاب الثالث فقد جاء بعنوان: معادلة المواجهة والسقوط.
ويشير المؤلف إلى أن هناك جزءا آخر من الكتاب ستتم طباعته لاحقاً، يعاين فيه واقع المثقف الكردي بعد امتحان الثورة السورية.
يقول المؤلف: تستحق ثنائية "السياسي والثقافي" الكثير من الاهتمام، من قبل كل من يشتغل في الحقل المعرفي، لا سيما في أي فضاء تنعدم فيه العدالة وقيم المساواة والديمقراطية، وذلك لما للموقف بين طرفي العلاقة من تأثيرعلى رؤى المثقف، وموقفه، ومصداقية ما يقدمه من نتاج ثقافي، ليكون المثقف هنا هو منتج الثقافة في حقول الكتابة والأدب والإبداع والمعرفة، وحتى الفنون بأنواعها: مسرح – تشكيل – موسيقى - سينما إلخ، إذ إن هناك  حدوداً، بل معايير، كثيرة يمكن أن يضعها أي مثقف لنفسه، في ما يخص علاقته بالسياسي/ السلطوي، كما أن السياسي المتناول هنا هو المتسلط أو السلطوي، وإن كنا نميّز بين سياسيين: أحدهما مضطهِد، بكسر الهاء، والآخر مضطهَد، بفتحها، وقد يحتل موقع الأول، ويرثه، إن امتلك أدواته، ما دمنا ضمن حدود ذلك الفضاء، مختل القوانين والأنظمة!
ذلك السياسي، وهو التسلطي هنا، ليس له إلا أن يتلمس الخاصرة الرخوة لسلطته، أمام صورة المثقف الحقيقي، مستشعراً الخطورة والهلع، ما يدعوه للاستنفار، لطالما هو غير قادر أن يحقق وظيفته المثلى، أمام صورة المثقف، وقوة تأثير أدواته، وهو يمارس دوره النقدي، لذلك فإن من طبيعة هذا السلطوي أن يكون معنياً بأمر ضرورة استمالة المثقف، أو احتوائه، وتبعيته، على نحو رسمي أو غير رسمي، أي على نحو ديواني، أو دعائي، بهذا الشكل أو ذاك، وإن كان السياسي لا يمكن له أن يعنى بالثقافي إلا إذا تنازل هذا الأخير له عن رسالته، وبدل موقعه من خانة الناقد إلى خانة المبوِّق، وشتَّان ما بين هاتين الخانتين...!
ويضيف اليوسف: دأب الفرد، منذ بدايات نضوج حالة الوعي لديه، ضمن إطار المنظومة الأخلاقية، بثابتها المتحول في بعضه، ومتحولها الذي هو مشروع ثبات، كجزء من ثقافته- وهي في التالي ثقافة المجتمع من حوله- على الحفاظ على التزامه بالكثير من الأُخطوطات التي يضعها لنفسه، أوهي موضوعة -في الأصل- بحكم العادات أو القوانين أو الأعراف، فلا يسمح لنفسه بتجاوزها، بل يجهد للالتزام بها، وإن كان ذلك على حساب راحته، وطمأنينته، وأمنه، ومنفعته، بل إنه يتمثل هاتيك الإشارات في سلوكه اليومي، وقد يذهب أبعد من ذلك، من خلال المساهمة في نشرها، بدءاً من إطار أسرته، ومروراً بمحيطه الضيق، وانتهاء بالمحيط العام، وذلك تبعاً لموقعه، ومدى نجاعة أدوات ترجمته التي يعتمدها.
وما قد يقال هنا عن الفرد، فإنه ليقال في الوقت ذاته عن المؤسسة والمجتمع، حيث استطاع بعض هذه القيم أن يحصن ذاته، إما عبر قوننته، أو عبر تشكيله التابوات التي لا يمكن اختراقها، في ظل رقابة الآخرين لما يتم في حدود الدوائر المتاحة، وهو ما له أثره المهم في حياة الناس، لا سيما عندما ترتبط بمصالحهم، وأمنهم، وحياتهم، ومستقبلهم..!
ولئلا نشطح هنا بعيداً، ويكون الحديث غارقاً في التنظير، أو حتى الجدف، علينا أن ندرك حقيقة تعاظم المسؤولية الأخلاقية، في أعناقنا جميعاً تجاه أنفسنا، ومن يعيشون ضمن عماراتنا الكونية، حيث أنه من اللزام علينا تحمل الأعباء المترتبة، على أي منا، من أجل وضع حد لآلام جيراننا في هذا البيت الواحد، سواء أكان على صعيد الموقف الأخلاقي، النظري، أو حتى عبر ترجمته بالوقوف إلى جانب هؤلاء بما يمكننا لمنع اندياح دائرة الدم، والقتل، ما استطعنا، لا سيما وأننا في زمن بات للخطاب قوة الرصاصة، في ما إذا استخدم على الوجه الأمثل، وهو من عداد أولى المهمات الملقاة على كاهل المثقف، في مواجهة الصور الإلكترونية، الغارقة في استفزازها، وكريات دماء الأطفال، والشيوخ، والنساء، في أشدّ أماكن التوتر والخطر التي تحصد أرواح الأبرياء، وتدمر عنواناتهم في خريطة العالم الكبير.
يُعدّ الكتاب بأجزائه الثلاثة أحد الكتب التي عاينت شخصية المثقف السوري مع بدايات انطلاق الثورة السورية، حيث  يرى المؤلف أن هناك أصنافاً من المثقفين، منهم من وقف مع أهله، ومنهم من لاذ بالصمت، مقابل من تواطأ ضده، إذ تمت غربلة جبهة المثقفين، أمام محيطهم، ومتابعيهم، على نحو واضح. وهذه الجبهة لم يؤد الكثيرون من المنتمين إليها أدوارهم بالشكل المطلوب.
كما يكشف الكتاب عن وجود الأنموذج الرمادي، ذلك الأنموذج الذي كان يترقب لحظة التحولات كي يعلن وقوفه إلى جانب الأقوى. وقد كانت محنة هذا الأنموذج أنه انخدع بالوقائع أكثرمن مرة، لذلك فقد كان موقفه زئبقياً. وهو لا يبحث في المحصلة إلا عن مكاسبه باعتباره ضحية إمعية لا أكثر.
ويؤكد الناشر أن الأفكار التي جرى طرحها في هذا الكتاب يتم تناولها بجرأة في التشخيص، بعكس بعض البحوث والدراسات السريعة أو حتى المتأنية منها التي تناولت حدث الثورة السورية وراحت تتجاهل التشخيص أو تميل إلى التعمية من خلال التغطية على سوءات بعض المثقفين والتعرض للحظة التناول بعيداً عن الماضي والمستقبل، أي أنها معالجة تتناول الموضوع من خلال المزاج المتقلب نتيجة ظروف حالة الحرب، وبهذا فإن هذا الكتاب يثير من جديد حواراً مهماً بهذا الخصوص، قد نختلف خلاله مع مضمون ما جاء في هذه القراءات أو نتفق معها..!
الجدير بالذكر أنه  صدر لليوسف، وهو شاعر وناقد كردي من مدينة قامشلي يقيم في ألمانيا،  حوالي خمسة وعشرين كتاباً تنوعت ما بين الشعر والنقد والرواية والدراسة، ويأتي هذا الكتاب كأحد أبرز أعماله الجديدة في إحدى القضايا الحساسة والإشكالية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.