}
قراءات

"تفكيك الثورة".. ثلاث دراسات حول مآلات الربيع العربي

سبع سنوات مرت على اندلاع ثورات الربيع العربي، التي بدأت في تونس، ثم مصر، مرورًا باليمن وليبيا وسوريا. سبع سنوات والسؤال الحاشر يتردد: ما هي أسباب ومآلات تلك الثورات؟ وكيف يمكن فهمها في ضوء العلاقة بينها بأوضاع هذا العصر وأحوال بلداننا العربية؟

جلبير الأشقر، لوسي ريزوفا، والتر آرمبرست، حاول ثلاثتهم الاشتراك في محاولة للإجابة عن السؤال، كل من وجهة نظره الخاصة، وذلك من خلال كتاب "تفكيك الثورة" الصادر مؤخرًا عن دار المرايا للإنتاج الثقافي بمصر.

في بحثه المعنون "ملاحظات حول الدولة والثورة في المنطقة العربية"يذهب جلبير الأشقر إلى افتراضية أن الثورات العربية لم يكن موجهة تحديدًا ضد السياسات النيوليبرالية، كما كان الحال في الصعود الكبير للحركة الشعبية في اليونان ضد الحكومات المحلية وسياسات الاتحاد الأوروبي. لا يمكن إغفال حقيقة أن السياسات النيوليبرالية باتت جزءًا رئيسًا في السياق العام الذي كان شاهدًا على هذه الثورات، غير أن محركها الأساسي ارتبط بالأزمات التي رسبَّها الشكل الخاص للرأسمالية في الدول العربية، حيث الشكل الميراثي الذي تلتحم فيه الدولة بنظام الحكم التحامًا يصعب فصله عن بعضه، وربما المثال الأكثر تعبيرًا عن ذلك يتمثل في تحول الجيوش العربية في بلدان كسوريا وليبيا إلى قوات وميليشيات تابعة للنظام أو الحاكم على وجه الدقة.


يخلص الأشقر إلى نتائج من بحثه، وهي استراتيجية في المقام الأول، منها أن ثورات الربيع العربي ما هي إلا بداية لمرحلة ثورية ممتدة ربما تستمر لعقود طويلة، وأن القوة المناط بها تحقيق النصر الثوري لن تخرج عن تحالف طبقي يقوده الكادحون من أبناء الشعوب، ويقصد هنا الطبقة الكادحة المنتجة لا البرجوازية العربية، ذلك لأن جذور الأزمة ترتبط في الأساس بخصوصية النمط الرأسمالي وليست السياسة الرأسمالية فحسب.

يرى الأشقر أيضًا أن الخلاص سيأتي على هيئة بلورة "كتلة تاريخية" والتعبير للإيطالي أنطونيو جرامشي، والفكرة أن هذه الكتلة التاريخية تقوم بحل معضلة ميراثية الدولة، وهي التحام الجيش مع النظام، بمعنى خلق قوة شعبية مؤثرة بديلة بإمكانها الدخول في مواجهة استراتيجية، لو صح التعبير، مع الدولة ملتحمة بالجيش، لتحقيق النصر الثوري.


في نظر والتر آرمبرست، فإن الثورة المصرية نتجت عن سياق عام صنعته النيوليبرالية، على الرغم من ادعاءات كثير من المحللين الذين رأوا الثورة فقط كثورة سياسية ديمقراطية، ثورة كرامة بحسب ما يرتاح للبعض أن يصفها، وثورة على ظلم الشرطة وعنفها المفرط بحسب تحليلات البعض الآخر.

وينطلق آرمبرست في بحثه "ثورة ضد النيوليبرالية؟ أم ثورة نيوليبرالية؟" من فرضية تتكئ إلى أن هذه النيوليبرالية شكلت بدورها فضاءًا عامًا للوجود الاجتماعي في مصر خلال العقود السابقة على الثورة، وأن التناقضات التي أفرزتها صنعت عالمًا مضادًا على نحو كبير وعميق "بما لا يقاس بمصالح القوى الاجتماعية في أدنى السلم الاجتماعي" بحسب وصف تامر وجيه، محرر الكتاب.

يجتهد آرمبرست في بحثه نحو شرح أسباب هزيمة الثورة المصرية انطلاقًا من النيوليبرالية، فكما أن الثورة اندلعت احتجاجًا على النيوليبرالية، فإن قياداتها تشكلت كذلك على أساس النيوليبرالية، بمعنى أن الثورة المصرية هي ثورة على النيوليبرالية وفي الوقت نفسه ثورة نيوليبرالية، إذ انتمت الطبقات التي شاركت في صناعة الحدث إلى نفس المستوى الاجتماعي، بدرجات متفاوتة، الذي ثاروا عليه أو ضده.

في نوفمبر 2011، اندلعت أحداث محمد محمود الأولى، ودارت اشتباكات رهيبة بين المتظاهرين في شارع محمد محمود وقوات الشرطة المصرية، هذا الحادث استندت إليه لوسي ريزوفا، في بحثها "الثورة المصرية ونهاية التاريخ"، إذ ترى أن الثورة المصرية هي آخر الثورات الكلاسيكية في التاريخ، وأن ما جرى في أحداث محمد محمود يحمل الشكل الصافي للثورات كما سيعيشها العالم في النيوليبرالية.

مواجهات محمد محمود، بالنسبة لريزوفا، لا تنتمي إلى عالم الثورات الكلاسيكية، بل كانت مواجهات بطولية يسعى أصحابها وراء الموت، أملًا في استعادة رجولتهم المسلوبة بسبب عنف النيوليبرالية المتجسد في الشرطة المصرية، إذ لم يكن قانون محمد محمود هو الحسابات السياسية، أو التطلع لمستقبل حر، بل التحرر عبر مواجهات دامية بغض النظر عن أي مستقبل في الطريق.

ترى ريزوفا أن أحداث محمد محمود "ملحمة" وأنها نموذجًا للثورات المقبلة، وهي ثورات عصر النيوليبرالية، حيث ستنفجر العديد من الثورات بسبب قسوة هذه الليبرالية التي تحكم عصرًا بلا منطق كما الحال في أوقات العصور الكلاسيكية.

توضح ريزوفا: "لا يمكن وصف أحداث محمد محمود إلا بأنها كانت معركة حضرية خاضتها قوى اجتماعية فاعلة تفتقر إلى أي خطة سياسية، ولم يكن لديها أي فكرة أو عقيدة أو غرض سياسي على المدى الطويل".

تنتهي ريزوفا في بحثها إلى استخلاص أن الربيع العربي كان بمثابة نهاية للتاريخ كما نعرفه: كمستقبل تقدمي نتحكم فيه.

وبشكل عام، فإن المؤلفين الثلاثة اتفقوا على غياب "كتلة تاريخية" قادرة على قيادة عملية التغيير إلى آخرها، وهي آفة الثورات العربية، وربما يبدو السبب المباشر للهزيمة المؤقتة التي منيت بها ثورات الربيع العربي في البلدان التي اندلعت فيها، إذ يقود الحكم في مصر رئيس ذو خلفية عسكرية، والحال نفسه في تونس، والجيش يتصدر المشهد في ليبيا والحديث الرسمي يدور حول ضابط أيضًا هو حفتر، وفي سوريا حدث ولا حرج، واليمن يعاني في استمرار لحكاية تاريخه التعس.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.