}
قراءات

البراكين التراثية لدى هاشم صالح

جمال شحيّد

24 أكتوبر 2016
العرب والبراكين التراثية؛ هل من سبيل إلى إسلام الأنوار؟ عنوان كتاب جديد لهاشم صالح المعروف بأنه المترجم شبه الحصري لأعمال محمد أركون، وبأنه المنادي الكبير لإسلام الأنوار. اللافت في هذا الكتاب، الصادر أخيراً، أن مؤلفه متابع جيّد لتطورات الفكر الأوروبي التنويري، وبخاصة الفرنسي، الذي كسح ظلمات العصر الوسيط وعقابيله حتى اندلاع الثورة الفرنسية عام 1789.

يروي لنا هاشم صالح ولادته الأولى في إحدى قرى جبلة (سورية) وتنكيل أبيه الشيخ بأولاده، وزواجه بعيد وفاة زوجته الأولى من أم "فاجرة ومنحطَّة وصفيقة". يصور لنا ملامح رجل الدين المنافق والمستبد قائلاً: "ما يفعله الأب البطريرك في العائلة هو بالضبط ما يفعله الدكتاتور المستبد في الشعب. ما هذا الشعب الجاهل القاصر لكي يستشيره الدكتاتور؟". ويضيف أن "الاستبداد الديني، أو اللاهوتي، أخطر أنواع الاستبداد على الإطلاق"؛ ويرى أن "لا معنى للديمقراطية وكل الثرثرات الجارية حولها، ولا جدوى منها ما دامت العقلية اللاهوتية مسيطرة على العرب، ما دمنا لا نتجرأ على نقدها وتفكيكها وإزاحة هالة القداسة عنها فلن نصبح ديمقراطيين ولو بعد ألف سنة".

ويعتبر أن سفره إلى باريس في 8/10/1976 كان بمثابة ولادة ثانية له، إذ إنها ولادة على الفكر والحرية، كسرت لديه سلاسل التقليد والجمود والتكلس، فماذا طرأ على حياته؟ "كان ينبغي أن تخرج إلى أوروبا لكي تأخذ كل أبعادك، لكي تجرّب حالك، لكي تقذف بنفسك في مجهول المغامرة الخلّاقة". ليس الغرب كله فحش وانحراف وإباحية، هو أيضاً "فتوحات معرفية وأنوار فلسفية قلّ نظيرها". وهذه الفتوحات يجب أن تؤدي إلى "فكر استباقي" كما قال ميشيل سير؛ والمعروف أن فلاسفة الأنوار في فرنسا إبان القرن الثامن عشر أعدوا الناس للثورة، لا بل تنبأوا بحدوثها.

يتوقف صالح مراراً عند تجاوز الأوروبيين المشكلة الطائفية. وبدأ هذا التجاوز ينمو منذ القرن الخامس عشر وبعده، مع لايبنتز وليسينغ وبايل وفولتير وديدرو والموسوعيين ولوك وسبينوزا... الذين خلّصوا أوروبا من جائحة الحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت التي خلّفت آلاف الضحايا: "فلولا التأويل التنويري للدين ورسالته السامية لظلّ الفرنسيون يتخبطون حتى الآن في صراعاتهم المذهبية ولظلوا يذبحون بعضهم بعضاً على الهوية: هذا كاثوليكي وهذا بروتستانتي، ولما حققوا كل هذه الحضارة (التي فتنت هاشم صالح)، فتجاوزوا انقساماتهم وحزازاتهم عن طريق نشر المعرفة وتنوير العقول... فكلما انتشرت أنوار الثقافة في بلد ما تراجعت ظلمات الجهل أكثر فأكثر. وكلما تراجعت ظلمات الجهل أصبح الناس أكثر تسامحاً وتفهماً لبعضهم البعض". هذا هو الدرس الأول الذي لقّنته أوروبا للعالم.



يعترف صالح بأن "هموم فولتير وروسو وديدرو هي همومي. لقد كانوا يعانون من نفس المشاكل التي أعاني منها أنا حالياً، أي الفهم المتزمت والخاطئ والمتعصب للدين. لقد كانوا يعانون من محاكم التفتيش" ومن قمع حرية التفكير. ويتوقف عند كتاب مغمور لروسو عنوانه "رسالة إلى كريستوف دي بومون" رئيس أساقفة باريس الذي ألّب العامة عليه فكفّروه ولاحقوه وأحرقوا كتبه في باريس وجنيف وبيرن وأمستردام؛ وفيه ردّ لروسو يقول فيه إنه "مؤمن مسيحي بالمعنى الإنجيلي الأصلي للكلمة وليس بالمعنى البابوي الفاتيكاني". ويصرّح بأنه تجاوز الدين الشعائري، إذ يرى الدين معاملة أخلاقية وتعاطفاً مع الفقراء والمساكين وأبناء السبيل. ويقول صالح: لو أن عياض بن عاشور أو عبد المجيد الشرفي أو محمد حداد تجرأ وطرح مثل هذه الأفكار عن الدين لشُهِّرَ به ودقّت عنقه، كما حصل لفرج فوده وغيره. ويستطرد صالح في تعداد الوصايا اللاهوتية التي قالها له أبوه قبيل سفره من سورية: "يا ابني، إن كل علوم الأرض لا تساوي قشرة بصلة ما عدا علم التوحيد... يا ابني، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور... يا ابني، الغرب مليء بالانحرافات والمفاسد. لعنه الله. إياك! ثم إياك! خذ العلم فقط واترك ما عداه... قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين... يا ابني، وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب". ويعلق صالح على كل وصية من هذه الوصايا بأسلوب ساخر لاذع، لاسيما وأن مُصْدِرها عرّس على امرأة فاسقة بعد أيام معدودة من وفاة زوجته وأهمل تربية أولاده من ثم، فهو "يمطرنا بوابل من المواعظ الأخلاقية الداعية إلى الزهد في الحياة الدنيا".

إذن هناك حرب شعواء بين تياري التزمت والحداثة. هذا ما حدث في الغرب منذ القرن الخامس عشر وحتى التاسع عشر. وانتصر فيها حزب الفلاسفة على المتزمتين. وتم ذلك على يد مارتن لوثر وفرنسيس بيكون ورينيه ديكارت وإيمانوئيل كانط وهيغل وهايدغر وهابرماس. وينقلنا صالح من عصر النهضة الأوروبية وعصر الحداثة إلى "عصر داعش"، و"ميزة داعش أنها تقول علناً ما يفكر فيه الآخرون سراً: إنها بكل بساطة سوف تقتل كل من لا ينتمي إلى فرقتها الناجية"؛ وهي التي حرّمت الفلسفة والعلوم الطبيعية في الرقة. ولكي ندرك ما يحدث، لا بد من العودة إلى التراث. وهنا يمايز صالح بين تراثين: تراث محاكم التفتيش في أوروبا وتراث المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني (1965-1962). ففي هذا المجمع "تخلت الكنيسة الكاثوليكية عن احتكارها للحقيقة الإلهية المطلقة واعترفت بمشروعية الأديان الأخرى وفي طليعتها الإسلام". وفي النظر إلى التراث العربي يقول "الظلمات تحقد على الأنوار. لقد أطفأوا نور المعتزلة سابقاً ونور الفلاسفة، نور بغداد ونور قرطبة، ولكن... سينتصر المأمون على المتوكل، والمعتزلة على الحنابلة. وسوف ينتصر ابن سينا على الغزالي، وابن عربي على ابن تيمية، وابن رشد على من تبقّى... سوف ينتصر الفارابي زعيم العقلانية الإسلامية. وسوف ينتصر المعري ذروة العبقرية العربية". وتحل على صالح روح تنبؤية عاتية يقول فيها إن العالم العربي والإسلامي سوف يدمَّر كله بصيغته الحالية لكي يعاد بناؤه لاحقاً بصيغة أخرى قابلة للبقاء. ويتوقف من ثم عند ملامح عصر الأنوار العربي الذي بدأ مع جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورفاعة الطهطاوي وبطرس البستاني وإبراهيم اليازجي والطاهر حداد ويعقوب صرّوف وشبلي الشميّل وقاسم أمين وطه حسين وميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران ونجيب محفوظ.


وبما أن هاشم صالح من أكبر الذين ترجموا كتب محمد أركون، فإنه يستشهد به كثيراً، لا سيما وأنه رأى من الضروري "أن يقوم المسلمون بمراجعة تاريخية صارمة لأصول الإسلام وبداياته الأولى"، وأنه لا بد من "تفكيك النص القرآني وكل التراث الإسلامي بالمعنى الفلسفي العميق لكلمة تفكيك وليس بمعنى التهجم والتجريح. بالتفكيك نقصد هنا مجرد تطبيق المنهجية التاريخية النقدية على القرآن كما طبقت على الإنجيل والتوراة من قبل علماء أوروبا". ولتحقيق هذه الغاية، يجدر بالعرب أن يكشفوا النصوص التنويرية في تراثهم ويعيدوا طبعها وتقديمها بلغة عربية حديثة وإدخالها في برامج التعليم، كما ينبغي عليهم أن يترجموا أمهات الكتب التنويرية الأوروبية ويدخلوها أيضاً في برامج التعليم.

ويكرّس الكاتب فصلاً للمفكر الإيراني داريوش شايغان الذي شخّص في كتبه (بالفرنسية) أزمة العالم الغربي وأزمة العالم الإسلامي؛ فرأى أن الغرب توصّل بعد مخاض طويل إلى روح التفحّص والغربلة النقدية اللتين أفرزتا العقلانية العلمية والمؤسسات الديمقراطية. ورأى مثلاً أن هذه المؤسسات أدت إلى حل مشاكل المجتمع عن طريق الحوار العقلاني لا عن طريق الضرب والحرب، وتجاوزت مقولة "إما قاتل أو مقتول"؛ وأفرزت الفلسفة الديمقراطية مبدأ التناوب السلمي على السلطة لا الاستئثار المؤبد بها. ورأى شايغان أن الحضارة الغربية استطاعت تجاوز الأصولية الدينية والاعتراف بمناقب كل شعب. فهذا غوته الذي تصدّى لهيمنة الثقافة الفرنسية على أوروبا يعود في أواخر حياته لينبذ التعصب القومي الشوفيني ضد الفرنسيين قائلاً: "كيف يمكن لشخص مثلي همه الوحيد هو التفريق بين الحضارة والبربرية أن أكره أمة تنتمي إلى أكثر الشعوب عظمة ورقياً على وجه الأرض؟ كيف يمكن أن أكره أمة أُدين لها بجزء كبير من تكويني الفكري والثقافي؟" (ورد في إحدى محاوراته مع بيتر ايكرمان بتاريخ 14 آذار/مارس 1830؛ راجع هاشم صالح ص 174).


وفي مسألة التسامح الديني، يعيدنا المؤلّف إلى كتب بيير بايل (1706-1647)، لا سيما "مرافعة من أجل الدفاع عن حقوق الضمير التائه" وبخاصة "القاموس التاريخي والنقدي"؛ كما يعيدنا إلى جون لوك (1704-1632)، وكتابيه "رسالة في التسامح" و"مقالة عن السلطة المدنية"، وكانت رداً على مجزرة سان بارتيليمي التي راح ضحيتها أكثر من ثلاثة آلاف بروتستانتي في باريس وحدها. وسابقاً سقط في حرب الثلاثين عاماً (1648-1618) ثلث سكان ألمانيا، وهي أيضاً حرب طائفية بين البروتستانت والكاثوليك. كانت المقولة اللاهوتية السائدة منذ قرون تقول: "خارج أحكام الكنيسة لا وجود لخلاصٍ"، وهي قريبة من مقولة "الفرقة الناجية" في الإسلام. ويرى صالح أن الكنيسة بعد المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني استعادت رونقها. وورد في البيان الختامي للمجمع "إننا نحترم الإسلام والمسلمين ونقدّر إيمانهم بالله واليوم الآخر ونريد أن نطوي الصفحة السوداء معهم نهائياً". واعتذر البابا يوحنا بولس الثاني عام 1992 عن محاكمة غاليليو، واعتذر عام 1997 عن مجزرة سان بارتيليمي، وفي هذه الأجواء الانفتاحية تلاشت حدة الطائفية في أوروبا.


في ضوء التطورات التنويرية الكبرى التي وسّعت آفاق التسامح في أوروبا، يتوقف هاشم صالح عند آفاق الحداثة الفكرية في العالم العربي والإسلامي: "آن الأوان لكي نفرّق بين جوهر الدين وبين قشوره... لن تصلح أمور دنياكم قبل أن تصلح أمور دينكم... متى سيتصالح الإسلام مع الفلسفة؟ متى سيتصالح مع الحداثة؟". ويهتف: "جوهر الدين هو حسن المعاملة ومكارم الأخلاق والباقي تفاصيل". ومع الثورة الفرنسية تم الفصل بين الشأن الديني والشأن الدنيوي، وشُطبت المشروعية الإلهية المعطاة لملوك فرنسا (الملك الشمس القائل أنا ظل الله على الأرض). إذن، كما يقول صالح، يجب الانتقال من فقه القرون الوسطى إلى فقه العصور الحديثة، وذلك بفتح باب الاجتهاد على مصراعيه والتخلص من فوضى الفتاوى العشوائية، كما يقول أركون. ويضيف بأن "لا مصالحة قبل المصارحة"، ويورد أمثلة: لقد اعترف "المؤرخون الجدد في إسرائيل وأصحاب الضمير الحي من اليهود" بالمجازر التي ارتكبت بحق الفلسطينيين وبالتهجير القسري. لقد غفر السود للبيض في جنوب أفريقيا بسبب الكاريزما التي تمتع بها نيلسون مانديلا. فهل ستحذو سورية المستقبل حذو مانديلا أم أنها ستستمر في تأليب النفوس على النفوس حتى لا يبقى حجر على حجر؟ يرى هاشم صالح، بتفائله، أنها "ستنبعث من تحت الأنقاض كطائر الفينيق، ولكن بصيغة أخرى. سوف تموت سورية لكي تحيا سورية، وسينتصر التنوير السوري على الظلامية وعلى استبداد النظام في آن معاً". ولن يتم ذلك إلا بعد تشكّل "عقد اجتماعي جديد" يضمن لكل السوريين التساوي في المواطنة وكافة الحقوق والواجبات على حد سواء.


لا يغيب عن صالح أن التنوع مع الوحدة جميل جداً، وكذلك الوحدة من خلال التنوع. ويتوقف عند المسألة الأمازيغية في شمال أفريقيا، والمسألة الكردية في سورية والعراق وتركيا وإيران. وينظر كذلك في مسألة المسيحيين العرب: "المسيحي السوري من العرب الأقحاح. وإسهام الكتاب المسيحيين من سوريين ولبنانيين وسواهم في خدمة العربية وآدابها عظيم ومهم جداً". وينادي بما يشبه "الحركة المسكونية (cuméniqueœ)" في الإسلام.

وفي القسم الأخير من الكتاب يتوقف الكاتب عند عبد الوهاب المؤدب، قطب التنوير العربي، الذي فكك بنية العنف الديني الغربي والشرقي ورأى أن العرب ساهموا مرتين في التنوير: إبان العصر الذهبي لبغداد وقرطبة، وإبان عصر النهضة في القرن التاسع عشر. كما يبرز إعجابه بالمفكر المغربي الفرنسي عبد النور بيدار الذي كتب "نحو إسلام يليق بعصرنا" (2004) و"إسلام بلا خضوع ولا خنوع: من أجل فلسفة وجودية إسلامية" (2008) و"رسالة مفتوحة إلى العالم الإسلامي" (2015) التي قرأها أكثر من ثلاثة ملايين قارئ على الإنترنت. وفي هذه الكتب يقول إن التدين الطغياني الدوغمائي الحرفي الشكلاني الفارغ أو المفرّغ من كل روح هو الذي يسود الآن في المجتمعات الإسلامية؛ وإن "لا إكراه في الدين" تحول إلى قسر وإكراه وقمع. فما العلاج إذن؟ـ بإصلاح نظام التعليم الديني للأطفال، والتركيز على حرية الضمير والمعتقد وعلى مبدأ الشفافية الديمقراطية، وعلى مبدأ التسامح والتعايش بين كافة العقائد والمذاهب، وعلى إلغاء التكفير، وعلى المساواة بين الجنسين.


ويكرس فصلاً مهماً عن الاستشراق عنوانه "ثناء على الاستشراق"، قاصداً الاستشراق الأكاديمي وليس الاستشراق المسيّس الذي ارتبط بالاستعمار إبان القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين. وهنا يتوقف عند كتاب إدوارد سعيد عن الاستشراق الذي استغله بعض الظلاميين العرب فشجبوا الاستشراق جملة وتفصيلاً، في حين أن سعيد نادى بجسر حضاري إنسانوي بين الغرب والعالم العربي. ويتوقف صالح عند ثلاث موجات من المستشرقين: تمثلت الأولى بسيلفستر دي ساسي وإدوارد ويليام لين ورينهارت دوزي وأغناطيوس كراشكوفسكي وتيودور نولدكه مؤلف السفر الشهير "تاريخ القرآن" الذي يعتبر ثورة كوبرنيكية في الدراسات القرآنية. وظهر في الموجة الثانية كارل بروكلمان الذي - بالإضافة إلى الأدب - اختص بتحقيق المخطوطات العربية الإسلامية والمسيحية واليهودية، وجورج غراف والباحث التركي فؤاد سيزكين وفون كريمر. ونضجت الموجة الثالثة على يد أغناسيوس غولدزيهر ولويس ماسينيون وجوزيف شاخت وهاميلتون جيب وغوستاف غرونباوم، وبجهودهم ظهرت الموسوعة الإسلامية بالإنكليزية والفرنسية (1942-1913)، وساهم فيها عدد من المستشرقين الشباب من أمثال مونتغمري وات وريجيس بلاشير وهنري كوربان وهنري لاوست وجاك بيرك وكلود كاهين ومكسيم رودنسون وبرنارد لويس. وظهر بعدهم جيل من المستشرقين المستعربين، بينهم جوزيف فان ايس، صاحب كتابي "علم الكلام" و"الإسلام"، وجاكلين شابي. والمعروف أن الاستشراق الأكاديمي ينجز أعمالاً جماعية مهمة كـ "الموسوعة الإسلامية" (الطبعة الثانية) و"الموسوعة القرآنية"، و"قاموس القرآن" بإشراف الباحث الإيراني الأصل محمد علي أمير معزي. هذا ليقول هشام صالح إن المستشرقين الأكاديميين قدموا للثقافة العربية والإسلامية خدمات جليلة يجب على العرب والمسلمين ألا يغمطوها حقها.

يختم صالح كتابه بالتوقف عند المفكر الديني واللاهوتي الكبير هانز كونغ الذي تتلمذ على يد جوزيف فان ايس، وهو صاحب كتاب "المسيحية وأديان العالم: الإسلام، البوذية، الهندوسية" (1986) وفيه يتكلم عن الإسلام بمودة صادقة ويعرب عن غيرته عليه بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول. ويبدي صالح إعجابه الشديد بكتاب كونغ الأخير "معركتي من أجل الحرية" (2006)، وهو سيرة فكرية ولاهوتية ذاتية دوَّنت التطورات الدينية الكبرى التي أعقبت المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني. وأسس كونغ "برلمان أديان العالم"، وهو صاحب الشعار الشهير: "لا سلام في العالم بدون سلام بين الأديان". ويا ليت هاشم صالح لم يغفل لاهوت التحرير في أميركا اللاتينية الذي كان هو أيضاً ثمرة من ثمرات هذا المجمع المسكوني المهم. وكونغ اعترف بضرورة تطبيق النقد الفلسفي على التراثات الدينية كلها وقال "المرور بالمرحلة التنويرية أنقذ المسيحية من التخبط والتكلس والجمود وصالحها مع الحداثة"؛ ذلك "أن التنوير الفلسفي هو العلاج الفعال لكل أنواع التعصب المذهبي أو الطائفي". فمن لديه أذنان تسمعان فليسمع.

يعتمد هاشم صالح في كتابه عن البراكين التراثية على المقارنة بين الشرق والغرب وبين الإسلام وباقي الأديان، لا سيما المسيحية. ويرى أن جذور التعصب الذي أبرزه داعش وشركاؤه، تضرب بعيداً في التراث العربي الإسلامي وتعود أساساً إلى انتصار الحنبلية والأشعرية على المعتزلة. ويرى أنه لن تقوم للعالم العربي قائمة إلا بتفكيك الانغلاق الديني والتسعير الطائفي. ولولا التكرار الذي اعتور الكتاب، لكان من أهم ما كتب عن هذه المسألة في العقد الحالي.

 

 "العرب والبراكين التراثية. هل من سبيل إلى إسلام الأنوار؟" بيروت، دار الطليعة، 2016.

 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.