}

مهرجان "فيدادوك": أفلام وورشة الوثائقي من الفكرة للكتابة

محمد بنعزيز محمد بنعزيز 2 يوليه 2019
سينما مهرجان "فيدادوك": أفلام وورشة الوثائقي من الفكرة للكتابة
جمال دلالي يتحدّث عن دور قناة "الجزيرة"
احتضنت مدينة أغادير ما بين 18 و22 يونيو 2019 الدورة 11 للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي (فيدادوك)، وقد برمجت الدورة 27 فيلماً، 17 فيلماً وثائقياً طويلاً و10 أفلام وثائقية قصيرة، كلها أفلام تمحورت حول موضوعة هذه الدورة وهي "الهويات الثقافية وتنوعها ومقاومتها".
ومن أبرز الأفلام التي عرضت فيلم "أموسو" للمخرج نادر بوهموش (المغرب، قطر، 2019) الذي حصل على الجائزة الكبرى للمهرجان، ويعرض هذا الفيلم محنة قرى مغربية جنوبية مع شركة تستغل أكبر منجم للفضة في أفريقيا، شركة تغسل المعدن وتلوث المياه الجوفية بمنطقة إميضر في ورزازات، وتتسبب بأضرار رهيبة للبشر والطبيعة، وقد دفع العطش وظروف العمل السكان والعمال للاحتجاج ضد الشركة، فقمعتهم السلطات بل وشردت العمال الذين اعتصموا طويلاً بعين المكان.

كيف كان منتجع
شرم الشيخ وكيف أصبح؟
الفيلم الثاني هو "طريق الأحلام" للمخرجين المصري مروان عمارة والألمانية جوهانا دومكي (ألمانيا، مصر، 2018). ويحكي الفيلم قصة شرم الشيخ الذي اشتهر كمنتجع بتنظيم قمم السلام والمهرجانات، وكيف انطفأ بسبب الإرهاب في سيناء فصار منتجعاً شبحاً.
يرصد الفيلم الوثائقي حياة الهشاشة بعد تدهور السياحة في المنتجع الذي كان حسني مبارك

جعله في آخر عهده عاصمة لحكمه. يعتمد الفيلم مقاربة فردانية حميمية لتبعات ومضاعفات أزمة سياسية وأمنية تهز الشرق الأوسط، ولا يظهر الإرهاب في الشاشة، لكن نتحسس وندرك فداحة نتائجه التي دمرت حياة عمال يمثلون في الفيلم أدوارهم الحقيقية في الحياة. وقد عزل المخرج شخصياته في فضاء مقفر وغاص في أعماقها مما أعطى للوثائقي عمقاً تخييلياً درامياً.
عمال في منتجع سياحي يرهقهم التفكير في تعارض قناعاتهم الدينية مع اضطرارهم لخدمة سياح يشربون الويسكي... كل ما يفعله السياح هو خطأ بل حرام بالنسبة للعمال. في شرم الشيخ يتكرر اسم الله على الألسنة والسيارات والبنايات. عامل يحلم بأن يكون ممثلا لكن لن يسمح لأهله بأن يروه يشرب أو برفقة بنت. في حوارات العمال انفصام شخصية عميق، تشعل عاملة عاطلة سيجارة وتدعو بعمق "يا رب". عمال مشبعون بتفكير قدري، يتصرفون وفق ذهنية التحريم. هذه سمات تربة ملائمة للإرهاب.
هل هؤلاء العمال هم ضحايا فعلا؟ المنتجع صورة مصغرة للعالم العربي. منتجع أغنياء يخدمهم عمال فقراء بذهنية سلفية ترى حلم الجنة بديلا عن جحيم الواقع. بينما يأتي السياح ويذهبون يعيش عمال المنتجع اعتقالا جغرافيا، يعيشون إقامة قسرية بعيدا عن أسرهم فتتعمق معاناتهم.
يقارن العامل بين حياته وحياة السياح. للسائحة فرص عيش مختلفة حتى لو كانت مطلقة، بينما المصرية المطلقة تموت اجتماعيا، خاصة حين تقيم وحيدة في منتجع سياحي فتصير متهمة أخلاقيا.
عمال عاطلون يعيشون زمنا سياحيا ميتا في انتظار عودة السياح ليجلبوا الدولار. وتغير العملة الصعبة أجواء الشواطئ.

أريد أن أكون فنانة، ما الثمن؟
في فيلم المغربية لطيفة أحرار القصير "ثاربات نواظو" (بنت الريح) 2018، تحاول فتاة إثبات موهبتها ضمن فرقة موسيقية تقليدية كل أعضائها رجال. بعد أن يستمتع المتفرجون بالإيقاع وأداء الفتاة يلتفتون ليعلقوا على الفتاة "شيخة". وهذه صفة قدحية تعني راقصة محترفة في المغرب.
كم هو صعب أن تعلن فتاة في مغرب اليوم: أريد أن أكون فنانة.
تتضاعف هذه الصعوبة حين يجري الأمر في البادية. جاء اسم الفيلم من لقب الفتاة في قريتها.  ولقب الفتاة تلميح ساخر إلى عدم وضوح الاتجاه لدى شخص أي ريح عصفت تذهب به.
حصل "بنت الريح" على جائزة أفضل فيلم وثائقي قصير في "فيدادوك"، ورغم مشاكل

المونتاج خاصة في اللقطات التي تظهر فيها أم الفتاة فقد أوصل الفيلم فكرة حجم شغف الفتاة بالفن وحجم الصعوبات التي تعترضها. حين تدرك الفتاة مفارقات وضعها تبكي هي وأمها.
كل دعوة إلى مهرجان موسيقي هي بمثابة حافز للفتاة لتؤكد للساخرين منها أنها في الطريق الصحيح. والأهم أن الأجيال الجديدة المعتزة بالأمازيغية تنظر إلى رقصات "أحيدوس" كرافد ومكون لهوية وليس فقط كرقص وتسلية.


الخط التحريري للجزيرة الوثائقية
بموازاة الأفلام المبرمجة يعتبر مهرجان "فيدادوك" ورشة كبيرة لصناعة الفيلم الوثائقي، إذ ينظم المهرجان جلسات "خلية الفيلم الوثائقي" التي تساعد حملة مشاريع الأفلام الوثائقية على تطوير إبداعاتهم.
وقد بدأت الورشة بعرض موسع من تقديم جمال دلالي، تناول فيه دور القناة في تطوير صناعة الفيلم الوثائقي باعتبارها أول قناة عربية متخصصة في الوثائقي، وهي قناة تنتج ربع ما تبثه وتشتري حقوق 75% مما تبثه.

وأضاف المتحدث أن القناة تلقت 1400 مشروع في 2018 وتعاملت مع 268 إنتاجاً. وطلب دلالي من المشاركين في خلية الوثائقي أن يقترحوا مشاريع على القناة خلال دورتي مارس وأكتوبر من كل سنة. وأضاف أن أغلب اقتراحات المشاريع الوثائقية التي تتلقاها القناة تأتي من المغرب ومصر.
بعد ذلك شرح دلالي السياسة الثقافية للقناة وتحدث عن آفاق السنوات الخمس القادمة ومن مميزاتها:
ـ أولا، إنتاج ودعم فيلم وثائقي هدفه الرفع من قيمة الإنسان وثقافته.
ـ ثانيا، التركيز على علامات الهوية العربية؛ الهوية بمعنى الفضاء بتنويعاته وليس اللغة والعرق.
ـ ثالثا، دعم صناعة الفيلم الوثائقي العربي إنتاجا أو مساهمة في الإنتاج، مع التركيز على محاور التعريف بالعالم العربي من خلال محور "هذا أنا"، وذلك لتعزيز الانتماء. وقدم أمثلة لما

أنتجته القناة في هذا المحور وهو فيلم "المهدي المنجرة" من إخراج المغربي عز العرب العلوي.
ـ رابعا، السعي لزيادة نسبة مشاهدة الفيلم الوثائقي.
وقد كان حضور المسؤول في قناة الجزيرة الوثائقية إلى المهرجان فرصة للشباب الحاضرين ليشعروا بأنهم في قلب المشهد الوثائقي.


المخرجة أسماء المدير
ومراحل ورشة الوثائقي
بعد ذلك توالى على منصة العرض حملة المشاريع وهم يمرون بمحطات كثيرة هي:
أولا، إعلان إدارة المهرجان عن فتح باب الترشيحات، ثم تقديم المخرجين الشباب لمشاريعهم.
وبعد انتقاء أولي جاءت المرحلة الثانية، وفيها دُعي المقبولون لحضور المهرجان. وهنا يتتبع هذا المقال رحلة عينة محددة هي المخرجة المغربية الشابة أسماء المدير التي تم انتقاؤها وقد حضرت ورشة تقديم "البيتش" أي عرض الفكرة أمام لجنة تحكيم وأمام الجمهور.
ثالثا، في اليوم الموالي أجرت المخرجة مقابلات فردية مع خبراء في صناعة الفيلم الوثائقي لسنوات طويلة. يكون الخبراء قد درسوا المشروع وناقشوه وحضروا التقديم (البيتش). وفي كل جلسة يفكك الخبير مشروع الوثائقي المقدم لرصد مواقع الضعف فيه بهدف دفع المرشحة لتطوير وتجويد مشروعها. (التطوير أي طرح أسئلة لتحويل فكرة بسيطة وشخصيات أولية بسيطة ومعاينة أمكنة لتدقيقها لتصير واضحة للمتفرج. البحث عن مكان ملهم للتصوير. البحث عن شخصيات تتمتع بالتلقائية. شخصيات تنسى الكاميرا، شخصيات لديها قابلية وجاهزية للتعبير).
حضرت المناقشة الطويلة التي أجرتها أسماء مع الخبير البروكينابي ميشيل ك زونغو.
لماذا خبير؟ لأنه ممارس بجودة وكثافة. بدأ حياته الفنية كمدير تصوير وصور خمسة عشر

فيلما سينمائيا. كما أخرج سبعة أفلام وأنتج خمسة. وفي حديثه عرّف الفيلم الوثائقي بأنه ليس هو تصوير الأشخاص بل هو تصوير العلاقات بين الشخصيات. بعرضه لشكل تلك العلاقة يدفع المخرجُ المتفرجَ للتعاطف مع شخصياته.
كانت المخرجة تجيب عن أسئلة الخبير وتسجل الملاحظات وقد استنتجتْ من مشروعها: مرة يقودك الموضوع للشخصية وأحيانا العكس.
رابعا، انتقاء ثان للمشاركة في ورشات كتابة وتطوير في إقامة كتابة، إقامة لأسبوع لتطوير شخصيات الوثائقي وتأكيد مدى حضور المخرجة في الفيلم من خلال إجابتها عن السؤال: أين أنتِ في هذا الفيلم؟
خامسا، التواصل مع المنتجين في المهرجانات والصناديق المختصة بحثا عن التمويل.
بفضل مثل هذه الورشات البيداغوجية يحصل المخرج المغربي على فرصة أفضل حين ينخرط في دورة المهرجانات الغربية التي تملك بنية تحتية هائلة للتكوين.

نقاط ضعف المشاريع التي
تقدم لقناة الجزيرة الوثائقية
بعد الورشة والمداخلة شارك جمال دلالي في محاورات جانبية للرد على أسئلة المهتمين، وقد سألته: ما هي أهم نقاط ضعف المشاريع التي تقدم لقناة الجزيرة الوثائقية؟
أجاب:
1- كتابة المشاريع لا يتم فيها استنفاد الجهد الكافي للبحث والتقصي لتصير المشاريع قابلة للتسويق.
2- كتابة غير ملمة كفاية بالموضوع.
3- كتابة غير مدعومة بالصور مما يفقد المشروع نقطة قوة؛ الفيلم هو صور أولا.
4- مواضيع موغلة في محلية مغلقة غير ملائمة، لأن الخط التحريري لقناة الجزيرة الوثائقية يركز على مشاريع ذات بعد إنساني، على حكاية الإنسان في تقاليده ونمط عيشه وما يتصل به من فنون وثقافة.
5- تكمن نقطة الضعف الأساسية في الكتابة؛ الكتابة تمرس ناتج عن تمرين طويل.

*****

لقد حقق "فيدادوك" تطورا كبيرا في دورته الحادية عشرة، فهو مهرجان يطور مشتل مشاريع تفتح للمشاركين نوافذ على مهرجانات أخرى ويستدعي خبراء من طراز رفيع للمحاضرة والتكوين ومناقشة عشاق الفيلم الوثائقي، والمناقشات تضيء المشاريع. والنتيجة هي أن من يحضر يشعر بمدى كثافة المحتوى السينمائي في هذا الموعد الثقافي.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.