}

بينالي القاهرة الدولي للفنون: عودة "نحو الشرق"

وائل سعيد 29 يونيو 2019
تشكيل بينالي القاهرة الدولي للفنون: عودة "نحو الشرق"
فلسطين... للفنان حازم حرب
توقفت العديد من الفعاليات الثقافية في مصر عقب ثورة 25 يناير، وقد يكون ذلك جراء ربكة الحدث وتوابعه، ثم ما آلت إليه الأوضاع الأمنية المصرية أو الاقتصادية على مدار السنوات الماضية منذ 2011، ولما بات دوام الحال من المحال كما يُقال كان لزاماً عودة هذه النشاطات من جديد ولو من وقت لآخر.
هكذا بدا عام 2019 عام العودة، حيث استأنفت بعض الفعاليات أنشطتها من جديد، مثل "مهرجان سينما الطفل" الذي توقف لأعوام وسينطلق في أغسطس المقبل، و"بينالي القاهرة الدولي" الذي يعود هذه الأيام بدورته الـ 13 بعد توقف شارف الثماني سنوات.
شارك في البينالي نحو 80 فناناً من أكثر من 50 دولة، فيما اختير الفنان الفرنسي جيرار جاروست كضيف شرف البينالي، وحصل الفنان البلجيكي يورس فان دو مورتل على الجائزة الكبرى للبينالي، والبالغة 15 ألف دولار، فيما ذهبت الجوائز الأخرى وقيمة كل منها نحو تسعة آلاف دولار، إلى صادق الفراجي من العراق، والأردني أيمن يسري، وبرجيت كوفانس من النمسا، وكيم هيتشيون من كوريا الجنوبية.

35 عاماً من عمر البينالي
تعني كلمة "بينالي"- Biennale بالإيطالية - "المعرض الدوري الذي يُقام كل عامين"، وانطلقت الدورة الأولى من بينالي القاهرة الدولي عام 1984 في عهد محمد عبدالحميد رضوان، وزير الثقافة وقتئذ، بتنظيم مشترك بين قطاع الفنون التشكيلية ووزارة الثقافة المصرية، وشارك فيه الفنانون على المستوى الدولي؛ بتوجيه الدعوات الرسمية من البينالي بالإضافة إلى الطلبات الواردة من الدول الراغبة في الاشتراك، ولا يحق للأفراد الاشتراك المباشر، واقتصرت الأعمال المشاركة على النحت والجرافيك والتصوير بإجمالي 128 فنانا من 12 دولة وحصدت مصر ثلاثة مراكز في الجوائز حينذاك.
فيما أُغلقت الدورة الأخيرة قبل الانقطاع بمشاركة 90 فناناً من 48 دولة بتاريخ

12/12/2010، وحصدت مصر الجائزة الكبرى للبينالي في التصوير.
تعود فكرة تأسيس البينالي لوزير الثقافة المصري الأسبق فاروق حسني والذي حضر حفل الافتتاح بصحبة وزيرة الثقافة الحالية وعمرو موسى وزير الخارجية الأسبق، بعد أن أثار الجدل على خلفية الدعاية التي يروجها حسني من فترة عن التدشين المُرتقب لـ "مؤسسة فاروق حسني للثقافة والفنون" والتي سيكون مقرها في حي الزمالك - نفس مكان مكتب وزير الثقافة- وستعنى هذه المؤسسة بكافة أنواع الفنون وعلى رأسها الفنون التشكيلية بالطبع - منطقة لعب الوزير- كما سيضم المقر متحفا يحتوي على مقتنيات حسني من لوحات أو أثريات.

"نحو الشرق"
تستمر فعاليات البينالي الذي يقام تحت عنوان "نحو الشرق" من العاشر من يونيو/ حزيران الجاري حتى العاشر من أغسطس/ آب على مدار شهرين، لتستضيف قاعات قصر الفنون ومتحف الفن الحديث بساحة الأوبرا ومجمع الفنون (قصر عائشة فهمي) بحي الزمالك، جمهور البينالي من التاسعة صباحا وحتى العاشرة مساءً، وهي فترة طويلة جدا لفعالية ثقافية، إلا أنه ما تزال إشكالية الجمهور تسيطر على الثقافة والفنون المصرية من حيث اقتصار جمهور الفن من النخبة على أهل ممارسيه أنفسهم والقليل من المتخصصين والمعنيين بالموضوع أو العاملين بالحقل الثقافي، ولم يسلم من هذه المشكلة سوى الفن السابع؛ حيث اتسعت رقعة جمهوره لتمثل طبقات المجتمع المختلفة، وما بالك والأمر هنا يدور حول الفن التشكيلي.
أما عن موضوع "نحو الشرق"؛ فيعود إيهاب اللبان قوميسير البينالي لما قبل 25 يناير 2011 قائلاً: نحن ندرك أنه في السنوات العشر الأخيرة أصبح الشرق محور اهتمام العالم بأكمله بما فيه من تطورات، لذلك يتم النظر إلى الشرق بكل إيجابيته وسلبياته، ومن هنا جاءت الفكرة، لأن الفنون خلال هذه السنوات بدأت تأخذ اتجاها سياسيا بشكل واضح. وشدّد على أن "المطلوب في التعاطي مع موضوع الشرق أن نبتعد قليلاً عن الوجهة السياسية الضيقة، ونركز على الشرق الذي احتضن مجموعة من الحضارات لاستعادة الولع والشغف به من جديد".
كان من المقرر إطلاق الدورة في شهر أبريل/نيسان الماضي إلا أنها تأجلت للشهر الجاري بسبب فترة رمضان والأعياد، وقد يسرت وزيرة الثقافة الميزانية اللازمة لتسهيل كافة إجراءات البينالي، الذي شارك فيه 80 فنانا من 50 دولة، ولكن مفهوم كلمة البينالي حول "نحو

الشرق" لا تخرج عن الكلمات الافتتاحية للبروتوكولات الدولية في حقيقة الأمر؛ لا سيما وقد ابتعدت معظم التجارب المقدمة في البينالي عن مفهوم الشرق أو غيره، وتبنت في غالبيتها قضية الإنسان الوجودية في العموم.

في ذكر الحالة التشكيلية
لم أجد قاسماً مشتركاً بين الأعمال المعروضة في البينالي سوى ضدية الفن التشكيلي إذا جاز التعبير؛ فالمتلقي الآمن المعتاد على اللوحات التشكيلية - حتى وإن كانت تجريبية وغير مفهومة- لن يعثر على ضالته القديمة في تجوال المعارض؛ فقد تخطى الموضوع الآن فكرة حدود فضاء اللوحة وطفق يخسف من أوراق الفنون ليُداري نمطيته وتكراره ولغتة المطمئنة، ولذلك فالضدية هنا ليست للفن التشكيلي أو مفهومة ولكنها ضد اللغة المعتادة والمفردات المكرورة، واعتمدت معظم التجارب المقدمة في المعرض على ثيمة التعشيق والتناص بين كافة الفنون البصرية، بما فيها الأداء الحركي البشري أيضا.

ألمانيا وتشكيل في الفراغ:
جوليا نوينهاوزن واستريد مينتسه
تكررت كلمة الشارع في بطاقة التعارف مع هذا العمل، الذي يمكن أن نطلق عليه "كل شيء"؛ كل شيء في هذا الشارع بدلالته المختلفة من مفردات معيشية يومية تتناثر حول الفنانتين على شكل قوس يرتكز على الحائط الفارغ، تلتقطان بعض الأشياء من على الأرض في بطء تمثيلي لتقوم بتثبيتها على الحائط، وهكذا، تعاودان الاختيار والمفاضلة - أحيانا- من القطع المتناثرة وترفعانها الي الحائط بالمسمار والشاكوش.
هل يوجد شارع لا يحتوي على مهملات؟ المثير في العمل أن جميع القطع المشكلة لهذا الزحام يُطلق عليها "روبابيكيا"، مستعملة ولم تعد صالحة للاستخدام، ويمكن قراءة الحالة الحركية الرتيبة للفنانتين بجوار القطع المهملة على أنها تمثيل لشكل الحياة للإنسان المعاصر، الذي انشغل بالمفردات وسيطرت عليه المادة الميكانيكية.
وهنا ينتقل حيز الفن التشكيلي من حدوده المتعارف عليها - حتى وإن كانت مغايرة- لآفاق أكثر رحابة وأبعد أثراً أيضاً في لغة العمل المستخدمة؛ حيث يتجانس هنا المسرح أو الأداء الحركي في العموم مع التكوين الشكلي في الفراغ، لينتج عملاً جديداً يعتمد على لغة مختلفة تقوم على التجانس والتناص واستخدام أوجه عديدة للفنون في قالب مستقل.
وهي السمة العامة للبينالي برغم اختلاف الأفكار والمواد والاستخدمات المتعددة للغة الجديدة، إلا أنها تعتمد على هذا التجانس وتستعير آلياتها الجديدة لتشكلها منمنمات أو تكوينات داخل اللوحة الكلية للعمل الفني؛ فضاء اللوحة هنا بات كمنهجية نهائية في العمل تقول إن الذي هنا فن تشكيلي رغم استعانته بفنون أخرى، وكأن النوع الفني يأبى أن ينسحب البساط كليا من تحت قدمه!

تكوين حركي صوتي: يوهانس فوجل
من ألمانيا أيضا يُقدم فوجل رؤيته للحياة العصرية عبر استخدام مائدة خشبية فقيرة ترتص عليها مجموعة من الأطباق الصينية ومثبت عليها أباجورة أفقية تخرج من قاعدتها أذرع أخطبوطية من السلك تنتهي بشوك مثبتة على أطرافها تدور فوق الأطباق ببطء وتصدر صريرها المسبب للقشعريرة بالاحتكاك مع أسطح الخزف.   

فلسطين وتكوين في الفراغ "كولاج": حازم حرب
تناولت جميع الفنون القضية الفلسطينية بشتى الطرق، على المستويين المحلي والدولي، وتأرجحت الأعمال بين المباشرة والرمزية وما إلى ذلك. ولعل المباشرة الطفولية التي يُقدمها عمل الفنان الفلسطيني حازم حرب هي الدافع الأساسي للشعور بجمال التكوين المُشترك مع التصوير الفوتوغرافي.
صورة كبيرة وقديمة للقدس والمدينة ما زالت حوله كما هي بمبانيها التاريخية وأشجارها دون لمسة اليد الاستعمارية الباطشة وقبل الاستيطان، يخترقها في المنتصف هرم ثنائي مبني على الأرض يُشبه كتل المعسكرات؛ مما يشير بشكل مباشر إلى ما آلت إليه القدس بعد الانتهاك الصهيوني، في محاولة للحفاظ على الذاكرة الفلسطينية أمام التشويه الجاري.

العراق وفيديو صادق الفراجي
يستخدم الفراجي الفيديو كوسيط لعمله، مقتطعا جزءاً أمامياً من قارب يسير ببطء نسبيا في مياه راكدة بمناطق كالملاحات في الإسكندرية؛ حيث تُشكل الحشائش والأشجار القصيرة شوارع ضيقة وممرات في المياة، والأبيض والأسود يلعبان دورا هاما في إضفاء حالة الضبابية على المشهد؛ فلم يستعن الفنان حتى تكتمل الحالة "الكافكاوية السيزيفية" في المشهد؛ حيث الرحلة على هذا القارب ببطء لا تنتهي ولا تبدأ من جديد؛ تسير فقط إلى ما لا نهاية.

الأردن وتكوين حركي صوتي: أيمن يسري

أيمن يسري 

يُقدم أيمن يسري متاهة رقمية تتسق مع الزمن السائل المعاصر، ترتص شاشات LCD بجوار بعضها داخل خندق حلزوني على شكل U تستطيع الدخول من بدايته والخروج في النهاية

ورأسك تلف والدنيا من حولك، ويحتمل جداً أن تفقد توازنك وترغب في الجلوس؛ حيث تعرض الشاشات صوراً عشوائية ومتكررة ومتلاحقة السرعة، لأشخاص وجبال ووديان ولغات غير مفهومة والكثير من الحروف والكلمات، يُصاحب ذلك صوت معدني يشبه الأزيز.

بريطانيا وفيديو ناتاليا مالي
تبحث ناتاليا عن عالم تشكيلي أو فضاء تشكيلي متحرك، مبتعدة عن اللون والظلال وأبعاد ونسب اللوحة العادية، لتُقدم نسبا وأبعادا وظلالا وألوانا مختلفة، من خلال ثلاثة مشاهد في سيناريو العمل الذي تقوم بالأداء الحركي فيه؛ داخل حجرة قديمة جدا عتيقة ورثة الجدران، تحاول في المشهد الأول الصعود فوق بيانو عن طريق سلم خشبي صغير، وفي المشهد الثاني تجلس على الكرسي الوحيد في الحجرة وفي يدها إبريق ماء تغسل منه شعرها، وفي المشهد الأخير ترتدي قناعاً أبيض فوق وجهها وتدور حول الكرسي ممسكة بيدها منخولاً ترش منه الدقيق أو التعويذة التي نجهلها.
يمكن للمتلقي تأويل هذه المشاهد بشتى الطرق والمفاهيم، فإذا قمنا بتقسيمها إلى ثلاثة مستويات (المحاولة؛ التحضير؛ التعويذة) قد تكون هي الحياة، هي الفكرة، هي العمل الفني نفسه ومحاولة استحضارة والاستعداد له بالاغتسال ثم الاستعانة بالتعاويذ والغيبيات المتمثلة في مرحلة الرش الأخيرة، خاصة وهي من وقت لآخر تنظر باتجاه الكاميرا بشكل مباشر حتى النهاية.
يُعرّف معجم المعاني "التناص" على أنه مصطلح نقدي يُقصد به وجود تشابه بين نص وآخر أو بين عدة نصوص، فيما ترى بعض النظريات الأدبية الحديثة أن التناص أو التناصصية يمكن إيجاده في كل النصوص؛ حيث كل رواية أو قصة أو مسرحية أو حتى قصيدة قائمة على مثيل لها بوعي أو بلا وعي، وقيل قديما إن الفن تراكمي كما المعرفة تقريبا.
وحين نتأمل ما استطاعته السينما من إدماج أكثر من فن وصهر مجموعة أدوات مختلفة داخل المشهد، تتضح لنا أهمية فكرة التناصصية في التعامل مع تأويل وتلقي العمل الفني - في العموم- في ظل التقدم التكنولوجي وهيمنة السوشيال ميديا على الذوق العام، ومن هنا ينفتح أفق جديد في التعامل مع الفن، والتجربة التشكيلية في بينالي القاهرة خير مثال على ذلك، حيث تبتعد المسميات ومن ثم الحدود المتعارف عليها بين أنواع الفنون، ولا يوجد في الصدارة سوى مدى قوة ورهافة الحالة الفنية فحسب!

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.