}

"هموم الهوية" بعيون فنانين فلسطينيين

تغريد عبد العال 14 مايو 2019
استضافت دار النمر ومؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت الفنانين نبيل عناني وسليمان منصور وتيسير بركات وفيرا تماري ضمن ندوة ومعرض جماعي بعنوان "هموم الهوية". ويعتبر هؤلاء الفنانون الأربعة من مؤسسي حركة الفن الحديث في فلسطين وأعضاء في رابطة الفنانين الفلسطينيين.
كان الفنانون الأربعة قد أسسوا في خضم أحداث الانتفاضة الأولى مجموعة (نحو التجريب والإبداع) بصفتها إطاراً يجمع بين فنانين منغمسين بصورة كلية في ممارسة فنية تطمح إلى تعبير جماعي عن تطلّعات الشّعب الفلسطيني في التّحرر من الاحتلال، بحيث قدمت أعمالهم الجديدة مع احتفاظ كل منهم بأسلوبه الخاص، هامشاً لمزيد من مساحات التجريب والإبداع، وذلك باستخدام مواد خام من البيئة الفلسطينية.
و"هموم  الهوية"، وهو أول معرض فني لهؤلاء الفنانين في بيروت، كان أول معرض جماعي في القدس سنة 1989 والذي استوحى فكرة الدولة الفلسطينية الحرة والمستقلة. وجالت معارض مجموعة (نحو التجريب والإبداع) في الأردن وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة.
أبدع الفنانون الأربعة طرقا وأدوات جديدة لاستمرار إنتاجهم الفني وتكريس التزامهم الوطني، كحال أبناء شعبهم الذين ابتكروا طرقا جديدة للصمود ومقارعة المحتل في اقتصاده. فقد لجأ الناس الى حدائقهم ليزرعوا البندورة والخيار وغيرهما بينما ذهب عناني إلى الجلود والأصباغ مثل الشاي والقهوة والحنة، في حين انصرف منصور إلى العمل بالطين مضيفا له التبن كي
يزيده قوة وتماسكا، واختار بركات الخشب والنار مادتين جديدتين لأعماله الفنية، وتميزت تماري بالعمل بالطين.
يقدم نبيل عناني المولود في عام 1943، وهو مؤسس  رئيسي للفن الحديث في فلسطين، اقتراحا جديدا  لمعنى الهوية. في أحد أعماله المعروضة (بلا عنوان) تظهر الأرض كلوحة جغرافية يزينها الشجر، ويتميز عناني في رسمه للأرض كرمز للهوية، فيذهب بعيدا في رسم تضاريسها وتعاريجها. ويحضر أيضا الناس كأجزاء صغيرة من الأرض، بينما يطغى اللون البني على اللوحة كدلالة على التراب، والأخضر كرمز للطبيعة. وتحضر العائلة الفلسطينية أيضا كرمز للتماسك في وجه الاحتلال، وتلبس المرأة زيا فلسطينيا، بينما يلبس الرجل (الحطة) على رأسه، وهنا إشارة للتمسك بالتراث كمقاومة. لا يبتعد الفنان كثيرا عن الجغرافيا والطبيعة، فهي ملعبه الرئيسي.
أما سليمان منصور (1947) الذي يعتبر اسما مهما ومميزا في الفن الفلسطيني، فقد أثبت مكانته بصفته فنانا ملتزما يقدم تعبيرا بصريا عن الهوية الفلسطينية. وتجتمع عدة عناصر بصرية في أعمال منصور منها شجرة البرتقال وشجرة الزيتون، والتطريز التقليدي الفلسطيني، والحياة القروية، وصورة المرأة الفلسطينية كأم لفلسطين.
في إحدى لوحاته المعروضة (بلا عنوان) تظهر امرأتان تنظران إلى المكان الواسع حولهما، وهو مكان فلسطيني بتضاريسه ومعالمه، وهنا يتمسك سليمان بالمكان ويعطيه بعدا رمزيا للهوية، كما في لوحة أخرى، حيث يرسم القدس من منظار بعيد وفي مقدمة اللوحة يظهر رجل وحيد على حصان كإشارة للمقاومة على أنها الطريق الوحيد إلى المكان والهدف.
وفي لوحات تيسير بركات (1959) أحد أهم الفنانين الفلسطينيين، نرى كيف يستلهم البيئة التي يعيش فيها، ويعكس الموضوعات التي يختارها والوسائل المتنوعة التي يستخدمها في أعماله ومنها الخشب والمعدن والزجاج.  ويستلهم بركات أعماله من الماضي القديم والتراث الشفهي والسرديات الثقافية ذات الارتباط الحميم بالحياة في فلسطين.
ففي لوحة له معروضة في المعرض تجنح شخصياتها نحو التجريد بعنوان (الرحيل ليلا)، يصور بركات الهوية من زاوية المعاناة الإنسانية والتراجيديا البشرية، فالألم الإنساني في سبيل التحرر هو أحد أبعاد هذه الهوية التي تقوم على التضحية والمقاومة والرفض. ورغم ذلك، يستخدم بركات الألوان الفاتحة كدلالة على الأمل والحب. وحين يلجأ إلى التجريد فهو يحاول أن يعطي الهوية بعدا آخر لاكتشافها والتحفيز على البحث عن معانيها.
أما الفنانة فيرا تماري التي ولدت في القدس عام 1945، وهي فنانة تشكيلية ومؤرخة في الفن
الإسلامي وعملت لأكثر من عقد أستاذة للفن الإسلامي والعمارة وتاريخ الفن في جامعة بير زيت، فهي تغامر في منطقة جديدة لتقدم فناً مختلفاً. وفي أحد أعمالها المعنون بـ(ملاذ)، ترسم فيرا تضاريس الجسد الانساني. وتبتعد الفنانة عن الرموز المتعارف عليها والتي ترتبط بالهوية، وتعطي اقتراحات جديدة للهوية من خلال أعمال تعكس رقصات إنسانية توحي برفضها للواقع وتجليها مع الألم. في معظم لوحاتها تنظر الفنانة إلى الداخل الإنساني كمكان له طقوسه وروحه التي يوثقها الاقتراب أكثر من يوميات الناس ومحاكاة أحلامهم ورسمها من جديد.
تختلف النظرة إلى الهوية بحسب الفنانين الأربعة، فمساءلتها والحفر داخلها والتجريب في ميدانها همهم الأساسي، وفي كل لوحة من لوحاتهم يبرز السؤال عن الهوية، وعن إمكانية اجتراح أمكنة أخرى مجهولة تعبر عن الانتماء إلى مكان محتل.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.