}

اليوبيل الفضي لمهرجان المسرح التجريبي المصري: رسالة سلام للعالم

وائل سعيد 9 سبتمبر 2018
مسرح اليوبيل الفضي لمهرجان المسرح التجريبي المصري: رسالة سلام للعالم
ملصق المهرجان

انطلقت الدورة الأولى لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر عام 1988 باقتراح من الوزير الأسبق فاروق حسني، ولم تكن كلمة المعاصر قد أضيفت له بعد، وأضافها لاحقا في إحدى الدورات رئيس المهرجان سامح مهران. ثم خرج المهرجان من التسابق إلى التنافس، فتم إلغاء القيمة المادية لجوائز المهرجان والاكتفاء فقط بالمراكز المعنوية والتقديرية. وبحسب تصريحات بعض المسرحيين القُدامى فإن فكرة المهرجان من البداية كانت مفاجأة للجميع، فقد وجدوا أنفسهم عقب تخرجهم في الثمانينيات أمام مهرجان دولي مرة واحدة.

كانت الساحة المسرحية المصرية والعربية ما زالت في مرحلة الحبو فيما يخص فكرة المهرجانات، حيث لم تكن هناك أية فعاليات تذكر اللهم سوى مهرجان قرطاج ومهرجان دمشق المسرحي، وفي مصر كانت تُقام عدة فعاليات بجانب المهرجان القومي، كعروض الثقافة الجماهيرية لمدة 100 يوم سنويا، والمهرجانات المحدودة للجامعات.

برزت فكرة المهرجان بهدف خلق حالة تواصل وتحقيق عمق دولي للمسرح المصري والعربي، وكان لا بد أن يمر بالكثير من المحطات المختلفة خلال ما يقترب من ثلاثة عقود، كما تم وقفه لمدة خمس سنوات عقب ثورة 25 يناير المصرية في 2011 وحتى عام 2016، لتأتي الدورة الخامسة والعشرون في العاشر من سبتمبر/ أيلول الجاري بوصول المهرجان إلى اليوبيل الفضي، ولذا فقد أولت إدارة المهرجان اهتماما لخروج هذه الدورة- "دورة اليوبيل الفضي"- بشكل مختلف عما سبقها، وبكرنفال احتفالي بدأ قبل موعد المهرجان الرسمي بشهر تقريبا.

برنامج ذاكرة المهرجان: عروض مُسجلة وندوات

استقبلت سينما الهناجر بدار الأوبرا المصرية بداية الاحتفالية، وبتعاون متبادل بين إدارة المهرجان مع صندوق التنمية الثقافية، وفي الخامس من أغسطس/ آب بدأت عروض مسائية لمسرحيات مُسجلة تم اختيارها من عروض أرشيف المهرجان، وذلك يومي الأحد والأربعاء من كل أسبوع، وعلى مدار ثلاثة أسابيع على أن تعقب هذه العروض عدة ندوات حوارية.

فلسفات الجسد في المسرح المعاصر

حول الفلسفة الجديدة للجسد داخل مفاهيم المسرح المعاصر، دارت أولى الندوات الفكرية للمهرجان. ولا شك في أن الموضوعات المطروحة للنقاش تصب في مصلحة المسرح في العموم وتدعو لتعامل مختلف مع معطيات العصر الحديث -الإيديولوجية- وعلاقتها بالمنهج التجريبي في الإبداع، وكلها إشكاليات مسرحية وفنية شائكة.

وكان من البديهي أن تقتصر تلك الندوات على المتخصصين والمسرحيين- على المستوى الأكاديمي والفني- ومن ثم فليس هناك مكان للمتلقي العادي، بداية من التوجه التجريبي للمهرجان والذي يقدم آلية غير مألوفة للوعي الجمعي عن المسرح.

ولذلك يتبارى المتبارون من متخصصي المسرح في ثلاثة محاور رئيسية لمناقشة فلسفة الجسد: الجسد بين الممثل والمتفرج، الجسد كساحة صراع إيديولوجي، الجسد في المسرح بين المنظور الأخلاقي والاجتماعي..

من خلال عدة وجهات نظر تُعلي إحداها من "هيمنة الجسد الأدائي على العملية المسرحية"، وتتحدث أخرى عن نظريات "الأجساد المتعارضة" فيما ترصد ثالثة واقع "الجسد في مسرح ما بعد الاستعمار"، تتشكل مادة مرجعية لباحثي المسرح، خاصة وأن الرقعة الحوارية اتسعت فشملت عدة أسماء مسرحية عالمية لامعة اشتركت في هذه الندوات.

وهذا الأمر أعرب عنه المخرج عصام السيد، المنسق العام للمهرجان، بالقول إن الإدارة حاولت في هذه الدورة استغلال اجتماع بعض من الأسماء المتميزة مسرحيا على مستوى العالم، من الصين وأميركا وفرنسا وبريطانيا وسويسرا وغيرها، وتواجدهم خلال فترة الـ 11 يوما للمهرجان ومن ثم استغلال فرصة الاحتكاك بينهم وبين شباب المسرحيين المصريين؛ خاصة وأن الأوضاع الاقتصادية والسياسية في مصر لا تمكنهم من تفعيل دور البعثات الخارجية للمسرحيين.

وناقشت ندوة "المسرح تحت دوي القنابل" واقع المنطقة العربية وحالة الحروب التي تعيشها منذ عقود؛ ما هو "دور المسرح في أوقات الحروب"، وهل توجد "تقنيات خاصة لكتابة الحروب"، وكيف يمكن "التجريب على مستوى الفضاء المسرحي وسط أنقاض الحرب"، وسط "معاناة المسرحيين من أجل صناعة المسرح في أوقات الحرب".

وبالإضافة إلى تخصيص أربعة عروض مسرحية عن الحروب من قبل إدارة المهرجان، ومع شعار الدورة "رسالة سلام"، توجهت إدارة المهرجان بـ "تقديم التحية إلى صناع المسرح، القادرين على المقاومة، المجربين من أجل تحويل مشهد الموت إلى حياة".  

ذكريات وأعذار

استشهدت كلمة التقديم لندوة اليوبيل الفضي للمهرجان بمقطع من مداخلة للمخرج المسرحي الأميركي ريتشارد شيكنر، ألقاها في افتتاح الدورة الـ 21 عام 2009: "إن التجريب الفني يتأسس على التجسيد، وتوظيف الرمز والاستعارة، واللعب على كل أوتار الخيال البشري. لكن لأي هدف؟ بهدف دفع الحدود مسافة أبعد، وتوسيع الآفاق، ومساءلة العقائد القائمة وتحديها، وخلق مجتمعات من الفنانين والجماهير، قد تكون مؤقتة لكنها قوية، ولإظهار كيف يمكن للناس العبور مرارًا وتكرارًا، جيئة وذهابًا، بين الفعلي والمتخيل إلى ما لا نهاية. إن الفنان التجريبي حين يحيا هذا العبور الدائم، ويظل دومًا يخترق الحدود ذهابًا وعودة، يستطيع حينئذ أن يسهم في خير الإنسانية وسعادتها".

ولهذا حرصت الإدارات المختلفة للمهرجان على جعل كل دورة بمثابة بيئة حاضنة لخلق تلك المجتمعات الفنية، وأن يتم ذلك على مستويين: المستوى الأول هو العروض المسرحية، والثاني هو اللقاءات الفكرية والورش. وبناء على هذا خصصت يومي الثالث والرابع من سبتمبر/ أيلول لمناقشة أربعة محاور هامة: مفاهيم التجريب والمعاصرة وانفتاح الأفق المسرحي، دور المهرجان في النهوض بالحركة المسرحية في مصر والوطن العربي.. في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني كان من المفترض أن يتم مناقشة: دور المهرجان في انفتاح الأفق المسرحي على المستوى الدولي، ودور الترجمات ومطبوعات المهرجان في المجال المسرحي.. لكن تم الاعتذار دون ابداء أسباب.

وقد ورد في كلمة الإعلان عن الاحتفال: "اليوم، بعد عودة المهرجان من جديد ليمارس دوره الحيوي في المنطقة والعالم، بجهود الدكتور سامح مهران، رئيس المهرجان، وإضافة لفظ المعاصر بجانب التجريبي، والذي من شأنه أن يفتح أفقًا أوسع ويُحدِث جدلًا أكبر ومناقشات جديدة، ندعوكم، ونحن نحتفل باليوبيل الفضي للمهرجان، للاحتفال معنا بحدث مسرحي أثرى وغيّر من شكل المسرح واتجاهاته بمصر والوطن العربي".

شعار الدورة: رسالة سلام للعالم

قام المهندس مصطفى عوض بتصميم البوستر الدعائي الرسمي لدورة اليوبيل الفضي للمهرجان، "والذي يعبر عن 25 محطة مضيئة في مسيرة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر.. من خلال مسار ضارب في عمق التاريخ أسفل التصميم تحده الكشافات المسرحية المضيئة من الجانبين وهي تسلط الضوء على طريق دورات المهرجان. ويغلب على التصميم اللون الفضي بوصفه اليوبيل الفضي للمهرجان، كما يظهر اللوجو هذا العام محاطاً بغصني زيتون للتأكيد على أن هذه الدورة بمثابة رسالة سلام من المهرجان إلى العالم"، وذلك بحسب تصريحات المركز الإعلامي للمهرجان، الذي تبدأ فعالياته الرسمية في العاشر من الشهر الجاري وتستمر حتى الواحد والعشرين من الشهر نفسه، على مدار 11 يوما من أجل التنافس بين 27 عرضا مسرحيا من إجمالي 160 عرضا تقدمت للمشاركة بالمهرجان قُسمت كما يلي: 10 عروض أجنبية تمثل 9 دول من أصل 36 دولة أجنبية؛ 11 عرضًا عربيًا تمثل 8 دول من أصل 15 دولة عربية، بالإضافة إلى ست عروض مسرحية مصرية، وفيلم تسجيلي عن تاريخ المهرجان وعروض الدورة الحالية.

شُكر وإهداء ودقيقة حداد

من المُتبع أن تُطلق المهرجانات مؤتمرات صحافية سابقة للفاعليات للإعلان عن تفاصيل الدورة الجديدة، الأمر الذي وضعته إدارة المهرجان في حسبانها؛ فمن الواضح من مؤتمر المهرجان الصحافي المنعقد بدار الاوبرا أن الإدارة تتلبس روح التجريب لأقصى حد - طالما المهرجان تجريبي- فجاء المؤتمر لا يحمل من التفاصيل شيء سوى التأكيد بشكل توثيقي عما تم بالفعل -طوال الشهر الماضي- من ورش ولقاءات فكرية سبقت المهرجان لكنه ضمن برنامج احتفالية هذه الدورة باليوبيل الفضي.

وقد بدأ المؤتمر الصحافي بالوقوف دقيقة حداد على أرواح شهداء محرقة قصر ثقافة بني سويف في ذكراها الـ 13 والتي راح ضحيتها ما يقُارب 50 شهيدا من المسرحيين والنقاد والصحافيين عام 2005 حين التهمت النيران المسرح أثناء العرض.

وأشارت الدكتور دينا أمين، المدير التنفيذي للمهرجان، إلى عدة تكريمات بدورة اليوبيل الفضي لمجموعة من المسرحيين والمبدعين من العرب والأجانب وهم الكاتب المسرحي الأميركي ديفيد هنري ونج، ومصممة الراقصات السنغالية جيرمين أكونجي، والناقد الألماني هانز تيس ليمان، والألمانية جابريل براند ستيتر أستاذة الرقص المعاصر، والسويسرية فلوريانا فراستو، والفنان عزت العلايلي، والدكتور ناجي شاكر أحد رواد مسرح العرائس. 

وتوجه سامح مهران، رئيس المهرجان، إلى وزارة الثقافة للمطالبة بتأسيس مركز إقليمي للمسرح في مصر بهدف خدمة الوطن العربي مسرحيا، مؤكدا على أن مصر مستمرة في استرداد قوتها الناعمة ثانية، ويكون دور المركز الإشراف على تنظيم الورش المسرحية بالتنسيق مع هيئات ومؤسسات المسرح العربية والعالمية على مدار العام.

كما يُهدي المهرجان الميدالية الفضية لبعض الأسماء من المشاركين في الدورات السابقة من سوريا والعراق والأردن والجزائر والبحرين والكويت وتونس والمغرب، ومن مصر.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.