}

"إبراهيم برغود":من المفرد إلى الجمع ومن المرآة إلى النزوح

أسعد عرابي 14 سبتمبر 2018
تشكيل "إبراهيم  برغود":من المفرد إلى الجمع
ومن المرآة إلى النزوح
لوحة للفنان إبراهيم برغود

الفنان السوري، إبراهيم برغود، من المواهب الشابة التي دفعها جحيم الحرب والقصف المستديم للنزوح من حلب إلى فيينا عام 2013، متوقفاً عن استكمال دراسته الفنية في كليتها الجامعية (منذ نهاية السنة التحصيلية الثانية)، هو بالتالي من مواليد أصالتها عام 1969 وموقع محترفه حتى انسلاخه عن أنقاضها وجثتها التنظيمية العريقة الهامدة.

سافر بحقيبة خاوية الوفاض إلا من مرض اسمه الحنين. يقع خلف اختياره على فيينا وطناً بديلاً عزاء ثرائها التشكيلي والموسيقي. ما أن عبرت به السنتان الأوليتان حتى أخذ يداهم وسطها الفني، وبعد أن انتهل زاده الاطلاعي من المتاحف وسواها، اقتحم مواقع العرض واثقاً من موهبته وفورة خصوبة إنتاجه، فكانت معارضه متعاقبة منذ 2015 (أبرزها الذي أقيم في المتحف). في النمسا وخارجها، مثل بروكسل ومدريد، ثم تسارع نشاطه مع نهاية العام 2017 حيث أقام معرضاً شخصياً في ميونخ، انضم اسمه ولوحاته في هذه المناسبة إلى كتاب شمولي يضمّ مئة وثلاثين فناناً عالمياً معروفاً، لعلّ أبرز ثمرات نجاح معرضه هذا دعوته للسفر والعرض في "مهرجان سيؤول الدولي" (كوريا الجنوبية).

يشارك مؤخراً في العام الراهن في معرض الفن العربي، اقتصر على 24 فناناً في صالة خاصة، في مدينة كولن الألمانية. ليكلّف بالإشراف على ورشة تصوير في نفس المدينة. قد يرجع حماس المدينتين (ميونخ وكولن) إلى أسلوبه المحتدم بسبب ذائقتهما التعبيرية الموروثة من مآسي حروبهما السابقة. قاد -من جديد - صدى معارضه الكثيفة إلى دعوته لمتحف البيرو (أميركا اللاتينية) خلال الأشهر القريبة القادمة.

لا يفوّت برغود إذن فرصة للعرض والشيوع والانتشار والإنصات إلى صوته اللوني والخطي المشبع حتى الثمالة بكوابيس الحرب الأهلية، هو ما يفسّر أيضاً إلى جانب شمولية لغته التعبيرية (خاصة في ألمانيا) شهرته السريعة نسبياً والتي أدت إلى خروجه من العزلة المضروبة عادة على الفنانين العرب حتى لو كانت إقامتهم وانصهارهم يبلغان عدة عقود، خاصة وأن مخالب الحصار اللوبي تبدو أبلغ شراسة مع السوريين (من النازحين الجدد)، ومع موضوع القيامة الشامية والتطهير العرقي للأطفال والنساء بأعداد مذهلة تصل إلى الملايين من نصف السكان، ناهيك عن ابتلاع شدق البحر الأبيض المتوسط للآلاف المحكومين مثل فناننا بالهجرة القسرية والنفي القدري عن مواطن الطفولة، هي الموضوعات التي تؤرق عوالمه المأزومة من تدمير المدن الموغلة في التاريخ الحضاري إلى المدافن والنعوش الجماعية لاغتيال المستضعفين من المدنيين خاصة جحافل الأطفال بعمر الزهور والفراشات والطيور.


من المرآة إلى الحرب الأهلية الجمعية

يسيطر على أسلوب برغود الشاب خطان متوازيان دون أدنى انفصام أو تناقض. لأنهما يعبّران عن تحوّله من المرآة الاغترابية والأنا العزلوية الهمودية (وجه بدون وجه محجّب بالألوان) يوغل في أدائها بالتدمير أكثر من إعادة البناء حتى يتحوّل الرأس إلى قناع ممحوق المعالم ممحي السمات، يعاني من تراكم إعدامات ملامحه، بما يذكّر بدرجة ما برؤوس المعتقلين والمحكومين بالإعدام لدى كل من نذير اسماعيل وجان فوتورييه، وبنسبة أقل خواء بعض وجوه المعلم فاتح المدرس، بحيث ينحت المادة الصباغية بصفعات متتالية، وبألوان عاصفة متسارعة الأداء. هذا هو الخط الأول الذي كان يمارس حساسيته المفردة على وجهه الذاتي في مرآة حلب. أما الخط الثاني، فتوالد من تجربة الحرب والنزوح والقصف والتدمير الممنهج للمدينة، وهجرة المكان الأول وذاكرته الألفية. يسيطر في الحالتين تدمير ونفي ومحق الدلالة البشرية المشخصة، حتى لتبدو حشود أقنعة النزوح استمراراً لقدرية ومأساوية الأولى. بما أنه درج على إنجاز وجوهه المفردة الأولى بنزق وسرعة عاصفة بعكس تكويناته البشرية التعددية في الحالة الثانية، فهو يعرض المرحلتين في نفس الوقت، بحيث تبدو قزمية الأولى أمام نهوض أجساد الثانية متباعدة ظاهرياً. يمنح هذا التجاور نوعاً من التنوع المتوحد الأسلوب، يقع ما بين "المفرد والجمع"، ما بين مرآة الأنا وقيامة الحرب بأعدادها السكانية الهائلة.

حشد من الأقنعة سليلة توحد القناع الأول يشاطر ما سبقه من طقوس عبثيّة تعربد بين سكرات الموت واحتضارات العيش المستحيل والتشبث بالحياة.

تمثّل هذه الثنائيات على تضاربها التعبيري، ديناميكية وحيوية تجربة برغود المتجددة في شتى تحولات وجوهها ومراسيها الأسلوبية الشابة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.