}

مُلتقيات الفوتوغرافيا 2018: الذاكرة في أزمنة العَمى

نجيب مبارك 25 مايو 2018
فوتوغراف مُلتقيات الفوتوغرافيا 2018: الذاكرة في أزمنة العَمى
صورة للفنان راوول كانييبانو

اختارت الجمعية المغربية للفنّ الفوتوغرافي أن تحتفل هذه السنة بالذّكرى الثلاثين لتأسيسها بتنظيم الدورة الثالثة لملتقيات الرباط للفوتوغرافيا، الّتي تحتضنها العاصمة المغربية من 10 إلى 30 مايو/أيار 2018. ضيف شرف هذه الدورة الفنان الفوتوغرافي الكوبي راوول كانييبانو، وتعرف مشاركة عدد هامّ من الفنانين المقيمين في المغرب أو الخارج، وهم من أجيال وتجارب وحساسيات مختلفة.

صور الذاكرات/ذاكرة الصور

التّيمة المختارة لهذه السنة هي "صور الذاكرات، ذاكرات الصور". وقد وقع الاختيار على 21 فنانّاً فوتوغرافيا، بعد إعلان طلب ترشيحات وفرزها، لكي يحتفوا بالذاكرة في جميع حالاتها ويكتشفوا نقاط التقاطع بين الشهادة الفوتوغرافية ووجوه الذاكرة المتعدّدة. كما أنّها تيمة ذات حمولة عاطفية ورمزية تشغل وتُسائل الجميع. وكما قال أمبرتو إيكو:" الذّاكرة هي فنّ الجمع بين الذكرى النسيان". وهو فنّ يقوم الفنانون بإعادة اكتشاف قنواته من خلال وسائط الفوتوغرافيا والفيديو، وذلك ذهاباً وإياباً في الاتجاهين، بين الماضي والحاضر (والمستقبل)، وبين صور الذاكرة وذكريات الصور.



ما يميّز تظاهرة هذا العام هو التنوّع الكبير في مقاربات وأساليب العديد من الفنانين الموهوبين، الّذين يعرضون أعمالهم في ثلاث صالات بالعاصمة، هي: رواق صندوق الإيداع والتدبير، رواق باب الرواح ورواق محمد الفاسي بمقرّ وزارة الثقافة. وهم ينحدرون من مناطق مختلفة من المغرب ومن الخارج، والبعض منهم معروف لدى الجمهور بينما البعض الآخر في بداية الطريق. شباب ويافعون يحاولون من خلال أعمالهم تقريب الجمهور الواسع من موضوع عميق جدّاً هو الذاكرة. كما تطمح هذه اللّقاءات إلى دعم المواهب الجديدة من خلال مراثون-الصور، الّذي ستُنمح في نهايته جوائز للفائزين، كما ستقام ثلاث أمسيات شعرية بالموازاة مع المعارض، فضلاً عن مائدة مستدية حول موضوع الذاكرة، بمشاركة متدخلين ومخرجين مثل سعد الشرايبي وعلي الصافي. ومن أجل تقييم الأعمال المعروضة، وكي يكون للمعارض نتائج بنّاءة، سيُطلب من كلّ فنّان فوتوغرافي أن يواجه الآراء والنظرات الخبيرة والمتفحّصة لعدد من النقاد والخبراء المغاربة والأجانب، خلال جلسات لقراءة الأعمال، في مقدمتهم الفنان الكوبي راوول كانييبانو.


ضيف شرف من كوبا

تحتفي الملتقيات هذه السنة بتجربة راوول كانييبانو، الّذي يحضر كضيف شرف، وهو فنان فوتوغرافي كوبي، ولد سنة 1961، يعيش ويشتغل في هافانا بكوبا. ويتميّز هذا الفنان بقدرته على التقاط أوضاع حالمة، سواء في الشارع أو القرى الكوبية، بحيث يصير الإنسان لوحده أيقونة. وتجربته ذات بعد صوفي في كثير من الأحيان، لا تقول كلّ شيء عن ماهيتها. ونطالع فيها نظرات وأشياء مشفّرة وغير قابلة للتفسير، مثل الأوشحة، الأقنعة، الخلفيات...وقد نال كانييبانو جوائز عدّة من مؤسسات وطنية كثيرة. وهو من أكثر فناني جيله تميّزاً وإبداعاً. أثار انتباه أليخاندرو كاستيوتي، وهو وكيل معارض وكاتب وأستاذ، بحيث ضمّه إلى أنتولوجيا الفوتوغرافيا اللّاتينو-أميركية "خرائط مفتوحة"، وهو كتاب مرجعي في الفن الفوتوغرافي، نُشر عالم 2003. كما أن كانييبانو واحد من من بين قلّة قليلة من الفنانين اللّاتينيين الّذين تضمّهم سلسلة الكتب "صور الجيب"، الّتي تصدر في إسبانيا. وتمنحنا فوتوغرافيات كانييبانو، حسب باتريس لوبون، ما تمنحه صور قليلة هنا والآن، بفضل اقتصاد مدهش في الأدوات. وفيها لا نعثر على أيّ توضيب بعديّ أو معالجة رقمية. إن الإضافات على الصور والرتوشات المنمقة لعدد كبير من الفنانين المعاصرين، الّذين يستفيدون من المساعدة الرقمية وبدائل أخرى للإبداع نفسه، قد يصابون بالصدمة أمام كانييبانو، معلّم الأسرار وسيّد الأورثودوكسية الفضّية. وبالرجوع إلى جذور هذه الفوتوغرافيا، بما تقوله لنا بكلّ بساطة، نجد أنّه ما يزال في جعبتها الكثير لتقوله وتبتكره مستقبلاً.


تجارب في عروض الديابوراما

يشارك في عروض الديابوراما (عروض الشرائح أو الأفلام الشفافة) أربعة فنانين، هم : داود أولاد السيد، ، فؤاد معزوز ، مصطفى رملي وباتريس لوبون. ومعروف أنّ داوود أولاد السيد هو في الأصل مخرج سينمائي راكم العديد من الأفلام والأعمال التلفزيونية، آخرها فيلم "كلام الصحراء" (2017)، لكنه بالموازاة مع عمله السينمائي لديه شغف قديم بالفوتوغرافيا، يعود إلى سنة 1989 حينما نشر ألبومه الأول "مغاربة" عند منشورات "كونتجور/بيلفيزي"، وفيه نجد تخليداً لبعض أساليب عيش المغاربة خلال سنوات الثمانينيات. ثم تلاه ألبوم "بجعد، فضاء وذاكرة" سنة 1996، ثمّ "أماكن اللحظة" عام 2000، الّذي نال به جائزة الأطلس الكبرى.

وتتضمّن أعمال أولاد السيد الفوتوغرافية جانباً سينمائياً يكتشفه المشاهد بسهولة إذا تخيّل الحكايات المختلفة للشخصيات التي المصوَّرة، وهو لا يخفي تأثّره الكبير بأعمال الفنان الفوتوغرافي الفرنسي الكبير هنري كاتري-بريسون، لأنّه يركّب صوره بعناية شديدة تمنح إحساساً دائماً بالحركة في جوّ شعري مليء بالإيحاءات.




وبالنسبة لمصطفى رملي، فإنّ الصورة يجب ألا تكون إعادة إنتاج للواقع، وإنّما إعادة بناء لشيء ما. وقبل ضغطة الزرّ الأخيرة، الّتي ليست سوى لحظة في الزمن، لا بدّ من تأمّل مُسبق، حيث يكون تدخّل الفوتوغرافي الّذي يضيف لمسته الفنّية وحساسيته، وهو ما يشبه عمل الإخراج، واختيار التقنية وفقاً للنتيجة المبتغاة. بينما يرى فؤاد معزوز أنّ أجمل الصور هي تلك الّتي يلتقطها في لحظات البراءة، أو "اللعب"، وأعماله تضع أمامنا تعريفاً جديداً للبراءة: براءة غير بعيدة عن علاقة لعُوب مع العالم، تلك الّتي تتشكّل من نظرة صافية ومتّقدة، مفعمة بالتناغم والإنصاف. وهي ليست براءة ضِحكة، ولكن براءة دمعة أكثر إدهاشاً من تلك الّتي تبدو معلّقة.

أمّا الفرنسي باتريس لوبون، مؤسّس ومدير مؤسسة "نيغبوس" في مدينة نيم الفرنسية، فهو كان قد أقام العديد من المعارض في باريس، ستراسبورغ، مارسيليا، نيم، مونبوليي، تولوز...وفي المغرب بالرباط والدار البيضاء، كما عرض في سانتياغو بتشيلي، وفي لندن وشنغهاي وهافانا. وقد زار المغرب لأوّل مرة عام 1988 وجمع من جولته صوراً فوتوغرافية كثيرة، بعضها من بين الأعمال المشاركة. يقول عن عرضه الحالي: "هذه الديابوراما هي مناسبة لي للعودة إلى مرحلتين، الأولى خاطفة حيث كانت ما تزال الفوتوغرافيا بالنسبة إلي ممارسة مرتبكة، بينما المرحلة الثانية طويلة، حيث تطوّر فيها التصميم مع الزمن بكثير من العمق".


التاريخ الشخصي والذاكرة البصرية

يرى جعفر عقيل، المدير الفني لهذه الملتقيات، أنّ المشاركين في العروض الفوتوغرافية لهذا العام، نجحوا في تمثّل جوانب عديدة من تجلّيات تيمة "صور الذاكريات، ذاكرات الصور". ويظهر ذلك في مقارباتهم للذاكرة الجمعية والفردية، أو ذاكرة الأمكنة والفضاءات، أو ذاكرة صورة/ صور الأفراد والجماعات...كما وفّقوا في جزء كبير من أعمالهم الفوتوغرافية في إعادة قراءة ذاكرة الذّات وذاكرات ذوات الآخرين ومنحوها حياة جديدة. ولهذا الغرض، قاموا بتوظيف لغة بصرية عميقة وغنيّة، لأنّهم متشبّعون بمرجعيات فكرية مختلفة، لا تهادن الواقع لكنّها تفطن إلى الرهانات التاريخية الحاضرة والاستعمالات والتقنيات المعاصرة.

إنّ هذه الأعمال تُحيي بداخلنا أسئلةً حول القيمة المضافة الّتي تقدّمها لنا ألبومات الصور، خصوصاً منها الألبوم العائلي، في فهم التاريخ الشخصي للذّات، في الحاضر أو في الماضي، وتمنعه من التلاشي والنسيان، وتمثّل هذا المنحى أعمال كلّ من: أمين أولمكي، عبد الرحمن دكان، التهامي بنكيران، وفيرونيك شانتو. ومن جهة أخرى، تثير بعض الأعمال الرغبة في العودة إلى الأرشيف البصري، في شقّيه الوطني والكولونيالي، قصد مساءلته ونقده ومحاورته بغرض التصالح مع الذاكرة الّتي يتمّ توظيفها كوثيقة بصرية لكتابة تاريخنا المعاصر (سلسلة صور فاطمة مزموز)، أو يُعاد النظر في ريبرتوار صور الفنان الفوتوغرافي نفسه من خلال تحديثها ومنحها شكلاً جديداً (فوتوغرافيات عبد الغني بيبط وابن الفاروق).

إنّ الرهان الأساس عند هؤلاء الفوتوغرافيين هو حثّ المُشاهد على مساءلة ذاكرته البصرية والتأمّل في فعل النّظر عنده في زمن يعجّ بالشّاشات وبانتشار العمَى. هكذا، اختارت تجارب أخرى تقديم عرض فوتوغرافي يحتفي بذاكرة الأمكنة والفضاءات، وهي ذات طابع مفرط في العصرنة أو في التهميش، حميميّة أو عمومية، طبيعية أو عمرانية، بطيئة الحركة أو سريعة النموّ، خالية من السكان أو مكتظّة بهم. وقد سار في هذا المنحى عدد من العارضين، وهو يشتركون في استعمال أسلوب التّضبيب تارة، وتوظيف الطباعة الفوقية، واللّعب بالإضاءة تارة أخرى. لكنهم يختلفون كثيراً في الرؤية وزوايا المعالجة وفي اقتراح الأساليب الفنية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.