}

مروان: يا سادة الغرب، أنا طفلٌ وفلسطيني

نجيب مبارك 7 أبريل 2018
 
"مروان" مغنّ ومؤلف كلمات وملحّن وشاعر إسباني شاب من أصل فلسطيني، نجح في أن يصير واحداً من الفنانين الموسيقيين الأكثر شهرة خلال العقد الأخير، ومن المدعوين باستمرار لإحياء حفلات في أعرق صالات إسبانيا، حيث يحضر جمهور غفير وتمتلئ القاعات عن آخرها في كلّ المدن التي يقدّم فيها عرضاً من عروضه الموسيقية أو الشعرية، بل يتضاعف عدد الحاضرين بشكل استعراضي حتّى في بعض مدن أميركا اللاتينية، رغم أنّه فنان مستقلّ، لم يتلقّ دعماً أو إعانة من أيّ دار من دور الإنتاج الموسيقي في مشواره الفني، ويعوّل فقط على المشافهة وشبكات التواصل الاجتماعي والعروض المباشرة. ورغم ذلك، منحته جمعية صالات العرض في مدريد "نوتشي إن بيبو" (ليلة المباشر) جائزة غويلي لسنة 2011، باعتباره أفضل مغن وملحن، وكذلك مُنح ميزة الشرف من جائزة إيميليو كاستلار. كما تمّ تعيينه "فنانا موسيقيّا من أجل السلام" من طرف البرلمان الأوروبي.

اختيار "موسيقى المؤلف"

اسمه الكامل "مروان أبو طاحون ريثيو"، لكنه اشتهر في الوسط الفني باسم "مروان" فقط. ولد في 5 مارس/ آذار 1979 بحي ألتوشي بمدريد، وهو ثمرة حبّ جمع بين أب عربي فلسطيني وأم إسبانية تنحدر من مدينة تقع وسط مقاطعة قشتالة وتحمل اسم"سُوريا"!  يحكي مروان كثيراً عن طفولة والده الشاقة بعد أن جرّد الاحتلال الإسرائيلي عائلته من الأرض عام 1948 وقذف بهم للعيش في غرفة واحدة تضمّ 12 فرداً. ثمّ، فيما بعد، بمساعدة من "الأونروا"، تمكن الأب من دخول المدرسة، وبعد مشاركته في حرب الستة أيام سنة 1967، قرّر طلب اللجوء إلى الخارج. فكانت وجهته مدريد في البداية لدراسة الطب، قبل أن يستقرّ بها ويتزوج من فتاة إسبانية. وتحضر مواضيع الأب والنفي والأجداد في كثير من أغاني مروان، لعلّ أجملها وأشهرها "أغنية إلى أبي"، التي يقول فيها: "عام 1950/  رأيتَ النّور على هذه الأرض/ حيث شبابٌ يرمون الظّلمَ بالحجارة/  كلَّ غروبِ شمس...حيث الأمّهات ينتظرنَ/  بصحنٍ على المائدة / بلا يقينٍ في عودة أطفالهنّ.. لتناول الطعام".

في سنّ الخامسة عشرة، اشترى مروان غيتارا ليتمرّن على الموسيقى مع أصدقائه في البيت. كان يقلّد في البداية أغاني سيرات، سيلفيو رودريغيز وسابين، قبل أن يتأثر بفناني جيل التسعينيات مثل اسماعيل سيرانو، والأوروغواياني خورخي دريكسلر وكذلك كارلوس شاون، وخلال هذه الفترة وقع اختياره على النهج الموسيقي الذي سيسير عليه مستقبلاً، وهو نوع فنّي يطلق عليه النقاد في إسبانيا اسم "موسيقى المؤلف"، تحظى فيه الكلمات والأداء بأهمية أكبر مع مصاحبة خفيفة من آلات موسيقية كالغيتار مثلاً، دون إغفال أنه تأثّر أيضاً بفنانين آخرين مثل: مانو تشاو، كلامارو، داميين ريثي، ناتش، غلين هانسارد، غيفان فيريرو، بيبي، إلخ. وقد راكم حتى الآن ستّ أسطوانات موسيقية، أهمّها: "البهلوان الجويّ" 2008، "الأشياء التي لم أستطع الردّ عليها" 2011، "ملاحظات حول مُروري بالشتاء" 2014، "مناظري الداخلية"  2017.

من "الغاضبين" إلى فلسطين

نقطة التحوّل الكبرى في مسيرة هذا الفنّان والشاعر الفلسطيني الأصل تزامنت مع بدء الاحتجاجات الاجتماعية المعروفة في إسبانيا باسم "الغاضبين" سنة 2011، وهي حركة مطالبة بإصلاحات سياسية واجتماعية في البلاد، حيث قدّم خلال تلك الفترة للجمهور فنّاً ملتزماً مختلفاً عن السائد لكنّه يعد بالكثير، خصوصاً مع تقديم ألبومه "الأشياء الّتي لم أستطع الردّ عليها"، وهو ألبوم تغلب عليه نبرة أقلّ تفاؤلاً من ألبومه السابق "البهلوان الجوي".  لقد كانت الأزمة الاقتصادية الّتي مرت بها إسبانيا والكثير من دول أوربا والعالم، وأخرجت الآلاف من "الغاضبين" إلى الشوارع في كل المدن، فألاً حسناً على هذا المغنّي الشاب، الّذي نجح في بلوغ شهرة واسعة في الوسط الموسيقي الإسباني "المثقّف" أو "النخبوي"، من دون أيّ نوع من الدعم أو الدعاية.

وبما أنّ مروان هو حصيلة تزاوج بين الثّقافتين الغربية والشرقية، فقد تنوّعت المواضيع الّتي يناقشها في أعماله، فهي تبدأ من القضايا العاطفية والاجتماعية، المقدّمة بصورة فنية جميلة، إلى القضايا السياسية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، الّتي شغلت مساحة كبيرة في أعماله. وبخصوص هذه القضية، قال ذات مرّة: "إنّ ما يحدث في فلسطين لا يدفع أبداً للتفاؤل، حيث يتواصل العنف والقصف والحصار وبناء الجدار العازل"، والحلّ لهذا الوضع، كما يراه، هو "فرض حظر اقتصادي على إسرائيل كما يحدث مع أيّ دولة تستعمل أسلحتها ضدّ المدنيين دون تمييز"، مشيراً إلى أنّ إسهامه في هذه القضية الآن يتمثّل في "نقل رسالة سلام مفادها أنّ الوحدة أفضل من التفرقة".

تحضر فلسطين في أعمال مروان بشكلٍ لافت، ولا ينكر في حواراته المختلفة تأثير مأساة تهجير والده من أرضه في فلسطين على تكوينه الشعري والموسيقي، وعلى اختياراته الجمالية في الفن والحياة، كما يعلن دائماً تضامنه بكلّ الوسائل الممكنة مع حق شعبه الفلسطيني في الحرية والكرامة. يقول في أغنية "أطفال الحجارة": "يا سادة الغرب/ أكتب إليكم من بعيد/ أنا طفلٌ وفلسطينيّ / لا أظن أنكم تتذكّرون ذلك / قبل نصف قرنٍ / سمَحتم أن تُقتلع أرضُ جدّي/ من أجل المال وحده.... بأرواحهم ذات البأسِ الشديد / لكي تتلقّى آلاف الضربات/ يسكنُ أطفال الحجارة في المتاريس/ مقاليعٌ تواجه المدافع/ التاريخ تغيّر/ داوود في الجانب الآخر/ الآن، صار قاتلاً / وهو يشير إلينا".

آخر حوار مع مروان

صدر مؤخراً لمروان ديوان شعري جديد بعنوان "حكايات حبّ لا تتوقّف"، وهو الثالث بعد كتابه الأول "كل عصوري القادمة معك" والثاني "القصّة الحزينة لجسمِك بقربي"، نجد فيه مواضيع عن العشق والهجران وكل المشاعر الّتي ينطوي عليها الحب. وكالعادة، تلقى كتبه الشعرية، مثل أغانيه، نجاحاً كبيراً لدى القراء، خصوصاً فئة الشباب. بل إنّها تتصدّر الأكثر مبيعاً في إسبانيا لأسابيع طويلة، متقدّماً على مبيعات أكبر الشعراء الإسبان المكرّسين، وقد تُرجم بعضٌ من كتبه سابقاً إلى الإيطالية والبرتغالية ولغات أخرى. وبمناسبة هذا الإصدار الجديد، أجرت صحيفة البايس الإسبانية لقاء معه، صدر ضمن العدد الأخير من الملحق الثقافي لهذا الأسبوع، نقدم في ما يلي ترجمته الكاملة:

*ما هي القراءات التي ألهمتك كتاب "حكايات حب لا تتوقّف"؟
تأثّرت كثيراً بأشعار بنجامين برادو في عمله "مدّ وجزر الإنسان" و"الآن ليس الوقت متأخراً"، وأشعار لويس غارثيا مونتيرو في كتابه "منظرٌ مرهق" و"المدينة" لكارميلو ثي. إريبارّين، وأعمال رودولفو سيرانو او باتانيا.

*من هم الشعراء الذين تأثّرت بهم في كتابة الشعر؟
بدأت مع ميغيل هيرنانديث، نيرودا، بينيديتي وغلوريا فويرتس. هؤلاء كانوا الأكثر تأثيراً علي من الناحية العاطفية. بعدها تنوعت قراءاتي وامتدّت إلى جيوكاندا بيلي، بيثينتي غاييغو، خوان بونيلا...وأكيد أنّني نسيت البعض الآخر.

*ما هو الشعر بالنسبة إليك؟
إن شئت، يمكن تعريفه في خمس صفحات على الأقلّ، لكن باختصار يمكن تعريفه بأنّه القدرة على الحديث عن أشياء عادية بطريقةٍ غير عادية.

* أنت أيضاً تغني وتؤلف كلمات الأغاني، كيف تجمع بين عالم الأغنية وعالم الشعر؟
إنهما يجتمعان بسهولة كبيرة. كانت لدي دائماً انشغالات شعرية. كنت أجد نفسي في الشعر أكثر مما أجدها في الموسيقى. هناك أشخاص لا يعرفون حتّى الآن أنني أغنّي. لكن هذين العالمين يتّحدان بشكل مثالي. في اللّقاءات الشعرية أغنّي، وفي الحفلات الموسيقية ألقي شعراً.

*كيف تواجه الورقة البيضاء؟
أواجهها برغبة في كتابة شيء ما. أحياناً أقرأ شيئاً يلهمني فأمسك القلم وتخرج القصيدة كاملة. وأحياناً أخرى أجلس فقط في وضع استعداد لأنّني أشعر بأنّ ثمة شيئاً ما سيحصل.

*ما رأيك في هذه الطفرة الّتي يعرفها شعر الشباب؟
إنّه شيء غريب. لقد فاجأنا ذلك جميعا بقوة. أن تجد أشخاصاً يهتمّون بقراءة شعراء محدّدين يمنحني شخصياً الكثير من البهجة والحب ويعينني على تطوير عملي في الكتابة.

*بدأت سابقاً مع الأغاني قبل أن تدخل عالم الشعر. كيف حدث ذلك؟
لقد بدأت مع الأغاني والشعر في نفس الوقت، سنة 1998، لكنني في الحقيقة تعاملت مع الأغاني بجدّية أكبر من الشعر.  كنت أظنّ أن قصائدي لم تكن موفقة تماماً في تلك الفترة. وخلال عشر سنوات بدأت أكتب بشكل مكثّف على مدونتي، أهتم كثيراً بالشعر، وأقرأ باهتمام أكبر...حينها طالبني البعض بأن أصدر كتاباً في عام 2008. وفعلاً، جمعت قصائدي واخترت منها عشرا فقط لتصدر في كتاب، عامين بعد ذلك. أنا ما زلت في البداية، لكني سأتطور.

*حتى لو قيل عنك إنك تكتب شعراً للمراهقين؟
أنا لا أكتب شعراً للمراهقين. هذا اعتقاد خاطئ لدى كثير من الجمهور بخصوص الشعر الّذي أكتب. ثمّة اشتغال نفسيّ عميق في قصائدي، أظنّ أن المراهقين لن يفهموه. لكن نعم، لقد صُنّفت بعض قصائد الكتاب الأخير في هذا الاتجاه. وإذا قرأتَ هذه القصائد فقط، ستجد على الأرجح ما فكرتُ فيه. لكن في كتابي الشعري السابق، تحدّثت عن الدكتاتورية الإسبانية وعن المعارك بين أصحاب القمصان الحمر والقمصان الزرق خلال الحرب الأهلية.
--
رابط أغنية "أطفال الحجارة" على يوتيوب.
 
رابط "أغنية إلى أبي" على يوتيوب.
 
 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.