}

مسرحية "الهجوم": المسألة الفلسطينية على خشبة المسرح الوطني البلجيكي

علاء الدين العالم 12 ديسمبر 2018
مسرح مسرحية "الهجوم": المسألة الفلسطينية على خشبة المسرح الوطني البلجيكي
مشهد من العرض المسرحي "الهجوم"

على وقع انفجار ودويّ صفارات إسعاف، وفي فضاء أسود تتوسطه بقعة بيضاء، ويتناثر على أطرافه موسيقيون، يقوم العرض المسرحي "الهجوم" أو الاعتداء l’attentat، الذي قُدم مؤخرًا على خشبة المسرح الوطني البلجيكي في بروكسل، من إخراج vincent hennebicq وأداء عطا ناصر. وهو مقتبس من رواية بذات الاسم للكاتب الجزائري ياسمينة خضرا (محمد مولسهول) الذي كتب باسمه المستعار حتى عام 2001.

صوت الانفجار عائد لانفجار حاصل في مقهى بتل أبيب في فلسطين المحتلة، نفّذته سهام الشابة الفلسطينية التي تقطن في تل أبيب هي وزوجها الدكتور أمين، الوحيد على الخشبة، والذي يقف في منتصف البقعة البيضاء، مركز الانفجار، ساردًا ما الذي يجري.

على وقع الموسيقى الحية على الخشبة، يروي أمين تفاصيل اعتقاله من قبل الجيش الإسرائيلي بعيد الانفجار، من دون أن يعرف ما سبب اعتقاله. فيما بعد، وبعد التحقيقات، يعلم أمين أن القائم بالتفجير هي زوجته سهام، ولأن التحقيقات الإسرائيلية انتهت معه وأطلق سراحه، يذهب إلى الضفة الغربية، باحثا في الدافع الذي دفع زوجته، التي كانت تعيش وإياه "حياة هانئة هادئة" في تل أبيب، للقيام بالعملية. في مسار بحثه في الجانب الفلسطيني، يلتقي أمين أهله ورجالًا من المقاومة الفلسطينية، لقاءات يعود فيها إلى جذره الفلسطيني، ويسائل فيها هويته التي تشوشت أثناء سنوات استقراره في تل أبيب.

إلى حد كبير، يلتزم العرض بالخطوط الرئيسية لرواية خضرا، التي قدمت قبل قرابة العقد على خشبة المسرح الجزائري بعنوان "الصدمة"، وأثارت حولها ردود فعل متباينة بسبب طريقة تناولها الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي، وكيفية تقديمها لعمليات المقاومة الفلسطينية. ولم تكن رواية "الاعتداء" هي الوحيدة التي قارب فيها خضرا مسألة العمليات الانتحارية، فهي ذات الموضوعة في نصين له، الأول هو روايته "سنونوات كابول" التي تناولت ظروف الحرب في أفغانستان والحياة في ظل حكم "طالبان"، والثاني رواية "صفارات بغداد"، التي يبحث فيها خضرا عن الدوافع التي تقود المرء إلى تفضيل "العمليات الانتحارية". وفي أعماله الثلاثة يسعى إلى تقديم جذور هذه العمليات باعتبارها عمليات انتحارية. وذلك ما قدمه العرض بصورة جلية وبوفاء للنص الأصلي، حيث تظهر عملية سهام كعملية انتحارية ناتجة عن ممارسات الاحتلال الصهيوني في الأراضي الفلسطينية، أي أنها مجرد رد فعل عنيف مدعّم بدافع ديني، لا كخيار مقاومة واع. ولذلك نجد أن العرض يقدم الشخصية الفلسطينية كضحية صراع بين طرفين يساوي بينهما، لا كصراع بين محتَل مضطهد مستبد وصاحب أرض يقاوم.

في فضاء خال من الديكورات يقف عطا، الممثل الفلسطيني الذي يلعب دور الدكتور أمين، تعلوه شاشة تتخلل سرد الممثل الواحد وترافقهما موسيقى حية.

تمكن عطا من تقديم سرد مسبوك وأداء يعبر عن الحالات الانفعالية المتعددة التي يتعرض لها، متكلما لغة عربية بلهجة فلسطينية ساعدته ــ وهو الفلسطيني ــ على تحقيق الصدق في الانفعالات والتعابير. وكسر هذه المونودراما حضور شخصيات أخرى عبر شاشة العرض، توجه خطابها إلى أمين، أولها لقطات لسهام أمام البحر، ومن ثم أقارب أمين ومحيطه الفلسطيني، منهم من ينبذه لأنه استقر في تل أبيب وتناسى الصراع، ومنهم من يشرح أمام الكاميرا الموقف الفلسطيني من الصراع مع إسرائيل، مفصلًا مسببات هذا الصراع الأساسية القائمة بسبب الاحتلال وممارسته غير الإنسانية بحق الفلسطينيين، ومؤكدًا ضرورة الدفاع عن النفس. تأخذ هذه اللقطات منحى توثيقيًا أكثر من كونها حوارات مع عطا، ويطغى حضور الشاشة على مساحات من عمل الممثل، ما ساهم في تشويش سريان الدراما، وقلّص من مساحات عمل الممثل على الخشبة لمصلحة الشاشة.

لم يتوقف عمل الموسيقى على تقديم موسيقى تصويرية تتسق مع إيقاع المَشاهِد، بل كان للموسيقى حضورها المستقل، وتمكنت الآلات الأربع (تشيلو، ترومبيت، درامز، وبيانو) والصوت البشري المرافق، من تقديم رؤية موسيقية لموضوعة العرض تتجاوز ــ أحيانًا ــ الحالة العاطفية للشخصية. كما عمقت سينوغرافيا العرض من هذا الإحساس بحالة الانفجار وما نتج عنه لدى أمين، فتموضُع الموسيقيين حول مركز الانفجار المفترش بالسواد، ووجود الممثل في مركز الانفجار ذي الأرضية البيضاء، ساهما في تكريس حالة أمين العالقة في هذه اللحظة من حياته.

في العرض جرعات ميلودرامية زائدة، تُقدم الإنسان الفلسطيني كضحية ظلم دُفع إلى العنف، ما يفتح الباب واسعا على استعطاف واستجرار لعاطفة المتلقي، وهذا بدوره يخلق تشويشا في تناول الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي وجذر هذا الصراع وأصوله التي تجاوزت المائة عام، ولعل ذلك ما عانت منه رواية خضرا أساسًا، فالرواية تنطلق من المقاومة الفلسطينية وتغض الطرف عن الممارسات الإسرائيلية وتبحث في الذات الفلسطينية، وكأنه صراع مع الذات وليس مع محتل.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.