}

رسوم محمد سباعنة: ليست فلسطين بالأبيض والأسود

مليحة مسلماني 20 أكتوبر 2017

في كتابه الذي صدر مؤخرًا عن دار "جست ويرلد" الأميركية “Just World Books”، يقدم فنان الكاريكاتير محمد سباعنة 180 لوحة بالأبيض والأسود تناقش مختلف جوانب الحياة في فلسطين تحت الاحتلال. فكرة الكتاب الذي جاء بعنوان "أبيض وأسود: رسوم كاريكاتير سياسية من فلسطين" نشأت وتبلورت خلال خمسة أشهر من الاعتقال قضاها سباعنة عام 2013 في سجون الاحتلال، حيث أقام أيضًا خلال هذه الفترة مدة أسبوعين في زنازين العزل الانفرادي.

صُنفت الأعمال في الكتاب ضمن خمسة فصول جاءت لتشكّل في مجموعها فسيفساء واحدة تنطوي على دراما بصرية، تاريخية ومعاصرة، تروي حكاية الفلسطيني على مدار قرن من الزمان. وبين الاحتفاء ببطولات الفلسطيني من جانب، والتركيز على البعد الإنساني الجوّاني لديه ــ وانعكاسات المأساة على هذا البعد، من جانب آخر، تميل رسوم محمد سباعنة في مضامينها ورسائلها إلى ترسيخ صورة الفلسطيني الإنسان على حساب صورة الفلسطيني البطل والأسطورة، إذ ظلت هذه الصورة الأخيرة، أي أَسْطَرة الفلسطيني، هي المسيطرة في معظم الأعمال الإبداعية حتى مراحل متأخرة، وهي لا تزال حتى اليوم راسخة في الوعي الجمعي الفلسطيني ككل.

تجنح معظم رسوم الكتاب في أسلوبها إلى اللغة التكعيبية، ولعل فكرة الأسر والاعتقال كتجربة مرّ بها سباعنة شخصيًا كما مرّ ويمرّ بها الكثير من الفلسطينيين، ولعل فكرة الجدار كسجن كبير يأسر الفلسطينيين داخل مناطق صغيرة مقسمة ومنفصلة عن بعضها البعض داخل المدينة الواحدة، لعل هذه الظروف التي تعتقل الفلسطيني داخل جدران ومربعات وأشكال إسمنتية هندسية، جاءت كلها كواقع قاسٍ وحادّ ومعقّد فرض المضمون على العمل الفني كما فرض لغة العمل المتأثرة بالتكعيبية. في مقدمته للكتاب والتي جاءت بعنوان "سيريالية سباعنة الاجتماعية"، يقول سيث توبوكمان "تقترب رسومات سباعنة من غرنيكا ]لوحة بيكاسو الشهيرة[ بالتأكيد، غير أن الغرنيكا تبدو وكأنها تنفجر نحو الخارج في الفراغ، بينما ينفجر عالم محمد سباعنة داخليًا  ]نحو الداخل[، وهو عالم محاصر داخل إطار مزدحم؛ يُظهر لنا سباعنة أطفالًا داخل سجنٍ داخل مدينةٍ تنمو بدورها من ظهر رجل متعب، هذا الرجل المتعب هو أيضًا داخل سجن، هذه هي فلسطين، كما يخبرنا سباعنة".

قصة فلسطين

يمثل الفصل الأول الإطار العام للكتاب وهو يضم مقاطع متتالية من لوحة كبيرة الحجم بعنوان "قصة فلسطين" هي عبارة عن لقطات من تاريخ النضال الفلسطيني، حيث يصور كل مقطع منها مرحلة مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية. يؤرخ المقطع الأول للمرحلة منذ بداية الاستعمار البريطاني عام 1922 مرورًا بالنكبة وحتى انطلاق حركات التحرر الوطني الفلسطيني في الستينيات. تبدو الجغرافيا الفلسطينية في هذا المقطع مكتظة بالأحداث المتعاقبة التي شهدتها فلسطين في فترات زمنية متتالية ومتقاربة؛ طائرات حربية في الأجواء، ونشوء المقاومة الفلسطينية ممثلة بالفدائيين الفلسطينيين الذين نظموا أنفسهم في الثورة الفلسطينية الكبرى التي انطلقت عام 1936، وتسارع الهجرات الصهيونية إلى فلسطين وبدء عمليات القتل والتهجير على يد العصابات الصهيونية والتي وصلت إلى ذروتها خلال عامي 1947 - 1948. يُظهر المقطع كذلك سياسات الجيش البريطاني آنذاك في قمع المقاومة الفلسطينية والتي شملت العقاب الجماعي وهدم المنازل وعمليات الإعدام. يشتمل المقطع على رموز ذات دلالة على المرحلة والتي ستستمر لتميز المسيرة الفلسطينية في التحرر في المراحل التالية، من هذه الرموز: الطائرات الحربية، والمشانق، وخيمة اللجوء والمفتاح، وصورة الفدائي المسلح والملثّم بالكوفيّة.

ينتقل المقطع الثاني إلى عام 1982 حيث اجتاحت قوات الاحتلال الصهيوني لبنان بهدف القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت متمركزة هناك. تصور اللوحة مغادرة الفدائيين لبيروت عن طريق البحر إلى بلد عربي بعيد عن حدود الكيان الصهيوني، وهي تشير إلى المأساة التي تلت ذلك والتي تمثلت في تنفيذ مجازر في مخيّميْ صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في أيلول/ سبتمبر من ذلك العام. ويؤرخ المقطع الثالث لانطلاق انتفاضة الحجارة عام 1987، ويُظهر عدم التكافؤ بين طرفي المواجهة على الأرض، حيث نرى الجنود المدججين بكامل عتادهم العسكري في مقابل النساء والأطفال والشبان العزّل من أي سلاح سوى الحجارة.

يسلط المقطع الثالث الضوء على عملية السلام وتوقيع اتفاق أوسلو عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني، وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن ثم اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000 التي جاءت نتيجة فشل عملية السلام، وواجه الكيان الصهيوني الانتفاضة بعنف عسكري وحشي، وبدأ بإقامة جدار الفصل وتكثيف الحواجز العسكرية. يصور المقطع الوجه الحقيقي لعملية السلام التي ظلت من الجانب الإسرائيلي استشعارًا للقوة التي تؤهله للضغط على الفلسطينيين من أجل خفض سقف تطلعاتهم وتضييق الخناق عليهم، يمثل المقطع طاولة المفاوضات وفي الخلفية يظهر الجدار ومن ورائه مشهد مأساوي للواقع على الأرض.

يزادد الواقع الفلسطيني مأساوية وكارثية في المقطعين الأخيرين، وهما يصوران المرحلة ما بين 2004 و2016 حيث يصبح الجدار مميزًا للجغرافية الفلسطينية ومدمِّرًا لحياة الفلسطينيين واقتصادهم؛ يصور المقطع ما قبل الأخير بؤس الإنسان في ظل هذا الواقع سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة الذي يعاني من حصار ودمار سببته ثلاث حروب شنها عليه الاحتلال خلال ست سنوات، في حين تحضر القدس في المقطع الأخير في مركزية المشهد مهدَّدة وسكانها ومقدّساتها بالاعتداءات المستمرة من قبل الجيش والمستوطنين، ومحاطة بحشود الجماهير تعبيرًا عن المقاومة الشعبية التي بدأت تنهض من جديد في السنوات القليلة الماضية ــ حيث القدس مركز هذه المقاومة وبوصلتها.

الحياة في فلسطين ــ زنزانة كبيرة

يضم الفصل الثاني لوحات تصور الحياة اليومية في فلسطين في ظل الاحتلال وفي ظل الانقسام السياسي الفلسطيني، بينما المجتمع الدولي يراقب بصمت وبلا شعور بالالتزام أو المسؤولية؛ تصور واحدة من لوحات هذا الفصل الحياة في فلسطين كمسرحية تُعرض على خشبة مسرح يصطف المجتمع الدولي ليشاهدها عاجزًا أو لا مباليًا بل هو مشارك في هذه المسرحية ــ الجريمة، بينما يلعب الإعلام دورًا في خلق رواية مشوّهة حول الواقع. تحتفي لوحات أخرى بالصمود الفلسطيني حيث تصور لوحة عنوانها "كفاح الحياة يبدأ قبل الولادة"، امرأة تحمل بجنين يبدو عليها الثبات والقوة وتقبض بيدها على الأسلاك الشائكة بينما يظهر الجدار في الخلفية. في حين تعرض لوحة أخرى عدم التكافؤ بين طرفي المواجهة، الآلة العسكرية الضخمة والجدار في إحدى كفّتي ميزان بينما الأطفال الفلسطينيون في الكفّة الأخرى، وتبدو كفّتا الميزان متعادلتين ــ متقابلتين على مستوى أفقي مستقيم، إشارة إلى السخرية من الإعلام الصهيوني والغربي الذي يحاول في روايته المساواة بين الجلّاد والضحية بل وقلب الحقائق.

في لوحة أخرى، يحضر شريط الحداد الأسود الملازم لصور الموتى كرمز يختزل دلالات ثقافة الموت في فلسطين، سواء كواقع فُرض على الفلسطيني عبر استسهال عمليات قتله اليومية على يد المحتل، أو من خلال تعزيز مكانة الشهيد والشهادة في الثقافة الفلسطينية، ثقافة الشهادة هذه تم صياغتها عبر عقود من الاحتلال لتمثل بالنسبة للفلسطينيين سيكولوجيا جمعية تعزز الحماية الداخلية والحفاظ على الذات في مواجهة محاولات المحو والاغتيال الجمعيّ. تصور اللوحة امتداد شريط الحداد إذ يخرج من إطار صورة الشهيد ليلتف حول رقبة الأم، وليقيد الطفل ويمنعه من اللعب، وهو يقيد ضفيرة الطفلة ويلتف حول منقار الطير فيمنعه من التغريد، كما يلتف حول عقارب ساعة معلقة على الجدار فيمنعها من الحركة والتقدم إشارة إلى تجمّد الزمن في لحظة الموت، المرادفة لحتميّة الموت اليومي كواقعٍ تقابله وتواجهه ثقافة الاستشهاد في فلسطين.



من أكثر اللوحات تصويرًا لمأساوية الواقع في فلسطين واحدة تصور الجدار كمتاهة أُسِر الفلسطينيون داخلها؛ قُسِّم المشهد إلى تكوينات أشبه بمربعات حدودها إسمنتية، أحدها يحتجز القدس بينما تظهر قيود في يديْ أسير في مربع آخر، وأم ترضع طفلها ــ وفي الخلفية صورة الشهيد ــ في مربع ثالث، وطفلة تحمل بالونيْن في مربع آخر، وصور وعناصر أخرى في مربعات أخرى. تحيل اللوحة ليس فقط إلى قسوة آثار الجدار والتقسيم المكاني على حياة الفلسطينيين فحسب، بل إلى التشظّي الداخلي أيضًا والناتج عن الجدار ومجمل ممارسات الاحتلال من جانب، وعن الانقسام السياسي الفلسطيني من جانب آخر. يتمركز جنود، أو ضباط، في واحد من هذه المربعات وإلى جانبهم نقطة مراقبة عسكرية، في إشارة إلى أن المحتل مأسورٌ أيضًا داخل عقليته الجدارية العسكرية التقسيمية والتي يعتقد أنه يعزز من خلالها شعوره بالأمن والاستقرار على الأرض.

فلسطين والعالم

يقدم سباعنة لرسومات الفصل الثالث المعنون بـ "فلسطين والعالم"، فيقول "أن تكون فلسطينيًا يعني أنك تشعر أنك قريب لهؤلاء الذين يعانون في كل أنحاء العالم". تعالج الرسومات في هذا الفصل قضايا تمثل معاناة الشعوب في مناطق مختلفة من العالم، ويقدم الفنان من خلالها مقاربة بين هذه القضايا والواقع الفلسطيني، بحيث يظهر المستضعفون في العالم في مواجهة من هم في مراكز السيطرة، وتنتقد هذه الرسومات بشكل واضح ولاذع مراكز القوى والسيطرة وسياسات الإعلام والقوى العسكرية.

تصور واحدة من هذه الرسومات طفلًا يغادر تكوينًا دائريًا يمثل الكرة الأرضية التي تزدحم بتفاصيل وأجواء من الصراع وعلاقات السيطرة والدمار والرعب، وتظهر فيها الطائرات العسكرية والقيود والسجون والقنابل والدخان، والفقراء ومحاولات الشعوب مقاومة هذا الواقع، الطفل هو إشارة ليس إلى الفلسطيني فحسب بل إلى النقاء الإنساني أينما وجد وهو رمز لكل الذين يعانون في هذا العالم. تمثل لوحة أخرى هجرة الفارّين عبر البحر من الحروب والفقر والظلم؛ طفل في مهده مُلقىً في عرض البحر، وقارب يقلّ شخوصًا في حالة من البؤس، في حين تقود القارب شخصية تمثل الموت. وتمثل لوحة حالة المرأة في هذا العالم والتي ما زالت مقيدة ومضطهدة وتقاوم شبكة معقدة من علاقات السيطرة والتحكم والتمييز.

"قصص قصيرة" هو عنوان الفصل الرابع والذي يضم مجموعة من الرسومات كل منها مقسم إلى مقاطع، إذ تروي كل لوحة عبر مقاطعها حكاية ما، وبذلك تصبح اللوحة دراما ــ قصة بصرية مستلهمة من الواقع في فلسطين والعالم. يروي رسمٌ قصة ثلاثة أطفال، في المقطع الأول يلعبون الكرة، في المقطع الثاني يهدد جندي بمسدس أحد هؤلاء الأطفال ــ إشارة إلى اغتيال الأطفال والطفولة في فلسطين، يصور المقطع الثالث قبر الطفل يزوره الطفلان اللذان بقيا على قيد الحياة، وفي المقطع الرابع يتوجه الطفلان إلى مواجهة الجندي بالحجارة، وفي المقطع الخامس، نرى صورًا لكل من الأطفال الثلاثة معلقة على الجدار وكل منها موسومة بشريط الحداد، وتبقى الكرة ساكنة على الأرض. الطفل الفلسطيني ليس "بطلًا" لتُمَجَّد بطولاته وشجاعته خلال المواجهة، بل هو يواجه قدرًا يلقيه أمام احتمالات الاغتيال وفقدان الأقارب والأصحاب، ويلقيه بالضرورة ومبكرًا أمام حتمية المواجهة والدفاع عن نفسه.

الأسير الفلسطيني ــ بين الأسْطَرة والأنْسَنة

أما رسومات الفصل الخامس والأخير والتي تم وضع التصور لها ومخططاتها الأولى أثناء وجود سباعنة في السجن عام 2013، فتأتي لتشكل في مجملها عالم الأسير الفلسطيني، وما يتضمنه من ظروف اعتقال وظروف زيارة الأهل، وحالات صمودٍ وبطولات الحركة الفلسطينية الأسيرة ككل، غير أن رسومات هذا الفصل تركز بشكل كبير على الجانب الإنساني للأسير الفلسطيني وتوقه العميق لأسرته وأحبائه وللتفاصيل العادية والبسيطة للحياة اليومية خارج المعتقل.

يصور أحد هذه الرسومات قسوة وبشاعة الحافلة الحديدية المعدّة لنقل المعتقلين الفلسطينيين بين السجون والمعروفة بـِ "البوسطة"، وهي في الرسم مصنوعة من قواطع إسمنتية تشبه الجدار، وتحمل في داخلها زنزانة، والبوسطة في الحقيقة أشبه بزنزانة متنقلة يوضع داخلها المعتقلون لساعات أثناء نقلهم بين السجون ويعانون فيها ظروفاً قاسية جدًا. وتحيل لوحة أخرى إلى ظروف التحقيق حيث المحقق في مواجهة المعتقل الذي يجلس بدوره على كرسي معلق على حافة هاوية، إشارة إلى أساليب التعذيب الجسدي والنفسي التي تحاول إيصال الأسير إلى درجة التلاشي والانهيار النفسي، وهنا لا سلاح للمعتقل من أجل الدفاع عن الذات والحفاظ عليها سوى الصبر والصمود.

يحتفي رسم "شمسنا لا تغيب أبدًا" بصمود الأسير الفلسطيني، ويشير رسم آخر إلى العدالة المزيفة في المحاكم العسكرية الصهيونية حيث تصبح السلطة القضائية مجرد أداة في يد المستعمر لإحكام السيطرة على أصحاب الأرض ومحاولة قتل إرداة المقاومة فيهم. بينما يصور رسم آخر "ميزان العدالة" ملتويًا ومنصوبًا في غير وضعه الصحيح. تصبح الساعة قزحيةَ عينٍ في لوحة أخرى، تعبيرًا عن ترقب الأسير المستمر للحرية، فالوقت في المعتقل يساوي الدموع والدم. يشير رسم إلى ظروف الزيارات حيث يفصل بين المعتقل وأقربائه حاجز بلاستيكي أو زجاجي شفاف فلا يستطيع الأسير ملامسة أطفاله وأقربائه. وتمثل لوحة أخرى زوجة الأسير التي تصبح هي أيضًا أسيرة زمنِ انتظارِ انتهاءِ الحكم الذي يواجهه زوجها، تجعل من حلقات القيد بذورًا لإزهار الأمل.

ليست فلسطين "أبيض وأسود"

نُفِّذَت معظم الرسوم التي ضمها الكتاب بالرسم اليدوي بالأبيض والأسود، بالإضافة إلى رسوم نُفِّذت بتقنية الحفر على اللينوليوم، ورسومات أخرى، قليلة نسبيًا، نُفِّذت بتقنية الكمبيوتر، وجميع رسومات الكتاب جاءت باللونين الأبيض والأسود، وهي الفكرة التي أعطت الكتاب عنوانَه. كما أن معظم رسومات الكتاب لا تنحاز فنيًا إلى لغة أو أسلوب الكاريكاتير فحسب، بل هي تأتي كعالم بصري يتمركز في منطقة بيْنيّة بين اللغة الكاريكاتيرية واللغة التشكيلية، إذ هي تحافظ على بعض عناصر الكاريكاتير وتستوعب في تكوينها ولغتها البصرية عناصر وجماليات من اللوحة التشكيلية، ما يجعل الكثير من هذه الرسومات تخرج من مباشرية الطرح الكاريكاتوري لتدخل باب تعدد التأويلات.

تحتشد رسومات محمد سباعنة بالرموز من الثقافة الشعبية والوطنية والفلسطينية ومن المشهد المكاني المحاصر في فلسطين، فالمفتاح والخيمة والفدائي، وأطفال الحجارة والمرأة الفلسطينية، والقيد والأسير، والجدران والأسلاك الشائكة، كلها رموز تشكل في مجملها شمولية العالم الفلسطيني، ويضيف إليها سباعنة رمز الساعة التي تقترب من ساعة سلفادور دالي لكن يوظفها الفنان في السياق الفلسطيني المعاصر، حيث يختزل الرمز دلالات مختلفة من لوحة إلى أخرى لكنه يشير بشكل عام إلى زمنية المأساة، إذ لا يمكن أن تحتمل أي ساعة ثِقَل كل هذا الوقت الذي مرّ على المأساة الفلسطينية.

كتاب سباعنة نُشر وُوِجّه إلى الجمهور الغربي بالأساس، إذ أن الرسومات في هذا الكتاب تحاول أن تحكي قصة فلسطين بالصور ووضعها في سياق عالمي وإلقاء الضوء على البعد الإنساني في الحياة الفلسطينية، حيث يرى الفنان أن على الفلسطينيين أن يقدموا قضيتهم وأنفسهم إلى العالم ضمن ضوء واقعي، كشعب يعيش ظروفًا استثنائية وليس بوصفهم أبطالًا فحسب. هكذا، ورغم أن عنوان الكتاب هو "أبيض وأسود"، إلا أن محمد سباعنة يقدم فلسطين والفلسطيني من خلال رسوماته بمختلف ألوان ــ حالات الفلسطيني التي تتراوح بين بؤس وضعف، وقوة وبطولة، وحب وأمل وحلم بحياة عادية، لم يختر الفلسطيني ظروفه الاستثنائية كما أنه لا يتمسك بها، إنه يتوق فعلًا إلى "حياة عادية".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.