Skip to main content
جربة خارج لائحة التراث العالمي.. في انتظار مؤتمر لاحق
ليلى بن صالح ــ تونس
ورشة لصناعة القلل في جزيرة جربة (فتحي بلعيد، Getty)

لم يظهر اسم جزيرة جربة التونسية ضمن القائمة الجديدة التي أعلنتها منظّمة "اليونسكو" نهاية تمّوز / يوليو الماضي في مؤتمرها الذي أقامته في الصين. ومع انشغال التونسيّين ووسائل الإعلام بتقلُّبات الحياة السياسية، لا نجد اهتماماً لا من بعيد ولا من قريب بالأمر، وهو ما يتناقض مع موجات الدعاية التي حظيت بها خطواتٌ سابقة؛ مثل تقديم ملف ترشيح الجزيرة إلى "اليونسكو" بداية العام الجاري، أو إدراجها ضمن القائمة التمهيدية عام 2016.

صحيح أنَّ الفرصة لا تزال قائمة مع المؤتمرات الكثيرة التي سوف تنظّمها "اليونسكو"، فهذه من هوايات المنظّمة الدولية على ما يبدو، بما في ذلك من منافع؛ مثل بناء العلاقات الموسَّعة في الزمن النيوليبرالي، وتوزيع صكوك الترويج السياحي. ولكن، لعلَّ عدم قبول الملف هذا العام يشير إلى نقائص كثيرة ينبغي التفكير بجدية في تجاوزها، فمثلاً كان ملف ترشيح جربة لقائمة التراث العالمي أولوية في 2017 و2018، حين أشرف محمد زين العابدين على وزارة الثقافة في تونس، ويبدو أنّها ذهبت، لمّا انتهت ولايته، إلى الصفّ الثاني من الأولويات بين ليلة وضحاها، وهو ما يقع ضمن عقلية إدارية لا تؤمن بتواصل المشاريع والمؤسّسات، بل يرتبط كلُّ ذلك بالأشخاص فتذهب المشاريع حين يذهبون.

من حسن الحظ أنه جرى، منذ 2017، إنشاء لجنة مستقلّة تجمع هياكل أُخرى غير وزارة الثقافة؛ مثل "وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية"، و"المعهد الوطني للتراث"، و"جمعية صيانة جزيرة جربة"، ولولا ذلك لذهبت جهود خمسة أعوام هدراً.

تُشكّل البنية التحتية السياحية عبئاً على ملف الجزيرة التونسية

الخلل الآخر الذي ينبغي التفطّن إليه هو الإيمان المبالغ فيه بقوّة ملف جربة، حيث تجري الإشارة دائماً إلى التنوّع الثقافي للجزيرة وعمقها الحضاري وتفرُّدها المعماري. كلُّ هذا جيّد، ولكنّه في منطق المؤتمرات وكواليسها لا يعني الكثير ما لم تدعمه استراتيجيات تواصُلية ناجعة، إضافة إلى أنه لا ينبغي أن ننسى الملفات التي تتسابق من أجل نفس الهدف.

لو ألقينا نظرة على المواقع الثقافية التي جرى إدراجها هذا العام سنجد أنَّ العديد منها لا يتوفّر على نقاط القوة التي ذكرناها في جربة، ولكنه يتوفّر على ما هو أكثر أهمية، وهو حسن رعاية المواقع من منظورات إيكيولوجية وإنسانية ورمزية، في حين أنّنا نعرف بأنّ جربة قد جرى استثمارها سياحياً بشكل مبالغ، وها هي تدفع ثمن أربعة عقود من هذه السياسات التي لم تكن تهتمّ إلا بالعائدات المادية السريعة. هكذا باتت البنية التحتية السياحية تُمثّل عبئاً على جربة في ملفها؛ حيث إنّ شبكة الفنادق نبتت في رمال الجزيرة بشكل ناتئ لم يندمج مع الأبعاد التراثية.

نجد في قائمة المواقع التي أُدرجت هذا العام: مدن المنتجعات الصحية الأوروبية الكبرى والتي توجد في المملكة المتحدة والنمسا وبلجيكا وتشيكيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا. ونجد تخوم الإمبراطورية الرومانية على نهر الدانوب وسط اوروبا، وتل أرسلان تيبيه في تركيا، وموقع روبرتو بورل ماركس في البرازيل، و"مركز التجارة تشوانتشو" في مدينة سونغ تشوان الصينية، ومنارة كوردوان في فرنسا، ومعبد "رودريشوارا" في ولاية تيلانجانا في الهند، والسكة الحديدية العابرة لإيران، وسلاسل اللوحات الجدارية في بادوفا الإيطالية، ومجمَّع شنكيلو الأثري الفلكي في البيرو، ومشهد المناجم في روشيا مونتانا في رومانيا، والنقوش الصخرية في حوض بحيرة أونيغا في روسيا، ومواقع جومون في شمال اليابان. وحضرت المنطقة العربية من خلال إدراج موقع حمى الأثري في السعودية ومدينة السلط في الأردن.

هل تحضر كل هذه الكوكبة من المتنافسين في مخطّطات المشرفين على ملف جزيرة جربة قبل تقديمه إلى "اليونسكو" مستقبلاً؟ وهل ستجري دراسة أسباب نجاحهم، أم أنّ الملفّ سيُقدَّم كما هو في دورات لاحقة؟

آداب وفنون
التحديثات الحية

المزيد في ثقافة