Skip to main content
مواشي الفلسطينيين فريسة سهلة للمستوطنين
فاطمة مشعلة ــ الخليل
يرعى أغنامه (ايمانويل دوناند/ فرانس برس)

حتّى الرعي يعدّ مشكلة بالنسبة لفلسطينيي الخليل، إذ إن المستوطنين لا يتركون أي وسيلة لقتل الأغنام، من التسميم إلى الدهس ومنع وصولها إلى المراعي

منذ نحو سبع سنوات، بدأ المواطن الفلسطيني جهاد النواجعة، المتحدّر من قرية سوسيا شرق مسافر يطا جنوب الخليل (الضفة الغربية) مراقبة المراعي التي تسير فيها أغنامه خشية تسميمها من قبل المستوطنين الذين يستوطنون أراضي الخليل. فهو لن ينسى ما حدث عام 2013 حين لاحظ التعب على أغنامه. في اليوم التالي للرعي في منطقة رعوية تُسمّى أم نير، فوجئ بنفوق نحو نصف قطيعه.

يزرع مستوطنو أراضي جنوب الخليل أشجاراً سامة في المستوطنات، ويعمدون إلى وضع أوراقها في الأراضي الرعوية التي يقصدها الرعاة الفلسطينيون. وما حدث مع جهاد نموذج لاعتداءات المستوطنين المتكررة بحق أغنام الفلسطينيين وبوسائل مختلفة منها تسميم مياه الآبار أو الدهس. يقول النواجعة لـ "العربي الجديد": "نفق من أغنامي 20 رأساً من أصل 45 بسبب أوراق الأشجار السامة. من المؤسف أنني اضطررت إلى الاستعانة بالطبيب البيطري الذي شق بطون بعضها لإخراج صغارها التي لم تلدها بعد. وبعد خسارتي هذه، أحاول وعائلتي فحص المراعي قبل الرعي، والتأكّد من خلوها من هذه الأوراق السامة".
وليتفادى المستوطنون اكتشاف الرعاة الفلسطينيين أمر هذه الأوراق السامة، فإنّهم يعمدون أحياناً إلى رشها في فصل الربيع بمادة من اللون الأخضر، لقتل الماشية. في هذا السياق، يقول الناشط في مسافر يطا، فؤاد العمور، لـ"العربي الجديد": "نجح بعض الفلسطينيين في كشف المادة الخضراء السامة بسبب خبرتهم في أرضهم، كما واجهوا مسألة تسميم المستوطنين للآبار (آبار تجميع المياه). لكنهم لا يستطيعون دائماً اكتشاف الأمر إذ يجب أن يكونوا قادرين على تمييز رائحة السموم المنبعثة من البئر، وقد يحصل هذا متأخراً بعدما تشرب الأغنام منها". أما الدهس، فهو الوسيلة الثالثة لاستهداف الماشية، إذ إن مئات الأغنام تعرّضت للدهس على مدى السنوات الماضية لاحتلال الخليل، وذلك في الشوارع المعبدة للمستوطنين التي تفصلهم عن مراعيهم. ويقول الناشط العمور: "عام 2019 وفي منطقة واد معين شرق مسافر يطا، نفقت سبع أغنام عندما دهس أحد المستوطنين قطيعاً منها. وقبل ثلاثة أشهر، نفقت ثلاث أغنام من المنطقة نفسها دهساً على يد أحد المستوطنين. وفي منطقة أم الخير الواقعة ضمن المسافر أيضاً، دهس مستوطن قطيعاً من الأغنام فقتل اثنتين منها".
ويعمد مستوطنون أيضاً إلى منع وصول الماشية إلى المراعي ما يؤدي إلى نفوقها. ويقول رئيس بلدية السموع في محافظة الخليل، التي يعيش فيها نحو أربعين راعياً أو صاحب ماشية، حاتم محاريق، لـ "العربي الجديد"، إن "أكثر من أربعين رأساً من الأغنام نفقت لدى أصحابها في البلدة خلال الأشهر الأخيرة الماضية، بسبب مضايقات المستوطنين المتمثلة بمنع الرعاة من الوصول إلى المناطق الرعوية، وإطلاق النار على الرعاة، ما يخيف الأغنام ويدفعها إلى الهرب. وخلال هربها، قد تنفق بسبب سقوطها".
وعلى الرغم من وجود نحو 500 ألف دونم من الأراضي الرعوية في الخليل من أصل مليون ومائتي ألف دونم من مساحة محافظة الخليل الإجمالية، يستطيع الفلسطيني الوصول إلى 250 ألف دونم فقط منها، فيما يصعب الوصول إلى ما تبقى منها بسبب المستوطنات الممتدة على طول جبال الخليل الجنوبية والشرقية والغربية، عدا عن انتهاكات المستوطنين بحق الرعاة خارج المستوطنات، كما يقول مدير زراعة الخليل سابقاً عثمان أبو شرخ لـ "العربي الجديد". يقول أبو شرخ: "غالبية المناطق التي تهتم بالرعي، ويعتمد سكانها على المواشي في نظام حياتهم في المناطق المذكورة سابقاً في الخليل، هي جنوب الخليل التي تضم وفق الاهتمام الرعوي يطا ومسافرها وقراها الشرقية، وقرى دورا الغربية، وبلدة السموع، وبلدة الظاهرية، ومنطقة الرماضين".
وخلال السنوات العشرين الماضية، اضطر الرعاة إلى التحوّل جزئياً إلى مهن أُخرى غير الرعي، كالبناء بسبب انتهاكات المستوطنين. وخلال عملهم في تلك الأعمال المستجدة، يستلم الرعي أبناؤهم أو زوجاتهم، وهذا ما تفعله ربيحة النواجعة (40 عاماً) من قرية سوسيا شرق المسافر. تخرج يومياً الساعة الخامسة فجراً، لتعود إلى المنزل بنحو 30 رأساً من الأغنام، وذلك مع بدء اشتداد الحر عند الساعة الثامنة صباحاً. وتقول لـ "العربي الجديد": "قبل ثلاث سنوات، دهس مستوطن القطيع الذي أرعاه، وقتل ست أغنام. وقبل خمس سنوات، تعرضت للضرب على يد المستوطنين أثناء الرعي. كان زوجي عمران وابني بلال برفقتي، فقدت الوعي بعد ضربهم لي بعصا، وحتى الآن ما زلت أعاني من آثار هذا الاعتداء. كرهت رعي الأغنام بسبب المستوطنين. أتمنى أن أرتاح منهم حتى نستطيع الرعي بحريتنا من دون خوف على أنفسنا وأولادنا ومواشينا".

يبدو أنّ المستوطنين يزاحمون جنود الاحتلال في التضييق على الفلسطينيين، ويزايدون عليهم في الاعتداء على المواشي، مستهدفين الرعاة وأصحاب الثروة الحيوانية كي يكونوا فريسة سهلة لهم في مناطق جنوب وغرب وشرق الخليل، حيث تنتشر الأراضي الرعوية. ويمتهن نحو ثلاثة آلاف فلسطيني هناك مهنة الرعي، أو يعتبرونها مصدراً للدخل.