حماية الأسرة... جدال فلسطيني حول مسودة القانون

حماية الأسرة... جدال فلسطيني حول مسودة القانون

13 يوليو 2020
القانون يمنع العنف ضدّ المرأة خصوصاً (عصام الريماوي/ الأناضول)
+ الخط -

تدرس الحكومة الفلسطينية إمكانية إقرار قانون حماية الأسرة، ورفعه إلى الرئيس محمود عباس، لإصدار مرسوم بالموافقة عليه، بعد رفع مسودة القانون من قبل وزارة التنمية الاجتماعية إلى مجلس الوزراء أخيراً

ينتظر الفلسطينيون إقرار قانون حماية الأسرة، لكنّ مسودته التي أعدتها وزارة التنمية الاجتماعية، تشهد رفضاً من قبل البعض، ما يثير جدالاً كبيراً حولها. وتقع مسودة القانون الذي تطالب به المؤسسات النسوية الفلسطينية منذ العام 2005، وتمت قراءته قراءة أولى وسيحتاج لقراءتين لإقراره، في 22 صفحة، وتتضمن 52 مادة، وتركز المواد الأخيرة اعتباراً من المادة رقم 40، على شكل العقوبات المتخذة بحق منتهكي حقوق الأسرة، وتوضيح دور الجهات المختصة في هذا الإطار.
تقاتل المؤسسات النسوية والمنظمات الأهلية والحقوقية الفلسطينية من أجل إقرار القانون، وتكثف نشاطاتها واجتماعاتها مع الجهات الرسمية من أجل ذلك، فيما تتولى جهات أخرى مثل عشائر الخليل، وحزب التحرير الإسلامي، وعشرات أساتذة وعلماء الشريعة، وأكاديميين وأسر زمام الضغط الشعبي والرسمي من أجل إلغائه.
يقول الناشط الحقوقي الفلسطيني فريد الأطرش لـ"العربي الجديد": "ليس هناك ما يستدعي أو يُبرّر الرفض في مسودة القانون، أو يتعارض مع قيم المجتمع الفلسطيني وعاداته أو مبادئ الشريعة الإسلامية، بل كلّ ما ورد في المسودة هو تدعيم لحقّ المرأة والأطفال والأسرة الفلسطينية، وحمايةً لهم من أشكال العنف والتمييز، وفرض عقوبات جديدة على من ينتهك هذه الحقوق". يتابع: "هذه المسودة قابلة للتعديل، وعلى جهات الاختصاص أخذ الملاحظات كافة حولها بعين الاعتبار، ونرفض التحريض على من يؤيد المسودة أو يعارضها، فنحن مع حفظ حقوق النساء بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية".
بدوره، يوضح الناطق الإعلامي باسم حزب التحرير مصعب أبو عرقوب لـ"العربي الجديد" أنّ الحزب اطلع على مسودة القانون، ويرفضها. ويقول أبو عرقوب: "رفضنا ينبع من كون مسودة القانون ما هي إلاّ امتداد لتطبيق اتفاقية سيداو التي تخالف الشريعة الإسلامية بالأحكام المتعلقة بعلاقة الرجل بالمرأة، والأحوال الشخصية بشكل عام، وهذه الأحكام هي الأحكام الشرعية المتعلقة بوجوب الولاية على المرأة من الأخ والأب، لكنّ هذه القوانين ومنها قانون حماية الأسرة، تهدف إلى إزالة هذه الولاية، وجعل الأمر متعلقاً بقوانين مستنبطة من سيداو".

ويشير المحاضر بالشريعة الإسلامية في جامعات فلسطينية، وعضو رابطة علماء المسلمين، بلال زرينة لـ"العربي الجديد"، وهو من قلة إسلامية مؤيدة للقانون، إلى أنّ رفض بعض الجهات التعديلات القانونية من قبل السلطة الفلسطينية، يحمل أسباباً سياسية، وإن كان ظاهرها دينياً، وقد يندرج هذا تحت إطار "مناكفة" السلطة لا أكثر، ويقول: "أنا أدعو هذه الجهات للنظر إلى القانون نظرة إيجابية على ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية التي تحث على العدل واحترام كرامة الإنسان".
تواصل المؤسسات النسوية والمنظمات الأهلية واتحاد المرأة الفلسطينية اجتماعاتها مع وزارتي التنمية الاجتماعية والمرأة الفلسطينيتين من أجل الدفع إلى إقرار قانون حماية الأسرة الفلسطيني، مقدمة تعديلاتها للحكومة الفلسطينية بشأن القانون. تقول الناشطة النسوية البارزة، ماجدة المصري لـ"العربي الجديد": "نشكل لوبي قوياً لإقرار القانون من أجل وحدة الأسرة الفلسطينية وحماية المرأة، ونحن موحدون في مواجهة الهجمة الظلامية للأصوليين". وتؤكد المصري، التي شغلت منصب وزيرة التنمية الاجتماعية ما بين عامي 2009 و2013: "لقد آن الأوان لحماية الأسرة ووقف قتل النساء، لا سيما على خلفية ما يُسمى الشرف".
حتى المؤسسات النسوية غير راضية بشكلٍ كامل عن مسودة قانون حماية الأسرة الفلسطيني، إذ تقول مديرة مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي، رندة سنيورة لـ"العربي الجديد": "المسودة تتحدث عن الضحية والمعتدي عموماً من دون أن توضح من هو المعتدي وهو غالباً الرجل، والضحية هي المرأة أو النساء، والقانون همه عموماً الحفاظ على النسيج الاجتماعي الفلسطيني وكلنا مع الحفاظ على هذا النسيج، لكنّ القانون لا يحمل تعريفات للتمييز على أساس الجنس، وهو أساس سعينا لوجود قانون حماية الأسرة، لحماية المرأة لأنّها الفئة غير المحمية في الأسرة". وتفيد سنيورة أنّ بعض الجهات النسوية ذات العلاقة قدمت ملاحظاتها على هذه المسودة قبيل الحجر الصحي المنزلي لمواجهة وباء كورونا الذي فرض في فلسطين في مارس/ آذار الماضي، ولا يُعلَم إن كانت الحكومة الفلسطينية ستأخذ بها أم لا؟ عبر الجهات التي تلقت هذه الملاحظات، وهي وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة المرأة.
من جهتها، ترى مديرة مركز "تام لإعلام وتنمية المرأة" سهير فراج، أنّ مهمة الجهات والمؤسسات النسوية مواجهة الحكومة من أجل حقوق النساء، وإقرار قوانين لحمايتهن سواء بما يتعلق بالأسرة، أو العنف والانتهاك الممارس ضدهن خارج إطار الأسرة، وعلى الحكومة ملاحقة ومحاسبة كلّ من يخالف إرادتها في تنفيذ هذه القوانين، بالإضافة إلى دور هذه المؤسسات النسوية في الإيضاح للمجتمع عن أسباب وضرورة مطالبتها بهذه القوانين وتثبيتها. تقول فراج لـ"العربي الجديد": "القضية ليست مَن الأقوى: المؤسسات النسوية أم الجهات الرافضة لمسودة القانون؟ بل من الجهة التي تحمل مطلباً عادلاً أكثر... علينا التساؤل من المُحق؟".
على المقلب الآخر، يرى عدد من علماء الشريعة الإسلامية، مواطن مخالفة بمسودة قانون حماية الأسرة للشريعة الإسلامية، وبعضهم يرى أنّ مسودة القانون جاءت منسجمة مع أحكام الإسلام ولا تتعارض معه. يقول أستاذ القضاء الشرعي في كلية العلوم الإسلامية في الخليل، جنوبي الضفة الغربية، كمال رباع لـ"العربي الجديد": "لقد أشار القانون إلى مفهوم التبني، ونحن نعرف أنّ التبني حرام في الشريعة". ويتابع: "بالإضافة إلى أنّ قانون حماية الأسرة يتعارض مع قول الله في القرآن: (الرجال قوامون على النساء) بمساواة المرأة مع الرجل في توزيع حصص الميراث مثلاً، والتي حددها الإسلام، كما أنّ العنف النفسي الذي على أساسه تستطيع المرأة أو أحد من أفراد الأسرة الاشتكاء للشرطة بسببه، لم تُحدد ماهيته بالضبط... هذا القانون يُغير ولاية الزوج على زوجته والأب على أبنائه". ويتهم رباع المؤسسات النسوية بمحاولة تمرير القانون في فترة تعطل المجلس التشريعي، ويقول: "بعض المؤسسات النسوية تتلقى تمويلها من جهات أوروبية وأجنبية، وهي تتلقى إملاءات منها، وهي تحاول تمرير القانون مستغلة بذلك تعطل المجلس التشريعي الذي لو كان موجوداً لما مرّ القانون ولا حتى بالقراءة الأولى".

بالعودة إلى زرينة، فإنّه ينفي تعارض مسودة قانون حماية الأسرة مع أحكام الشريعة الإسلامية الرافضة لتعنيف المرأة أو الأبناء، ويرى أنّ بعض الجهات الرافضة للمسودة تتبع التيار المؤمن بالتفسير الحرفي والظاهري للأمور، أي أنّها لا تتبين خبايا المسائل ومنها قانون حماية الأسرة. ويقول زرينة: "أرى أنّه على ضوء مبادئ الشريعة الإسلامية التي تحرّم قتل النفس وإهانتها، أنّ الأحكام الواردة في مسودة قانون حماية الأسرة وحتى اتفاقية سيداو لا تتعارض في مبدئها مع الشريعة الإسلامية في عموميتها الرافضة للقتل والعنف، وأنا مع التيار المقاصدي أي النظر للأمور وفق المقاصد العامة للشريعة الإسلامية".
بدورها، ترى جهات حقوقية أنّ رفض بعض الجهات قانون المسودة مرده إلى الخوف من الوقوع بالمحاسبة تحت طائلة القانون بسبب شكوى تتقدم بها نساء العائلات مثلاً، بحسب الأطرش، الذي يبدي استغرابه من تمسك هذه الجهات وبعض المتشددين برفض أيّ حالة قانونية مساندة للمرأة، بالتذرع بمخالفتها للشريعة الإسلامية، في حين لا يتوقف حرمان المرأة من حقها بالميراث على سبيل المثال لا الحصر. يقول الأطرش: "أنا على اطلاع بحكم عملي على قضايا كثيرة تخص تعنيف المرأة وحرمانها من حقوقها مثل الميراث، لماذا لا نرى رفضاً لهذا الأمر؟". أما أبو عرقوب فيردّ أنّ "الحزب يرفض مسودة قانون حماية الأسرة، لأنّ مرجعيته هي اتفاقية سيداو وليس القرآن الكريم والسنّة النبوية".
وبشكل جديد من أشكال الاحتجاج، اعتصم الأكاديمي في جامعة القدس، عماد البرغوثي، في ميدان المنارة وسط مدينة رام الله وسط الضفة الغربية في السادس من يونيو/ حزيران الماضي، رفقة زوجته وأبنائه الخمسة احتجاجاً على قانون حماية الأسرة. يقول البرغوثي لـ"العربي الجديد": "أرى أنّ هذا القانون ضدّ أسرتي، هذا القانون سوف يمنعني من تربية أبنائي والتعامل مع زوجتي. لن أستطيع التعامل معهم وفق العادات والتقاليد الفلسطينية، أنا ضد هذا القانون لأنّه سوف يمنعني من ممارسة صلاحياتي في تربية أبنائي (في إشارة إلى البنود التي تمنح الأبناء الحق في اختيار العمل والتصرف ووقف العنف بالاشتكاء على الأب أو المتسبب بالضرر النفسي والجسدي في الأسرة)". أما زوجة البرغوثي، سهير عساف، فتقول لـ"العربي الجديد": "قانون حماية الأسرة هو قانون دخيل على المجتمع الفلسطيني كمجتمع مسلم، ويخالف العادات والتقاليد، كما أنّ التوقيت الذي ظهرت فيه مسودة القانون، يبدو كمؤامرة، لأنّنا في مرحلة لا تحتمل إحداث انقسامات داخل المجتمع الفلسطيني". وتدعو عساف، الأسر الفلسطينية لمساندة الرأي المعارض والرافض لإقرار القانون، وإلى الإسناد الجماهيري في الميادين والشوارع.
عشائر محافظة الخليل التي تعتبر رأس الحربة في مواجهة قانون حماية الأسرة سطرت قبل أكثر من شهر، بياناً رافضاَ للقانون، وسلمته لمحافظ الخليل جبرين البكري. ويقول أحد وجوه العشائر في الخليل، جبرين السراحنة لـ"العربي الجديد": "كان من واجب الحكومة الفلسطينية التطلع لما يحتاجه المجتمع الفلسطيني، بدلاً من إقرار القانون بالقراءة الأولى في شهر مايو/ أيار الماضي. يجب أن نبقى محافظين على عرضنا وشرفنا، وديننا ليس بحاجة لتشريعات جديدة، فقد ذكر كلّ ما نحتاجه في القرآن الكريم والسنّة النبوية".

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إنّ نواباً سابقين في المجلس التشريعي، محسوبين على حركة حماس، أكدوا في بيان لهم، رفضهم المطلق ومعارضتهم القاطعة لمشروع قانون حماية الأسرة الذي أقره مجلس الوزراء الفلسطيني بالقراءة الأولى، والذي جرى اشتقاق مواده نصاً وروحاً من اتفاقية سيداو "سيئة السمعة" لمخالفتها المادة الرابعة من القانون الأساسي لفلسطين (2002) التي تنص على أنّ دين الدولة الإسلام. تلك الاتفاقية التي رفضها الشعب الفلسطيني ويرفض كلّ مخرجاتها واشتراطاتها الدخيلة على الإسلام والقيم السامية، وفق البيان. ودعا النواب الرئاسة ومجلس الوزراء الفلسطينيين إلى رفض إقرار مشروع قانون حماية الأسرة بصيغته الحالية لكلّ العيوب الشرعية والقانونية والأخلاقية التي تعتريه، والدعوة إلى استفتاء شعبي على أيّ مشاريع قوانين تمسّ بنية المجتمع بهذا الشكل.