Skip to main content
ضحايا التحرش و"الاستقصاء": الفبركة صك براءة؟
العربي الجديد ــ القاهرة
من تظاهرة ضد التحرش الجنسي في القاهرة عام 2014 (أحمد إسماعيل/الأناضول)

"وعلى الباغي تدور الدوائر... بعد قليل رد عملي على كل ما نشر ضدي"... هكذا جهز الصحافي المصري، هشام علام، جمهور مواقع التواصل الاجتماعي يوم الجمعة لـ"رد عملي" على شهادات التحرش الجنسي ضده، ثم نشر مقطع فيديو استعان فيه بصحافيتين مصرية وسورية، فبركتا شهادات تحرش ضده، وأرسلتاها إلى موقع "مدونة حكايات" الذي تولى نشر شهادات الصحافيات منذ البداية.

ودشن علام وسم "#هشام_علام_بريء" ليتفاعل معه مؤيدون، في مواجهة وسم "#هشام_علام_متحرش" الذي شهد مئات المنشورات خلال الأيام القليلة الماضية.

الفيديو والمنشور الذي سبقه لا يظهران حالياً على صفحة هشام علام الرسمية، إما لأنه حذفهما أو غير إعدادت الخصوصية أمام العامّة.

مشاهدات مقطع الفيديو أججت حرب الوسوم، إذ رفض البعض طريقة الرد على مزاعم التحرش الجنسي بالاستعانة بشهادات مفبركة، على اعتبار أن "الغاية لا تبرر الوسيلة"، وأن "كونه صحافياً استقصائياً، عليه أن يعي أن تزوير المستندات لإثبات فرضية، يتعارض مع المبادئ الصحافية كافة"، وأن "إثبات فبركة شهادتين لا ينفي صدق الشهادات الأخرى". في المقابل، رأى آخرون أن من حق علام الدفاع عن نفسه وعن سمعته الصحافية في مصر والعالم العربي، وأنه أثبت أن فبركة الادعاءات للنيل من أي شخصية عامة بات سهلاً في عصر مواقع التواصل الاجتماعي، وأنه "من غير المقبول أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي منصات للتشهير والإدانة والاتهام وعقد المحاكمات بأقوال مرسلة من دون دليل".

وقبل نشر الفيديو، كان موقع "درج" الإلكتروني أعلن عن تعليق تعاونه مع الصحافي المصري هشام علّام، "كمنبر إعلامي مستقل ملتزم قولاً وفعلاً بقضايا النساء والعدالة الجندريّة، ولأنّنا مؤمنون/ات بضرورة المساهمة في مكافحة العنف الجنسي بأشكاله". كما أشار "درج" إلى أنه بصدد إجراء تحقيق داخلي مع الزميلات "للتحقق ما إذا كانت إحداهن قد تعرضت لتحرش أو مضايقة جنسية من الشخص المعني أو من غيره".

في اليوم نفسه، أصدرت شبكة "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية" (أريج) بياناً أكدت فيه "موقفها المبدئي والحازم بالوقوف إلى جانب ضحايا/ناجيات التحرش، خصوصاً بين الزميلات الصحافيات"، وفيما يخص القضية مَثار الجدل بخصوص ورشة عام 2015 والاتهامات ضد الصحافي هشام علام، أكدت أنها "تنظر إلى هذه الاتهامات بجدية"، ولفتت إلى أن علام لا يعمل على أي تحقيق أو مشروع مع "أريج" حالياً.

وبعد ساعات، نشرت صفحة موقع "دفتر حكايات" على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" رداً بالفيديو نشره علام، اتهمها فيه بعدم توثيق، أو حتى محاولة التأكد بأي وسيلة من صدق هذه الروايات المنشورة عبرها. وذكر بيان القائمات على "دفتر حكايات" بأنهن "ينطلقن في عملهن من تصديق الناجيات/الضحايا. هذا مبدأنا النسوي الذي تمسّكنا به في تلقّينا للشهادات السابقة، وسنظل متمسكات به ما دامت المدونة تعمل. يأتي هذا المبدأ بحكم وجودنا في مجتمع يميل دائماً إلى التشكيك في صدق ما تبوح به النساء عما تعرضن له من عنف جنسي، ويضع دائماً مسؤولية إثبات صحة الوقائع من عدمها على عاتق النساء، مما يزيد من صعوبة عملية البوح ومن تضييق المساحات التي يمكن للنساء الكلام والحكي فيها".

وأضافت القائمات على المدونة أنه "منذ اليوم الأول الذي أطلقنا فيه هذه المدونة، كان رهاننا أن تستمد مصداقيتها من خلال مدى التزامها التام بالمبادئ النسوية والأخلاقية في العمل مع الناجيات/الضحايا ودعمهن، وفقًا لما ذكرناه في المبادئ والقواعد والسياسات المنشورة على صفحتنا، وليس من خلال التعريف بهويات القائمات عليها. التزمنا بهذه المبادئ مع الشهادتين المفبركتين الواردتين إلينا على بريد المدونة من صاحباتها ــ ونؤكد أننا نشرنا واحدة منهما فقط، وحذفناها عقب تأكدنا من عدم صحتها ــ فقمنا بالحديث معهن، وتقديم الدعم اللازم لهن، ولم نضغط على إحداهن عندما تراجعت عن نشر شهادتها عقب إرسالها لنا، بل هي من عاودت طلب النشر مرة أخرى، وهو ما أدركنا بعد ذلك أنه كان جزءا من خطة مرسومة للتشكيك في مصداقية المدونة".

وشددت المدونة على أن "شهادتين مفبركتين وصلتا إلينا ــ اختلقهما ه.ع بنفسه ــ لكن بالنسبة لنا لا يقلل هذا إطلاقاً من تصديقنا للنساء الأخريات صاحبات الشهادات الأخرى التي وصلتنا عنه، سواء الثلاث المنشورة فعلياً أو الشهادات الأخرى التي وردتنا التي سنتواصل مع صاحباتها لنشرها في الأيام القادمة. نصدق صاحبات تلك الشهادات وندعمهن. ونصدق أنهن ــ بإرسال شهاداتهن للمدونة ــ يردن دعم أخريات في معاركهن من أجل التعافي مما مررن به من تجارب شبيهة مع ه.ع أو غيره".

وتابعت القائمات على المدونة: "نحن ندرك جيدًا أن أحد العوامل التي تثني النساء عن اتخاذ المسارات الرسمية في قضايا العنف الجنسي، هو صعوبة تقديم دليل قاطع عما تعرضن له، بالإضافة للضغط المجتمعي الذي دائماً ما يترتب على إعلانهن لهوياتهن وينتج عنه ضغط نفسي وشعور دائم بالحصار. ولهذا لا نرغب في أن نكون جزءاً من الحصار الممنهج هذا الذي تواجهه الناجيات/الضحايا وحدهن. فكما أشرنا سابقاً نحن لسنا جهة تحقيق ولا هدفنا تقصي الحقيقة".

ولفتن إلى أن "ما حدث من محاولة لكسر مصداقية قصص الناجيات يذكرنا بما حُفِر في ذاكرتنا القريبة في قضية #المغتصب_أحمد_بسام_زكي الذي ادعى حسابٌ ما أنه إحدى الناجيات/الضحايا، ونشرت عنه الصحف. إلا أن محاولة التزييف هذه لم تبدل من الحقيقة التي نعلمها جميعاً. ختاما، نرى أهمية وجود منصة مثل مدونة (دفتر حكايات) في إتاحة مساحة حرة لمشاركة تجاربنا مع العنف الممنهج الذي نتعرض له كنساء، ومن آثار وتبعات وقائع العنف الجنسي علينا وعلى أجسادنا وأرواحنا. نود التأكيد من جديد، أننا لسنا جهة تحقيق ولا دورنا البحث عن الحقيقة أو إثبات صحة الشهادات من عدمها، ولكننا مجدداً نؤمن بواجبنا في توفير منصة نسوية تستطيع النساء من خلالها المشاركة والبوح عن تجاربهن بلغتهن، من دون أحكام أو تقييم، وفقًا لشروطهن، في محاولة منا لتخفيف أعباء رحلة التعافي عليهن".

وكان مجلس نقابة الصحافيين المصريين أصدر بيانًا رفض ودان فيه جرائم التحرش الجنسي ضد الصحافيات، ودعاهن إلى التقدم ببلاغات فورية للنيابة العامة. وصرح النقيب ضياء رشوان بأن "مجلس النقابة يعلن رفضه التام وإدانته المطلقة لجرائم التحرش والاعتداء الجنسي التي وقعت في مصر وجرى الحديث والنشر عنها أخيراً ضد أي آنسة أو سيدة مصرية أو غير مصرية عموماً، وضد أي زميلة صحافية على وجه الخصوص". وأكد رشوان أن هذه الجرائم تقع تحت طائلة قانون العقوبات الذي أفرد لها عقوبات رادعة، وضاعفها في حالة استغلال الجاني لسلطته الوظيفية أو الأسرية أو الدراسية على المجني عليه، وجعل من النيابة العامة جهة الاختصاص الوحيدة القادرة على تحريك الدعاوى بشأنها واتخاذ المسارات القانونية اللازمة من تحقيقات ومحاكمات، بما يفضي إلى توقيع العقوبة القانونية الواجبة على مرتكبيها.

وسبق بيان مجلس نقابة الصحافيين، إطلاق مجموعة من الصحافيات المصريات بيانًا لجمع أكبر عدد من التوقيعات عليه، يطالبن فيه مجلس النقابة بالتدخل، وتخصيص لجنة تحقيق محايدة، وتشكيل لجنة للمرأة في النقابة. وقالت الموقعات: "يؤسفنا ويؤرقنا بشدة أن بيئة العمل الصحافي في مصر كانت ولا تزال بيئة غير آمنة للنساء، لا سيما أن المؤسسات الصحافية ونقابة الصحافيين ذاتها تفتقد وجود آليات لمناهضة التحرش والعنف الجنسي والتمييز ضد النساء، علاوة على ضعف تمثيلهن في مجلس إدارة النقابة ومجالس إدارات المؤسسات الصحافية بمختلف أنماط ملكيتها".