Skip to main content
تبرئة كلينتون في "البريد الإلكتروني" تعزّز وصولها للبيت الأبيض
منير الماوري ــ واشنطن
التبرئة أنقذت كلينتون من ورطة قانونية (ملينا مارا/Getty)
تنفّس أنصار المرشحة الديمقراطية المحتملة للرئاسة الأميركية، هيلاري كلينتون، الصعداء، بعد قرار مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركي "أف بي آي"، أخيراً، الامتناع عن ملاحقة وزيرة الخارجية السابقة، قانونياً، في قضية الخوادم الإلكترونية. صحيح أنّ هذه التبرئة أنقذتها من ورطة قانونية كان من المحتمل أن تفقد بسببها حق الترشيح، إلا أنه لا يزال من المبكر الجزم بأن الإدانة قد أدخلتها في ورطة سياسية أو أنها ستلحق بها ضرراً إلى درجة خسارتها الانتخابات لصالح منافسها الجمهوري دونالد ترامب.

كما أنّ قرار المكتب الفيدرالي صدر مقابله قرار مضاد عن رئيس مجلس النواب الأميركي باول راين يتضمن عزمه على استدعاء مدير الـ"أف بي آي"، جيمس كومي، للمثول أمام الكونغرس الأميركي، في جلسة استجواب مفتوحة لتفسير التناقض الناجم عن "التبرئة والإدانة" في آن واحد. هذا التحرك المفاجئ من جانب رئيس مجلس النواب الذي يمثل كذلك الأغلبية الجمهورية بالمجلس، اعتبر مؤشراً قوياً على أن تبرئة كلينتون لم تضع حداً لتداعيات القضية، سياسياً، بقدر ما زادتها اشتعالاً، فيما تحوّلت الأوصاف القاسية التي أطلقها كومي على كلينتون إلى مقاطع إعلانية تلفزيونية للتعريض بنزاهة كلينتون.

وأوضح كومي، خلال إيجاز صحافي خاص عقده في واشنطن، أول من أمس الثلاثاء، أن المكتب أوصى وزارة العدل الأميركية بالامتناع عن ملاحقة كلينتون قضائياً، والاكتفاء بتوبيخها سياسياً. وكشف كومي عن أن كلينتون استخدمت خوادم وليس خادماً واحداً لتخزين مراسلاتها الشخصية والرسمية، مرجحاً أن تكون هذه الخوادم قد تعرضت لاختراق أجنبي. كما كشف كومي عن تفاصيل جديدة ورسائل في غاية السرية لم تكن تعترف كلينتون من قبل بإرسالها أو استقبالها، الأمر الذي أتاح لخصومها فرصة اتهامها بالكذب ومحاولة خداع الشعب الأميركي. وعلى الرغم من أن كومي رفض الإجابة على أسئلة الصحافيين، برّر، في بيانه، عدم توجيه اتهام جنائي لكيلنتون أو أي من مساعديها السابقين، بأنه يعود إلى قناعة المحققين بغياب "القصد الجرمي"، تاركاً المجال لأي عقوبات إدارية للسلطة التنفيذية أو الجهات المعنية في وزارة الخارجية.

وقبل التوبيخ والقسوة في وصف ما أقدمت عليه كلينتون باللامبالاة في التعامل مع معلومات سرية وحساسة للغاية، كانت الشكوك حول الوزيرة الأميركية في أعلى مستواها. وعلى الرغم من ذلك، أظهر استطلاع نشرت نتائجه وكالة "رويترز" قبل التبرئة بساعات، أن الفارق بين كلينتون وترامب بلغ 13 نقطة مئوية لصالحها. وأجري الاستطلاع في الفترة من الأول إلى الخامس من يوليو/ تموز الحالي. 

وأظهر استطلاع "رويترز" أن 47 في المائة من الناخبين يؤيدون كلينتون، وحاز ترامب على 33 في المائة، فيما لا يزال هناك 20 في المائة لم يقرروا بعد أو لا يريدون أياً من المرشحين الاثنين. ويبدو أن معظم هؤلاء هم من أنصار منافس كلينتون السابق، بيرني ساندرز، الذي يحاول ترامب أن يكسب مؤيديه. ومن المفارقات أن 50 في المائة من مؤيدي كلينتون يستندون في دعمها إلى كراهيتهم لترامب، في حين أن نسبة مماثلة من أنصار ترامب لا يؤيدونه حباً به، بل كراهية بمؤسستهم الحزبية.

خيبة أمل ساندرز
إزاء قرار مكتب التحقيقات، تساءل ترامب أمام تجمع واسع لأنصاره في ولاية نورث كارولينا، يوم الثلاثاء، "من هو الأكثر غضباً من التبرئة التي حصلت عليها كلينتون؟"، وأجاب على تساؤله بنفسه قائلاً، إنّه "بيرني ساندرز". وبالفعل، كان ترامب صادقاً في ظنّه، إذ إن ساندرز أصيب بخيبة أمل كبيرة من براءة كلينتون، ربما أكبر مما كانت خيبته من فشله أمامها في الانتخابات التمهيدية. وتزايدت التكهنات باحتمال أن يخوض ساندرز الانتخابات كمرشح ثالث باسم حزب الخضر، لكن لم يصدر عن حملته حتى الآن ما يؤكد ذلك أو ينفيه.






ووصف ساندرز قرار الـ"أف بي آي" بأنّه غير عادل، وهو الوصف ذاته الذي استخدمه ترامب. لكن ما لم يقله ترامب أنّ المستفيد المحتمل من التبرئة بعد كلينتون نفسها هو ترامب، لأنه وجد أمامه وقوداً لإشعاله في وجهها أثناء المناظرات المقبلة بينهما، استناداً إلى شهادة الإدانة، فضلاً عن أنه نجا من خوض الانتخابات أمام ساندرز الذي تشير استطلاعات الرأي بأن الأخير أكثر قدرة من كلينتون على إلحاق الهزيمة به.

ويعتقد بعض المراقبين أن وزارة العدل الأميركية ليست ملزمة بتطبيق توصية الـ"أف بي آي"، وبإمكانها اتخاذ قرار سياسي بمحاكمة كلينتون على إهمالها، لكن ترامب استبعد ذلك قائلاً إن "وزارة العدل خاضعة لهيمنة وزيرة عيّنها رئيس من الحزب الديمقراطي، وسبق لها أن التقت بالرئيس السابق بيل كلينتون، قبل أيام من صدور قرار أف بي آي"، في تلميح منه إلى أن القرار خضع لتأثير سياسي.

ومن التفاصيل الواردة في بيان التبرئة والإدانة الصادر من الـ"أف بي آي"، ويُتوقع أن يستخدمها الجمهوريون وقوداً إضافياً لتقريع كلينتون، ومحاولة إسقاطها في الانتخابات التي لم يتبق عليها سوى أربعة أشهر، أنّ "أف بي آي" حدد 111 رسالة إلكترونية تحتوي معلومات سرية وقت إرسالها وتلقيها، من بينها ثماني رسائل كانت "سرية للغاية". ويضاف إلى ذلك، وجود نحو 2000 رسالة تحوي معلومات كان يجب أن يقتصر تداولها على المسؤولين الحكوميين، وهو ما لم يتم الالتزام به.

وأقرّ مكتب "أف بي آي" بأن بعض الرسائل التي حذفتها كلينتون بإشراف محامين تابعين لها قبل إعادة آلاف الرسائل إلى وزارة الخارجية عام 2014، كان من بينها رسائل ذات صلة بالعمل، غير أن القصد الجنائي من الحذف جرى استبعاده لأن مراجعة الرسائل وفرزها اعتمد المحامون فيه على محركات البحث وليس قراءة المحتوى كاملاً.

وفي ما يخص الاختراق، قال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية، "لم نجد دليلاً مباشراً على اختراق الخوادم الخاصة بوزيرة الخارجية السابقة. لكن نظراً لطبيعة تلك الخوادم ونظام العمل بها، فإننا نعتقد أن جهات معادية تمكّنت من الوصول إليها، وإلى حسابات البريد الإلكتروني التجارية الخاصة بمن كانوا يتبادلون الرسائل مع كلينتون". وأضاف أن "استخدام كلينتون لبريدها الإلكتروني أثناء وجودها خارج الأراضي الأميركية يرسّخ الاعتقاد بأن الاختراق قد تمّ، وإنْ لم يكن هناك أي أثر له".

وبيّن كومي أن عدم ملاحقة كلينتون قضائياً "لا يعني أنه في ظروف مماثلة لن يتعرض مرتكب مثل هذا الخطأ لعواقب قانونية"، مشدداً على أن "الأفراد عادة ما يكونون عرضة لعقوبات إدارية، وأن أف بي آي ليست في موقف اقتراح فرض ذلك. فهذا الأمر متروك لوزارة الخارجية، الجهة المعنية". وشدّد كومي على أن إجراءات التحقيق تم القيام بها باستقلالية كاملة بعيداً عن أي تأثير من أي نوع ومن أي جهة.

رئيسة بلا تصريح أمني
وعلى الرغم من أن النتيجة تخلي ساحة كلينتون قانونياً، فإن التوبيخ بشأن اللامبالاة والإهمال في أمر يتعلق بالعمل من قبل موظف عام في الحكومة الفيدرالية الأميركية يؤدي عادة إلى حرمانه من الحصول على التصريح الأمني الخاص به للاطلاع على المعلومات المصنّفة في خانة السرية، وهي معلومات يتعامل معها الرئيس المنتخب بصورة يومية، ويتصادم حرمانه منها مع طبيعة عمله الرئاسي. لذلك سارع ترامب إلى القول إن "هذا السبب في حدّ ذاته يعد كافياً لحرمانها من الترشيح، لأن العمل في البيت الأبيض يتطلب الاطلاع على معلومات سرية".