Skip to main content
أرقام التضخم... هل تضلل حكومة تونس المواطنين؟
فرح سليم ــ تونس
بيانات التضخم لا تعكس قفزات الأسعار (فتحي بلعيد/فرانس برس)
تتضارب وجهات النظر في تونس بشأن المعدلات الحقيقية للتضخم، وطرق احتسابها، حيث يجد المراقبون فجوة كبيرة بين النسب التي تعلنها الجهات الحكومية المختصة وبين قفزات الأسعار التي تسجلها الأسواق بمختلف القطاعات.
وتشير البيانات الرسمية الأخيرة إلى ارتفاع طفيف في معدل التضخم الذي سجل 4.8% بنهاية مارس/آذار الماضي، مقابل نحو 4.6% خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط من السنة الحالية، حسب المعهد الوطني للإحصاء، فيما يقول مهنيون إن أسعار مختلف السلع تسجل قفزات متتالية تجاوزت 100% في بعض الأحيان.

ويشير المهتمون بالشأن الاقتصادي إلى طريقة احتساب النسب الرسمية المعلن عنها بعيدة كل البعد عن التضخم الذي يلمسه التونسيون في حياتهم اليومية، ما يستدعى القيام بمراجعات كبيرة في طرق احتساب مختلف المؤشرات.
ويشير الخبير المالي وجدي بالرجب، إلى أن نسبة التضخم الملموس في تونس حاليا تقترب من 11%، مشيرا في تصريح لـ "العربي الجديد" إلى أن معهد الإحصاء يستعمل منهجية غير محدّثة في احتساب الأرقام، خاصة أن آخر تحديث قام به المعهد كان سنة 2010، وفق تأكيده.
وقال بالرجب، إن دقة الأرقام تتطلب تحديثا متواصلا لمنهجية عمل معاهد الإحصاء حتى تكون بياناتهم متطابقة مع الواقع الملموس، خاصة فيما يتعلق بنسب التضخم والفقر.

وأكد الخبير المالي أن الاقتصاد المحلي شهد متغيرات كثيرة منذ سنة 2010 منها تراجع قيمة العملة وارتفاع سلة الاستهلاك وتآكل المقدرة الشرائية، مما يجعل نسبة التضخم أقرب إلى 11% منها إلى الأرقام الرسمية التي لم تتجاوز 4.8% الشهر الماضي.
ووفق بالرجب، يقع احتساب نسبة التضخم من قبل معهد الاستهلاك وفق المجموعات الاستهلاكية، لافتا إلى أن المعهد يحتسب مجموعة الغذاء في حدود 28% من نفقات التونسيين، في حين أن هذه النسبة ترتفع إلى 40%.
كما يحصر مجموعة نفقات السكن وفواتير الكهرباء والماء في حدود 18%، والحال أن الواقع يبرز أن مجمل هذه النفقات تفوق 40%، ما يفضي إلى نتائج نهائية مغلوطة في احتساب نسبة التضخم، حسب تأكيده.

ودعا بالرجب إلى رفع نسبة نفقات التعليم والاتصالات في احتساب نسبة التضخم في ظل ارتفاع نسبة إقبال التونسيين على التعليم الابتدائي الخاص، بعد ارتفاع عدد تلاميذ المدارس الخاصة من 25 ألف تلميذ إلى 60 ألفا حاليا.
ونقلت وكالة الأنباء التونسية الرسمية (وات)، عن الخبير الاقتصادي وليد بن صالح، مؤخرا، أن نسبة التضخم الحقيقية للبلاد في ظل تدهور الوضع الاقتصادي، تصل إلى 11% من الناتج المحلي الإجمالي، في الوقت الذي تشير فيه الإحصاءات الرسمية إلى أنها لا تتجاوز 4.8%.
وقال بن صالح إن سلّة المنتجات المعتمدة من قبل المعهد الوطني للإحصاء في احتساب التضخم لا تعكس حجم الاستهلاك على المستوى المحلي، مشيرا إلى أن عددا لا بأس به من المنتجات غير ممثل في هذه السلة رغم أنها تشكل حصة أساسية من استهلاك السكان، ومنها نفقات التربية والتعليم الخاص والصحة والترفيه.
ويعتمد معهد الإحصاء في احتساب نسبة التضخم بنسبة الثلث على المواد المدعمة التي لا تعرف استقرارا في الأسعار، في حين تشهد الأسعار المحررة ارتفاعا متواصلا من يوم إلى آخر، ما يؤيد الآراء المشككة في النسبة الحقيقية للتضخم.

ولا يعد الجدل الحاصل حول حقيقة نسبة التضخم الأول من نوعه حول الأرقام والبيانات التي يصدرها المعهد الوطني للإحصاء (مؤسسة حكومية تصدر عنها البيانات الرسمية) حيث سبق أن شكك نواب البرلمان في البيانات المتعلقة بنسبة الفقر في البلاد.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أثارت طريقة احتساب نسب الفقر جدلاً كبيراً في البرلمان التونسي، بعدما شكك برلمانيون في النسب الرسمية المعلن عنها من قبل المعهد الوطني للإحصاء.
واتهم نواب من البرلمان، المدير العام للمعهد الوطني للإحصاء بالتلاعب بالأرقام بخصوص نسبة الفقر بين الأعوام 2010 و2015، معتبرين أنه لا يعقل الحديث عن انخفاض في هذه النسبة من 20.2% في عام 2010 إلى 15.5% في العام 2015، في الوقت الذي تمر فيه البلاد بصعوبات اقتصادية، أدت إلى انحدار جزء مهم من الطبقة المتوسطة نحو دائرة الفقر.

وشهدت أسعار الخضار في تونس، ارتفاعاً في الأسابيع الأخيرة، ما دعا الحكومة التونسية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمحاولة الحد منه، كفتح نقاط بيع من المنتج إلى المستهلك.
وتتوقع الحكومة التونسية، بلوغ نسبة تضخم في العام الجاري، عند 3.6% حسب قانون المالية لهذا العام.
وخلال السنوات الخمس الماضية لم تسجل تونس أي تراجع في نسبة التضخم مقارنة بالعام 2010 التي يتخذها معهد الإحصاء كسنة مرجعية، حيث تراوحت هذه النسبة بين 4.1% نهاية 2015 و4.8% نهاية 2014.

وتسعى الحكومة إلى محاصرة نسب التضخم بالتكثيف من حملات المراقبة على الأسعار، وترشيد الاستهلاك، وتعديل الزيادات في أسعار المواد الأساسية، غير أن خبراء الاقتصاد يؤكدون أن مشكلة التضخم تعود أساساً إلى مشاكل هيكلية في الاقتصاد التونسي، أهمها ضعف نسبة النمو وتعطل الإنتاج في قطاعات حيوية فضلاً عن التراجع الحاد لسعر العملة المحلية.