6 أشهر من العدوان: ماذا تبقى من المؤسسات التعليمية في غزة؟

6 أشهر من العدوان الإسرائيلي: ماذا تبقى من المؤسسات التعليمية في غزة؟

07 ابريل 2024
مدرسة تحولت إلى مركز إيواء (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، تعرضت المؤسسات التعليمية لدمار شامل، مؤثرةً على الطلاب والأكاديميين وأهالي القطاع. حوالي 100 مدرسة وجامعة دُمرت بالكامل، بما في ذلك الجامعات الـ17 بالقطاع.
- الأضرار لم تقتصر على البنى التحتية فقط بل شملت أيضًا خسارة أرواح، مع تعرض جامعتي الإسلامية والأزهر لأضرار جسيمة، مما يعكس الأثر العميق للعدوان على التعليم.
- على الرغم من الدمار، يظل الأمل موجودًا لدى الطلاب والمعلمين في إمكانية إعادة بناء مستقبل التعليم بغزة، مع التأكيد على أهمية الجهود المستقبلية لإعادة بناء القطاع التعليمي وتوفير فرص التعليم المؤقت.

كانت المدارس والجامعات الفلسطينية في قطاع غزة، بالإضافة إلى الطلاب والأكاديميين، هدفاً مباشراً للاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه الحالي على القطاع. مع ذلك، يبقى لدى الغزيين الأمل بإحياء العملية التعليمية بعد انتهاء العدوان.

يُواجه طلاب غزة وأكاديميّوها مصيراً مجهولاً بعد تدمير المنشآت التعليمية من مدارس وجامعات. وعلى الرغم من أن هؤلاء هم الفئة المعنية مباشرة بهذا الدمار، إلا أن التأثيرات تنسحب على أهالي القطاع عامة. فللجميع أولاد تخرجوا منها وذكريات جميلة. 
اهتم الغزيون بالتعليم منذ النكبة الفلسطينية عام 1948، سلاحاً لمواجهة ظروفهم التي فُرضت عليهم في ظل حياة اللجوء وتحت رحمة الاحتلال والحصار الإسرائيلي. وعلى الرغم من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة والحصار، كانت أعداد الطلاب ترتفع، ولم يستثن العدوان الإسرائيلي السابق المدارس والجامعات، لكنها كانت أهدافاً رئيسية له خلال هذا العدوان. 
ومنذ الأسبوع الأول للعدوان، رصد المكتب الإعلامي الحكومي تدميراً متعمداً للمدارس والجامعات، هي التي كانت ضمن الأهداف الرئيسية للاحتلال الإسرائيلي. ودمر الاحتلال منذ بداية العدوان حتى نهاية مارس/ آذار الماضي حوالي 100 جامعة ومدرسة حكومية وخاصة وأخرى تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيما ألحق دماراً جزئياً بحوالي 305 مدرسة وجامعة.
واستهدف الاحتلال جميع الجامعات والكليات البالغ عددها 17 في قطاع غزة، من بينها جامعتا الأزهر والجامعة الإسلامية، وهما أهم جامعتين في قطاع غزة وارتبط وجودهما بتاريخ القطاع والحركة النضالية الفلسطينية والتظاهرات الطلابية خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لغزة قبل قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994.
وتأسست جامعة الأزهر عام 1991 بقرار من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، بهدف غرس الشباب الفلسطيني في بلده وتدعيم جذوره فيها، وقد نمت هذه الجامعة نمواً سريعاً. وبدأت جامعة الأزهر بكليتين فقط، هما: كلية الشريعة والقانون (كلية الحقوق الآن) وكلية التربية. وفي عام 1992، أُنشئت أربع كليات أخرى هي الصيدلة، والزراعة، والعلوم، والآداب الإنسانية، ثم أضيفت إليها في العام 1993 كلية سابعة وهي كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية.
أما الجامعة الإسلامية، فتعد إحدى أبرز الجامعات الفلسطينية، وهي مؤسسة أكاديمية مستقلة من مؤسسات التعليم العالي في فلسطين، تعمل بإشراف وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، وتأسست عام 1978 وهي عضو في اتحاد الجامعات العربية ورابطة الجامعات الإسلامية ورابطة جامعات البحر الأبيض المتوسط والاتحاد الدولي للجامعات، وتربطها علاقات تعاون بالكثير من الجامعات العربية والأجنبية.

كان هذا المبنى مدرسة قبل تدميره (محمود عيسى/ الأناضول)
كان هذا المبنى مدرسة قبل تدميره (محمود عيسى/ الأناضول)

ويقول الأستاذ المتخصّص بالعلوم الإدارية في جامعة الأزهر باسم رزق (55 عاماً)، إن الاحتلال الإسرائيلي دمر القطاع التعليمي الأكاديمي بالكامل، موضحاً أنه دمّر البنية التحتية للجامعات المحلية والكليات منها. كما يلفت إلى أنه فقد عدداً من زملائه خلال العدوان، منهم مؤسسون لأبرز الكليات وأكبرها في جامعات القطاع.
ويشدد على صعوبة تعويض الكوادر الأكاديمية المهمة في قطاع غزة. فقبل العدوان الإسرائيلي الأخير، كان بعضهم قد غادر القطاع جراء الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالجامعات. ويقول لـ "العربي الجديد": "يجب إنهاء العدوان الإسرائيلي وإعداد دراسة وخطة إنقاذ للقطاع الأكاديمي والاستغناء عن الدروس العملية والتطبيقية من أجل خلق فرصة لإعادة بناء عدد من المؤسسات الفلسطينية وتكوينها. على الرغم من الإحباط والأمل المعدوم بسبب الدمار الكبير، ما زلت أقول إننا شعب قادر ويمكن إعادة الأمل بأقل الخطوات لأننا ببساطة أصحاب الأرض".

قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كانت انطلاقة المسيرة التعليمية في قطاع غزة تواجه مصاعب عدة في ظل الأزمات المالية التي تعانيها المؤسسات التعليمية، بما فيها الجامعات والمدارس. يضاف إلى ما سبق التهديدات بتقليص دعم مدارس أونروا التي تضم 183 مدرسة، وتقدم الخدمة لما يقرب من 300 ألف طالب وطالبة.
في الأول من إبريل/ نيسان الحالي، أعلنت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية الانتهاكات التي لحقت بالقطاع التعليمي منذ بداية العدوان الإسرائيلي، ووثقت استشهاد أكثر من 6050 طالباً وطالبة، 5994 منهم ارتقوا في غزة و56 في الضفة الغربية، فيما بلغ عدد المصابين 9890 طالباً وطالبة في القطاع و329 في الضفة، مشيرة إلى اعتقال جيش الاحتلال 105 طالب.
وبلغ عدد الشهداء في صفوف المعلمين والإداريين في قطاع غزة 266، فيما أصيب 973 منهم في غزة. وتجاوز عدد الشهداء الأكاديميين الـ 200، بعض هؤلاء من حملة الدرجات المتقدمة (البروفيسور والدكتوراه). وتلفت الوزارة إلى أن عدد المدارس الحكومية التي تعرضت للاستهداف في القطاع بلغ 286 مدرسة حكومية، و65 مدرسة تابعة لأونروا، مشيرة إلى أن معظم الطلبة يعانون صدمات نفسية ويواجهون ظروفاً صحية صعبة، مؤكدة في الوقت ذاته استخدام 133 مدرسة مراكزَ إيواء للأهالي.
وفي يناير/ كانون الأول الماضي، أكد بيان مشترك أصدرته أونروا ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم (اليونسكو) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، أن أكثر من 625 ألف طالب قد حرموا من التعليم منذ بدء الحرب على غزة، في حين فقد 22 ألف مدرس وظائفهم في قطاع التعليم.

دمار كبير لحق بالجامعة الإسلامية في غزة (فرانس برس)
دمار كبير لحق بالجامعة الإسلامية في غزة (فرانس برس)

إلى ذلك، يقول إبراهيم عمر، وهو مدير مدرسة الرشيدي الثانوية، إن المدرسة التي يديرها تضررت كثيراً وباتت غير صالحة للاستخدام، حتى إنه لا يمكن استخدام بعض الفصول غير المتضررة بسبب ما لحق بالبنية التحتية من دمار. ويقول إن معظم المدارس في قطاع غزة خلال السنوات الـ 15 الأخيرة بنيت بتمويل من دول مانحة أوروبية ومنها خليجية.
ويوضح أن القطاع التعليمي متضرر منذ ما قبل العدوان جراء الحصار وتقييد حرية التنقل من أجل انفتاح القطاع التعليمي على العالم الخارجي. يقول عمر لـ "العربي الجديد": "العدوان الإسرائيلي الحالي دمر كل شيء في قطاع التعليم. لكن بعد انتهاء العدوان، يمكن إعداد خطة إنقاذ تعليمية وتخصيص ثلاث فترات للدراسة في المدارس الناجية من القصف، بالإضافة إلى الدراسة في فصل الصيف. وفي ما يتعلق بالجامعات، يجب تخصيص عدد من المدارس والجامعات للتعليم المؤقت سواء وجاهياً أو من بعد. لكن بقاء العدوان يعني دمار القطاع التعليمي أكثر وضياع مستقبل المزيد من التلاميذ".
لم تدم فرحة الطالب عبد المطلب درويش (19 عاماً) بالتحاقه بقسم الهندسة الميكانيكية في الجامعة الإسلامية سوى شهر واحد. كان قد عمل جاهداً لتأمين رسوم الجامعة والحصول على منحة 50 في المائة لكونه حافظاً للقرآن، وتقديمه طلباً للحصول على حسم بسبب ظروفه الاجتماعية. يصف واقعه الحالي بالكابوس الكبير، إذ يعيش الآن في خيام قرب الحدود الفلسطينية المصرية. كان يأمل أن تغير الجامعة حياته إلى الأفضل، خصوصاً أن والده من الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية، وتعتمد أسرته على مساعدات وزارة التنمية الاجتماعية أونروا.  

دمر الاحتلال منزل درويش البسيط في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، ويعيش للشهر الخامس على التوالي من دون منزل. لكن الصدمة الكبيرة كانت رؤيته دمار كليته الجامعية عبر الفيديوهات المنتشرة ما بين نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول، وقد شعر بانكسار كبير.
يقول درويش لـ "العربي الجديد": "أنا واحد من الطلاب المتمسكين بالتعليم كونه سلاحاً ينتشلنا من ظروفنا الصعبة إلى نور العلم، ومعظمنا الآن أصبح أشد فقراً وسواسية. كان طلاب كثيرون يناضلون للحصول على الرسوم والمنح الدراسية والآن نفكر في العام الذي ضاع هباءً بسبب العدوان وتدمير منازلنا وأحلامنا وطموحاتنا. نبحث عن أي أمل، لكننا لا نجده بعدما خسرنا كل شيء".

المساهمون