ما بقي من خانيونس... الاحتلال يدمّر معالم المدينة ويقتل أهلها

ما بقي من خانيونس... الاحتلال يدمّر معالم المدينة ويقتل أهلها

غزة

أمجد ياغي

avata
أمجد ياغي
10 ابريل 2024
+ الخط -
اظهر الملخص
- عاد أهالي خانيونس ليكشفوا عن الدمار الهائل والجثامين المتحللة بعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي، الذي أدى عمليات عسكرية لأكثر من ثلاثة أشهر، مما أثر على البيوت، الممتلكات، والبنية التحتية.
- خانيونس، المحافظة الثانية الأكبر في قطاع غزة، شهدت تدميراً لمعالمها الرئيسية، منازل، مدارس، جامعات، والأراضي الزراعية، مما أثر على البنية الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة.
- الهجوم أسفر عن استشهاد أكثر من 1300 شخص وتضرر أو دمار أكثر من 55% من مباني المدينة، بما في ذلك مستشفيات وأسواق، مما يضع السكان أمام تحدي إعادة بناء حياتهم والحفاظ على الأمل في العدالة.

عاد بعض أهالي مدينة خانيونس ليرووا ما شاهدوه من فظائع ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي قبل انسحابها منها. هؤلاء تحدثوا عن جثامين متحللة ودمار كبير في البيوت والممتلكات والطرقات والأرواح.

لا يزال سكان مدينة خانيونس يبحثون عن ذويهم ومتعلّقاتهم ويتفقدون ممتلكاتهم أو ما بقي منها بعد إعلان الاحتلال الإسرائيلي الانسحاب من كامل المدينة، عقب الانتهاء من العمليات العسكرية البرية التي تجاوزت مدتها الثلاثة أشهر، ليدمر أهم معالم المدينة ومنازل ومدارس وجامعات المنطقة وحتى الأراضي الزراعية فيها، التي كانت تعتبر سلة قطاع غزة الغذائية.
وتعد محافظة خانيونس المحافظة الثانية الأكبر لناحية المساحة في قطاع غزة بعد محافظة مدينة غزة، لكنها كانت ملجأً لمئات الآلاف خلال فترة العدوان الأولى، وكانت المحافظة الأكثر استقبالاً للمهجرين من مختلف المناطق على غرار البلدات الشرقية وحتى المنطقة الغربية التي نشأ فيها أول مخيم للمهجرين، بدءاً من شهر أكتوبر/ تشرين الأول وحتى مطلع يناير/ كانون الثاني الماضيين. 
وتعرّضت خانيونس إلى تدمير كبير وتقييد وصول فرق الإسعاف وطواقم الدفاع المدني إليها. وكشف الانسحاب الإسرائيلي عن وجود أعداد كبيرة من جثامين الغزيين الملقاة على الأرض في مختلف المناطق وداخل المنازل التي تعرضت للحرق والتدمير. وواصلت طواقم الدفاع المدني حتى صباح اليوم الثالث من الانسحاب الإسرائيلي (أمس الثلاثاء)، انتشال 85 شهيداً من مناطق مختلفة في المدينة كان يتواجد فيها الاحتلال ومركباته العسكرية.
وكان من بين الجثامين عدد من طواقم الإسعاف والهلال الأحمر الفلسطيني بالإضافة إلى مدنيين، منهم شقيق أحمد عمار، ويدعى محمد (23 عاماً)، الذي كان مفقوداً منذ ثلاثة أشهر وكان يأمل أهله أن يلتحق بهم في مدينة رفح في أية لحظة، لكن أُعلن عن استشهاده وانتشال جثمانه، فضلاً عن 10 شهداء آخرين، بينهم 6 أطفال من العائلة.
يشير عمار إلى أنّ المنطقة كانت تنعم بالهدوء قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي تاريخ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وكانت مقصداً للسكن كونها هادئة، لكنها تحولت إلى مدينة أشباح لم تُعرف ملامحها أو شوارعها أو أشجارها. تنتشر فيها الروائح الكريهة في وقت باتت ذكريات الناس منثورة على الأرض. يقول عمار لـ "العربي الجديد": "استُشهد عدد من أفراد العائلة في مدينة خانيونس في وقت سابق. وكان شقيقي مفقوداً من دون أن نعرف شيئاً عنه، لكن أخرج جثمانه وجثامين أخرى لأفراد من العائلة، وقد تحللت بعدما بقيت على الأرض أكثر من شهرين. لم أتحمل المشهد وعدتُ إلى والدتي في خيام المهجرين في مدينة رفح التي كانت قد علمت بنبأ استشهاد شقيقي قبل وصولي".
يضيف عمار: "مشيت في عدد من مناطق مدينة خانيونس وشعرت بحسرة كبيرة. الدمار في كل مكان... في المدرسة والكلية التي درست فيها في جامعة الأقصى والمحال التجارية والسوق. مُسِحت كل ملامح المدينة. كانت هناك مزارع صغيرة غرب منطقة الأبراج وقد أُحرقت. فعلاً أحرقوا الأخضر واليابس". 

قضايا وناس
التحديثات الحية

دمار هائل 

يقدّر المكتب الإعلامي الحكومي أن عملية خانيونس أدت إلى استشهاد أكثر من ألف و300 شهيد، وقال خبيران في رسم الخرائط إن الهجوم الإسرائيلي خلف أضراراً أو دماراً، تبدو واضحة، من الفضاء، لأكثر من نصف مباني المدينة. ومن المحتمل أن يكون أكثر من 55 في المائة من مباني المدينة قد تضرر أو دمر، وفقاً لتحليل بيانات القمر الصناعي كوبرنيكوس سنتينل-1ـ الذي أجراه كوري شير من مركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك وجامون فان دن هوك من جامعة ولاية أوريغون. وقالا إنهما أحصيا 45.000 مبنى.
مع ذلك، فإنّ الأضرار في خانيونس وأجزاء أخرى من جنوب القطاع أقل مما كانت عليه في شمال غزة، حيث يقدر الباحثون أن 70% من المباني قد تكون قد تضررت أو دمرت.
كما دمر الاحتلال الإسرائيلي أجزاءً من مستشفى الخير غرب مدينة خانيونس. وتعود آخر الأخبار الواردة عنها إلى فبراير/شباط الماضي حين اقتحمها الاحتلال، كما استهدف أقساماً من مجمع ناصر الطبي ودمّر أهم الأسواق الشعبية في المدينة والتي كانت مصدرعيش لمئات الباعة. ولم يستثن المحال التجارية المعروفة والشهيرة والتي تجاوز عمرها الـ 70 عاماً. 

غزة (ياسر قديج/ الأناضول)
غزة (ياسر قديح/ Getty)

قسم الاحتلال هجومه على المناطق في مدينة خانيونس، وكانت البداية في المنطقة الغربية الشمالية التي تضم مدينة حمد بن خليفة وذلك منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي وحتى مارس/ آذار الماضي، والمنطقة الشرقية التي تضم خمس بلدات وقرى وكانت تتميز بثروتها الزراعية والحيوانية، ثم منطقة خانيونس البلد وسط المدينة.

أهم معالم المدينة 

دمّر الاحتلال الإسرائيلي منطقة القلعة التي سميت بذلك نسبة إلى قلعة برقوق، ويعود تاريخها إلى عام 1387 م. وقد بناها الأمير يونس بن عبد الله النورزي بناءً على طلب من السلطان برقوق، أحد سلاطين العصر العربي الإسلامي المملوكي ومؤسس دولة المماليك البرجية. كما دمر منطقة الخان بالقرب منها، والتي تعود إلى عهد العثمانيين الذين اتخذوا من مدينة خانيونس مركزاً تجارياً وسياسياً.  
عاد رجل الإصلاح في المدينة أحمد الأسطل (62 عاماً)، والذي ينتمي إلى عائلة معروفة، إلى خانيونس ليرى المجلس الذي كان في منزله حيث يصلح بين العائلات في المدينة، ويقيم الأفراح لأفراد العائلة وقد دمر بالكامل. لم يجد شيئاً من منزله. كانت قد شاهد مقاطع فيديو نشرها الاحتلال على تطبيق "تيك توك"، والتي تظهر وجودهم في إحدى غرف بيته، وكانت المرة الأخيرة التي يراه فيها قبل تدميره. يعيش الأسطل في حالة صدمة كبيرة. ويشير إلى أن الاحتلال سرق بعض متعلقاته التراثية وخصوصاً تلك الفلسطينية مثل صبابات القهوة وغيرها من الأدوات القديمة والتحف التي يعتز بها وتعكس بعضاً من تاريخ عائلته.

يقول الأسطل لـ "العربي الجديد": "جذور عائلتي تمتد إلى مئات السنين. منذ ذلك الوقت ونحن نبني في خانيونس. لدينا أراض مسجلة منذ العهد العثماني في فلسطين وقد بنينا منازل وزرعنا واختار آخرون العمل في الصناعة. حتى في زمن النكبة واحتلال فلسطين، بقينا نطور مدينة خانيونس ونبني فيها كل شيء. ما من منطقة في المدينة إلا وساهم أفراد العائلة فيها بشيء ما". يضيف: "ضاعت غالبية ممتلكات العائلة وما بنيناه منذ مئات السنين بسبب الحقد الصهيوني. قدمت العائلة الكثير من الشهداء منذ النكبة الفلسطينية وحتى اللحظة، ودمر في المقابل كل ما بنيناه لأحفادنا بالكامل. أصبحت مدينة خانيونس عبارة عن ركام. لم يسلم شارع واحد منها. دمّر الاحتلال وهدم كل مقومات الحياة، ولم تبق إلا بعض الأرواح فينا. لدينا أمل في أحفادنا بأن يأتوا إلينا بحقّنا بعد مماتنا".
عثر العشرات من سكان خانيونس على جثامين ذويهم وقد استشهدوا عقب الانسحاب الإسرائيلي، وكان هؤلاء قد اختاروا البقاء لحماية البيوت كجزء من تمسكهم بالأرض والمنزل كما يقول محمد أبو سليمان، الذي يشير إلى أنه بعد مرور أكثر من عشرين يوماً على فقدان شقيقه مصطفى (30 عاماً)، عثر على جثته في منزلهم الذي يقع بالقرب من مستشفى الأمل التابع للهلال الأحمر. 
صدم أبو سليمان بما رآه. فقد محله التجاري في منطقة السوق التي دمرها الاحتلال، وهي قريبة من الكاراج الأقدم في المدينة. كما دمر عدداً من مصادر رزق عائلته وعائلة والدته المشهورين بالتجارة. وبعدما كانت لدى عائلته أملاكاً وكان وضعها المادي جيداً، باتت فقيرة. يضاف إلى الدمار فقدانه شقيقه وعدداً من أفراد أسرته من أولاده عمه.
يقول أبو سليمان لـ "العربي الجديد": "لم تعد خانيونس تلك المدينة المزدحمة المفعمة بالحياة التي كانت تضم منطقة السوق وأخرى مطلة على البحر، بالإضافة إلى منطقة زراعية شرقاً. أصبحت مدمرة والشوارع مليئة بالحفر. مصادر رزقنا سويت بالأرض وأصبحنا فقراء وأسر شهداء حالنا حال جميع الغزيين. فربما خسر جميع الغزيين فرداً من أفراد عائلاتهم على الأقل". يضيف: كان شقيقي صامداً في منزلنا، ولم يرغب في النزوح معنا إذ أراد أن يحافظ على ما نملكه في المنزل. مات شهيداً يدافع عن ما نملك وصامداً في المنزل. مات مغدوراً وقد أعدمه الاحتلال بطلقات نارية كمان قال الأطباء. لا أعرف مصيرنا وقد أصبحنا من دون منزل. الكثير من سكان مدينة خانيونس لا يعرفون إذا كان من الأفضل العودة إلى العيش وسط الدمار أو البقاء في رفح".

ذات صلة

الصورة
مظاهرة في برلين بعد منع مؤتمر فلسطين 13 إبريل 2024

سياسة

خرجت مظاهرة، ظهر السبت، في برلين احتجاجاً على قيام الشرطة الألمانيّة بمنع انعقاد مؤتمر فلسطين، أمس الجمعة، إضافة لمنع الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة
الصورة
اختاروا النزوح من مخيم النصيرات جراء القصف (فرانس برس)

مجتمع

الاستهداف الإسرائيلي الأخير لمخيم النصيرات جعل أهله والمهجرين إليه يخشون تدميره واحتلاله إمعاناً في تقسيم قطاع غزة إلى قسمين، في وقت لم يبق لهم مكان يذهبون إليه
الصورة
مسيرة المسجد الحسيني

سياسة

شارك اردنيون في مسيرة شعبية حاشدة في وسط العاصمة الأردنية عمان تحت عنوان: "عيدنا بانتصار المقاومة"، مطالبين بوقف العدوان المتواصل على قطاع غزة
الصورة
الصحافي بيتر ماس (Getty)

منوعات

كتب الصحافي المخضرم بيتر ماس، في "واشنطن بوست"، عن "شعوره كمراسل جرائم حرب وابن عائلة مولت دولة ترتكب جرائم حرب"، في إشارة إلى الإبادة الجماعية في غزة.

المساهمون