"طبّال السحور" مهنة رمضانية تتحدّى الزمن في المغرب

"طبّال السحور" مهنة رمضانية تتحدّى الزمن في المغرب

05 ابريل 2024
ينقر المسفيوي طبله المعلّق على كتفه بعصا خشبية (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- أحمد المسفيوي، المسحراتي الستيني في مدينة آسفي المغربية، يواصل تقليد إيقاظ الناس للسحور بطبله، متحدياً التغيرات التكنولوجية والتقدم في السن، ومحافظاً على مهنة ورثها عن والده.
- المسحراتي، تقليد يعود لصدر الإسلام، يواجه تحديات مثل انتشار المنبهات والهواتف الذكية، لكن يستمر أحمد وآخرون في الحفاظ عليه كجزء من روحانية شهر رمضان.
- تواجه مهنة المسحراتي تحديات مثل الاندثار والتهميش، لكن يدعو الباحثون إلى ضرورة الحفاظ عليها كجزء من التراث الثقافي غير المادي للمغرب، مشددين على أهمية إحيائها.

يُغادر المغربي الستيني أحمد المسفيوي منزله عند الساعة الثالثة صباحاً، معلّقاً طبله على كتفه الذي ينقره بعصا خشبية مبدداً صمت الليل، ويدعو بصوت شجيّ النائمين في أزقة وأحياء مدينة آسفي، إلى الاستيقاظ لتناول السحور قبل أذان صلاة الفجر، ويساهم بالتالي في الحفاظ على مهنة رمضانية قديمة.
أحمد الذي ابيض شعره ولحيته معروف لدى سكان أحياء آسفي والدروب المجاورة التي يجوبها من الزاوية والقليعة ودار بوعودة والعريصة المتواجدة في جنوب المدينة، بضربات الطبل المتناغمة وهي تتراقص على إيقاع رمضاني، ويعلمون أيضاً بحرصه على عدم التأخر عن موعده طوال 30 ليلة من شهر الصوم.
يقول أحمد، بعزم لا يثنيه تقدّمه في السن، لـ"العربي الجديد": "أحرص منذ أكثر من 25 سنة على ممارسة هذه المهنة الرمضانية التي ورثتها عن والدي. ورغم أن وهجها خفت تدريجياً جراء انتشار المنبهات والهواتف الذكية ما أزال أتمسك بها بحب".
ويشتهر "الطبال" و"النفار" الذي يعرف في عدة دول عربية باسم "المسحراتي"، نسبة للفترة الزمنية التي ينطلق فيها لأداء مهمته الموسمية، وكلمة السحور هي الوجبة التي يتناولها الصائمون في وقت "السحر". كما يربط البعض التسمية بسحر وجاذبية هذا التقليد الذي ظهر منذ صدر الإسلام عن طريق الأذان.

ويذكر أحمد أن "المسحراتي كان يحظى بمكانة مهمة في السنوات السابقة، وتلهج الألسن بالشكر والدعاء له وهو يقرع الطبل لإيقاظ النائمين، أو ينفخ في مزماره منادياً للسحور، فهو يجلب البركة. أما اليوم فيشتكي أشخاص من إزعاجه، ويريدون إخراس صوته".
يتابع: "أترك منزلي يومياً عند الساعة الثالثة فجراً لأداء مهمتي التي أشعر بأنها مسؤولية ملقاة على عاتقي، رغم أن أسرتي تعارض ذلك، وتصر على أن أتوقف خوفاً على صحتي".
ويلفت إلى أنه كان يرافق والده الذي كان "نفاراً" منذ أن كان يافعاً في سن الـ14 فتعلق بالمهنة وأحبها، ويقول: "عملت نفاراً لسنوات طويلة، ثم اضطررت إلى الاستغناء عن المزمار لصالح الطبل، بعدما خضعت لعملية جراحية في القلب".

الصورة
تتجذر مهنة المسحراتي منذ مئات السنين في المغرب (العربي الجديد)
تتجذر مهنة المسحراتي منذ مئات السنين في المغرب (العربي الجديد)

وفيما تتقاسم السبعينية عزيزة المنبهي حرقة أحمد نفسه من اندثار مهنة لها جذور منذ مئات السنين في المغرب، تتذكر أن المسحراتي كان يطرق الأبواب وينفخ بمزماره في النوافذ لإيقاظ النائمين وتنبيههم إلى اقتراب موعد السحور، خاصة أصحاب النوم الثقيل.
تضيف: "كانت متعة لا تضاهى أن ينادينا النفار بأسمائنا للاستيقاظ حين يجول في أحيائنا. كان يفرح بالمقابل البسيط الذي نقدمه له، إذ كانت عدة أسر تتقاسم معه بعض المواد الغذائية مثل السكر والشاي والزيت، في مظهر يعكس التكافل والتضامن المجتمعي في شهر الخير والإحسان".
وتتابع: "كان المسحراتي يحظى باحترام الحي كله، ويُحكى أن بعض الأسر كانت تقدم الماء المسكوب في آلة النفخ (المزمار) إلى أطفالها المصابين بمشكلات تلعثم أو تأتأة كي تصبح ألسنتهم طليقة".
من جهته، يقول الكاتب والباحث المغربي في قضايا الهوية واللغة، عبد الله النملي، لـ"العربي الجديد": "تضفي مهنة المسحراتي على شهر رمضان عبقاً ووهجاً يتراجعان بوضوح، وهي لم تعد متوارثة أباً عن جد كما في السابق، حين كانت عائلات تحترفها رغم أن مردودها المادي ضعيف". يتابع: "كان لكل حي نفار خاص به أو أكثر سابقاً، بحسب مساحته وكثرة سكانه، فهو الشخص الذي لا يحلو شهر رمضان من دونه، وكأن عمله تتمة للوحة رمضانية لا تكتمل إلا بوجوده".
ويشير النملي إلى أن "المهنة لم تكن سهلة، لأنها ترتبط بأحد الطقوس الرمضانية التي يبدأ بها الصوم وهو السحور، ففضلاً عمّا تتطلبه من قدرة جسدية وتحمّل لمشقة الطواف عبر الأحياء والأزقة، كان يشترط أن يتمتع المسحراتي بثقة الناس، وأن يكون مواظباً على الصلاة، وحسن الصوت والسلوك، ويحفظ عدداً من التراتيل والأناشيد الإسلامية".

يتابع: "لم يكن أجر الطبال أو النفار معلوماً وثابتاً، بل يأخذ ما يجود به الناس عليه، ومعظم ممارسي المهنة الرمضانية غير مهيكلين ضمن إطار، ولا ينتظرون بالتالي الحصول على مال كثير من الصائمين، وتقتصر رغبتهم في الحصول على حسنات، والاستفادة من زكاة الفطر في أحسن الأحوال".
ويرى النملي أن معظم "النفارين" تخلوا عن مهنتهم الرمضانية في السنوات الأخيرة، وتحوّل بعضهم إلى العمل داخل مجموعات موسيقية شعبية في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، وعجز المهنة عن تأمين رزق لأصحابها، والإمعان في تهميشها.
ويدعو النملي الدولة إلى "إيلاء العناية والاهتمام الكافي بهذه المهنة التي لا أرقام رسمية لها، رغم أنها تمنح شهر رمضان خصوصية وجاذبية وتجلب الطمأنينة والأمان للصائمين، كما يشدد على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة والعاجلة لإحيائها من خلال وضع استراتيجية متكاملة للحفاظ عليها، كتراث غير مادي يشكل جزءاً من تاريخ المغاربة وهويتهم".

المساهمون