رفح بلا مستشفى... الموت يهدّد المقيمين بسبب غياب الرعاية الصحية

رفح بلا مستشفى... الموت يهدّد المقيمين بسبب غياب الرعاية الصحية

10 مايو 2024
بات الجرحى ينقلون إلى المستشفى الكويتي (هاني الشاعر/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- مستشفى أبو يوسف النجار في رفح، الذي كان يعمل على مدار الساعة ويجري ما بين 15 إلى 50 عملية جراحية يومياً، خرج عن الخدمة بسبب القصف الإسرائيلي، مما أدى إلى أزمة صحية حادة في المدينة.
- قبل القصف، كان المستشفى يستقبل عدداً من المرضى والجرحى يفوق طاقته، وبعد القصف، تدهور الوضع الصحي بشكل كبير مع نزوح الطواقم الطبية وبقاء طاقم بسيط للعناية بالجرحى الذين يصعب نقلهم.
- وزارة الصحة في غزة أنشأت نقاطاً طبية لاستيعاب الجرحى والنازحين في محاولة لمواجهة الأزمة، لكن الاحتياجات الطبية تفوق الإمكانيات المتاحة، مما يضع حياة الكثيرين في خطر مستمر.

تتفاقم معاناة المتواجدين في مدينة رفح، بعد خروج مستشفى أبو يوسف النجار عن الخدمة جراء العملية العسكرية الإسرائيلية، ما يهدد المرضى والجرحى الذين كانوا يتوافدون إليه بالموت.

تَعطَّل عمل المستشفى الحكومي المركزي الوحيد في مدينة رفح جنوبي القطاع إثر القصف العنيف الذي طاول المنطقة المحاذية له في حي الجنينة في منطقة بلوك 13، وأصبحت المدينة الأكثر اكتظاظاً في الوقت الحالي من دون مستشفى مركزي رسمي. ويعدّ مستشفى أبو يوسف النجار آخر المستشفيات في القطاع التي خرجت عن الخدمة على الرغم من أنه يتسع لـ 70 سريراً فقط، ويساهم في علاج النازحين والمرضى في محافظة رفح. ومع نزوح أعداد منهم إلى منطقة المواصي وبقاء الغالبية في المدينة، باتت حياتهم مهددة بالخطر في ظل استمرار سقوط الحرجى الذين كانوا يتوافدون إليه لتلقي العلاج. 
عمل مستشفى أبو يوسف النجار وسط حالة طوارئ لم يعشها طوال 24 عاماً من تأسيسه في محافظة رفح. ويعدّ أصغر المستشفيات المركزية في قطاع غزة، وكان أقرب إلى مركز صحي كبير، إلا أنه يستقبل ما يفوق طاقته بكثير مؤخراً. وقبل السادس من مايو/ أيار الجاري، كان المستشفى يعمل على مدار الأسبوع في أربع غرف عمليات، ويجري ما بين 15 إلى 50 عملية جراحية يومياً، بالتعاون مع طواقم طبية جراحية من منظمات دولية، ومتخصصين كانوا يعملون في مستشفيات المنطقة الشمالية في القطاع، وقد نزحوا منها بعد احتلالها من قبل إسرائيل وتهجير الناس منها قسرياً وتحويلها إلى منطقة قتال محاصرة من جميع الجهات.
تطوّر المستشفى ليقدم خدماته لكل مدينة رفح بسبب الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة، وخصوصاً بعد الانتفاضة الثانية عام 2000. وقبل ذلك، كان عيادة تقدم الرعاية الصحية الأولية، ثم تحوّل إلى مستشفى طوارئ بسعة 36 سريرا وغرفتي عمليات خلال فترة حكم السلطة الفلسطينية لقطاع غزة قبل عام 2007. وفي ذلك العام، افتتح المبنى الجديد المكون من ثلاثة طوابق ليضم أقساماً جديدة، ووصلت سعته إلى نحو 65 سريراً، ثم توسع خلال العدوان الحالي ليسع 72 سريراً، من ضمنها أربعة أسرة في قسم العناية المركزة. لكن الطواقم الطبية تؤكد أنه قبل خروجه عن الخدمة، وصل عدد الأسرة في داخله إلى قرابة 100، وكان عدد العاملين فيه قبل العدوان يصل إلى قرابة 315، ووصل قبل خروجه عن الخدمة لأكثر من 500، كان بعضهم يعمل في مستشفيات استُهدفت وخرجت عن الخدمة، واضطروا إلى النزوح والعمل في رفح.

وبقي طاقم بسيط في المستشفى للعناية بعدد من الجرحى الذين يصعب تنقلهم، ومنهم يحتاجون إلى أجهزة التنفس الاصطناعي فيما يتواجد آخرون في قسم العناية المركزة، على أمل أن تتحسن حالتهم الصحية وعدم اقتحام المستشفى وتكرار حدوث سيناريو مستشفيات أخرى في جنوب القطاع والمنطقة الشمالية المحاصرة.
أحد المتواجدين داخل المستشفى وهو الممرض حسن قشطة من سكان مدينة رفح، يتحدث عن انقطاع كل الامدادات الطبية، محذراً من خطورة توقف المستشفى في أي وقت جراء نفاد الوقود، ما اضطرهم لتقليص العمل في المستشفى وتحديد تشغيل المولدات بحسب الأقسام والحاجة. ويقول لـ "العربي الجديد": "ترك الأطباء طعاماً قليلاً لنا مع زجاجات مياه. كان عدد كبير من الممرضين والأطباء قد استعدوا للبقاء، لكن بعض الإداريين لا يرغبون في التضحية بالطواقم الطبية، كما أن هناك نازحين يحتاجون إليهم في مناطق أخرى. بالتالي بقي عدد قليل". يضيف: "القصف يقترب منا بشكل كبير. ليلة الخميس، كانت أصوات القصف مرعبة وقصفت العديد من المنازل القريبة. نخشى دخولهم المفاجئ إلى المستشفى. كما يعاني بعض المرضى من مضاعفات، عدا عن التوتر والخوف بسبب اقتراب جيش الاحتلال من المنطقة. نحاول قدر الإمكان إمداد المرضى بالمعنويات، وهناك تحسن ضئيل لدى بعض الحالات".

مستشفى أبو يوسف النجار بعد إخلائه (جهاد الأشرفي/ الأناضول)
مستشفى أبو يوسف النجار بعد إخلائه (جهاد الأشرفي/ الأناضول)

نزح الطبيب المتخصص بجراحة المخ والأعصاب أحمد أبو حسنين، من مستشفى أبو يوسف النجار جراء التهديدات الإسرائيلية، وهو المستشفى الثالث الذي ينزح منه بعد مجمع الشفاء الطبي ومجمع ناصر الطبي، بهدف إيجاد مكان آمن إلى حد ما يتمكن من خلاله تقديم خدماته الطبية. ويشير إلى أن مستشفى أبو يوسف النجار كان صغيراً جداً، وكانت الغرف الطبية أصغر بكثير مما هي عليه في مجمع الشفاء الطبي ومجمع ناصر الطبي. ويقول لـ "العربي الجديد": "مستشفى أبو يوسف النجار عبارة عن مركز صحي، ولا يمكن لأحد من خارج قطاع غزة اعتباره مستشفى. لكن خلال الأيام الأخيرة، كانت الطواقم الطبية تقوم بعمل أشبه بالمعجزات لإنقاذ المرضى. وعلى مدى أيام، لم يخرج عدد من الأطباء من غرف العمليات سوى لالتقاط أنفاسهم". يضيف: "أخشى ارتفاع أعداد الوفيات، لكن علمياً وواقعياً، فإن خروج مستشفى أبو يوسف النجار عن الخدمة سيؤدي إلى ارتفاع أعداد الوفيات، إذ إن رفح مدينة منكوبة. وبعض الحالات التي خرجت حية من غرف العمليات لا يمكن أن تصمد من دون رعاية طبية مكثفة. وها قد خرجنا من المستشفى من أجل محاولة إنقاذ عدد من الناس خارجه". 
المشكلة الكبرى بالنسبة للجرحى والمرضى النازحين إلى مدينة رفح، هي اعتمادهم على مستشفى أبو يوسف النجار والمراكز الصحية الموجودة فيها. وكانت وزارة الصحة في غزة قد أنشأت عدداً من النقاط الطبية التابعة لها، من أجل استيعاب الجرحى والنازحين المرضى. 

مستشفى الكويتي (هاني الشاعر/ الأناضول)
لم تتمكن من الحصول على العلاج في مستشفى أبو يوسف النجار (هاني الشاعر/ الأناضول)

لكن كنتيجة العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة، نزح عدد من العاملين في تلك المراكز الصحية ومستشفى أبو يوسف النجار تاركين معظم الأدوات الطبية في المراكز، فيما أخذ بعضهم الأدوات الضرورية لمعالجة الجرحى. وفي منطقة المواصي وحتى حدود دير البلح، يوجد مركزان صحيان فقط.
إلى ذلك، يقول الجريح رمضان عبد النبي (37 عاماً) إنه أجبر على النزوح على عربة رافعاً ساقه المصابة، وكان يصرخ من شدة الألم، حتى وصل إلى منطقة المواصي وصدم بالاكتظاظ وعدم وجود أماكن للجلوس إلا داخل إحدى الخيام، حيث يشارك الفراش مع آخرين. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد": "كنت أراجع الطبيب كل ثلاثة أيام لتنظيف الجرح. ألاحظ أن ساقي التهبت نتيجة النزوح. نصحني الأطباء بعدم الحراك لكن ذلك مستحيل في ظروف كهذه. حتى عندما خضعت لعملية، انتظرت طويلاً وصول وفد طبي أردني تولى إجراء العملية ووضع سيخ بلاتين في ساقي". يتواجد المستشفى الكويتي التخصصي ومستشفى الهلال الإماراتي التخصصي للنساء والولادة في المنطقة الغربية لمدينة رفح، وكانا يسندان المستشفيات في جنوب القطاع، لكنهما باتا يستقبلان الجرحى بعد خروج المستشفى المركزي عن الخدمة.

نقل عدد من المرضى والمصابين الى المستشفى الكويتي، على أمل أن يتمكن الأطباء من نقل الجرحى إلى منطقة إنسانية في حال اقتحام مدينة رفح من الشرق حتى الغرب.
تجدر الإشارة إلى قيام ناشطين وجمعيات أهلية محلية بالضغط من أجل بناء مستشفى كبير لخدمة أكثر من 250 ألف نسمة يعيشون في مدينة ومخيم رفح، كون مستشفى أبو يوسف النجار لا يلبي حاجة الناس. وكانت العمليات الكبيرة تتم في المستشفى الأوروبي شرقي مدينة خانيونس، أو في مجمع ناصر الطبي. واستجابت قطر للمناشدات وأعلنت مؤسسات خيرية قطرية عن التبرع لتمويل المستشفى، لكن العدوان والحصار الإسرائيلي أوقفا المشروع بالكامل.  
وكانت إسرائيل قد أعلنت، يوم الثلاثاء الماضي، اجتياح الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري بين قطاع غزة ومصر، في إطار ما تزعم أنّها "عملية محدودة النطاق" تتواصل في رفح الواقعة أقصى جنوبي القطاع منذ الاثنين، علماً أنّها شملت توغّلات برية وغارات جوية.
وفيما تمضي قوات الاحتلال في اجتياح رفح التي تؤوي أكثر من نصف فلسطينيي قطاع غزة نتيجة التهجير المستمر منذ السابع من أكتوبر الماضي، يحاول الفلسطينيون الذين ينزحون منها البحث عن أمانٍ ما في خانيونس (جنوب) ودير البلح (وسط) اللتَين تفتقران إلى الخدمات الأساسية اللازمة من أجل دعم المدنيين الذين يحتاجون إلى الغذاء والمأوى والرعاية الصحية، بحسب آخر بيانات الأمم المتحدة.

المساهمون