حرائق الجزائر... الجحيم الأسود يجتاح الغابات والأرزاق

حرائق الجزائر... الجحيم الأسود يجتاح الغابات والأرزاق

الجزائر
60244E7B-773C-460F-B426-426EBC60D89E
عثمان لحياني
صحافي جزائري. مراسل العربي الجديد في الجزائر.
25 يوليو 2023
+ الخط -

سواد لم تعد به خضرة، وبحر لم يعد له طعم من دون غابات كانت تطل عليه، ومنازل باتت خراباً، وسيارات أصبحت مجرد هياكل، هكذا يبدو المشهد في بلدات وأحياء منطقة توجة في أعالي ولاية بجاية شرقي الجزائر، بعد يوم من الحرائق التي شبت في المنطقة.
يجمع السكان ما تبقى من الأغراض، وينظرون بحسرة إلى آثار الحريق المهول، بعد أن أحصت المنطقة 16 ضحية، بحسب رئيس رابطة الجزائر للإنقاذ والإسعاف، زنود إبراهيم، والذي فقد عدداً من أفراد عائلته. يقول محند شيبان، الذي يسكن في المنطقة، للصحافيين بمرارة: "عشنا يوماً شديد السواد. باغتتنا النيران في ساعات الفجر الأولى، فلم تمنح السكان فرصة للمواجهة. خسرنا كل شيء، ولم يبق لنا إلا الأكف نضربها على بعض، وقد ساهمت سرعة الرياح في انتقال النيران، وحاولنا بكل الوسائل التقليدية إطفاءها، أو منعها من الوصول إلى التجمعات السكانية، لكن الوقت والإمكانات لم تسعفنا. تكرر سيناريو حرائق عام 2021، وكأن المشهد نفسه يتكرر". وتستمر جهود فرق الإطفاء والجيش ومن يدعمهم من المتطوعين لإطفاء حرائق مستعرة في ثماني ولايات شرقي الجزائر، خاصة في ولايتي بجاية وجيجل، اللتين شهدتا حرائق متزامنة ليلة الاثنين الماضي، أودت بحياة 34 شخصاً، وخلفت أكثر من 40 مصاباً.
في منطقة تيغرمت والواد داس الساحلية، اضطر أصحاب القوارب إلى إجلاء مصطافين كانوا محاصرين بين الشواطئ الصخرية والغابات الملتهبة، ونقلهم إلى مكان آمن، إذ كان ذلك السبيل الوحيد لإجلائهم. وفي ولاية جيجل، فاجأت الحرائق ليلة الاثنين، منطقة زيامة منصورية، وخصوصاً سكان المنطقة المحصورة بين الجبل والبحر. خسرت المنطقة في يوم وليلة الغابات الكثيفة التي كانت تطل على البحر، كما خسرت الموسم السياحي، وستحتاج المنطقة التي تمثل إحدى أهم الوجهات السياحية للجزائريين في الصيف، بسبب شواطئها الجميلة، وقرب البحر من الجبل والوديان، وقتاً لترمم سوادها، واستعادة السياح والمصطافين.
يقول الناشط خالد تزغاش، من جيجل، لـ"العربي الجديد"، إن "منطقة زيامة منصورية تضم تجمعات سكانية عدة في القرى والجبل، وهي تعيش في الغالب على الزراعة وتربية النحل، وقد فاجأت الحرائق السكان فجراً، ولم يتمكن أغلبهم من إنقاذ ممتلكاته، من الواضح أن المنطقة لم تكن مستعدة لمواجهة حريق بهذا الحجم، خاصة أن الغابات كثيفة، وسرعة الرياح منعت التحكم في انتشار الحريق، وواضح أيضاً أن السلطات تفتقد إلى خطة للطوارئ".

وأعلنت وزارة الداخلية الجزائرية، الثلاثاء، أن مصالح الحماية المدنية "نجحت في إخماد غالبية الحرائق بنسبة 80 في المائة، كما كشفت عن توقيف 14 شخصاً يشتبه في تورطهم في إشعال الحرائق بعدد من مناطق ولاية بجاية.

 كما أعلنت سلطات ولاية الطارف في أقصى شرقي الجزائر، إغلاق معبر "أم الطبول" الحدودي مع تونس، بسبب الحرائق التي اندلعت في غابات ملولة التونسية، وقامت بتوجيه المسافرين إلى معبر حدودي آخر قريب من المنطقة.
وامتدت الحرائق من جيجل إلى ولاية بجاية، وصولاً إلى غابات منطقة الزبربر بولاية البويرة، وولاية بومرداس قرب العاصمة الجزائرية، في حين نجحت السلطات في تجنب كارثة بشرية، بعد أن قامت بإجلاء أعداد كبيرة من السكان إلى مناطق آمنة، إلى حين السيطرة على النيران.

الصورة
خلفت الحرائق دماراً هائلاً (بلال بنسالم/Getty)

وكشفت وزارة الداخلية عن تسجيل حصيلة ضحايا ثقيلة حتى مساء الاثنين، بلغت 34 قتيلاً، من بينهم عشرة من عناصر الجيش، وقالت وزارة الدفاع، في بيان، إنّه "خلال عملية الإخلاء، حاصرت نيران وأدخنة عسكريين كانوا برفقة سكان، فاستشهد 10 عسكريين تابعين لمفرزة الجيش في منطقة بني كسيلة، وأُصيب 25 آخرون بجروح متفاوتة الخطورة، استدعت نقلهم إلى مستشفيات قريبة، علماً أنهم استخدموا كلّ الوسائل المادية والبشرية المتوفّرة لإخماد الحرائق منذ الساعات الأولى لاندلاعها، بالتعاون مع فرق الإطفاء، واستعانوا بطائرتين متخصّصتين".
ودفع توافد المصابين على المستشفيات، إلى اتخاذ السلطات الصحية تدابير عاجلة لتوفير المستلزمات الأساسية لمعالجة الحروق، خاصة بعد أن أعلنت عدد من المستشفيات حاجتها الماسة إلى مستلزمات طبية، ودعت وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني، المؤسسات المعنية بإنتاج واستيراد وتوزيع المستلزمات الطبية إلى تجنيد الموارد البشرية والمالية اللازمة لرفع قدرات الإنتاج والاستيراد، وتوجيه حصص منها نحو المناطق المتضررة، فيما بدأت الجمعيات الإغاثية الأهلية تنفيذ حملات لمساعدة العائلات المنكوبة، تشمل جمع المساعدات، وتوجيه قوافل إغاثية إلى المناطق المتضررة.
وعلى الرغم من استخدام السلطات طائرات إطفاء مستأجرة، من بينها طائرة ذات سعة كبيرة تابعة للقوات الجوية، وتجنيد نحو ثمانية آلاف عون إطفاء، فإن نقاشات حادة تزامنت مع اندلاع الحرائق، تعتبر بعضها أن المشكلات المرتبطة بالتغيرات المناخية والتداعيات المتعلقة بارتفاع درجة الحرارة ليست مبرراً كافياً، وتحمل السلطات مسؤولية الإخفاق في وضع تدابير وقائية، أو تنفيذ خطط احترازية تمنع هذا النوع من الحرائق المهولة، خاصة أن الأمر يتكرر كل عام تقريباً. 

الصورة
ساعدت الرياح في سرعة انتشار الحرائق (بلال بنسالم/Getty)

وشهدت الجزائر حرائق مهولة في صيف 2021 بمنطقة القبائل، وفي صيف 2022 بمنطقة الطارف، واعتبر نشطاء أن تصريحات وزير الداخلية، إبراهيم مراد، قبل أقل من شهر، حول تجهيز طائرات إطفاء، واتخاذ التدابير كافة لمواجهة الحرائق، لم تكن حقيقية.
وانتقدت جبهة القوى الاشتراكية المعارضة، ما وصفته بـ"عدم اتخاذ السلطات التدابير المناسبة التي من شأنها تجنب تكرار هذه السيناريوهات الكارثية، وذلك رغم الحرائق المميتة التي تشهدها الجزائر منذ 2021. لا يمكن لموجة الحر الاستثنائية أن تكون ذريعة لغياب استراتيجية وطنية فعالة للوقاية من الكوارث الطبيعية، والتي لا تزال مواجهتها تجري بالطرق نفسها وكذلك بالوسائل القديمة ذاتها".
في العام الماضي، كان الإعلامي أنيس ملوك، شاهداً على حرائق ولاية الطارف، وتابع الأخطاء التي وقعت، والتي يتوجب تصحيحها لمنع تكرار هذا النوع من الحرائق، ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أنه لم يلاحظ تنفيذ أية خطط استباقية. مضيفاً أن "السيناريو يتكرر، وهناك تهاون واضح رغم التحذيرات المسبقة، ويمكن ملاحظة أن الحرائق تتركز في الغابات الساحلية التي بها حركة كثيفة للمصطافين. تحرك السلطات بطيء، ومتأخر أحياناً".
في المقابل، يثير تزامن الحرائق شكوكاً لدى السلطات، والتي رجحت إمكانية أن تكون فعلاً إجرامياً، أو تقف وراءه أطراف تستهدف استنزاف مقدرات البلاد، أو تأليب السكان ضد الحكومة، خاصة أن تحقيقات أجرتها بشأن حرائق صيف 2021، في منطقة القبائل ذات الغالبية الأمازيغية، أثبتت تورط أفراد على صلة بحركة "الماك" الانفصالية التي تطالب باستقلال منطقة القبائل، والتي تصنّفها الجزائر على أنها تنظيم إرهابي.
وأعلن القضاء الجزائري، الاثنين، فتح تحقيقات، وأوضحت بيانات قضائية أنّه في حال ثبت أي تورّط جنائي في الحرائق، سيجري توصيف المتورطين بالإرهاب، وإحالتهم إلى دائرة مكافحة الإرهاب. وتخسر الجزائر ما بين 30 إلى 40 ألف هكتار سنوياً من الغابات والغطاء النباتي بسبب الحرائق، وفي صيف 2021 سجلت البلاد أعلى معدل خسارة، عندما أتلفت الحرائق أكثر من 100 ألف هكتار من الغابات، فضلاً عن المحاصيل الزراعية وأشجار الزيتون في منطقة القبائل، وهي أرقام تستدعي جهوداً كبيرة لإعادة التشجير.

وتؤكد رئيسة مصلحة حماية الغابات والثروة الحيوانية، آمال مقراني، لـ"العربي الجديد"، أن الدراسات التي قامت بها الجهات المختصة أثبتت أن أغلب الحرائق متعمدة، وتهدف إلى إخلاء مساحات لبنائها، أو بيعها من طرف مافيا العقارات، إضافة إلى استصلاحها بطرق غير قانونية، بعد تعذر الحصول على الرخص القانونية.

وتضيف أن "المناطق التي اندلعت فيها الحرائق، خاصة في منطقة القبائل وتيبازة، كلها غابات آهلة بالسكان، ما يجعل الخطر أكبر. مديرية الغابات كررت توعية السكان بضرورة ترك مساحات خالية بين الغابات والحقول والمساكن، كجدار أمان طبيعي، تجنباً لوقوع الكوارث التي تحصد الأرواح، والعواقب الوخيمة التي تنجم عن هذه الحرائق تشمل التغير الإيكولوجي، وهجرة الحيوانات بيئتها الطبيعية، إضافة إلى إفقار سكان المناطق الجبلية والريفية الذين تسعى الدولة إلى دعم استقرارهم في تلك المناطق".
وكشف رئيس الحكومة، أيمن بن عبد الرحمن، في يونيو/ حزيران 2022، خلال المؤتمر الدولي للبيئة في استوكهولم، أن الجزائر تسعى إلى تنفيذ خطة لإعادة تأهيل "السد الأخضر"، بهدف زيادة الغطاء الغابي إلى 4.7 ملايين هكتار بحلول عام 2035.

لمعرفة حالة الطقس اليوم في بلدك ودرجة الحرارة، تابع هنا: حالة الطقس اليوم.

ذات صلة

الصورة
نازحان في غزة (العربي الجديد)

مجتمع

يحاول النازح الفلسطيني أبو أحمد أبو القمبز من حي الشجاعية شرق مدينة غزة التخفيف من آلام صديقه الجديد أبو مصطفى سالم، الناجي الوحيد من مجزرة إسرائيلية.
الصورة

مجتمع

بين ركام عمارات سكنية دمّرتها غارات إسرائيلية في غرب مدينة غزة، تجمّع فلسطينيون لرفع كتلة إسمنتية كبيرة أمام ثلاثة مسعفين سحبوا من المكان جثة هامدة. ويصرخ شاب باكياً "لماذا؟ لم نفعل شيئا يا الله".
الصورة
إيمان بنسعيت (العربي الجديد)

مجتمع

تركت كارثة زلزال المغرب آثاراً مأساوية على عدد من سكان منطقة ثلاث نيعقوب، وبينهم الشابة إيمان، البالغة 20 عاماً التي نجت من تحت أنقاض منزل عائلتها، بسبب وجودها خارج القرية، لكنها شربت من كأس الموت المر
الصورة
عمال بحث وإنقاذ في درنة في ليبيا (كريم صاحب/ فرانس برس)

مجتمع

بعد مرور أكثر من أسبوع على الفيضانات في شمال شرق ليبيا على خلفية العاصفة دانيال، لا سيّما تلك التي اجتاحت مدينة درنة، وتضاؤل فرص الوصول إلى ناجين، صار هاجس انتشار الأوبئة والأمراض يثير القلق.

المساهمون